الربيع العربي: وداعاً لخراب البيوت ومرحباً بالاستقرار الأسري
الثورات العربية أدت إلى انخفاض حالات الطلاق بنسبة الثلثين وتراجع طلبات الخلع بمعدل 85% تقريباً في الوقت الذي زادت فيه الزيجات بحوالي 10%، وبمعنى آخر كانت تلك الأحداث السياسية الساخنة في الوطن العربي مفيدة جداً للحياة الزوجية، حيث جعلت المجتمع يقول وداعاً لخراب البيوت ومرحباً بالاستقرار الأسري.
هذا ما يؤكده العلماء وخبراء العلاقات الزوجية، إذ يقولون إن الربيع العربي أثر بشكل إيجابي على البيوت العربية التي أصبحت أكثر استقراراً. وزاد فيها الحوار بين الزوجين وانخفضت المعارك بينهما وعاشا في سعادة وانسجام. كما سعى الآباء والأمهات إلى تزويج الأبناء والبنات للاستفادة من هذا التأثير المفيد للثورات الذي يضمن قدراً أكبر من الاستقرار للأزواج والزوجات.
أسرار تلك العلاقة بين الربيع العربي والسعادة والاستقرار في الحياة الزوجية نكشفها في السطور المقبلة:
د. سامية خضر، أستاذ الاجتماع في جامعة عين شمس، رصدت العلاقة بين أحداث الربيع العربي والزواج والطلاق والخلع في المجتمع، وراحت تبحث في سجلات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر والدراسات التي ترصد هذه الظاهرة في الدول العربية الأخرى، فاكتشفت أن نسبة الطلاق والخلع تراجعت بشكل ملحوظ منذ يناير الماضي، فقد كانت تحدث حالة طلاق في مصر على سبيل المثال كل ستة دقائق بمعدل 240 حالة يومياً، لكن هذه النسبة انخفضت بعد الثورة المصرية إلى حالة طلاق كل 20 دقيقة بمعد 72 حالة يومية أي نسبة الانخفاض في حالات الطلاق بلغت 66% تقريباً، وهكذا فإن خراب البيوت في البلدان الناطقة بلغة الضاد بعد الربيع العربي قل بمعدل الثلثين تقريباً.
خلع وزواج:
الأمر نفسه ينطبق على حالات الخلع التي كانت تتجاوز عشرة آلاف حالة سنوياً في مصر فقط، لكنها تراجعت إلى 1400 حالة فقط منذ يناير وحتى الآن، وبمعنى آخر فإن رغبات الزوجات في الانفصال، على الرغم من أنف الرجل والتضحية بالغالي والنفيس في سبيل الابتعاد عن الزوج انخفضت بنسبة تتجاوز 85%.
أما حالات الزواج بعد الربيع العربي _كما تضيف د.سامية خضر_ فقد زادت بمعدلات طفيفة في مصر، حيث كان يتم 300 ألف عقد قران سنوياً، أي 25 ألف زيجة كل شهر وقد تراجعت هذه النسبة في الأشهر الأولى التالية للثورة المصرية، حيث لم تتجاوز 3 آلاف حالة في فبراير على سبيل المثال، ولكنها عادت في الشهور الثلاثة التالية إلى معدلها الطبيعي، ثم قفزت بعد ذلك إلى معدلها الطبيعي، ثم قفزت بعد ذلك ومنذ بداية يونيو إلى 40 ألف حالة شهرياً لتعوض بذلك النقص الحاد الذي حدث في الزواج خلال فبراير، وبصفة عامة فإن الزواج ارتفع بنسبة 10% فقط، وعلى الرغم من قلة هذه النسبة من الناحية الرقمية المجردة فإنها كبيرة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار زيادة حدة الأزمة الاقتصادية في الدول التي شهدت ثورات، وفي مقدمتها مصر بطبيعة الحال.
تأثير إيجابي:
وتشير د. عزة كريم، الخبير بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية، إلى أن معدل الطلاق في دولة مثل اليمن انخفض بشكل ملحوظ، على الرغم من غياب الإحصائيات القائمة على أساس علمي واضح هناك. والثابت من خلال الرصد الذي نشرته مجموعة من أساتذة الاجتماع في اليمن في دورية الاجتماع الدولية العلمية التي تصدرها جامعة إلينوي الأميركية، أنه منذ نشوب الثورة في هذا البلد تراجعت حالات الانفصال بين الأزواج والزوجات بصورة واضحة تتجاوز 70% وفي المقابل لم تحدث زيادة واضحة في حالات الزواج، حيث ظلت معدلاتها كما هي، وإذا كان الطلاق قد تراجع في الوقت الذي استمر فيه معدل الزواج فإن هذا يجعلنا نقول إن هذا البلد بعد الثورة أصبح اليمن السعيد فعلاً على المستوى الاجتماعي.
ويتكرر الأمر في تونس بالنسبة نفسها _كما تواصل د. عزة كريم_ إلا أنه شهد زيادة في معدل الزواج منذ مارس الماضي بنسبة 5% على الأقل، وهكذا فإن الربيع العربي أثر بشكل إيجابي على البيوت العربية التي أصبحت أكثر استقراراً وسعادة وأقل في نسبة الطلاق والخلع.
إنقاذ البيوت:
وفي رأي د. زينب عبد العزيز أستاذ الاجتماع في جامعة الأزهر، فإن الربيع العربي أسهم في تغيير رؤساء وسقوط أنظمة، ولكنه ساعد على تثبيت الأزواج في مواقعهم وعلى إنقاذ البيوت العربية من الانهيار، لقد كانت تلك الأحداث السياسية مفيدة للحياة الزوجية.
وأدت إلى زيادة السعادة الأسرية بعد وقوع عدة تطورات في البيوت، وفي مقدمتها زيادة الحوار بين الأزواج والزوجات فقبل الثورات العربية كان الحوار فريضة غائبة بين نسبة كبيرة من الزواج والزوجات، ولكنه أصبح موجوداً وفريضة يؤديها الجميع منذ يناير الماضي، فالكل يتكلم في السياسة وفي التطورات المتلاحقة التي تحدث في العالم العربي، بينما كان يكتفي معظم الرجال في حال جلوسهم مع زوجاتهم بالصمت. وهم يجلسون لمشاهدة التلفزيون بصحبة الأسرة صاروا يتحدثون ويعبرون عن آرائهم، فيما يقع في الدول العربية المختلفة وتقوم الزوجات بالرد عليهم ومناقشتهم، فيما يشارك الأبناء في تلك المناقشات ويخبرون الآباء والأمهات بما وجدوه على موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك حول هذه القضايا الساخنة، باختصار صارت هناك حياة وحيوية داخل البيوت العربية، بعكس الحال قبل الثورات حيث كان كل زوج مشغولاً بنفسه وبعمله وبالمؤامرات والنميمة داخل الشركة أو المؤسسة التي يعمل بها وبصداقاته وجلساته مع الشلة على المقهى.
والزوجة بدورها مشغولة ببيتها وأبنائها وأشقائها وشقيقاتها وبما تفعله جاراتها، باختصار كانت اهتمامات كل طرف في العلاقة الزوجية مختلفة عن الطرف الآخر، ولكن أحداث الربيع العربي جعلت اهتماماتهما مشتركة فلم يعد الزوجان يهتمان بالأبناء وتفوقهم ومصروفات المنزل فقط ولكنهما أصبحا يتابعان السياسة والثورات وتداعياتها ومضاعفاتها معاً، ويتناقشان فيتفقان أو يختلفان ولكنهما يشعران بأنهما صارا أكثر قرباً، وأن المسافات الموجودة بينهما التي كانت تزداد بمرور الأيام قد تلاشت إلى حد كبير.
من دون ديكتاتورية:
وفي السياق نفسه يوضح د. محمد عويضة، أستاذ الطب النفسي في جامعة الأزهر، وخبير العلاقات الزوجية، أن الثورات العربية أسهمت في تراجع الطلاق وزيادة حالات الزواج، كما ساعدت على حدوث قدر من الاستقرار والسعادة الأسرية صحيح أنه حدثت ثورة أخرى في البيوت العربية ضد ديكتاتورية الأزواج، ولكن الرجال تفهموا دوافع وأسباب هذه الثورة، سواء كانوا متعلمين ومثقفين أو من ذوي التعليم المنخفض، القليل منهم استطاع قمعها وإعادة الزوجات إلى حظيرة الطاعة، والأغلبية تراجعت أمام تلك الانتفاضة النسائية وقرروا منح الزوجات حقوقهن في الاعتراض واتخاذ القرارات داخل المنزل. فتوقفت الزوجات عن اللجوء إلى الخلع للخلاص من الأزواج وأقلعن عن طلب الطلاق والإصرار عليه، ثم هجرن فكرة التخلص من الأزواج بالخيانة والقتل في حالة فشل إجراءات الخلع والطلاق.
الفائدة الكبيرة التي قدمها الربيع العربي للحياة الزوجية أيضا ًهي إنقاذ الزيجات الجديدة من الانهيار _كما يؤكد د. عويضة_ إذ إن 30% من حالات الطلاق كانت تحدث في السنة الأولى من الزواج بينما يحدث 25% منها في السنة الثانية ويقع 15% في السنة الثالثة وباقي النسبة بعد ذلك، وبمعنى آخر فإن 70% من خراب البيوت كان يحدث في السنوات الأولى من الزواج، لكن لذلك لم يحدث بعد الربيع العربي، فالثابت في مصر على سبيل المثال أن الطلاق في السنة الأولى تراجع بعد الثورة من 30% من إجمالي حالات الطلاق بصفة هامة إلى 9% فقط، أي بنسبة تتجاوز الثلثين، وهكذا فقد حمى الربيع العربي الأزواج الجدد من مصيبة الخلع والطلاق.
حروب منزلية:
تتفق مع الرأي السابق د. ناديا قاسم، استشاري الطب النفسي وخبير العلاقات الزوجية، مؤكدة أنه إضافة إلى عودة الحوار بين الأزواج والزوجات وتخلص الرجال من الديكتاتورية، فإن هناك أسباباً أخرى أسهمت في تراجع الخلع والطلاق بعد الربيع العربي، من بينها وجود قضية قومية شغلت الناس عن التفكير في شؤونهم الخاصة الضيقة، حيث اتجهوا للاهتمام بالقضايا القومية الكبرى والأحداث السياسية، بدلا ًمن الالتفات إلى ما قالته الحماة لزوج ابنتها بشكل يجعله يغضب ويثور ويتشاجر مع زوجته، أو استفزاز شقيقة رجل البيت للزوجة بشكل أدى إلى اشتعال التمرد داخلها على عائلة شريك حياتها، ثم عليه هو شخصياً بعد ذلك، مما يتسبب في وقوع اشتباكات ومعارك في بيت الزوجية، وهكذا أصبح الكل مشغولاً عن تلك الصغائر مما قلل إلى حد كبير من الحروب المنزلية والأسرية.
تواصل د. ناديا قاسم أن الزواج زاد أيضاً لأن النساء تريد أن تفرح وتشعر بالبهجة، بعيداً عن التوتر والقلق على المستقبل الذي سببته أحداث الربيع العربي لكثير من الناس، إنها محاولة لتهدئة الذات من خلال تزويج الابن والابنة وتنظيم حفل زفاف أو عقد قران.
كما أن الكثير من الأمهات يحاولن تزويج البنات بسرعة، حتى يشعرن بالاطمئنان على مستقبل فلذات الأكباد، في ظل تسارع الأحداث وزيادة التغيير في المجتمعات العربية بشكل جعل الكل لا يستطيع التنبؤ بما سوف يحدث بعد لحظات.
المصدر: مجلة كل الأسرة، العدد 950.
اترك تعليق