مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

المرأة والكتاب العزيز

المرأة والكتاب العزيز

معنى المرأة:
للمرأة استعمالان مختلفان حسب ما جاءت به الآيات الكريمة التالية:
1-  المعنى الأصلي: وهو ضد الرجل، لقد أطلق القرآن الكريم هذا المعنى على الأنثى من البشر في مواطن مختلفة، منها:
أ‌- قوله تعالى: «إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ» (النمل/23)، وسنشير إلى حكومتها فيما بعد.
ب‌-  قوله تعالى: «وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ» (القصص/23)، وفاعل فعل ووجد هو موسى(ع) وذلك لمّا فر من فرعون وجاء إلى مدين رأى امرأتين واقفتين بجانب الرعاة من الرجال، فالمعنى المراد من امرأتين هنا هو ضد الرجل.
ت‌- قوله تعالى: «وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا» (الأحزاب/50)، فالملاحظ في هذه الآيات أنّ معنى المرأة جاءت ضد الرجل، والمراد بها هنا الجنس المؤنث من الناس.
2- المعني الثانوي: وهو بمعنى الزوجة سواء كانت صالحة أو غير صالحة، والآيات في ذلك كثيرة، نشير إلى بعضها فيما يلي:
أ‌-  قوله تعالى: «وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً» (النساء/128)، فالمعنى هنا بالنظر إلى قرينة البعل ما هي إلا الزوجة.
ب‌- قوله تعالى: «إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ» (آل عمران/30)، والتي تذكره الأخبار المفسرة لها أنّ اسمها كان "حنة" وهي أم مريم(ع) وجدة عيسي النبي(ع)، وهي المرأة الصالحة وزوجة عمران الذين اصطفاهم الله واختارهم لرسالته، وكذلك ترى هذا المعنى في الآية الشريفة التالية «وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ» (القصص/9) تلك المرأة الصالحة التي ذكرت التفاسير اسمها آسية بنت مزاحم التي أخبر عنها الرسول(ص) بأنها من أهل الجنة.
ت‌- هذا وأما بالنسبة إلى المرأة غير الصالحة، قال عز وجل: «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ» (التحريم/10)، فكلتا المرأتان زوجتان غير صالحتين.
المساواة:
هذا هو شعار عصرنا الحاضر، وهذا ما تريد أوروبا أن تحققه لأجل مقاصدها الخبيثة، وظاهر هذه العبارة تغري النساء أكثر، لذلك انزلقن من أجلها في متاهات الضلالة، وخضن غمار الحياة بكل صعوبة وشدة، لأنها مالت عن طبيعتها التي أودعها الله فيها، فلا بد للناس جميعا أن يتمسكوا بأحكام السماء في يوم ما، قبل حلول القيامة العظمى، كي تنزل الرحمة الإلهية على رؤوسهم من كل جانب بإذن الله تعالى.
وما قمنا به من دراسة لهذا الجانب ما هو إلا ما استوحيناه من الآيات القرآنية في جانبي الإيجاب والسلب، ولكل جانب فروع منها ما هو خاص بالقضايا الاجتماعية، أو السياسية، أو العقائدية نذكرها كالآتي:
أولاً: المساواة في الجانب الايجابي:
1- في الخلق: قال تعالى: «وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا» (الروم/20)، وقال أيضا: «وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً» (النساء/1)، وكذلك يقول: «وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ» (النجم/45)، تعتني هذه الآيات بالخلقة البشرية وترشد الناس إلى أن الرجل والمرأة مخلوقان من نفس واحدة فلا فرق ولا اختلاف بينهما فالمساواة في الخلقة قائمة على أصولها بين الاثنين.
2- في اكتساب الرزق: قال تعالى: «لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ» (النساء/32)، فالرجال والنساء أحرار في اكتساب الرزق الحلال من دون أي اختلاف بينهما.
3- في الولاية: قال تعالى: «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ» (التوبة/71)، فالولاية العظمى لله تعالى حيث يقول: «هُنَالِكَ الْولاَيَةُ للّهِ الْحَقِّ» (الكهف/44)، ثم تأتي بعد ذلك للرسول(ص) حيث يقول عز وجل: «النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ» (الأحزاب/6)، ثم تأتي المرحلة الأخيرة ولاية المؤمنين والمؤمنات بعضهم لبعض كما جاءت الآية الأولى.
4- في غض البصر وحفظ الفرج: قال تعالى: «قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ» (النور/30)، وقال أيضا: «وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ» (النور/31)، فمن أجل بقاء المجتمع الإسلامي سالما، ومن أجل محور الفساد والانحراف، ومن أجل القضاء على سرطان الأمراض الاجتماعية المسرية، لابد أن نتمسك بقوانين السماء التي تسعد الإنسان في الدنيا وخاصة غض البصر وحفظ الفروج، لأنهما من أقوى أسلحة إبليس، ومن أقوى أسلحة الدمار لأداء الدين، فعلى هذا جاءت التعاليم القيمة للدين الحنيف مساوية بين الرجل والمرأة في هذا المجال.
5- في التوبة: قال تعالى: «وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ» (الأحزاب/73)، وقال أيضا: «وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ» (محمد/19)، أمر الله سبحانه بالتوبة لأن النفس البشرية معرضة للأخطاء وارتكاب الذنوب والجرائم، والإنسان في هذه الحالة يقع وسطا بين النفس الأمارة بالسوء من الداخل وبين الشيطان الرجيم الذي طلب الانتظار من الرحمن من الخارج فمن أجل النجاة فتح الله باب التوبة رحمة ورفقا بالبشر، «إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ» (النساء/17) وباب التوبة مفتوح للطرفين رجالا ونساء بدون استثناء.
6-  في الثواب: قال الله تعالى: «وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ» (التوبة/72)، إنما يوفى حسابهم يوم الجزاء أصحاب الأعمال الصالحة، والذي يقول عنهم رب العزة: «أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ» (آل عمران/190)، وما هو جزائهم إلا جنات تجري من تحتها الأنهار من دون فرق بين الرجال والنساء، فطوبى لهم وحسن مآب.
7- في الإيذاء: قال تعالى: «وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا» (البروج/10)، من أجل نشر الإسلام في ربوع الأرض، والحفاظ على القرآن، ومقاومة الكفر والطغيان، لابد أن يضحي المؤمنون والمؤمنات بكل غال ورخيص، وتحمل المشقة والأذى حتى يكتسبوا الجنات العالية والسعادة الأبدية.
8- قيمة المرء: إن كان للإنسان قيمة واعتبار فإنها ناشئة من إيمانه بالله سبحانه، وإن ُسلب من الإنسان إيمانه فلا قيمة له، حيث يقول الباري عز وجل: «وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً» (التوبة/36)، ولكن من تعمد الخطأ في قتل المؤمن كأنما قتل الناس جميعا، هذا ومن أجل التعرف على قيمة أهل الإيمان من الرجال والنساء فلننظر إلى هذه الآية الشريفة التي تقول: «وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ» (البقرة/221)، إذن فلا فرق بين الرجل والمرأة من حيث القيمة إن كانا من أهل الإيمان.
ثانياً: المساواة في الجانب السلبي:
فالسامع لهذه الآيات سيقف على قضايا اجتماعية ترتبط بسلامة المجتمع التوحيدي من عدم السخرية من الآخرين، ومن عدم الاختيار فيما يقضيه الله من الأحكام، وأخيرا توبيخ المؤمنين والمؤمنات من أن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام الآخرين من أهل الإيمان عندما يسمعون الكذب، واليك النصوص القرآنية في هذا المجال:
1- السخرية: قال تعالى: «لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ» (الحجرات/11).
2- عدم الاختيار: قال تعالى: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ» (الأحزاب/36).
3- التوبيخ: قال تعالى: «لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا» (النور/12)، والمعنى لولا إذ سمعتم الإفك ظننتم بمن رمى  به خيراً فإنكم جميعا مؤمنون بعضكم من بعض، والمرمى به من أنفسكم وعلى المؤمن أن يظن بالمؤمن خيرا ولا يصفه بما لا علم له به.(1)
من واجبات المرأة:
للمرأة مسؤوليات كثيرة صرح بها القرآن المجيد على أصعدة مختلفة منها السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والتربوية، و... ونشير هنا إلى ركنين أساسيين في حقل السياسة:
1- البيعة العبادية السياسية: العبادة في منطق القرآن الكريم هي خالصة لله عز وجل دون الشرك به كما عبر الله عن هذا المعنى في مواطن كثيرة من القرآن العزيز، منها قوله تعالى: «قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلاَ أُشْرِكَ بِهِ» (الرعد/36)، وأما الجانب السياسي الملازم للعبادة عبر الله تعالى عنها في القرآن العزيز في حديث أصحاب الكهف قائلا: «إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى. وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا» (الكهف/13- 14)، فالعبودية والسياسة تتجلى بوضوح في هذه الآية الشريفة حيث القيام والثورة ضد الطاغوت ومحاربة أفكارهم وعقائدهم الشيطانية الفاسدة المشركة، ومن ثم نشر التوحيد في ربوع الأرض، إذن البيعة من إحدى واجبات (المؤمنين والمؤمنات) كما حكاها الله تعالى في هذه الآية: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ» (الممتحنة/12)، فعدم الشرك هو الإقرار بالتوحيد "بيعة العبودية" وثم القيام بنشر هذه العقيدة بين الناس "بيعة سياسية" فهما من الأصول العبادية السياسية في الإسلام.
2- الهجرة: من إحدى صفات المؤمنين والمؤمنات الأوائل من المتقدمين والمتأخرين، هي الهجرة في سبيل الله من الكفر إلى مواطن العز والشرف وبذل الغالي والرخيص في سبيل التوحيد، والهجرة من السنن الإلهية والأصول العامة التي فرضها الله على عباده وجعلها جارية بين أوليائه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، حيث يعبر القرآن الكريم عن هذه السنة الحسنة للنساء المؤمنات قائلا: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ» (الممتحنة/10)، إذن فالبيعة والهجرة من السنن الواجبة السياسية والعبادية للمرأة المؤمنة.
وصايا خاصة:
بعدما وقفنا على واجبات المرأة والأصول العامة لها من خلال القرآن الكريم، علينا الآن أن نستمع إلى ما وصّى به الله عباده اتجاه النساء، وهي أمور نذكر منها:
1- عدم الإجبار والإكراه: جسميا المرأة أضعف من الرجل، ولا شك لأحد في ذلك، وهناك قاعدة تقول القوي يأكل الضعيف، ولا يُستثنى من ذلك أحد، فبناء على هذا سنّ الدين القويم بعض القوانين للحد من تعدي المتجاوزين علي حقوق المرأة، فمن ذلك ما جاء في الآية الشريفة التالية: «لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا» (النساء/19)، إذن الآية تنفي القوة والإجبار والإكراه فلم يبق طريق سوى التراضي.
2- عدم نكاح نساء الآباء: من السنن الماضية والسارية في الجاهلية نكاح نساء الأب من بعد وفاته، ولقد حرم القرآن ذلك ومنع منه حيث يقول الباري تعالى: «وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء» (النساء/22).
3-  العدالة: هي من الأسس القويمة أرست الدنيا عليها من سماء، وأرض، وجبال، وسهول، وإنسان، ونبات، وحيوان، و... فما ترى من شيء إلا والعدالة من أبرز الصفات ومن أهم الخصائص فيه، ولقد أوصى الله سبحانه الرجال باتخاذ العدالة حلا وسطا بين الزوجات قائلا: «فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً» (النساء/3)، وكذلك يأمر الله عباده القيام بالعدل حيث يقول: «اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى» (المائدة/8).
4- إنقاذ النساء: المتتبع للتاريخ والناظر في القرآن الكريم يرى أنّ النساء أكثر عرضة لهجمات الأعداء والظالمين من أمثال فرعون وهامان ونمرود والطواغيت الذين يعبر الله تعالي عنهم (قال فرعون) سنقتل أبناءكم ونستحيي نساءكم، فهذه من سنن الفراعنة والطواغيت في التاريخ من قتل الذكور والرجال وإبقاء النساء أحياء تتخذ وصائف وأمات، ولقد أشار الله سبحانه إلى هذا المعنى في مواطن كثيرة في كتابه العزيز، إذن فليس المسؤول أمام هذا الظلم سوى المؤمنين أصحاب الرسالة حيث يخاطبهم الله قائلا: «وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ» (النساء/98).
حكومة المرأة:
ذكر القرآن الكريم الجانب السياسي لحكومة بلقيس المعاصرة للنبي سليمان(ع)، ووصف تلك الحكومة بأوصاف ثلاثة:
الأولى: إن النظام الحكومي القائم عندها ملكي.
الثانية: إن لهذه الحكومة القدرة والعظمة المادية.
الثالثة: إن الملكة تمتاز بالعقل وتستشير في الأمور أصحاب الوزارة.
وإنما جاءت هذه التفاصيل عن لسان الهدهد الذي أخبر سليمان(ع) في قوله تعالى: «إِنّي وَجَدتّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ» (النمل/23)، هذه الآية تشير إلى الصفتين الأولى والثانية، وأما بالنسبة إلى الصفة الثالثة، حيث يقول عز وجل: «قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلا أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ» (النمل/32- 33)، فإنها لم تغتر بكلام الوزراء والأعوان بأنهم أصحاب قوة وبأس شديد، بل عدلت إلى الحكمة والتعقل كما تشير الآيات القرآنية الأخرى إلى ذلك.
ولا يخفى علينا أنّ هذه الحكومة "حكومة بلقيس" كانت قائمة على الأصول المادية البعيدة عن رب العالمين حيث يصفهم قائلا: «وَجَدتّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشّمْسِ مِن دُونِ اللّهِ وَزَيّنَ لَهُمُ الشّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدّهُمْ عَنِ السّبِيلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ» (النمل/24)، وإن الله سبحانه وتعالى يريد أن يخبرنا أنّ الإنسان مهما تمكن في الجانب المادي فلا يغنيه ذلك ما دام بعيدا عن ساحة عبودية رب العالمين، وإن هذه القدرة والعظمة يجب أن تستخدم في سبيل الله، فإن النبي سليمان(ع) يواجه قدرة سياسية عظمى ولكنها ترتكز على الماديات، وإنه(ع) يعتمد على القدرة الأزلية التي سخرت له الجن والإنس، وكانت العاقبة الانتصار والفوز لأهل الدين على أصحاب المادة.
المهم أن نشير هنا إلى هذه النقطة: إن الله سبحانه وتعالى لن ينفي القدرة السلطوية للمرأة، وإنما لم يعر لها أهمية لأنها كانت في ركاب الشيطان وانقطعت عن السماء.
المرأة المثالية في القرآن الكريم:
لقد ذكر القرآن الكريم أسماء نساء مثاليات يقتدى بهن في مجالات مختلفة وخاصة في الوعي العبادي الذي يمثل أنصع آيات التوحيد والتسليم لرب العالمين، وذلك حسبما جاء على لسان:
1- امراة عمران: التي لم تشر الآيات القرآنية إلى اسمها "حنة": «إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» (آل عمران/35- 36)، "إن امرأة عمران وهي شخصية نسوية قدر لها أن تساهم بنحو أو بآخر في ممارسة الوظيفة العبادية على الأرض، قد نذرت للسماء أن تمحض وليدها لممارسة الخدمة للمسجد، يفصح عن وعيها العبادي الحاد، وتقديرها لمسؤولية هذا العمل، وإدراكها لمهمة الكائن الإنساني على الأرض"(2). هذا وإنّ الله سبحانه وتعالى تقبل منها ما نذرته قائلا: «فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ»، فما أروع هذه الاستجابة من القبول الحسن والذب عنها من الشيطان الرجيم، فلما كانت النفوس زاكية طاهرة استجاب الله لها الدعوات، وليس هذا هو الهدف العالي هنا بل يتعالى شأن الإنسان إلى أعلى المستويات ألا وهو الاصطفاء والاختيار من قبل الرب الأعلى الذي يقول في شأن آل عمران: «إِنَّ اللَّه اِصْطَفَى آدَم وَنُوحًا وَآل إِبْرَاهِيم وَآل عِمْرَان عَلَى الْعَالَمِينَ» (آل عمران/33)، فما أعظمها من درجة فلتحيا ذكرى الأنبياء وخاصة امرأة عمران على مر العصور والأزمان.
2- مريم(ع): إنها النموذج الصادق في العبودية والرق والتسليم لرب العالمين، إنها نشاط وحركة وقيام لأجل التوحيد، إنها اتخذت مكانا شرقيا تمارس فيه العبودية لله تعالى، وإنما يتولى تربيتها الأنبياء العظام ويفتخرون بهذه التولية، إنهم يتسابقون إلى تكفلها: «وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ» (آل عمران/44)، وأخيرا أصابت القرعة زكريا(ع)، وكلما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقا قال أنّى لك هذا قالت هو من عند الله، ما هذه الكرامة والشرف لسيدة نساء أهل زمانها!
ما هذه الولاية النبوية لخدمتها! ما هذه العناية السماوية لها!
وهناك تعجبات مثيرة أخرى، وما مصدرها إلا القنوت لله عز وجل والعبودية له، إنها الأمة بمعنى الكلمة، فلما وصلت إلى هذه المرحلة اختارها الله كما يختار الأنبياء والمرسلين حيث يقول تعالى: «وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ» (آل عمران/42)، إنها اكبر وسام منحها الله في العفاف واختارها وجعلها قدوة ومثالا للنساء، وكفاها فخراً وعلو شأن أنها تكلمت مع سكان السماء وخاصة جبرائيل(ع)، وأخيرا أصبحت أما لأكبر نبي من الأنبياء عيسى(ع) والذي جاء حديثه مفصلا في القرآن الكريم، إذن فما علينا إلا أن نسلك مسلكها ونخوض في غمار عبوديتها حتى نفوز بالرضوان.
3- أم موسى(ع): ومن النساء المؤمنات التي توجهت إليها عين السماء أم موسى سلام الله عليها، وكفاها عزا أنها خدمت أحد أنبياء أولي العزم عليهم السلام، وبلغ بها المجد والعظمة إلى درجة أوحى الله سبحانه ملهما لها حينما تحيرت واضطربت على وليدها حيث يقول الباري تعالى: «وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ» (القصص/ 7)، إنه إيمان عظيم بالله، إنه التسليم المحض لله تعالى، فأية امرأة في العالم تلقي برضعيها في البحر، ولم تعلم عن مصيره شيئا سوى أن ربطنا على قلبها، إنها من أكبر مظاهر الإيمان، إنها من أكبر مظاهر التسليم لرب العالمين، إنها امتثال الأمر للباري تعالى بلا تعلل واستثقال، إنها لمن مظاهر العظمة لليقين والتوكل على الله، فما أعظمها من قدوة لنساء اليوم.
4- سارة: ومن المؤمنات الكريمات سارة زوجة النبي إبراهيم(ع)، "ولا شك أن سارة(ع) عند المسلمين من خيرة النساء، وهي ملحقة بدرجة المعصومين ولها عند النبي المختار(ع) وأهل بيتته الكرام عليهم السلام المرتبة السامية، فهي عندهم كحواء أم البشر ومريم بنت عمران وأشباههن عليهن السلام، فهي من سيدات النساء لعصرها"(3). ويقول الباري في شأنها: «وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ»( هود/71).
5- آسية بنت مزاحم: ومن المؤمنات اللاتي يفختر القرآن العزيز بهن امرأة فرعون آسية بنت مزاحم، حيث يقول الله تعالى في شأنها: «وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱمْرَأَتَ فِرْعَوْنَ» (التحريم/11)، فلها الدور الكبير في إنقاذ موسى الرضيع(ع) من الطاغية فرعون بقولها: «قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ» (القصص/9)، ولما استسلم السحرة لموسى(ع) وآمنت بربه سبحانه الذي يقول فيهم: «وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ» (الأعراف/120)، وثم آمن الشعب الإسرائيلي لموسى(ع) وتظاهر بالإيمان لله رب العالمين، أظهرت آسية إيمانها المكتوم وأحبت ربها ونطقت بذكره وتسبيحه وتقديسه، هناك اطلع فرعون على ما كانت تكنه في ضميرها وعرف حاله فطلب منها الرجوع والنهي عما تمسكت به، فكان الرد منها عليه عنيفا، فأخذ في تعذيبها حتى الشهادة، فانظر إلى إيمانها القوي تخاطب به رب السماء والأرض قائلة: «رَب ابْنِ لِي عِندَك بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنجِّنى مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنجِّنى مِنَ الْقَوْمِ الظَالِمِين» (التحريم/11) إنه لحب شديد في الله إنه حب خالص نابع من الإيمان، وكفاها فخرا إنها تعد من إحدى أفضل نساء الجنة كما صرح به الرسول العظيم (ص) قائلا: "أفضل نساء الجنة أربع خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد (ص)، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون"(4).
القدوة السيئة(5):
كما تكون القدوة للصالحات كما أشرنا معتمدين في البيان على القرآن العظيم، كذلك تكون القدوة للفاسدات، والآن ننظر لبعض النساء اللائي جرين في سوح الكفر والطغيان وتمادين في الغي والضلالة، وتسكعن في الباطل، وسكرن في الأوهام ومضين في الفساد.
1- امرأتا نوح ولوط: فإنهما من أصحاب الكفر والضلالة كما عبر عنهما القرآن الكريم حيث يقول: «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا» (التحريم/10)، فيا لها من مصيبة عظمى عندما يبتلى الإنسان المؤمن بهكذا زوجة، وإن كان ربك لبالمرصاد حيث انتقم منها حيث تخبرنا الآية التالية شأن امرأة لوط: «فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ» (الأعراف/83)، وكذلك أشار إليها في موضعين آخرين من القرآن الكريم (الحجر: 60؛ والعنكبوت: 33).
وزوجة لوط كانت من أهل قريته، وكانت على دين قومها وطريقتهم لم تؤمن بلوط ولا بدينه ولم تتبعه في عمل، بل هي تابعة لقومها وعلي ملتهم ومحبة لعملهم وعدوة للوط ولكل من يتعلق به ويحبه، فهي كافرة به وبدينه وكانت توشي عليه وتدلهم على ضيوفه، وقيل كانت جاعلة بينها وبين قومها علامة للدلالة على ضيفه، وهو إنها كانت إذا جاء ضيف أو ضيوف ليلا تشعل النار فوق السطح، وفي النهار تدخن فوق السطح.
2- امرأة أبي لهب: التي عاصرت الرسول الأكرم(ص) والتي نزل في حقها وزوجها:«تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ» (المسد/1-4). فتعسا لها وله، وسحقا لهما ولأتباعهما[...].
فعلينا أن نعتبر بهذه القصص ونهذب أنفسنا من قبل أن يحل بنا «يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا» (الدخان/41).
القرآن وحقوق المرأة:
قرر الإسلام حقوقا للمرأة، منها:
1- الصحة: هي من أهم عناصر بقاء البشر ولولاها لكانت الإبادة للبشر وتفشي المرض والكسل بين الناس وخيم الفتور والحرمان على رؤوس الأنام، فالواجب على الجميع رعاية الصحة والنظافة من أجل الحياة، وجعل الله سبحانه حقا خاصا للمرأة في هذا الجانب ألا وهو اعتزال الرجال عن النساء أيام الحيض، ويشير الله تعالى في كلامه: «وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ» (البقرة/222).
2- الإرث: لقد خصص الله سبحانه سهما من الإرث للرجال وجعل سهما آخر للنساء، فالقرآن الكريم لم يهمل حق الإرث للمرأة بل أقر لها نصيبا مفروضا في كتابه العزيز قائلا: «وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ» (النساء/7)، وهناك آيات أخرى وأحكام فقهية مفصلة في هذا المجال فمن أراد فليراجع مظانها.
3- الحقوق الاجتماعية: وهي كثيرة نشير هنا إلى بعضها:
الأول: حقها في المهر: لقد أقر القرآن بذلك قائلا: «وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً» (النساء/4)، فلا يحل للرجل التغافل عنه، وهو دين في بعض الأحيان مؤجلا على عاتق الرجال.
الثاني: الزواج: أعلم أن السنة الكونية التي أوجدها الله تعالى في الدارين (الزواج) أو أوجد الزوجية بين الأشياء من أنثى وذكر، ورجل وامرأة و... وإلى هذا المعنى أشار القرآن الكريم يقول: «سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا» (يس/36)، فالعموم في الزوجية شامل لجميع الموجودات بلا استثناء، ويقول سبحانه في موطن آخر: «وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» (الذاريات/49)، وليس الهدف من وراء ذلك إلا التعبد والتسبيح: «وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ» (الإسراء/44)، فإنك تشاهد قانون الزوجية سائر في النباتات أيضا حيث يقول الباري: «وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ» (الحج/5)، حيث جعل البهجة والنظارة والجمال فيها، ويقول عز وجل أيضا: «فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ» (الرحمن/52)، وأما بالنسبة إلى الحيوان فالقاعدة جارية أيضا حيث يقول تعالى: «وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا» (الشورى/11)، وأما بالنسبة للإنسان الذي هو من أشرف المخلوقات وبه يباهي الله سبحانه وتعالى سكان سماواته قائلا: «فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ» (المؤمنون/14)، لقد أجرى الله تعالى قانون الزوجية فيه حيث يقول مخاطبا آدم(ع): «وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ» (البقرة/35)، ويشير في موضع آخر: «وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ» (النجم/45)، فلا مناص من الزوجية في البشر حيث يقول تعالى: «أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً» (الشورى/50)، ويعد الله الزوجية من آياته الباهرة وذلك أن خلق الأنثى من نفس الذكر وليس من مادة أخرى حيث يقول:«وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا» (النحل/72)، فلا غرابة ستبقى في ذهن البشر وثم يشير في موطن آخر إلى الهدف منها بقوله: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا» (الروم/21)، إذن فما الهدف إلا السكن والهدوء والاطمئنان من وراء الزواج، وثم جعل الزواج من النساء المؤمنات ومن الرجال المؤمنين فقط، وذلك حسبما جاء في سورة (البقرة/221) قوله عز وجل: «وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ» ، أو قوله عز وجل: «فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ »(النساء/25)، ومن ثم ترى القرآن الكريم يحذر من بعض الأزواج (رجالا أو نساءا) حيث يقول الباري تعالى: «إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ» (التغابن/14).
وأخيرا يقول إن سنة الزواج تكون في الآخرة أيضا كما هي الحالة في الدنيا وذلك كما يقول تعالى: «وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» (البقرة/25)، فكلا الطرفين من الأطهار، فلا فجور ولا فسوق ولا دنس ولا نجس بينهما، هذا وإنهم خالدون ما بقي الدهر، منعمون بجوار الرب فهنيئا لهم، وكذلك ترى يشير الله سبحانه وتعالى إلى هذا المعنى في موطن آخر حيث يقول: «وزوَّجناهم بِحُورٍ عِين» (الدخان/54).
الثالث: عدة الطلاق: فهذا حقها الآخر في الجانب الاجتماعي يجب رعايته وذلك حسب ما يقول الباري في كتابه: «إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ «(الطلاق/1)، حتى يحافظ على نسل البشر من الضياع[...].
الرابع: أداة الشهادة: الشهادة من الأمور التي اعتنت السماء بها ومن يكتم الشهادة فهو من الظالمين كما يقول رب العالمين: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ» (البقرة/140)، وكذلك يقول في موطن آخر إنه من الآثمين إن لم يدلي بالشهادة: «وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ» (البقرة/283)، هذا فإن السماء كلفت الإنسان أن يدلي بالشهادة لله فقط حسبما جاء في النص القرآني «وأقِيمُوا الشَّهادةَ لله» (الطلاق/2)، وان كان هذا الحق للرجال بأن يكونوا شهداء في المعاملات والقضاء و... وكذلك للمرأة هذا الحق مع تفاوت يسير مع الرجال حيث يقول تعالى في هذا الشأن: «فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ» (البقرة/282)، فلم يحرمها الله من هذا الحق الاجتماعي.
الخامس: العدالة: لقد أوصى  الله عباده بها وأمرهم بالقيام بأمرها وخاصة بين النساء اللاتي هن من أكبر مظاهر العاطفة وأكثر الناس حاجة إليها، حيث أمر بقوله تعالى: «وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ» (النساء/129).
السادس: عدم رمي النساء بالتهم: من أجل أن لا يتشتت المجتمع البشري وأن لا تضل أفراد الأسرة المسلمة، منع القرآن الكريم التهمة ضد النساء قائلا: «إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» (النور/23)، فاللعنة هنا تمنع الرمي.
السابع: الحجاب(6): المعروف أن العيون خائنة، والأبصار مريضة والشهوة غالبة، والتهور منتشر، والإيمان عديم، والتقوى هجير و... فلم يبق سوى الشيطان وحزبه الكافر، لقد نشر جند بين الرجال والنساء فهو لهم بالمرصاد يعمل ليل نهار، للحط من الأقدار وجر الناس إلى النار... فمن أجل الحفاظ على الأخلاق الحميدة، وحفظ الأمانة الإلهية ودفع الشر والطغيان، أوجب الله تعالى الحجاب على النساء قائلا: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ» (الأحزاب/59)، بادية بالنبي الأكرم(ص) وأزواجه وبناته ثم نساء المؤمنين بالالتزام بالحجاب ولبس الجلباب الذي يستر البدن جميعا ثم المنع من التبرج كما كان أهل الجاهلية يفعلون، وتارة أخرى يعلل فلسفة الحجاب بقوله تعالى: «وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ» (الأحزاب/53)، لان النظرات سهام إبليس يرمي بها القلوب والأفكار، ويذهب بالعقول والأفهام وحين ذاك يعد الإنسان من البهائم والحيوانات.
الثامن: استجابة الدعاء: يعيش الإنسان في محيط متلاطم بأمواج من الفتن والبلايا والمعاصي، فهو يشعر أحيانا بعجزه أمام الحوادث فيسند ظهره أحيانا إلى قوى عظيمة حتى تنقذه من ورطة، ولربما أحيانا يواجه الخذلان من الناصر والأقارب فيرى نفسه محاصرة بالمصائب، فلم يبق له طريق سوى اللجوء إلى قوة قاهرة عظيمة أزلية يستعين بها على أعدائه، ويطلب النجاة من الفتن، فما عليه إلا أن يرفع يديه خالصة من دون شائبة نحو السماء حتى تنهمر عليه الرحمة الإلهية العظمى، فالدعاء سلاح المؤمن، وله شرايط خاصة منها لو كانت مع العائلة فتكون إلى الاستجابة أقرب حيث صرح العزيز في كتابه الكريم قائلا لنبيه محمد(ص): «فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ» (آل عمران/61)، وشأن نزول الآية معروف منشور في كتب التفاسير وتشير إلى أن المدعوين هم محمد (ص) وعلي(ع) وفاطمة(ع) والحسن والحسين عليهما السلام أمام النصارى الذين تراجعوا عن المباهلة، وكانوا عارفين باستجابة دعاء هذه الثلة لو دعوا، فلذا استسلموا لأمر الرسول(ص). إذن فلا ننسى لو أردنا الدعاء، علينا بأفراد الأسرة فهم أقرب للإجابة إن شاء الله.
السور التي جاءت فيها أحكام النساء:
اعتنى القرآن المجيد بالجانب النسوي كثيرا، فلذا نرى الأحكام الخاصة بهن جاءت في سورة كثيرة، منها: البقرة، آل عمران، النساء، المائدة، الأعراف، التوبة، هود، يوسف، إبراهيم، الحجر، النحل، مريم، النور، النمل، القصص، العنكبوت، الأحزاب، غافر، محمد، الفتح، الحجرات، الحديد، المجادلة، الممتحنة، الطلاق، التحريم، الذاريات، المسد.

الهوامش:
1- الميزان/ج 15: 91.
2- دراسات فنية، ص 91، محمود البستاني.
3- قصص الأنبياء، ص 138.
4- قصص الأنبياء، ص 314.
5- قال الراغب في مفرداته (ص 18): الأسوة كالقدوة، والقدوة هي الحالة التي يكون الإنسان عليها في اتباع غيره إن حسنا وإن قبيحا، وإن سارا وإن ضارا، وبناء على هذا التعريف جئنا بهذا العنوان، ولابد أن نقول إن كلمة القدوة تشبه الإمام من حيث الاستعمال، فإن الإمام تُستعمل للصالح والظالم كما يقول الله عز وجل «يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ» (الإسراء/71) وكما قال أمير البيان علي (ع): فإنه لا سواء إمام الهدي وإمام الردى(نهج البلاغة/385) فإنك ترى كلمة الإمام استعملت في الحالتين.
6- وقد أشار إلى فلسفة الحجاب علي (ع) في الحديث الآتي ذكره.

المصدر: موقع حوزة نت: مجلة آفاق الحضارة الإسلامية العدد 9.

التعليقات (0)

اترك تعليق