مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

جارة الوادي

جارة الوادي قصة واقعية حصلت في العام 1993 في إحدى القرى المطلة على "وادي الشهداء"


            

قصة واقعية حصلت في العام 1993 في إحدى القرى المطلة على "وادي الشهداء"
... تسكن في بيت تغفو فيه ملامح الماضي الوادع، فيه الكثير من تفاصيل الدفء والبساطة، مثل صواني القشّ الملونة المعلقة على الجدران، والسراج، ومثل الشبابيك العتيقة التي تنفتح على أحواض النعناع والحبق. تفاصيل قصيرة تقصّ مسيرة الخطوط التي بانت في وجهها الخمسيني، والتي رافقتها في معابر أيامها... كلها عزيزة على قلبها في ذاك الداخل القروي الجميل...
أما في الخارج... فإن شمس صباحاتها تطلع من قطعة الأرض الصغيرة التي تحيط بالمنزل. منها تبدأ أول خطوة لها إلى يوم جديد بعد صلاة الصبح، وفيها أنس قلبها وعينيها بنظرة إلى شجرات السرو واللوز والزيتون، وإلى مشاتل تتنوع على مرّ المواسم، زرعتها بيديها...
وزرعت أيضا عبقاً يتوهج تحت التراب ضوءاً، وفوق التراب رهبة وقداسة... هو ضريح لأحد شهداء المقاومة الإسلامية.
حصلت الحكاية في ليلة ربيعية من عام 1993، الزمن زمن احتلال، والمكان قرب منزل يطل على واد يسمونه "وادي الشهداء".
كانت الساعة العاشرة ليلاً، وقت انتفضت "أم حسين" للرصاص الذي اخترق جدران بيتها، ولأصداء معركة عنيفة تحصل في الوادي.
من أول صوت وطلقة، أدركت انها مواجهة بين رجال المقاومة الإسلامية وبين جنود الاحتلال الصهيوني، الذين كانوا يكمنون دوماً في تلك النقطة من الوادي.
المواجهة استمرت حوالي الساعة، وهي خلف شباكها ترقب بقلق وصلوات.
كانت صيحات تكبير وشيء من صراخ وذهول يمرّ إليها من الوادي، فيما نيران القنابل تومض وتلمع في عينيها، وهي ترسل دعاءها للمجاهدين عبر الثقوب الصغيرة.
حوالي الساعة، والوادي يشتعل بالمواجهة، ثم هدأت المعركة.
نامت وأولادها على أمل أن تكون المواجهة قد مرت على نصر لشباب المقاومة كما تعودوا أن يشهدو.
وأطل الفجر بضوء آخر... ها هي تنهي صلاتها وتسرع وأولادها إلى أقرب مطل للوادي لكي ينظروا ماذا كان يحصل.
فاجأهم مشهد الجنود الصهاينة يسحبون قتلى لهم من ناحية المروحية الصهيونية التي جاءت لتقلهم... فيما على الجهة الأخرى ثمة شخص على الأرض لا يقرب منه أحد.
مرت أيام وهو على هذه الحال، فأدركت "أم حسين" أنه شهيد للمقاومة... وقد اتخذه العدو مكمناً وطعماً لرجال المقاومة.
في كل صباح كانت تسرع الخطى لتتفقد الجثمان... ومع كل صباح دمعة.. توغل عيناها من بين أوراق الزيتون تنظره وتهمس: "من أنت يا ولدي؟ ما اسمك ومن هم أهلك؟ هل لديك أولاد ترى؟ هل فارقت شبابك ام لايزال في جسمك رمق الحياة؟
آه.. لو أستطيع الوصول إليك لكنت انتشلك بجفوني.. وأداويك وأحنو عليك مثل أمك... وأخفيك.. حتى تعود على بقية الشباب..".


المصدر: ندى بنجك بقية الله- عدد 188


التعليقات (0)

اترك تعليق