الآفات التي تصيب الحياة الزوجية وسبل النجاة منها
متعة وحلاوة الحياة هي ثمرة لمهارات الزوجين ومراعاتهما، يقول علي(ع): "لكل شيء آفة"(1) ولأجل المحافظة على أي شيء حسن والاستفادة المناسبة منه لا بد أولاً من معرفة آفات ذلك الشيء، ثم الإسراع إلى تقويته وصيانته بدراية وذكاء، هذا هو قانون الحياة، وكلّما كان الشيء أكثر قيمة كانت آفاته أكثر وأخطر.
الحياة الزوجية والتي تبدأ بميثاق الزواج المقدس، هي واحدة من أعظم النعم الإلهية على البشرية _وبالمناسبة_ فهي عرضة للكثير من الآفات، ولذلك فإن يقظة وحذر الأزواج الشباب والمعرفة الصحيحة بالآفات، هو طريق النجاة من فتن الشيطان.
ولمرشدنا السيد علي الخامنئي(دام ظله) تحذيرات مهمة بهذا الخصوص:
لا تثيروا حسد وغيرة بعضكم:
أنا دائماً أوصي الشباب، إنكم في تعاملكم مع غير المحارم من النساء وحتى المحارم، لا تفعلوا شيئاً أو تتحدثوا بحديث يثير حسد زوجاتكم، وأوصي النساء أيضاً أن لا يفعلن شيئاً أو يتكلمن مع غير المحارم من الرجال بحيث يثير الغيرة والحسد لدى أزواجهن، فهذا التحاسد يجلب سوء الظن ويضعف أساس المحبة ويقتلعها من الجذور(2).
تحقير الزوجة: بداية انهيار الأسرة:
الظلم والتمييز والإهانة، أمور خاطئة في كل الأحوال، فإذا كان الرجل مثلاً من أكمل رجال العالم وكانت زوجته مثلاً من جهة التعليم والثقافة، امرأة أمية أو كانت من أسرة أقل شأناً، فليس له الحق أن يوجّه أدنى ظلم أو إهانة فالمرأة هي المرأة إلى الأبد لا يحق للرجل أن يوجّه لها أدنى إهانة، طبعاً هذا الأمر لا يقتصر علينا فهؤلاء الأوروبيون المعطّرين وذوي الملابس الأنيقة يظلمون هذه المخلوقات أحياناً بشكل أسوء مما في مجتمعاتنا. لا يحق للرجل وإن كان أعلى شأناً من المرأة أن يعامل زوجته بجفاء. والزوجة كذلك، فأحياناً تكون الزوجة امرأة متعلمة فإذا تزوجت برجل عامل فليس لها الحق في إهانته فالرجل مع ذلك هو السند الذي يجب أن يتكأ عليه والذي يجب أن تحافظ على حالته المعنوية بحيث يمكنها أن تتكأ عليه. هذه هي الأسرة السليمة وإذا بنيتم الأسرة على هذا المنوال فاعلموا أنكم ضمنتم ركناً أساسياً من أركان سعادتكم(3).
المثالية المفرطة:
على الشباب والفتيات أن لا ينساقوا وراء المثالية المفرطة في أمر الزواج، إذ لا يوجد شخص مثالي، ولا يستطيع الإنسان أن يجد مطلوبه المثالي، فلا بد من أن يتوافق ويعيش حياته، وإن شاء الله تكون حياة سعيدة، ويبارك الله لهم ويرضى عنهم(4).
في البداية يرى الإنسان كلّ شيء جميلاً، وبعد أن يتعرف على طبائع الطرف الآخر تنكشف له النواقص ونقاط الضعف تدريجياً، وهذا ما لا ينبغي أن يؤدي إلى فتور العلاقة، بل لا بد من التوافق رغم وجود هذه النقائص، لأنه في النهاية ليس هناك رجل مثالي وبلا عيب، ولا امرأة مثالية بلا عيب _أيضاً_ في أية بقعة من هذا العالم(5).
العلاقات غير المشروعة:
إن الرجل الذي له علاقة غير مشروعة مع امرأة ما، لديه محلان يمكن أن يشبعا غرائزه وبدرجات مختلفة، مثل هذا الرجل سوف لن يلتزم مع زوجته كما هو مطلوب، ولن يكون مثل الزوج الذي لا ينظر إلى أية امرأة أخرى، فعندما يقال: إن على المرأة أن لا تختلط مع الرجل الأجنبي في البيئة الاجتماعية، فهذا لأن تعلق المرأة لا بد أن يكون بزوجها، وإلا فإذا وصلت الأمور إلى الحد الذي تصبح هذه المسألة عادية بالنسبة لزوجها كما هو الحال في المجتمعات الغربية حيث لا يكون للزوج أهمية عند المرأة، حيث تقول: إنه إن كان فيها وإلا فليس مهماً، فسأطلب الطلاق وأنهي كل شيء، اذهب وشأنك وأنا أذهب وشأني وهذا أمر سيء للغاية.. اليوم تسعى بعض النساء لتجعل وضع المرأة بهذا الشكل وهذا بضرر وليس لصالحهن، لأنه يهدم كيان الأسرة(6).
العفاف وحفظ الحرمات، حصن للأسرة:
مسألة المحرّم والأجنبي والحجاب، وجواز النظر وعدم جوازه، والعلاقات غير السليمة والمضرة، هذه أمور أكد عليها الإسلام كثيراً، والتي لا تتم مراعاتها في بعض البلدان والمناطق البعيدة عن الإسلام.
فهذه وإن كان فيها بعض التقييد للمرأة، إلا أن الشارع المقدس وضعها وأكد عليها لأجل حفظ الأسرة وثبات هذا الكيان المهم، وأي إنسان إذا تدبر وتأمل في الأمور فإنه سيرى حكماً عظيمةً جداً(7).
فعندما تلاحظون في الإسلام مسألة المَحْرم والأجنبي وعدم الاختلاط بين الرجل والمرأة وأمثال ذلك، فهذه ليست رجعية، بل هي من أدق القضايا الإنسانية، وأحد أهم هذه القضايا، هي أن يبقى كيان الأسرة متماسكاً، لأن الزوج والزوجة سيشعران بالوفاء لبعضهما البعض، ولا يتحاسدان، وهذه مسألة مهمة للغاية(8).
هذا الحجاب الذي وضعه الإسلام، ومنعه من النظرة الحرام، واعتبار تلك العلاقات غير مشروعة، كل ذلك من أجل أن تتمركز محبتكم وقلوبكم حول نقطة واحدة سواء، أنتم الرجال أم أنتن النساء(9).
إن ما تلاحظونه في الإسلام كالحجاب والستر، وعدم اختلاط الرجل والمرأة وأمثال هذه الأمور، والتي يتصور البعض من ضيّقي الأفق وذوي النظرة القاصرة أنها أمور سطحية، كلا..! هذه الأمور أمور عميقة، والغرض منها هو تماسك الأسرة وثبات قلبي الزوجين وبقاء الأسرة مستقرّة، فهي أينما وجدت لأجل ذلك، فالقضايا التي يطرحها الإسلام والفقه الإسلامي من قبيل المحرم وغير المحرم، أو لا تنظر، لا تقم علاقة، لا تصافح، لا تضحك، لا تتبرجي، لا تتزيني أمام الآخرين، كل هذه الأمور هي لأجل أنها إذا روعيت فإن كيانكم هذا وأسرتكم الناشئة هذه، ستبقى متماسكة وستخلو من المشاكل، وسيشعر الرجل والمرأة أن مصير كل منهم مرتبط بالآخر، ومرتبط بهذه العائلة، لا أن تشعر المرأة أن البيت قيد بالنسبة لها، أو يشعر الرجل أن البيت والمرأة أمر مزعج بالنسبة إليه(10).
إن تأكيد الإسلام على غض البصر وعدم جواز النظر إلى الأجنبية وتوجيهه كل من الرجل والمرأة بطريقة خاصة، إنما هو بسبب أن عيني الرجل إذا انحرفت إلى جهة ما فعندها سيذهب جزء من حصة الزوجة إلى تلك الجهة من دون فرق في ذلك بين الرجل والمرأة، حيث سيذهب جزء إلى تلك الجهة، وعندما تقل تلك الحصة فإن المحبة ستضعف ويتزلزل كيان كل الأسرة، وحينها ستخسر ما ينفعك وتكسب ما يضرّك. والذي تتوهم أنك حصلت عليه(11).
الهوامش:
1. بحار الأنوار، ج70، ص228.
2. خطبة العقد المؤرخة 10/3/1379 هـ.ش.
3. خطبة العقد المؤرخة 22/12/1378 هـ.ش.
4. خطبة العقد المؤرخة 6/9/1376 هـ. ش.
5. خطبة العقد المؤرخة 24/1/ 1378هـ.ش.
6. خطبة العقد المؤرخة 19/1/1377 هـ. ش.
7. خطبة العقد المؤرخة 11/12/1377 هـ. ش.
8. خطبة العقد المؤرخة 15/10/1379 هـ. ش.
9. خطبة العقد المؤرخة 30/3/1379 هـ. ش.
10. خطبة العقد المؤرخة 15/12/1379 هـ. ش.
11. خطبة العقد المؤرخة 17/ 2/1375 هـ. ش.
المصدر: الخامنئي، السيد علي: إنطلاقة المودة، ط2، دار الولاية، 1423هـ ق.
اترك تعليق