مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

غياب المرأة عن ساحة البحث الفقهي

غياب المرأة عن ساحة البحث الفقهي.. لا بد للفقيه من إشراك المرأة في البحث الفقهي

توجد مقالة رائجة بين الفقهاء، حاصلها أن الفقيه لا يفهم بعض مسائل الحجّ حتى يحجّ، وعلى ضوء هذه المقولة يُفسّر بعضهم صعوبة الإفتاء في مسائل الدماء الثلاثة (الحيض والاستحاضة والنفاس). بالرغم من تضييق دائرة المشكلة بهذه الحدود، إلاّ أنه يُمكن توسيع دائرة التعقيد إلى مسائل المرأة جميعها.

ويُمكننا الاستفادة من مثال غير فقهيّ لتقريب هذه الفكرة إلى الأذهان؛ وذلك أن كثير من الخطباء والمُحاضرين في المساجد والمراكز الدينية يشتكون من الضجيج الذي يصدر من الجهة التي تجلس فيها النساء التي عادة ما يكنّ مفصولة عن جهة الرجال بستارة؛ ولذلك نجد الخطباء يطالبون النساء بالهدوء. ولكن في كثير من الأحيان لا يُنظر إلى هذه القضية بشكل جادّ؛ إذ أسباب هذا الضجيج أور مبرّرة منطقياً منها:
- عادة يكون المكان المخصّص للنساء أقل مساحة وأضيق.
- التجهيزات والسجاد أقل.
- النور والضوء أقل.
- عادة يكون الأطفال مع أُمّهاتهم، وفي مثل هذه الأماكن يصعب تهدئة الأطفال.
- الواعظ والخطيب يُرى من قبل الرجال ولا تراه النساء.
إذاً كل الأسباب التي تُؤدي إلى الإصغاء والسكوت موجودة عند الرجال والعكس تماماً ما هو في جهة النساء. ومع ذلك يعتقد كثير من الناس أن النساء أكثر ثرثرة من الرجال. لكن لو عُكس الأمر ألا تنعكس النتيجة؟! وعلى ضوء هذا المثال غير الفقهي أحسب أن حضور المرأة في ساحة الفقه والفقاهة ولو بعنوان "مُستشار" في المرحلة الأولى، وبعنوان "فقيه" أو "باحث فقهي" في مرحلة متقدّمة سوف يحل كثيراً من مُشكلات البحث الفقهي حول المرأة.
يقول أحد الباحثين في هذا المجال:
"لا بد للفقيه من إشراك المرأة في البحث الفقهي وفي عملية تفسير النصوص المتعلقة بالمرأة، وللعثور على ما بين السطور ممّا يتعلّق بها، ون دون هذه المشاركة لن يكون لها أيّ نصيبٍ في التغلّب على هذه التبعيّة للرجل وكونها نصف الرجل لا أكثر".
 ويقول أيضاً في الكتاب عينه:
"ويبدو لي أن الوضع لم يكن كذلك في صدر الإسلام، فكثيراً ما كانت المرأة تسأل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن كثير من الأحكام المتعلّقة بالطهارة وغيرها، بل إنّ نساء النبي كُنّ في كثير من الأحيان نقلة وشرّاحاً لكلمات النبيّ وما يُوحى إليه".
وهناك مثالاً آخر، يكشف عن الفرق بين حضور المرأة وغيابها: يُفتي عدداً من الفقهاء باشتراط الذكورة في مرجع التقليد؛ ويستندون في هذه الفتوى إلى أن روح الشريعة والذوق الفقهي يقتضي ضرورة التزامها بيتها وتحرّزها من الاختلاط بالرجال.
ولكنّنا نجد إحدى النساء الفاضلات تُحلّل الموضوع بنحوٍ مُختلف:
"يقولون إن ذوق الشارع يقتضي تحرّز المرأة من الاختلاط بالرجال؛ ولذلك لا يحق لها تسنّم منصب الإفتاء والمرجعيّة، وهذا الذوق المُكتشف للشريعة هو الذي يقيّد الأدلة المطلقة التي لا تميّز بين الرجل والمرأة في جواز رجوع الجاهل إلى العالم. ولكن السؤال هو، هل هذا مقيِّد؟ من الواضح أنه لا يصلح للتقييد والمنع من تقليد المرأة. واضرب مثالاً لتوضيح هذا التصور: لو أن امرأة درست الطبّ وصارت من أكثر الناس خبرة فيه، فهل يحرم على الرجال الرجوع إليها لمعالجة أمراضهم؟! من الواضح أنّه لا يحرم، بل يجب عليهم الرجوع إليها. ومن هنا أقول: لو صارت المرأة فقيهة فما المشكلة في تصديّها للمرجعية؟! وما المشكلة في رجوع الناس إليها رجالاً ونساءً؟! وإذا كان العائق هو الاختلاط، فإن وسائل الناس المُعاصرة حلّت هذه المشكلة، فمن الميسور جداً للمرأة أن تتصل بمن تشاء دون أيّ اختلاط؛ ولذلك أقول: لو أن امرأة حازت على شرائط المرجعيّة يجوز تقليدها والرجوع إليها، على الأقل تقليد النساء لها، وقد نقل التاريخ بعض النماذج في هذا المجال".

والغرض من طرح هذا الأمر، هو بيان أن المرأة قادرة على الوصول إلى أعلى المراتب العلميّة، وقد مهّد الدّين لها السبيل، ولكن ما يحول بينها وبين ذلك، هو مذاقنا وتصوّرنا الخاص عن المرأة والدين".

المصدر: مهريزي، مهدي: مسألة المرأة (دراسات في تجديد الفكر الديني في قضية المرأة)، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، سلسلة الدراسات الحضارية، ط1 بيروت 2008.

التعليقات (0)

اترك تعليق