أثر الحرکات الأنثوية على المرأة المسلمة: إن تطرف الحركات النسوية تحول إلى حرکات تتعارض مع الفطرة والأخلاق
لاشك أنّ الظلم الذی تعرضت له المرأة وحقوقها وموقعها على المستویات الشخصیة والاجتماعیة، هو أحد أهم الأسباب التی أدّت إلى إبرام المعاهدات والمواثیق التی تبنتها المنظمات الدولیة وعلى رأسها الأمم المتحدة. وأنّ بعض هذا الظلم یعود إلى الأسس الفکریة والأيديولوجية للمجتمعات، والبعض الأخر للقوانین الموضوعة، ویعود القسم الأکبر إلى أسلوب تعامل الأفراد والحکومات مع قضایا المرأة وحقوقها ومسؤولیاتها.
ولقد شهدت العقود الأخيرة من القرن العشرین اهتماماً متزایداً بقضیة (حقوق المرأة)، کما تصاعدت حرکة واسعة النطاق تستهدف رفع الاهتمام بالقضایا المتعلقة بها على مستوى العالم. فکان المؤتمر العالمي الأول للمرأة عام 1975م بالمکسیك، کما أعلنت الأمم المتحدة سنة 1975 السنة العالمیة للمرأة. وفی عام 1977 قدمت لجنة المرأة مسودة المعاهدة التي کانت قد أعدتها فی الهیئة العامة لمنظمة الأمم المتحدة عبر مشروع "معاهدة إلغاء کل أشکال التمییز ضد المرأة" إلى مرحلة تصدیق الهیئة العامة فی 18 دیسمبر 1979 ثم عُقد فی کوبنهاکن، المؤتمر الثاني للمرأة عام 1980م، وتمت المصادقة على إجراء المعاهدة واعتبارها لازمة الإجراء من تأریخ 3سبتمبر 1981م. ثم جاء بعد ذلك، المؤتمر الثالث فی نیروبی 1985 تحت عنوان "الإستراتيجية التطلعیة فی قضیة المرأة" وأخيراً جاء المؤتمر الرابع للمرأة فی بکین سبتمبر1995 ثم بکین 5 ثمّ بكين 10، ویُضاف إلى ذلك عدد من المؤتمرات الدولیة الخاصة بقضایا مختلفة لها صلة بالمرأة مثل مؤتمر الطفل في نیویورك 1990م، ومؤتمر البیئة والتنمیة فی البرازیل 1992م، ومؤتمر حقوق الإنسان فی فیينا 1993م، ومؤتمر السکان والتنمیة فی القاهرة1994م.
وتسعى الأمم المتحدة من خلال تلك المؤتمرات إلى إرساء قواعد تنظم، وتحکم، وتوحد السلوك البشري (الأخلاقي والقانوني) فی العالم کله، فی مجالات الحیاة الاجتماعیة، والثقافیة، والاقتصادیة. وفی هذا الإطار تعد "اتفاقية القضاء على کل أشکال التمییز ضد المرأة"، بیاناً عالمیاً.
الإطار العام للمعاهدة:
إن هذه الاتفاقیة والمعاهدة تدعو بصورة شاملة إلى المساواة المطلقة فی الحقوق بین المرأة والرجل فی جمیع المیادین: السیاسیة، الاقتصادیة، الثقافیة والمدنیة. ویلاحظ أنها تسعى إلى إقرار التشابه بین المرأة والرجل فی المجالات الفردیة والاجتماعیة بطریقة توحي بعدم وجود أی اختلاف أو تمایز طبیعي وبیولوجي یمکن أن یؤثر على الحقوق والواجبات والأدوار الاجتماعیة. ویأتي هذا السعي لتحریر المرأة من إطار البیت ومن تربیة الأولاد. وتدعو المعاهدة إلى مساواة المرأة مع الرجل، وتعد الاتفاقیة بعد المصادقة علیها ملزمة قانونیاً للدول بتنفیذ بنودها.
وهنا لا بد من التنبیه إلى النقاط التالیة:
1. معرفة المرجعیة التي استقى منها دعاة الأنثویة أفکارهم والتی هی مرجعیة غریبة غیر إسلامیة، ولدت ونشأت فی سیاق حضاري وفکري مخالف لسیاق حضارتنا وثقافتنا.
2. عدم الاهتمام بالواقع: إن الجنس أحد الفوارق أو الاختلافات البشریة سواء یتم الالتفات إليه أم لا یتم، فجنس المرأة غیر جنس الرجل ولا یمکن وضع القوانین الحقوقیة بدون الأخذ بهذه الحقائق بنظر الاعتبار.
3. الاهتمام بالبعد الاقتصادي وإلغاء الأبعاد الأخرى:
إنّ للإنسان أبعاداً مختلفة معنویة، سیاسیة، اجتماعیة، أسرية، اقتصادیة وغیرها، ولکننا نرى أنّ المعاهدة تؤکد فقط على البعد الاقتصادی للمرأة لأداء دورها فی النظام الاقتصادی العالمي الحدیث. والخطوة الأهم فی تحقیق هذا الهدف، هي إلغاء الحقوق التقلیدیة للمرأة وإحلال الحقوق الاقتصادیة محلها.
4. توحید الطابع الثقافي:
إنّ لکل مجتمع ومنطقة هویة ثقافیة خاصة بها تستقیها من دینها وأعرافها وعاداتها وتقالیدها، وأجواء المعاهدة تابعة لثقافة نظام السلطة العالمي الرأسمالي والذی یعتمد على العلمانیة الفردیة والنفعیة، ویعتبر هذا النظام تعدد الثقافات واقعاً کبیراً أمام تنامي واتساع رقعته وسیطرته، ولهذا یدعو إلى توحید الثقافات وإلغاء القوانین الخاصة ببلدان المنطقة.
5. الترکیز على الحقوق دون المسؤولیات والتکالیف:
من خلال نصوص الاتفاقیة التي تتکون من مقدمة وستة أجزاء تتضمن ثلاثین مادة نجد أنها استعملت کلمات:
1. "حق أو حقوق" 56 مرة.
2. "مساواة" 36 مرة.
3. "مسؤولیة" 7 مرات.
4. "التزام" مرتین.
5. "واجب" مرة واحدة.
6. تضامن أو تعارف (لا وجود لها).
إنّ هذه الصیاغة تؤکد مدى الترکیز على توجیه الفرد إلى المطالبة [بحقوقه] وعدم الشعور بالمسؤولیة مما علیه إزاء الآخرين. وقد أنتج ذلك، ثقافة تعاني منها مجتمعاتنا الکثیر من السلبیات بحیث یتربى الفرد على النظر إلى حقوقه ولا یلتفت إلى الالتزامات الملقاة على عاتقه للآخرين.
إنّ إعطاء الامتیازات الخاصة بدون تحمل مسؤولیات معینة فی المقابل، یوجب نوعاً من عدم التوازن فی المؤسسات الاجتماعیة، ولذلك نرى فی هذه المعاهدة هیمنة روح محوریة الحقوق، وإعطاء الأصالة للمسائل الحقوقیة، وإغفال العناصر الأخلاقية والإنسانية وأن النموذج الحاکم علیها هو نموذج التشابه والتساوی الحقوقي الذی یؤدي عملیاً، ومن خلال تجاهل الدور الأمومي للنساء، إلى تزلزل بناء الأسرة، وانخفاض سن العلاقات غیر الشرعیة، ارتفاع سن الزواج و...
مراحل الحرکة الأنثوية:
إنّ هذه الحرکة قد مرت بأطوار أو مراحل:
المرحلة الأولى: تبدأ من منتصف القرن التاسع عشر المیلادي أو ما یُسمى بعصر النهضة، وتمیزت هذه المرحلة بالآتي:
ألف) إنها شهدت أول شرارة لهذه النزعة وكذلك طرح قضیة المرأة في الفکر الغربي.
ب) إنها کانت متأثرة بالغرب وحیاة المرأة الغربیة کنموذج وخصوصاً فی مجال التعلیم والعمل.
ج) التعلیم الذي کانوا یطالبون به للمرأة، کان محدوداً حیث یهدف إلى تهذیب المرأة، وتحدثوا عن العمل أيضاً ولکنهم لم یجعلوه شاملاً مطلقاً.
د) طالبوا بالاختلاط بین الجنسین وعدم انزواء المرأة فی البیت، لأن ذلك من مقتضیات التعلم والعمل.
هـ) لم تُطرح في هذه المرحلة منافذ لثوابت الدین ومسلماته، ولم یُنسب إلى الدین نفسه دور فی تخلف المرأة أو وضعها الاجتماعي المتدني.
و) کتابات هذه المرحلة لم تؤید فکرة مساواة الجنسین، بل أحیانا حذّرت المرأة من تقلید الرجل ومحاولة أن تضع نفسها في هذا الموضع.
ز) غیاب العنصر النسائي کداعیة لحقوق المرأة.
المرحلة الثانیة: وتبدأ هذه المرحلة منذ نهایة القرن التاسع عشر أو بدایة القرن العشرین، وفیها وردت هذه الأفکار إلى العالم العربي فصدر کتاب "مرقص فهمي" 1894 "المرأة في الشرق" والذی أحدث ضجة کبیرة لکونه نقل موضوع المرأة إلى میدان المواجهة مع المعتقدات الإسلامية عندما طرح:
1- القضاء على الحجاب.
2- إباحة الاختلاط بین الجنسین.
3- منع الزواج بأکثر من واحدة.
4- إباحة الزواج بین المسلمین والأقباط.
ثم ظهر کتاب "المرأة الجدیدة" وکتاب "تحریر المرأة" لقاسم أمين والذی دعا فیهما المرأة العربیة لاقتفاء أثر المرأة الغربیة.
وتتخلص سمات هذه المرحلة في:
1. تبلور علمنة وتغریب فکرة حقوق المرأة، فأکثر الکتابات کانت تُنادي باللحاق برکب الحضارة الغربیة واعتماد المرأة الغربیة نموذجاً.
2. تناول حقوق جدیدة للمرأة لم تُطرح من قبل:
أ- المساواة في جمیع مرافق التعلیم للجنسین، لأن ملکات الجنسین متساویة.
ب- المساواة فی الحقوق السیاسیة والنیابیة، بأن یکون للمرأة حق الانتخاب والترشیح ودخول البرلمان والدعوة إلى المساواة في المیراث.
ج- المطالبة بإصلاحات قانونیة فی نظام الأحوال الشخصیة، مثل منع تعدد الزوجات، وتقیید الطلاق، وحریة سفر المرأة بدون إذن زوجها.
3. تأسیس الاتحادات النسائیة ودخول المرأة إلى ساحة العمل داعیة لحقوقها ومطالبة بها مثل (جمعیة الاتحاد النسائی) لهدى الشعرواي، واتحاد بیت النیل (لدریة شفیق) فی مصر وکذلك فی البلدان العربیة.
4. محاولة بعض دعاة حقوق المرأة، توظیف الدین فی القضیة وتطویع نصوصه لصالح دعوتهم وطرح موضوعات تناقض الدین بشکل واضح، مثل المساواة في المیراث وعلاقات ما قبل الزواج، وتعري المرأة وحریتها فی اللباس.
المرحلة الثالثة: وتبدأ من الخمسینات في القرن العشرین، حیث کثرت الأحزاب التي تتبني الأیدیولوجیة العلمانیة والشیوعیة وانتشر نفوذها وانتقلت أفکار الثورة الجنسیة والیساریة المتطرفة، فسادت أجواء، التشکیك في الدین والقیم، وعمّ التبرج والتعري، وسمی الدین والتقالید بالرجعیة والتخلف، وسادت الفوضى، واتهم الدین بکونه سبباً فی تخلف المجتمعات وبالتالي سبباً فی دونیة المرأة، واضطهادها وما تعیشه من أوضاع. وفی هذه المرحلة وهي مستمرة إلى الآن، زاد الاهتمام بدارسة مفهوم النوع أو ما یصطلح علیه (الجندر)، حسبما یطرح فی الدراسات الغربیة التي تتنکر لطبیعة الأنثى وخصوصیاتها، وتقول بالمساواة المطلقة فی کل مجالات الحیاة حتى داخل الأسرة ولا تعترف بالفروق الخلقیة والطبیعیة بین المرأة والرجل، ودور هذه الفروق فی تحدید وظائف کل منهما.
الأفکار التی سوقت باسم حقوق المرأة:
لقد تبنت هذه الحرکات النسائیة فی تطوراتها أفکاراً منها:
أولاً: التشکیك في صحة الدین عن طریق بث الشبهات من کون الدین سبباً فی تخلف المرأة واضطهادها، وأنّه کرّس دونیة المرأة بتشریعات ذکوریة واعتبر المرأة ناقصة العقل، ناقصة الکینونة الإنسانية، ولا بد من وصایة الرجل علیها واستدلوا على ظلم الإسلام للمرأة بحجج باطلة منها:
1. القوامة.
2. نقصان حظ المرأة فی المیراث.
3. نقصان شهادتها.
4. جواز تعدد الزوجات وغیرها.
ولا شك أن تبنّي هذه الشبهات القصد منه زعزعة الإيمان بعصمة الدین وصحته، حتى یتسنى لهم التخلص منه کمرجعیة لقضیة المرأة وإحلال العلمانیة والمناهج الوضعیة محله، فالعلمانیة حرکة اجتماعیة تهدف إلى صرف الناس وتوجههم من الاهتمام بالجانب المعنوي إلى الاهتمام بالجانب المادي وحده، وهي فکرة تقوم في أبعادها المختلفة على معاداة الدین معتبرة إياه معیقاً للتقدم والازدهار، وتحاول أن ترسخ قیماً جدیدة تتعلق بالأسرة والرجل والمرأة تحت عنوان الحداثة والتقدم، فعلى سبیل المثال نقف عند وثیقة مؤتمر السکان والتنمیة والذی عقد 1994م في القاهرة: حیث أجازت الوثیقة إنهاء الحمل، وشجعت على الإجهاض غیرالمأمون، واعتبرته حق للمرأة ووسیلة من وسائل صحتها الجنسیة، فقد فرقت الوثیقة بین الزواج والجنس والإنجاب أي یمکن ممارسة الجنس بدون زواج، ویمکن الإنجاب بدون زواج، وجاء فی الوثیقة تعریف أشکال متعددة للأسرة مثل الأسرة المثلیة المتکونة من جنس واحد، من امرأتین أو رجلین، شذوذ ولواط، أسر المعاشرة الجماعیة وهي متکونة من مجموعة من الشباب والشابات یمارسون حیاة جنسیة مشاعیة بأشکال مختلفة (وهذا زنى فاحش وفاحشة نکراء تعاقب علیها جمیع الأديان)، الأسر المتزاوجة والمتکونة من النساء والرجال الذین یعاشر بعضهم البعض، ویتبادلون المتعة الجنسیة. هذا ما جاء في وثیقة مؤتمر القاهرة عاصمة دولة مصر العربیة المسلمة، هذه الوثیقة صدرت بإشراف الأمم المتحدة التی أيدت الرذیلة والشذوذ الجنسي وممارسة الجنس خارج نطاق الزواج الشرعی.
إنّ هذه المحاولة وغیرها من المحاولات المستمرة تستهدف إبعاد الدین عن ساحة الحیاة الأسرية، حیث یجرّ ذلك إلى تقویض الأسرة المسلمة وإفراغها من مضمونها، وفرض نموذج الأسرة الغربیة، القائم على المنهج العلماني اللیبرالي وإلغاء حاکمیة ومرجعیة الدین.
ثانیاً: الطعن فی صحة الأحاديث النبویة:
بما أنّ السنة النبویة سواء (فعل أو قول أو تصریح النبی (ص)) المنبع الثانی في ألاحکام الشرعیة ومرجعیة القوانین الإسلامية الخاصة والعامة، فالنظام الحقوقي في الإسلام یعتمد على القرآن والسنة.
ولاشك أن هناك روایات کثیرة موضوعة وضعیفة فیها انتقاص من المرأة لا بد من نقدها وتطهیر الکتب الإسلامية منها. ولکن هذا لا یعنی فتح الباب للهوى والتشهي لرفض روایات صحیحة والطعن فیها بحجة عدم موافقتها لعقل أحد أو مجموعة من الناس. وعند وجود شبهة تعارض بین الحدیث والقرآن أو حدیث صحیح، لا بد من العودة إلى القواعد والأصول التي وضعها العلماء للتوفیق والترجیح لدرء التعارض الظاهري بین النصوص عن طریق الجمع بین الأدلة، أو التخصیص، أو النسخ، أو الترجیح بأحد المرجحات کما هو مبین فی کتب أصول الفقه.
ثالثاً: دعوى ذکوریة الفقه:
بمعنى نقد الفقه والفقهاء واتهامهم بالجمود والتخلف والذکوریة، وأنهم عاشوا فی عصر الظلام، وذلك بحجة وجود بعض الروایات الضعیفة التی لم یتم للعلماء تنقیحها، ولربما هناك أقوال لبعض الفقهاء لم یتم صیاغتها بشکل دقیق ـأو اجتهادات أخطأوا فیها متأثرین بظروف عصرهم، ولهذا کانت دعوتهم إلى أنّ الاجتهاد مباح لأي أحد، بدعوى التجدید والقراءة الجدیدة للإسلام العصري، وهی قراءة علمانیة وعقلانیة تقوم على أساس ليّ أعناق النصوص حتى تتوافق مع ما یسمى بالمجتهد الذي هو فی الحقیقة مشتهى مثقف لا یملك أدوات النظر فی النصوص، ولا یتحلى بأخلاق وورع العلماء.
فکما أنّ لکل مجال من مجالات الحیاة متخصص... فلا بد أن یکون للاجتهاد من الأفراد من یتوفر فیه أدوات الاجتهاد والقدرة على استنباط الحکم من النص عن طریق الالتزام بالقواعد الفقهیة والأصولیة.
رابعاً: ملکیة المرأة لجسدها:
أي حریة التصرف فی جسدها باعتبارها من أول حقوق الإنسان فهی حرة فی اختیار ملبسها، حرة فی علاقاتها، حرة فی التصرف بعفتها وجسدها، حرة فی الإنجاب وعدمه، حرة فی إجهاض جنینها.. حریة مطلقة عن الثوابت الدینیة والضوابط الأخلاقية والصالح العام للمجتمع.
فهی إذاً حرة في ستر جسدها وعدمه، وحرة فی علاقتها الجنسیة. وخلاصة الأمر أن الخطاب العلماني یبیح کل شيء في مجالات العلاقات الجنسیة. ولذلك فإنّ الحرکات النسویة عندما ابتدأت قامت للدفاع عن حقوق المرأة وإزالة الظلم والاستبداد والغبن اللاحق بها، واستطاعت هذه الحرکات أن تجعل قضیة المرأة قضیة عالمیة تجاوزت الحدود، وأصبحت تطالب بالحقوق السیاسیة والاجتماعیة والاقتصادیة، وتُنادي بإزالة العقبات والمشاکل التي تواجه تقدم المرأة ورشدها، ولکن راحت هذه الحرکات بعد تأثرها بالفلسفات المادیة والنزعات الفکریة المغالیة، إلى التطرف عندما سعت فیه إلى عالم تنفرد المرأة وتتمرکز فیه حول ذاتها، وتطلق العنان لمفهوم الحریة ومفهوم المساواة، فإذا هی أمام نزعة غلو ساریة فی العدید من النظریات ومتخذة شکل التنائیات المتناقضة والمتصارعه: (العقل والنقل، الفرد والمجموعة، الذات والأخر، الدین والدولة، الدنیا والآخرة، المادیة والروحانیة) وفق وسطیة جامعة تجمع عناصر الحق والعدل.
إن التطرف النسوي مع تصاعد درجات العلمنة والإباحية والأنانية والتخبط الفکري تحول إلى حرکات هدامة تبث مطالب تتعارض مع الفطرة والأخلاق والعدالة والأديان والقیم وتؤدي إلى الفوضى والعبث وتهدد الأمن الاجتماعي وتستهدف الأسرة وحقوق الأطفال واصفة دور المرأة فی استمرار الحیاة وتربیة الأجيال وتوفیر الأمن الأسری والمجتمعي، بالأدوار النمطیة والتقلیدیة التی لا بد منها کطریق للتنشئة والتربیة، واتخذت المؤتمرات العالمیة قاعدة لتحریك وتفعیل مخططاتها بإبداع المعاهدات والمواثیق والبروتوکولات، وکذلك البرامج وورش العمل التی یتم عقدها عبر الجمعیات والمؤسسات الداعمة لهذه الحرکة.
وأخيراً فإن هذه الاتفاقیات والمواثیق الدولیة تمثل تحدیاً خطیراً ومعادیاً للأديان السماویة وللإنسانية کافة. وبالرغم من هذه الخطورة فإنّ العالم الإسلامي لا زال عنده شح فی فقه المرأة، ویفتقر إلى دراسات علمیة متخصصة تعالج المشکلات برؤیة إسلامیة حضاریة عمیقة وعصریة شاملة ولازالت المعالجات سطحیة .
المصدر: مجلة الطاهرة، العدد: 214.
اترك تعليق