مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

المهر، هل هو رمز المحبة أم تسعيرة؟

المهر، هل هو رمز المحبة أم تسعيرة؟

حطّم النبي (ص) سُنّة مهر الجاهلية، الشخص الذي شرّع المهر هو النبي الأكرم (ص) هو أفضل الكائنات، وابنته المطهرة والعزيزة وهي أفضل نساء العالمين من الأولين والآخرين، هل لاحظتم كم عيّن النبي (ص) مهراً لهذين الشخصين، والذين كانا شابين جميلين محترمين لهما مكانتهما، وكانا شخصين من الطراز الأول في المدينة؟(1).
النبي (ص) جاء وحطّم تلك الأشياء لأنها تمنع الأولاد والبنات من الزواج، حيث طلب ترك هذه الأشياء.
الزواج بدايته سهلة، من الناحية المادية فهي الأسهل، المهم في الزواج مراعاة الجوانب البشرية والإنسانية(2).
لا تتصوروا أن المهور الغالية والأثاث الضخم لم تكن مقدورة بالنسبة إليهم في ذلك الزمان، كلا، يا سيدي، لديهم آنذاك من عديمي العقول مثل عديمي العقول في زماننا، والذين كانوا يجعلون مهر بناتهم مليون مثقال من الذهب مثلاً، تماماً كما هي الحماقات الموجودة لدى البعض هذه الأيام، فهذا الأعمال المبالغ بها هي في الأصل من أعمال الجهلة، وقد جاء الإسلام وأزاحها بأجمعها، لا أن النبي (ص) لم يكن يعرف أن يقول: أن مهر ابنتي يجب أن يكون ألف من حُمر النعم بالمواصفات الكذائية، كان بإمكانه ذلك، لكن الإسلام جاء وألغى جميع تلك الأمور(3).
                         
المهر الغالي هو من زمن الجاهلية، وقد نسخه النبي الأكرم (ص):
النبي (ص) كان من عائلة من الأعيان، فعائلة النبي (ص)كانت أكبر عائلة من الأعيان في قريش، وهو نفسه كان زعيم وقائد مجتمع، فما المشكلة أن يكون مهر ابنته عالياً، وهو نفسه كان زعيم وقائد المجتمع، فما المشكلة أن يكون مهر ابنته عالياً، وهي التي كانت على تلك الدرجة من الكمال حيث هي أفضل نساء العالمين، والله سبحانه وتعالى جعلها (سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين) والتي كانت تريد الزواج من أفضل فتى في العالم وهو مولى المتقين، لماذا جاء النبي (ص) وقلّل هذا المهر والذي اسمه "مهر السُنّة"(4)(5) أظنُّ أن مراعاة البساطة إلى هذه الدرجة في أثاث العرس للسيدة الزهراء  (ع) في مهرها، كما أن جميع أهل بيت النبي (ص) كانوا مقيدين بذلك المهر القليل (مهر السُنّة) في الوقت الذي كان الجميع يعلمون أن ما زاد على مهر السُنّة هو جائز، ولكنهم حافظوا على هذا المستوى، إن ذلك كانت له جنبه الرمزية أي: أن يكون أساساً للعمل به بين الناس، حتى لا يتعرضوا للمشاكل التي تحدث نتيجة للإسراف(6).
                      
لماذا الإصرار على الأربع عشرة سكّة ذهبية مهراً؟

عندما تلاحظون، إننا قلنا آنفاً: لا نجري العقد بأكثر من أربع عشرة سكّة ذهبية، فليس معنى هذا أن ما زاد على ذلك يحدث إشكالاً في الزواج، كلا! فحتى لو اكنت هناك أربعة عشر ألف سكّة فإن الزواج لا إشكال فيه، فليس هناك فرق، وإنما لأجل أن يتفوق الجانب المعنوي على الجانب المادي، في الزواج فلا يكون كنوع من المتاجرة أو المعاملة أو التداول المادي فإذا قلّلتم التشريفات فإن الجانب المعنوي سوف يقوى(7).
وكلما كان المهر قليلاً فإنه سيكون أقرب إلى طبيعة الزواج، فطبيعة الزواج ليست كالمعاملة وليست بيعاً أو شراءاً أو إجارة، إنها حياة إنسانين وهذا غير مرتبط بالأمور المادية، غير أن الشارع المقدس قد قرر أن يكون هناك شيء وهو المهر، ولكن لا ينبغي أن يكون باهظاً، بل يجب أن يكون عادياً بحيث يكون مقدوراً للجميع(8).
الذي يحصل في الزواج هو حدث وارتباط إنساني، وليس معاملة مالية أو مادية، مع أنه يوجد هناك مال في الأثناء من قبل الشرع المقدس، وهذا المال له صفة رمزية وتعبيرية، وهو ليس بيعاً او شراءاً أو متاجرة(9).
المهر الغالي إساءة إلى البنت:
إذا كان هناك من يهتم بابنته، أو كانت هناك فتاة تقيم وزناً لنفسها، فليس الطريق المناسب لذلك أن تقول: إنكم يجب أن تجعلوا مهري عالياً، فالمهر كلما كان قليلاً فإن الجانب الإنساني في هذا الارتباط سيكون أكثر(10).
ليس هناك مال أو ثروة تعادل الإنسان، فليس هناك مهر يمكن أن يعادل رأس إصبع من أصابع إمرأة مسلمة، وليس هناك دخل مادي لرجل مسلم يمكن أن يعادل شخصيته، فالذين يرفعون مهور بناتهم احتراماً لهن مخطئون، فهذا ليس احتراماً، إنه إساءة ذلك أنكم وعندما ترفعون قيمة المهر، فإنكم تحطوّن من قيمة هذه المعاملة الإنسانية في مستوى واحد، مع سلعة أو متاع من الأمتعة.
حيث تقولون أن ابنتي تساوي كذا كلا يا سيد!
إن ابنتك لا تقاس بالمال أبداً، فهذا المهر هو سنة إسلامية وإلهية ليس الغرض منه أن يعطي الإنسان شيئاً مقابل هذا الكائن الشريف والعزيز والإنساني(11).
أهب مهري لأنجو بنفسي:
أحياناً يكون الرجل بوضع بحيث أن المرأة ومهما كان مهرها غالياً، تقول: أهب مهري لأنجو بنفسي، فالمهر لا يُسعد أحداً.. الطريق الشرعي هو الذي يُسعد البشر، والمحبة أيضاً ليست مرتبطة بهذه الأشياء، فكلما كان المال في هكذا أمور قليلاً، وكلما أبعدالعنصر المادي فإن العنصر الإنساني سوف يتقوى والمحبة سوف تزداد(12).
البعض يتصور ان المهر الغالي يساعد على حفظ رباط الزوجية، وهذا خطأ واشتباه، فإذا كان الزوجان _لا سمح الله_ غير كفوءين فإن المهر الغالي سوف لن يصنع المعجزة(13).
أحياناً قد يقول أهل الفتاة: إننا لا نريد مهراً غالياً، ولكن عائلة العريس ولأجل التفاخر والتباهي يقولون: كلا! لا يمكن أن يكون إلا بالملايين، هذا كله ابتعاد عن الإسلام، فالمهر الغالي لم يجلب السعادة لأحد، هؤلاء يعتقدون أنه إذا لم يكن هناك مهر غال فسوف ينهار الزواج، إن هؤلاء على خطأ، فالزواج إذا كان على أساس المحبة وبطريقة صحيحة فسوف لن ينهار أبداً. حتى لو لم يكن هناك مهر أساساً، ولكن إذا كان على أساس الخبث والمكر والغش والخداع وأمثالها، فإنه ومهما كان المهر غالياً، فإن الرجل السيء والمتعجرف سوف يتصرف بطريقة ما، بحيث يستطيع أن يتخلص من عبء هذا المهر(14).
البعض يقولون: إننا نجعل المهر غالياً لكي نمنع حصول الطلاق، وهذا خطأ كبير جداً، فليس هناك مهر مرتفع منع أو يمنع من حصول الطلاق، الشيء الذي يمنع من حصول الطلاق هو الأخلاق والسلوك ورعاية الموازين الإسلامية(15).
المهر الغالي عائق في طريق زواج الشباب:
إن الذين يحددّون مهراً غالياً لنسائهم يلحقون الضرر بالمجتمع، فتبقى الكثير من الفتيات جليسات البيوت، ويبقى الكثير من الشباب عُزّاباً. وذلك أن هذه الأشياء عندما تصبح عرفاً إجتماعياً وتصير سُنّة وعادة بدل من أن يكون (مهر السُنّة)، مهر النبي هو السُنّة، وعندما يصبح مهر الجاهلية هو السُنّة فإن الأوضاع ستكون أوضاعاً جاهلية(16)، وإذا أصبح موضوع الماديات هو الأساس في قضية الزواج فإن هذه المعاملة العاطفية والروحية والإنسانية سوف تتحول إلى معاملة مادية، فالأثاث الباهظ والتباهي والتبجُّح بالأموال والثروات والذي يقوم به الأشخاص الغافلون والجهلة، هو في الواقع يخرّب الزواج، ولهذا فقد صار من المستحب في الشرع المقدس أن يكون المهر قليلاً وأن يؤخذ (مهر السُنّة) في الاعتبار(17).
وإذا كانت المهور غاليةً فإن الزواج سيواجه المصاعب، وسيقى الشباب والشابات حيارى، ولذلك فكلّما تساهلتم فهو أفضل(18).
إنني أطلب من الناس في جميع أنحاء البلاد أن لا يُزيدوا المهور إلى هذا الحدّ، فهذه سُنّة جاهلية، وهذا عمل لا يرضاه الله تعالى والرسول (ص) خصوصاً في هذا الزمن، لا أقول: إنه حرام وإن الزواج باطل، ولكنه مخالف لسُنّة النبي وأهل بيته أئمة الهدى عليهم السلام وعظماء الإسلام، مخالف لسيرتهم، خاصة في الوقت الحاضر حيث البلد بحاجة إلى أن تكون الأعمال كلها صحيحة وسهلة، فليس هناك مصلحة في أن يُصعّب البعض أمر الزواج بهذا الشكل(19).


الهوامش:
‌1. خطبة العقد المؤرخة 24/9/1371 هـ. ش.
2. خطبة العقد المؤرخة 6/10/1372 هـ. ش.
3. خطبة العقد المؤرخة 12/11/1372 هـ. ش.
4. الكافي، ج: 5، باب السُنّة في المهور، ص: 375، حديث: 7.
5. خطبة العقد المؤرخة 28/2/1374 هـ. ش.
6. خطبة العقد المؤرخة 18/4/1377 هـ. ش.
7. خطبة العقد المؤرخة 26/10/1372 هـ.ش.
8. خطبة العقد المؤرخة 18/5/1374 هـ. ش.
9. خطبة العقد المؤرخة 5/1/1371 هـ. ش.
10. خطبة العقد المؤرخة 24/5/1374 هـ. ش.
11. خطبة العقد المؤرخة 11/8/1377 هـ.ش.
12. خطبة العقد المؤرخة 10/2/1375 هـ.ش.
13. خطبة العقد المؤرخة 11/5/1375 هـ. ش.
14. خطبة العقد المؤرخة 4/9/1375 هـ.ش.
15. خطبة العقد المؤرخة 2/9/1373 هـ.ش.
16. خطبة العقد المؤرخة11/8/1377 هـ. ش.
17. خطبة العقد المؤرخة 13/12/1377 هـ. ش.
18. خطبة العقد المؤرخة 22/12/1372 هـ. ش.
19. خطبة العقد المؤرخة 2/9/1373 هـ. ش.

المصدر: إنطلاقة المودة: خطب السيد القائد علي الخامنئي (دام ظله). ط2، دار الولاية، 1423ه ق.

التعليقات (0)

اترك تعليق