مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

الشكليات والتكاليف الباهظة في الأعراس هل تزيد من عزة وشرف ورفعة الإبن أو البنت؟

الشكليات والتكاليف الباهظة في الأعراس هل تزيد من عزة وشرف ورفعة الإبن أو البنت؟

الشكليات أمر مضر للمجتمع، والذين يعارضون الشكليات ليس معنى هذا أنهم يجهلون لذّاتها ومتعها، كلا.. بل هم يعتبرونها عملاً مضراً بالمجتمع مثل دواء أو شراب مضر، فالمجتمع يلحقه الضرر بسبب هذه الشكليات الزائدة، نعم، لا بأس إذا كانت ضمن حدود المعقول والمتعارف أما عندما تدخل في باب المنافسة هكذا، فإنها تخرج عن حدّها وتذهب في اتجاهات أخرى(1).
فالبعض يسرفون ويهدرون ويبذّرون، وفي هذا الزمان الذي يوجد فيه فقراء في المجتمع، أولئك الذين لا تتوفر لديهم أوليات الحياة، فإن مثل هذه الأعمال تعتبر تبذيراً وإسرافاً، وأعمالاً غير مسؤولة وكل من يقوم بذلك فهو مخطئ(2).
البعض من الناس يكسبون الإثم من العمل الذي يمكن أن ينالوا به الثواب، من خلال ما يقومون به من إسراف، والمحرّمات التي يرتكبونها، وخلط هذا العمل الحسن بالأعمال المحرّمة التي يرتكبونها، فالحرام ليس فقط مسألة الاختلاط بين الأجنبي والأجنبية وما إلى ذلك، طبعاً هذا ليس محرّم أيضاً، لكن الإسراف أيضاً حرام، التبذير حرام، إحراق قلوب الناس الفقراء في بعض الحالات هو حرام حقاً، الإفراط، التحليل والتحريم، لكي يستطيع الأب أن يهيء أثاث العرس لابنته كل هذا حرام(3).
أنا لست راضٍ عن أولئك الذين يصعّبون الأمور على الآخرين بسبب النفقات الباهظة والإسراف في أمر الزواج، طبعاً نحن نقبل بالاحتفال والفرح، لكننا نعرض الإسراف(4)، فكم من الشباب والشابات، والذين حتى لو تزوجوا فإنهم وبسبب لا مبالاة الأثرياء يشعرون بالنقص والأمل وتتولد لديهم عقدة، حيث يُحسّون أن شيئاً ما ينقصهم، ويوبخون أنفسهم(5).
            
هذه الفنادق والصالات المكلفة لا تجعل الزواج سعيداً:
دعوا هذه الفنادق والصالات والحفلات المكلفة، طبعاً من الممكن أن يكون هناك من يقيم احتفالاً عادياً في إحدى الصالات، لا بأس بذلك، أنا لا أريد الجزم، لأن البعض لا تتسع بيوتهم أو ليس لهم تلك الإمكانية، ولكن تجنبوا الإسراف، فالفرح والاحتفال ودعوة الأصدقاء والأقارب والأصحاب أمر حسن، لكن الإسراف أمر سيء لا يليق بشعبنا المسلم(6).
والعقد والزواج والفرح شيء جيد، فحتى النبي (ص) قد أقام حفل زواج لابنته المكرّمة وفرح، وأنشد الناس الشعر وصفقت النساء واحتفلن. ولكن لا ينبغي أن يكون هناك إسراف في مجالس العقد والزواج، وأحد مظاهر هذا الإسراف هي مراسم العقد والزواج الباهظة التكاليف، حيث يقيمون المراسم في الفنادق والصالات الفارهة والمكلفة، وتهدر أموال كثيرة على الحلويات والفواكه والمأكولات التي تتلف أو ترمى على الأرض وتضيع. من أجل ماذا؟ من أجل المنافسة ومن أجل أن لا يتخلّفوا عن قافلة الإسراف(7).
لا ينبغي أن يكون هناك إسراف، وإذا حصل فقد ألحقتم الضرر بأنفسكم، وبالشباب والشابات، وأيضاً أسقطتم أنفسكم من عين نبي الإسلام (ص)، ومن عيني الإمام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، فالإسراف والإفراط يعد عملاً محرماً(8).
الزواج السعيد هو ليس ذلك الزواج الذي يكثر فيه الإنفاق ويكثر فيه الإسراف، الزواج السعيد هو الزواج الحميم، فإذا كان الزواج حميماً يصبح سعيداً حتى ولو كان بسيطاً، فعندما يجتمع الأصدقاء والأقارب في واحدة أو اثنتين من غرف البيت فهذه هي مراسم الزواج، أما المراسم الكبيرة والصالات الكذائية أو الفنادق والتكاليف الباهظة والسلع الغالية الثمن لتلك المراسم فهذه كلها ليست مناسبة أصلاً، لا أقول: إنها تبطل الزواج، كلا، الزواج صحيح، لكنها تعكّر أجواء المجتمع(9).
لم تكن هذه الصالات وهذه الأمور موجودة في الماضي؟ لقد كانوا يحتفلون في غرفة أو اثنتين، ويأتي الضيوف ويتناولون الحلوى، فهل كانت تلك الزيجات أقل بركة من زواجات هذه الأيام؟
وهل كانت عزة البنات أقل منها اليوم، بحيث يجب أن يذهبن اليوم إلى تلك الصالات الكبيرة؟ لا بأس: لا نرفض تلك الصالات، وإنما أرفض التشريفات الزائدة، فذهاب البعض إلى الفنادق هو من الأعمال الخاطئة التي لا داعي لها(10).
كلما أقمنا المراسم ببساطة واختصار فهذا أفضل، دعوا ذوي الإمكانات المحدودة يتشجعون للزواج، ولا تدعوهم يصابون باليأس(11).
اشتباه بعض المسؤولين.
من المعروف حالياً أن هناك احتفالات تقام في الفنادق ويجري ما يجري في النوادي، وهذا لا يليق أصلاً بشأن أهل العلم ولا الناس المؤمنين والمتقين، هذا شأن الماضين، وللأسف فإن البعض اليوم تشتبه عليهم الأمور، فيتصورون أنه وبما أن المسؤولين وحكام البلاد السابقين كانوا يتصرفون بطريقة معينة، فإنهم وبعدما صاروا حكّاماً يجب أن يتصرفوا بنفس الطريقة، لا يا سيدي!
أولئك كانوا طاغوتيين، هم كانوا أهل الدنيا، أما فنحن فرجال دين ومن هم ليسوا رجال دين فهم من أهل الدين، حياتنا شيء آخر، أخلاقنا شيء آخر، هدفنا يختلف عن هدفهم في الأساس، لا ينبغي أن نقلّدهم، يجب أن نتصرف بطريقة تناسبنا، بحيث يقلدنا الناس(12).
            
هذا ليس شرفاً ولا عزّة:
البعض يتصور أن الشكليات والذهاب إلى الفنادق الكذائية والصالات المكلفة والتكاليف الباهظة، هي مما يزيد من عزة وشرف ورفعة الإبن أو البنت، كلا!
فعزة وشرف الإبن أو البنت هي في التقوى والعفة والمعرفة، لا بتلك الأشياء(13).
اعلموا أن البساطة في الزواج سواءً أكانت في المهر أو أثاث العرس، أو في  حفل الزواج هو ليس عاراً، حيث يتصور البعض إذا أقمنا لبنتنا مراسم زواج بسيطة فإنها سوف تُذّل، كلا! سوف لن تذل أنتم مخطئون(14).
نحن ننصح ذوي الإمكانات المحدودة، أن لا يتوسلوا بالعرب والعجم ليقرضوهم الأموال لكي يحفظوا ماء وجوههم _حسب ادّعائهم_ ما هو ماء الوجه؟ هل هذا هو ماء الوجه؟
لو تأملنا لوجدنا أن هذا ليس ماء الوجه، فالبعض يقترض لكي يستطيع مثلاً أن يظهر عزيزاً، إنه تصرف عبثي ولا داعي له(15).
إنني أوصي جميع الناس في أنحاء البلاد أن يسهّلوا موضوع الزواج، البعض يعقّد موضوع الزواج، فالمهور المرتفعة والأثاث الباهظ تجعل الزواج أمرا مشكلاً، فلماذا تطلب عوائل الأبناء أثاثاً باهظاً؟ ولماذا تضخّم عوائل البنات أثاث العرس ومراسم العقد والزواج لأجل التنافس مع الآخرين؟ لماذا؟ هل يعلمون بما يترك ذلك من تأثير؟ تأثير هذه الأعمال هو أن الشباب والفتيات يبقون بلا زواج ولا يتجرأ أحد أن يفكر بالزواج(16).
وهل إن الذين يتزوجون زواجاً مليئاً بالمظاهر هم أسعد من الذين يتزوجون ببساطة؟ من الذي يستطيع أن يدّعي ذلك؟ ليست هذه الأعمال سوى زرع الحسرة في قلوب مجموعة من الفتيات ومجموعة من الشباب وجعل حياتهم مُرّة، إذا لم يستطيعوا أن يتزوجوا بنفس الطريقة التي يتزوج بها غيرهم فستبقى الحسرة في قلوبهم إلى الأبد، أو أنهم لن يستطيعوا أن يتزوجوا أساساً.. فما أن يأتي أحد لخطبة ابنة أحد ما فإن هذه البنت تبقى في البيت، لأنه لا يملك شيئاً، الشاب الجامعي أو العامل أو الكاسب الضعيف يبقون هكذا عازبين(17).
          
أظنّ أن الذين يصعبّون الأمور على الآخرين عن طريق المجالس والمحافل الضخمة والمهور والأثاث الباهظ، يكون حسابهم عند الله عسيراً جداً، لا يمكنهم أن يقولوا: إننا لدينا أموال ونريد أن نفعل ما نشاء لأن لدينا أموالاً، هذا الكلام من أخطاء الزمن، فكوننا نملك أموالاً ليس مبرراً، فعندما يكون الإنسان متموّلاً فهل يصح أن يتصرف بطريقة بحيث لا يستطيع الآخرون فعل شيء؟
ولا يتجرأ الشباب أن يقدموا على الزواج؟ لا ينبغي التصرف بطريقة، بحيث أن الأشخاص الذين ليست لديهم الإمكانيات اللازمة، أو الأشخاص الذين لا يرغبون بذلك، أو غير المقتنعين به، أو من تكون نيتهم مختلفة، لا يمكنهم الزواج(18).
عناء بلا جدوى:
لا تسرفوا ولا تبذّروا..لا تقوموا بهذا الأعمال فهذا ليس من المصلحة، والشارع المقدس _أيضاً_ لا يرضى بذلك، واعلم بأنك تشقُّ على نفسك بلا جدوى، فبدلاً من كل هذه المصروفات، أعط عشرها إلى أحد المحتاجين، وأحصل على دنيا من الثواب، هؤلاء الذين ينفقون كل هذا المال بدون ثواب ولا أجر وبدون رضا الله، وبدون رضا الناس _طبعاً_ لأن رضا الناس غاية لا تدرك، أرضوا الله تعالى(19).
إذا أردتم إجراء العقد في الفندق الكذائي، والإسراف في المراسم، وتقديم الفاكهة الجديدة في القوت و... فهل يكتسب حفلكم رونقاً وجمالاً؟
سوف لن يكون فيه أجر إلهي قطعاً، اعلموا أن هذا ليس فيه أي أجر من الله، فالإسراف إن لم يكن معصية فليس فيه أجر قطعاً، فليس فيه ثواب قطعاً.
إلا أنكم بهذا العمل تحرموا من مئات الشباب والشابات من إقامة حفل _عرس_ لأنهم ينظرون إليكم ويريدون مجاراتكم فلا يستطيعون، ولذا يتأخر زواجهم(20).
تأسّوا بعترة النبي (ص):
أفضل نساء العالم السيدة فاطمة الزهراء (ع) وأفضل الرجال في العالم وأفضل الأزواج هو أمير المؤمنين (ع) لاحظوهما كيف تزوجا؟
آلاف من الشباب الوسيمين ومن ذوي الحسب والنسب والمقتدرين والمحبوبين لا يعادلون شعرة من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، وآلاف من البنات الجميلات وذوات الحسب لا تعادلن شعرة من فاطمة الزهراء (ع)، فقد كان هؤلاء ذوي مقامات عند الله ومن عظماء زمانهم، فاطمة (ع) كانت بنت النبي (ص) رئيس الأمة الإسلامية والحاكم المطلق، وكان علي المجاهد الأول في الإسلام.
لاحظوا كيف تزوجا؟ كيف كان المهر قليلاً وجهاز العرس بسيطاً، وكل شيء باسم الله وبذكر الله، هؤلاء هم قدوتنا.
وفي ذلك الزمان كان هناك جهال أيضاً يغالون في مهر بناتهم فيجعلونه ألف ناقة مثلاً.
فهل كانوا أفضل من بنت النبي (ص)؟ فلا تقلّدوا هؤلاء، اتبعوا بنت النبي (ص)، اتبعوا أمير المؤمنين (ع)(21).
اللباس المستأجر للزفاف:
يشتري البعض لباس غالي الثمن ليلة الزفاف، لا ضرورة لذلك، إذا احتاجوا إلى بدلة زفاف ليذهبوا ويستأجروها، ما المانع من ذلك؟ هل إنه عيب؟ لا، ما هو العيب في ذلك؟ وما المانع منه؟ قد يرى البعض أنه عيب، العيب هو أن تذهب أموال الإنسان هدراً بأن يشتري شيئاً يستعمله مرة واحدة ثم يرميه، استعمال لمرة واحدة! مع هذا الوضع الذي يعيشه بعض الناس، بعضهم محتاجون حقاً(22).


الهوامش:
1. خطبة العقد المؤرخة 20/4/1370 هـ.ش.
2. خطبة العقد المؤرخة 11/6/1372 هـ.ش.
3. خطبة العقد المؤرخة 9/11/1376 هـ.ش.
4. خطبة العقد المؤرخة 24/5/1374 هـ.ش.
5. خطبة العقد المؤرخة 5/10/1375 هـ.ش.
6. خطبة العقد المؤرخة 27/10/1373 هـ.ش.
7. خطبة العقد المؤرخة 15/1/1372 هـ.ش.
8. خطبة العقد المؤرخة 1/11/1371 هـ.ش.
9. خطبة العقد المؤرخة 12/9/1377 هـ. ش.
10. خطبة العقد المؤرخة 30/7/1376 هـ. ش.
11. خطبة العقد المؤرخة 24/9/1371 هـ. ش.
12. خطبة العقد المؤرخة 11/5/1374 هـ.ش.
13. خطبة العقد المؤرخة 11/5/1375 هـ.ش.
14. خطبة العقد المؤرخة 18/9/1375 هـ.ش.
15. خطبة العقد المؤرخة 5/10/1375 هـ.ش.
16. خطبة العقد المؤرخة 2/9/1373 هـ. ش.
17. خطبة العقد المؤرخة 23/9/1373 هـ. ش.
18. خطبة العقد المؤرخة 24/5/1374 هـ. ش.
19. خطبة العقد المؤرخة  19/2/1374 هـ. ش.
20. خطبة العقد المؤرخة  22/8/1376 هـ. ش.
21. خطبة العقد المؤرخة 17/2/1375 هـ.ش.
22. خطبة العقد المؤرخة 4/10/1374 هـ. ش.


المصدر: إنطلاقة المودة. ط2، دار الولاية، 1423هـ. ق.

التعليقات (0)

اترك تعليق