مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

جهاز العرس، متاع للحياة أم ذريعة للتفاخر؟

جهاز العرس، متاع للحياة أم ذريعة للتفاخر؟

عزة المرأة في أخلاقها وليس في أثاثها:
جهاز العرس بالنسبة للفتاة ليس مدعاة للعزّة، فعزّة الفتاة في أخلاقها وسلوكها وشخصيتها، فبعض العوائل يرهقون أنفسهم ويؤذونها، وإذا لم يتوفر لديهم المال يهيّئون ذلك بعناء، وإذا توفر لديهم ينفقون بكثرة لأجل أن يهيئوا بعناء أثاث عرس ضخم ومزخرف(1).
المهر المرتفع والأثاث الضخم لا يجلب السعادة لأية فتاة، ولا يحقق الاستقرار والسكينة والثقة المطلوبة لأي من العوائل، فهذه الأشياء هي هوامش الحياة وفضلاتها، وليس فيها أية فائدة سوى المتاعب والمصاعب والمشاكل(2).
لا ينبغي أن تقترضوا الأموال، وتهيئون أثاث العرس، وتوقعوا أنفسكم وعوائلكم في العناء، لا ينبغي أن تتصوروا أنه إذا كان أثاث بيتكم دون أثاث بنت الجيران أو الأقرباء، فإن هذا يعتبر هواناً، كلا ليس هذا هواناً(3).
  
التباهي ومشكلة أثاث العريس:
بعض العوائل ومن باب التباهي تجعل من أثاث العرس معضلةً بالنسبة لها، وبعد أن أن يتحملوا هذا المعضل بطريقة ما، فإن الدور يصل من جديد إلى الآخرين، لكي يتحملوا عناء هذه المعضلة، وذلك لأنكم عندما تهيئون لبنتكم كل هذه الوسائل كأثاث للعرس، فبعد ذلك كيف سيكون حال الآخرين الذين يرون هذه الأشياء؟
إلى أين سيصل هذا التباهي في النهاية؟ هذه هي المشاكل التي سوف تحصل والإسلام يريد لها أن لا تحصل(4).
البعض وعند تهيئة أثاث العرس يسعى إلى التسابق مع جميع أقربائه وجيرانه وأصدقائه ومعارفه، وهذا أمر خاطئ أيضاً، يجب أن ينظر ما هو الشيء الصحيح، فما هو الحق فيقوم به، وما هو الحق؟ هو أن تكون للعائلة المؤلفة من شخصين الوسائل اللازمة ليعيشوا حياة بسيطة(5).
عندما يقومون بأنواع التبذير والإفراط والأعمال الخاطئة، ويشترون السلع الباهظة، ويشترون كل شيء ويضعونه ضمن أثاث العرس، لكي يكون هناك شيئ واحد على الأقل تتفوّق به الفتاة على ابنة خالتها أو أختها أو جارتها أو زميلتها في الدراسة، فهذا من الأخطاء المؤلمة والمزعجة للإنسان نفسه وللناس الآخرين، فالكثير من الفتيات لا يمكنهن الذهاب إلى بيت الزوجية، والكثير من الشباب لا يستطيعون الزواج بسبب تلك الأمور، وبسبب تلك المشاكل، فلو كان الزواج سهلاً ولم يتشدّد الناس إلى هذا الحد، ولو لم يكن أثاث عرس البعض باهظاً إلى تلك الدرجة، ولولا ذلك التجهيز الخاطئ للعروس، ولو لم يتهافت الآباء والأمهات لكي لا تنكسر قلوب بناتهم على حد زعمهم، لم تكن لتحصل لكثير من العوائل كل هذه المشاكل(6).
 فالبعض يقوم ومنذ البداية بتهيئة كل ما هو ضروري وغير ضروري، وكل ما هو جزئي أو أساسي، كأثاث عرس لابنته لئلا تكون دون مستوى ابنة عمها أو أختها، أو زميلتها على سبيل المثال، هذا ليس صحيحاً، هذه الأعمال خاطئة، وتجلب لكم العناء، ذلك العناء الذي لا أجر فيه عند الله ولا يستحق حتى الشكر(7).
فكّروا بالآخرين أيضاً:
عندما أسأل البعض قائلاً: عندما يريد شخصان أن يبدءا حياتهما، فلماذا تفرّغون السوق لكي تهيئوا أثاث العرس لبنتكم؟ يقولون: حسناً، نحن نملك الأموال ولذلك نقوم بذلك! فهل هذا الاستدلال كاف؟ لأننا نملك الأموال؟ كلا، هذا الاستدلال غير كاف على الإطلاق وهو استدلال خاطئ، فالمجتمع يضم أنواع البشر، فعليكم أن تتصرفوا بطريقة بحيث تستطيع الفتاة التي ليس لديها المال اللازم أن تتزوج إذا أرادت ذلك، وإلا فإن الجهاز الذي تقومون بتهيئته لابنتكم، والمهر الذي تعطونه للعروس، سوف يسد أبواب الزواج بوجه الآخرين، وهذا ليس أسلوباً إنسانياً ولا إسلامياً(8).
جهاز أفضل زوجة في العالم:
انظروا إلى ابنة الرسول الأكرم (ص)، خير نساء العالمين، فاطمة الزهراء (ع) والتي كانت أفضل نساء الأولين والآخرين، حيث لم تأت بنت أو امرأة بهذا الكمال وبهذا الشرف وبهذه العظمة، حيث كل نساء العالم من أوله إلى آخره تبدو أمامها كالخدم أو كالذرّات في مقابل الشمس الساطعة، كذلك زوجها أمير المؤمنين وهو أفضل رجال الكون، فلو جمعنا كل فضائله ومكارمه فإن كل رجال الكون لا يساوون ظفراً من أظافره، تزوج هذان المظهران من مظاهر العظمة والجمال والفضيلة، فكان أثاث زواجهما هو فقط تلك الأشياء المعدودة والرخيصة الثمن والمذكورة والمدونة في الكتب، وهي قطعة من الحصير، قطعة من ليف النخيل وفراش للنوم وكوز وإناء(9)، ولو جمّعت كلها وثمّنت بالنقد المستعمل حالياً فقد لا تزيد على بضعة آلاف من التوامين (العملة الإيرانية)، فقد أخذوا هذا المهر من أمير المؤمنين (ع) واشتروا به أثاثاً بسيطاً وحملوه إلى بيت الزوج، نحن لا نقول: على بناتنا _في هذا العصر_ أن يجلبن أثاثاً كفاطمة الزهراء (ع)، كلا، فليس بناتنا كفاطمة الزهراء ولسنا كأبيها ولا أبناؤنا كأمير المؤمنين، زوج فاطمة الزهراء أين نحن من هؤلاء؟ الفرق بيننا كفرق السماء والأرض، لكن يتضح أن الطريق هو نفس الطريق، والتوجّه هو نفس التوجّه، فليكن أثاثكم بسيطاً ولا تنظروا إلى هذا أو ذاك، لا تكثروا من المصاريف ولا تصعبوا الأمر على الذين ليس لديهم إمكانات كافية(10).
لقد كان جهاز فاطمة الزهراء عليها السلام بالحجم الذي ربما كان باستطاعة شخص أو شخصين أن ينقلاه بأيديهم من بيت إلى آخر. انظروا بماذا كانوا يفتخرون وما هي قيمهم. ألم يكن النبي (ص) قادراً على أن يجلب أثاثاً ضخماً؟
لو كان النبي (ص) قد أشار مجرد إشارة، فإن المسلمين المحيطين به وقد كانوا أناساً متمكنين ومتمولين، ويطلبون من الله أن يأتوا ويقدّموا هدية إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو يسعدوه، ولكنهم لم يقوموا بذلك، لماذا لم يقومون بذلك؟ الغرض من ذلك هو أن نتعلم أنا وأنت، إما أن نجلس ونتحدث ونستأنس من دون أن نتعلم، ما هي الفائدة عندها لا نجني شيئاً، فلا ينبغي أن يضع الإنسان وصفة الطبيب على الرف وينظر إليها، يجب أن نعمل بذلك حتى نحصل على الفائدة المطلوبة، فيجب أن تعملوا بالنظام الغذائي حتى تحصلوا  الفائدة المطلوبة، وتلك الأمور هي النظام الغذائي للروح، النظام الغذائي لصحة المجتمع _صحة العائلة، ويجب أن تطبق_ أقيموا مراسمكم ببساطة(11).
أيتها العرائس عليكن بالتصدي:
لا تسمحن أن يضخّموا أثاث العرس، على البنات أن لا يسمحن بذلك، أيتها العرائس عليكن بالتصدي لذلك، حتى لو أراد الآباء والأمهات ذلك فلا تسمحن به، ماذا تردن أن تصنعن بكل هذه السلع الباهظة الثمن؟(12).
يجب على أمهات العرائس التروي في تهيئة أثاث العرس، فلا يفرطن أو يسرفن في ذلك، ولا يقلن: إنها ابنتنا، وسينكسر قلبها، كلا. البنات طيبات، وهن لم يطلبن ذلك، فلا نسوقهن نحن بلا مبرر إلى الاتجاه الذي يجعلهن يعتقدن بضرورة أن يُهيّأ لهن كل شيء جميل وفاخر(13).
على الفتيات اللواتي يردن أن يُحضرن أثاثاً للعرس أو شراء الوسائل الخاصة بالعقد، عليهن أن لا تطأ أقدامهن تلك المحلات المرتفعة الأسعار في بعض الأماكن في طهران، أو تلك المحلات والتي لا أريد ذكر أسمائها لكنّي أعرف أين هي وهي المعروفة بغلاء أسعارها، عليهن الذهاب إلى الأماكن غير المشهورة بغلاء أسعارها، فلا ينبغي أن يصطحبن العريس المسكين (إلى تلك الأماكن) لأجل شراء أثاث العرس والعقد، وللأسف، فإنهن يقمن بهذه الأعمال(14).



الهوامش:

1- خطبة العقد المؤرخة 28/12/1377 هـ.ش.
2- خطبة العقد المؤرخة 18/9/1375 هـ.ش.
3- خطبة العقد المؤرخة 29/3/1381 هـ.ش.
4- خطبة العقد المؤرخة 16/3/1373 هـ.ش.
5- خطبة العقد المؤرخة 3/8/ 1379 هـ. ش
6- خطبة العقد المؤرخة 1/11/1371 هـ. ش.
7- خطبة العقد المؤرخة 2/9/1378 هـ.ش.
8- خطبة العقد المؤرخة 5/8/1375 هـ.ش.
9- بحار الأنوار، ج: 43، الباب الخامس، ص: 94.
10- خطبة العقد المؤرخة 5/1/1372 هـ.ش.
11- خطبة العقد المؤرخة 5/9/1375 هـ.ش.
12- خطبة العقد المؤرخة 23/9/1373 هـ.ش.
13- خطبة العقد المؤرخة 16/11/1379 هـ.ش.
14- خطبة العقد المؤرخة 19/3/1372 هـ.ش.

المصدر: الخامنئي، علي: إنطلاقة المودة، ط2، دار الولاية، 1423هـ. ق.

التعليقات (0)

اترك تعليق