تعريف مصطلح الأسرة في الإسلام
لم ترد كلمة (أسرة) في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية اسماً أو صفة لنظام الزوجية الإنساني أو غيره؛ فالقرآن الكريم أشار للزوجين الذكر والأنثى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى»[الحجرات: 13]. وأشار لزوج آدم عليه السلام: «اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ»[البقرة: 35]، وأشار للزوجة أحياناً بامرأة: «ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوط»[التحريم: 10]، وأشار أحياناً للزوج (بالبعل): «وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ»[النور: 31]، وأشار القرآن للنسل بالأولاد والبنين والبنات: «أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ»[الطور: 39]، «وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ» [البقرة: 233]، وهكذا يصبح الزوجان كما سماهم القرآن الكريم (الوالدين)، ويصبح الأبناء والبنات إخوة وأخوات.
وسمى القرآن الكريم رابطة زوجية البنين والبنات بالصهر والنسب، ويصبح الناتج عنهم، أي (الحفدة) كما سماهم القرآن الكريم، أعماماً وعمات، وأخوالاً وخالات: «أَوْ بُيُوتِ أَعْمَـٰمِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّـٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَٰلِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَـٰلَـٰتِكُمْ»[النور: 61].
وقد جمع القرآن الكريم ما انحدر من الزوجين وأبنائهم تحت اسم (الأرحام) وهي (اسم لكافة الأقارب)(1)، أي الذين تجمع بينهم قرابة الدم، وهي مشتقة من الرحم مستودع الجنين في أحشاء الأم. وسماهم القرآن أيضاً (بالأقربين) و(ذوي القربى) يقول تعالى: «وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً»[البقرة: 83] ويقول: «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ»[الشعراء: 214] وهم إذن أيضاً (العشيرة).
وقد ورد في القرآن الكريم أيضاً مصطلح (أهل)؛ فجاء حيناً بمعنى أصحاب مثل أهل الكتاب، وأهل الذكر، وجاء بمعنى(سكان) مثل أهل القرى وأهل مدين، وكلها تدل على الصلة والرابطة الخاصة مع الكتاب والذكر والقرى...إلخ.
وجاءت (أهل) بمعنى الزوجة كما في قوله تعالى: «قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا»[يوسف: 25]، وجاءت بمعنى الزوجة والأبناء: «فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا»[طه: 10]، وجاءت بمعنى الوالدين والإخوة في قوله تعالى: «وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي»[طه:29-30].
ويبدو أن الفقهاء والمفسرين المؤسسين لمذاهب الفقه ومدارس التفسير في صدر الإسلام، لم يكن يعنيهم إيجاد مصطلح يسمى به نظام الزوجية وما ينضوي تحته من بنين وحفدة، وصهر ونسب، وأعمام وذوي قربى... إلخ. فقد ركز الفقهاء -على اختلاف مذاهبهم- على الأحكام والتشريعات الخاصة بالزوجية تكويناً وفروعاً وتنظيماً للعلاقات، وتحديداً للواجبات والحقوق بين أطراف وفروع هذا النظام. وقد فصلت المذاهب الفقهية في هذه الجوانب بدقة متناهية، تناولت الزواج وما يتصل بمقدماته، وكيفية عقده، ومحرماته وموانعه، إضافة لواجبات وحقوق الطرفين وما يلحق بهما من نسل. هذا إلى جانب حقوق الوالدين والأقربين ونظام الميراث، بل وكيفية إنهاء الزوجية بما يضمن العدالة وسلامة الأطراف المعنية. كل ذلك مركوز في النصوص القرآنية والسنة المحمدية قولاً وعملاً، مع الاجتهاد في حال تعذر النصوص قياساً على هذه الأصول.
وعلى النهج ذاته سار المفسرون السابقون، حيث ركزوا على تفسير ما يتصل بالزوجية والزواج في سياقه من الآيات. فكلمة (أهل) لم تفسر على أنها مصطلح جامع يمكن أن يقوم مقام كلمة (أسرة) المستخدم اليوم. فالقرطبي مثلاً ركز على تبعية الأهل للزوج في قوله تعالى: «فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ»[القصص: 29]، حيث قال: "فيه دليل على أن الرجل يذهب بأهله حيث يشاء"(2). كما فسر (أهلك) في قوله تعالى: «وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ«[آل عمران: 121] على أنها منزلك عند عائشة(3).
أما معظم الفقهاء والعلماء من اللاحقين والمعاصرين فقد شاع عندهم استخدام مصطلح (الأسرة) اسماً جامعاً لنظام الزوجية وما يتصل به. كما استخدموا مصطلح (نظام الأسرة) كاسم لهذا الإرث الفقهي الدقيق من التشريعات والأحكام الخاصة بالزوجية. ومن هؤلاء على سبيل المثال إمام الأزهر الشيخ محمود شلتوت في كتابه (الإسلام عقيدة وشريعة)، ومولانا أبو الأعلى المودودي في كتابه (الحجاب)، والشيخ آية الله مرتضى المطهري في كتابه (نظام حقوق المرأة في الإسلام)، والشيخ محمد الغزالي في كتابه (قضايا المرأة)، وجميع هذه الكتب موثقة في نهاية هذا الكتاب.
وعلى نهج الفقهاء والعلماء سار المفسرون اللاحقون والمعاصرون، فاستخدموا مصطلحي(أسرة) و(نظام الأسرة). فالشهيد سيد قطب مثلاً يستخدم (أسرة) في معظم، إن لم يكن في كل الآيات الخاصة بالزوجية، ففي مقدمة تفسيره لسورة النساء مثلاً يقول سيد قطب: "نجد في مستهلها تقريراً لحقيقة الربوبية ووحدانيتها، ولحقيقة الإنسانية ووحدة أصلها... ولحقيقة قيامها على قاعدة الأسرة"، ويقول في تفسير الآية الأولى من سورة النساء: "هذا الشوط الأول في السورة يبدأ بآية الافتتاح التي ترد الناس إلى رب واحد وخالق واحد، كما تردهم إلى أصل واحد وأسرة واحدة، وتجعل وحدة الانسانية هي (النفس) ووحدة المجتمع هي الأسرة"(4).
هكذا أصبح مصطلح (أسرة) اسماً للزوجية، وتعني في اللغة: أهل الرجل وعشيرته، وفي الاصطلاح الشرعي: هي الجماعة المعتبرة نواة المجتمع، والتي تنشأ برابطة زوجية بين رجل وامرأة، ثم يتفرع عنها الأولاد، وتظل ذات صلة وثيقة بأصول الزوجين من أجداد وجدات، وبالحواشي من إخوة وأخوات، وبالقرابة القريبة من الأحفاد (أولاد الأولاد) والأسباط (أولاد البنات) والأعمام والعمات، والأخوال والخالات وأولادهم. ويجمع المعنيين اللغوي والاصطلاحيَ: مفهوم الحماية والنصرة، وظهور رابطة التلاحم القائمة على أساس العرق والدم، والنسب والمصاهرة، والرضاع. ونظام الأسرة: هو الأحكام والقواعد التي تنظم شؤونها بدءاً وأثناء وانتهاء(5).
ولا ندري من أول من توصل إلى اشتقاق كلمة (أسرة) من العلماء والفقهاء واستخدمها بهذا المعنى؟ فكلمة (أسرة) قد تكون مشتقة من (الأسر)، وهو لغة القبض والأخذ؛ فالزوج والزوجة والأبناء والأحفاد وذوو القربى كلهم أسير للأخر، أي مرتبط به كأنما بإسار، أي القِد وهو ما يعرف بالسير أو الرباط. وقد تكون مشتقة من (الآصرة) ومعناها ما يربط بين الناس من قرابة أو أي نوع من أنواع الصلة، وهذا مما ينبغي على علماء اللغة البحث فيه والله أعلم.
الهوامش:
1- القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري، الجامع لأحكام القرآن، مؤسسة مناهل العرفان، بيروت، من دون تاريخ، المجلد الثالث 5/7.
2- القرطبي، مرجع سابق، المجلد السابع، 13/281.
3- المرجع نفسه، المجلد الثاني، 4/184.
4- سيد قطب، في ظلال القرآن، دار الشرق، ط30، 2001م، المجلد الأول، 4/558.
5- سيد قطب، في ظلال القرآن مرجع سابق، 4/573.
المصدر: الشيخ الطيب بدر، وخديجة كرار: الأسرة في الغرب (أسباب تغيير مفاهيمها، ووظيفتها). ط1، دار الفكر، دمشق، 2009.
اترك تعليق