مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

الحياة جميلة ولكن بشرط

الحياة جميلة ولكن بشرط

جمال الحياة ونضارتها هو حصيلة مهارات الزوج والزوجة، وعلى شبابنا الأعزاء أن يعتبروا أنهم بحاجة إلى الكثير من التمرن في بداية حياتهم الزوجية للحصول على القدرات الفكرية والسلوكية الضرورية للحياة المشتركة، وهكذا تخلو الحياة في عيونهم يوماً بعد آخر. وفي هذا الإرشاد يذكّر قدوتنا العطوف أبناءه، بطرق الوصول غىل الحياة المطلوبة.
الشكر العملي أمر مهم:
الشكر ليس قول (أشكرك يا إلهي)، أو سجدة الشكر فقط، شكر النعمة هو أن يعرف الإنسان قدر النعمة، ويعرف أنها نعمة من الله وينتفع بها ويتعامل معها فيما يرضي الله تعالى، هذا هو معنى شكر النعمة. فإذا قلتم (شكراً لله) لكن قلوبكم لا تدرك المفاهيم التي تتلفظون بعا فهذا ليس بشكر، والزواج أيضاً نعمة إلهية، فالله جل وعلا قد هيأ لكم زوجاً حسناً، إذاً، لا بد أن تشكروا هذه النعمة بما يناسبها(1).
حافظوا على أسرار الحياة الزوجية بقوّة:
لا بد للزوج والزوجة أن يحافظا على أسرار بعضهما البعض. لا ينبغي للزوجة أن تبوح بأسرار زوجها أمام الآخرين، الرجل كذلك، لا ينبغي أن يذهب مثلاً ويتحدث بأسرار زوجته في المحفل العام أو دعوة الضيافة. انتبهوا لذلك، احفظوا أسرار بعضكم البعض كي تكون الحياة جميلة ومتماسكة إن شاء الله(2).
ليشارك أحدكم الآخر في همومه:
المساعدة الحقيقية هي أن يزيح كل منكما الهم عن قلب الآخر، فكل إنسان في حياته معرّض للمشاكل والهموم، ويمكن أن ينتابه الشك والتردد، فعلى الآخر في مثل هذه الحالة أن يسرع لمساعدته ويزيل الهم عن قلبه ويرشده ويسدد خطاه(3).
البساطة والاعتدال:
عليكم بالبساطة في حياتكم، طبعاً نحن لسنا من أهل الزهد والتقوى الكاملين، لا تتصوروا ذلك فبساطة العيش التي نتحدث عنها نحن ليست كبساطة الزهاد والعباد وأمثالهم، بل هي بساطة بالمقارنة مع ما يفعله الناس في هذا الزمان، وإلّا فلو اطلّع الناس الربانيون على بساطتنا هذه فربما أوردوا عليها ألف إشكال(4).
لا تجعلوا حياتكم على أساس الإسراف لتكن الحياة بسيطة حياة يرضاها الله سبحانه وتعالى، تمتعوا بالطيبات الإلهية مراعين الاعتدال والعدالة، كما تراعون الاعتدال والوسطية تراعون العدالة أيضاً. أي أن تراعوا الإنصاف وتلاحظوا الآخرين ولا تجعلوا بينكم وبينهم فاصلة كبيرة(5).
إن أحد أسباب السعادة للأسر والأفراد هو الابتعاد عن الالتزامات والشكليات الزائدة، والانغماس الزائد عن الحد في الأمور المادية، أو على الأقل أن لا تكون هي المحور الأصلي للحياة، بل أمر ثانوي أو أحد الهوامش، فيجب أن تكون الحياة بسيطة من البداية، ويكون الجو العائلي مناسباً(6). والحياة ببساطة لا يتنافى مع الرفاه، والراحة هي في الأساس في ظل الحياة البسيطة(7).
سباق لا رابح فيه:
لا تقعوا في أسر الشكليات والمظاهر والمنافسات، ولا تلقوا بأنفسكم في فخ التسابق المادي في حياتكم، ففي مثل هذا السباق هذه المظاهر البرّاقة في الحياة الشخصية لا شيء منها يسعد الإنسان ويرضيه، وكلما حذل الإنسان على شيء طلب منها سيئاً آخر ويبقى يتحسر على الأفضل، أما في الشرع المقدس فما موجود هو العقاق والكفاف فإذا، أمكن تمشية أمور الحياة، وأن لا يحتاج الإنسان إلى الغير، ولا يكون في عسر بما هو موجود، فعليه تمشيتها على هذا الحال(8).
حياة الشكليات والحياة المزخرفة وحياة الأعيان والتي يكثر فيها البذخ والاستهلاك، تجلب الشقاء للإنسان، وهذا أمر سيء، لا بد من العيش بالكفاف واليرس لا بالبذخ والإسراف، لكن لماذا تشتبه هاتان المسألتان على البعض؟
فالكفاف يعني أن لا يحتاجون إلى أحد، وأن يتمكنوا من إدارة حياتهم بدون الحاجة لأي شخص، وينبغي أن يكونوا سعداء أيضاً. وإلّا فإن الحياة بدخلٍ عالٍ ونفقات كثيرة ةتشريفات خاصة لا تجلب الراحة ولا تسعد الإنسان مطلقاً(9).
لتكن حياتكم بسيطة في البداية واسعوا بكل جهدكم بهذا الخصوص، طبعاً نحن لا نرى ان يضيّق الأشخاص على عوائلهم وأقربائهم، نحن لا نعتقد بذلك، نعم نعتقد أن على الجميع أن يكونوا قنوعين إلى مستوى معين، وعن عقيدة ومحبة وإيمان قلبي(10).
تعاملوا مع الحياة ببساطة لا توقعوا أنفسكم في أسر المظاهر، إذا دخلتم من البداية في سباق المظاهر المشدّدة فإنه يصعب تركها بعد ذلك. حالياً نحن في عهد الجمهورية الإسلامية، ومن يريد أن يعيش ببساطة يمكنه ذلك، فقد كان ذلك في يوم ما غير ممكن أو صعب، وإن كان البعض يوجدون المشاكل لأنفسهم، ويضيّفون عليها في كل سيء، في الملبس والسكن والشكليات(11).
القناعة نافعة للجميع:
نحن لا ندعوكم إلى زهد سلمان وأبي ذر، فالفارق بيننا وبين سلمانوأبي ذر كبير جداً، نحن قطعاً _لا أنا ولا أنتم_ لا طاقة لنا بمثل تلك الأشياء، أو بمثل ذلك العلو والسمو والعروج حتى نحاول إيصال أنفسنا إلى تلك الدرجات أو نتمناها على سبيل الفرض، لكني أقول لكم: إنه إذا كان بيننا وبينهم بين حياتنا وحياتهم فاصلة ألف درجة، فإنه يمكن تقليل هذه الألف درجة عشر درجات أو عشرين درجة أو مئة درجة، أي: أن نقرب أنفسنا من حياتهم(12).
كونوا قنوعين ولا تخجلوا من القناعة، فالبعض يتصور أن القناعة شأن الفقراء والمعدمين، وغذا كان الشخص متمولاً فلا حاجة للقناعة بعد ذلك، كلا..! القناعة تعني توقف الإنسان عند الحد اللازم وحد الاكتفاء(13).
التطلعات المادية الكثيرة والعالية تؤدي إلى ضيق المعيشة وانعدام الراحة للإنسان، وإذا تطلع الإنسان في حياته إلى القليل، فإن هذا سيكون سبباً لساعدته ولا يكون مفيداً لآخرته فقط، بل يكون نافعاً لدنياه أيضاً(14).
ركزوا جهودكم على الحياة البسيطة والبعيدة عن البذخ، الحياة التي تتناسب مع حياة لاطبقة المتوسطة من الناس، لا أقول أضعف الناس، بل متوسطي الحال. لا تنظروا إلى السباق المادي، السباق موجود، فكما أن هناك سباقاً في الطريق إلى جنة الله، كذلك في طريق الجنة الدنيوية الموهومة يوجد سباق أيضاً، من أجل زخارفها وجاهها ومقامها وألقابها وشهرتها، يوجد سباق لكنه غير سليم.. وفي أي السباقين أردتم الدخول فإن الآخر سوف يمنع لذك ويعاملكم معاملة الناصح(15).
يجب أن لا ينسى الاعتدال والقناعة والميل إىل الأسلوب المتواضع وحياة الفقراء في جميع الأحوال، هذا هو رأي الإسلام(16).
ابدأوا من مراسم الزواج:
راعوا البساطة في كل أمور حياتكم، والبداية من مراسم الزواج هذه! البداية من هنا. فإذا أقمتموها بشكل بسيط، فإن الخطوة اللاحقة أيضاً ستكون كذلك، أما إذا ذهبتم وأقمتم المجلس الكذائي كما كان يفعل الأعيان والوجهاء في زمان الطاغوت، فإنه لا يمكنكم بعد ذلك الذهاب والعيش في منزل صغير وبأثاث محدود مثلاً.
لا يمكنكم ذلك بعدها.. لأن الأمور قد خرجت عن حد السيطرة منذ البداية، لذلك ابنوا حياتكم من أول الأمر على بساطة العيش، لكي تكون الحياة سهلة إن شاء الله بالنسبة لكم ولمتعلقيكم ولعامة الناس(17).
راعوا وضع أبويكم:
من المؤسف أن الانغماس في تشريفات الزواج والمهور الغالية (والجهاز) الباهظ والمجالس الكذائية، قد أفسد الكثير من الأخلاق، وأنتم أيها الأزواج والعرائس كونوا سباقين، قولوا: إننا لا نريد بهذا الشكل وبهذه الكثرة، فعندما تكون هناك مشاكل في المجتمع ويوجد فيه فقراء فعلى المرء أن يراعي ذلك(18).
إننا نوصي الأولاد والبنات أن لا يصروا ولا يطلبوا الكثير. لا تضغطوا على الآباء والأمهات حتى لا يلجأوا إلى المجاملة، أبعدوا عنكم هذه الأسياء. القضية هي الأساس هي حدث إنساني، وما هو؟. إنه الزواج أكثر الأفعال إنسانية في الدنيا، فلا تجعلوه مادياً ومالياً، لا تلوثوه...!(19).
إذا كان الفتى ةالفتاة من أهل القناعة والبساطة فإن الكبار سيضطرون لإتباعهم(20).
الحجاب والعفاف:
عندما يتحدث الإسلام والآيات القرآنية عن الحجاب، عندما تقنذن العلاقة بين الرجل والمرأة، فإن هذا لصالح الناس أنفسهم، ولصالح النساء اللواتي يردن أن لا يفقدن أزواجهن، ولصالح الشباب الذين يريدون أن لا يفقدوا زوجاتهم المحبوبات، وهذا غير ممكن بدون المواظبة ومراعاة الحجاب، وهكذا هي آيات القرآن حكيمة وعميقة(21).
هذا التميز بين الأجنبي وغيره، وهذا الحجاب وستر المرأة، وقوله تعالى ﴿ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصِارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجُهُمْ﴾(22)، أي لا تفتحوا عيونكمعلى كل منظر، لا تنظروا لكل شيء لكي لا تنجذبوا لكل طرف، لماذا كل هذا؟ كل هذا لكي يبقى الزوج والزوجة وفييّن وعطوفين على بعضهما، ذلك الرجل وتلك المرأة في المجتمعات الفاسدة في العالم، أينما حلّا وحيثما ذهبا يختلطان ببعضهما ويفعلان ما يحلو لهم؟ لا شيء..! وسموا ذلك حريةّ فإذا كانت هذه الحرية فهي أكبر المصائب على البشرية.
الرجل الذي لا رادع له وبإمكانه التمايل نحو النساء كما يحلو له بلا أي حاجز واقٍ، والمرأة التي لم تتزين بالحياء والعفاف والحجاب الإنساني، ولا وقاية لها. مثل هكذا رجل أو هكذا امرأة لا يكنّ كل منهما لشريكه لشريكه أي احترام أو أهمية، في الإسلام المرأة والرجل مسؤولان عن بعضهما، ويحبان بعضهما، وكل منهما محتاج للآخر، لماذا هذه السلسلة الطويلة من الأحكام المترتبة على الزوجية؟
كل هذه الأحكام لكي تبقى الأسرة متماسكة ويبقى الزوجان مع بعضهما ولا يخون أحدهما الآخر(23).




الهوامش:
1. خطبة العقد المؤرخة 16/ 1/ 1397هـ ش.
2. خطبة العقد المؤرخة 24/ 1/ 1378 هـ ش.
3. خطبة العقد المؤرخة 2/ 9/ 1378 هــ ش.
4. خطبة العقد المؤرخة 11/ 5/ 1374هـ ش.
5. خطبة العقد المؤرخة 8/ 3/ 1372هـ ش.
6. خطبة العقد المؤرخة 8/ 3/ 1372هـ ش.
7. خطبة العقد المؤرخة 18/ 4/ 1377 هـ ش.
8. خطبة العقد المؤرخة 20/ 7/ 1377هـ ش.
9. خطبة العقد المؤرخة 2/ 1/ 1378 هـ ش.
10. خطبة العقد المؤرخة 12/ 9/ 1377 هـ ش.
11. خطبة العقد المؤرخة 13/ 10/ 1377 هـ ش.
12. خطبة العقد المؤرخة 17/ 11/ 1379 هـ ش.
13. خطبة العقد المؤرخة 1/ 1/ 1376 هـ ش.
14. خطبة العقد المؤرخة 21/ 12/ 1279 هـ ش.
15. خطبة العقد المؤرخة 3/ 6/ 1375 هـ ش.
16. خطبة العقد المؤرخة 22/9/ 1380 هـ ش.
17. خطبة العقد المؤرخة 13/ 6/ 1374 هـ ش.
18. خطبة العقد المؤرخة 14/ 9/ 1372 هـ ش.
19. خطبة العقد المؤرخة 8/ 11/ 1372 هـ ش.
20. خطبة العقد المؤرخة 28/ 9/ 1374 هـ ش.
21. خطبة العقد المؤرخة 11/ 5/ 1375 هـ ش.
22. سورة النور، الآية: 31.
23. خطبة العقد المؤرخة 12/ 9/ 1377 هـ ش
.

المصدر: إنطلاقة المودة: السيد القائد علي الخامنئي(حفظه المولى). ط2، دار الولاية، 1423هـ. ق.

التعليقات (0)

اترك تعليق