السکن الأسری.. أهمیة ملحة للرجل والمرأة معاً
یقول الله تعالى في کتابه المجید: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (الروم: 21).
إنها من أکبر الآیات الدالة على وجود الله المستحق للعبادة والطاعة والخضوع خلقه للإنسان الرجل أولاً، ثم خلقه للمرأة من نفس الرجل لیجد فیها الرجل کماله وسکینته في هذه الحیاة. وهي واضحة الدلالة على أن خلق المرأة للرجل من نفسه هو لحکمة کبرى منصوص علیها صراحة هي: توفیر السکن للرجل أساسا توفیر السکن للمرأة بالتبع.
والله عز وجل الذي خلق الرجل وخلق المرأة له لحکمة توفیر السکن له هو الذي قال: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ» (النساء: 34) فوضع الإشراف على مؤسسة الأسرة في ید الرجل، وبذلك کان الوضع فطریاً وحکیماً لا هضم فیه لحق فطری، ولا تطاول فیه على کرامة فطرة سلیمة.
ولیس تأسيس الأسرة على هذا الوضع فیه سلب للمسؤولیات وامتهان للکرامات، وانتقاص للأدوار والواجبات، کلا، ولکن التأسیس على هذا الشکل فیه حکمة ترتیب، وحسن توزیع وتنظیم یوضح هذا قول الرسول(ص): "کلکم راع وکلکم مسؤول عن رعیته، فالرجل راع ومسؤول عن رعیته والمرأة راعیة في بیت زوجها ومسؤولة عن رعیتها، والولد راع...، والخادم راع...»، وهکذا نجد الحدیث لا یعفی أحدا من أفراد الأسرة من المسؤولیة، ولکنه لا یترکها بدون تحدید وتنظیم وترتیب، أي أن الأسرة ستتعرض للأخطار إذا اختل التوازن ولا ترتیب، فلیست قیادة الأب للأسرة کقیادة الولد في حال اعتلائه سلّم القیادة... ولا قیادة الأم کقیادة البنت، فما بالك بقیادة الخادمة..
وإذا کان بعض النساء أکثرن من إشاعة بعض الأفکار المعوجة لإسقاط الشعوب الإسلامیة في حظیرة التبعیة الفکریة، والمرجعیة البشریة الناقصة، حیث یدعین أن المرأة في الإسلام مسلوبة الإرادة لا شخصیة لها ولا مسؤولیة ولا دور لها في الأسرة، فهذا کذب على الدین، وعلى التأریخ، وعلى الواقع، وعلى الرجل.
فالمرأة في الدین والواقع هي سیدة البیت، وقطب رحاه، وهي زهرة الکون وعبق شداه، ألم یقل النبی(ص) أن المرأة الصالحة هي خیر متاع الدنیا، وأن الجنة تحت أقدام الأمهات، وأن المرأة راعیة ومسؤولة عن رعیتها، فالأسرة أساساً موضوعة تحت رعایة الزوجین، وتأریخا وواقعا وعملیا تحت رعایة الزوجین، فلا جدید في هذا إلا التطبیل والتزمیر وتملق الجهات النافذة للاسترزاق بقضایا المرأة.
أما إلغاء الطاعة مقابل الإنفاق، فهذا مطلب لا یمکن تحقیقه إلا في الخیال الکاذب، وفي دنیا أخرى وحیاة أخرى غیر الحیاة البشریة، إذ الحیاة الزوجیة المتعارف علیها بین الذکور والإناث لابد أن تقوم على أساس الطلب والطاعة والحق والواجب والإیجاب والقبول، والرغبة والاستجابة، ومقابلة لذة الأمر بحلاوة الطاعة. إذ الحیاة لابد أن تسیر هکذا حتى في نطاق الصداقة والمخادنة، والمخالطة والمشارکة، هذه هي سنة الحیاة، وإلا لا سکینة في الحیاة الزوجیة، ولا تکامل في المعاشرة الأسریة، إذ کیف ترفرف السکینة على أسرة لا ینکر الزوج فیها ذاته في سبیل مصلحة الزوجة، ولا تنکر الزوجة فیها ذاتها في سبیل إسعاد الزوج وتلبیة رغباته التي لا قوام للحیاة الزوجیة بدونها، وهي المشار إلیها في الأسلوب القرآني الرائع «هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ» (البقرة: 187).
فهل تستطیع القوانین المادیة توفیر شروط السکن المعنویة والإیمانیة.
المصدر: مجلة الطاهرة، العدد: 215.
اترك تعليق