لقاء في المعتقل: رسالة من أسير إلى زوجته في معتقل أنصار
عزيزتي أم حسن، ورفيقة دربي...
رسالتي إليك الأولى بعد الزيارة، وأنا عاجز عن كتابة كل ما يجول في داخلي على هذه الورقة، وما قيمة الحبر على الورق مقابل خلجات الروح وحنين القلب إلى القلب، إلى اللقاء، إلى المستقبل، كأن تلك المناظر من خلف الأسلاك أنت والأهل وأطفالي.
كنت وجلا من اللقاء، هذا اللقاء القصير، وكيف تكفي الساعات والأيام، كنت أشعر سابقاً بعد الغياب الطويل والشهور الطويلة كيف سيكون هذا اللقاء القصير، وفي ذهني الكثير الكثير من الكلام والحديث، ولكن شرد ذهني في روعة اللقاء وحرقة البعد.
ولكم كنت سعيداً عندما شاهدت أهلي وأختي وأنت وأطفالي هنا في المعتقل ونحن نستقبلهم في عزة وشرف رغم القيود، والبسمة تعلو وجوهنا بشراً وحباً، والأسلاك بيننا وكأننا لسنا في المعتقل.
وفي زحمة اللقاء، يغيب الحديث والكلام، وتخرس الألسن، وتتكلم القلوب والعيون، وكم أحسست بالحرقة والحزن بعد الرجوع عندما تذكرت طفلتي تنظران إليّ بلهفة وبراءة: أمال وآيات، تريدان أن تنطقا بحبهما لي، وأنا أنظر إليهما بلهفة أريد أن أنزع منهما الكلمة بقوة فتخجلا وتبتسما وتحنيا رأسيهما، وآيات يا للروعة تنظر إلي خائفة حذرة وكأنها نسيت وهي على كتفي تلهو وتلعب وتقول: بابا، بابا.
وأحسست بعد عودتي كذلك بهذا الصمت الرهيب الذي أصابني، لماذا لم أتحث معك عن معتقلنا، وعن حبي لكم جميعاً؟ لكن أليس الصبح بقريب؟ نعم، نعم، يا عزيزتي أم حسن.
محمد فقيه
رسالة من معتقل أنصار
بتاريخ 18/ 12/ 1984م.
المصدر: عبد الله، الحاج حسن: تاريخ لبنان المقاوم في مئة عام 1900- 2000. ط1، دار الولاء، بيروت، 1429هـ -2008م
رسالتي إليك الأولى بعد الزيارة، وأنا عاجز عن كتابة كل ما يجول في داخلي على هذه الورقة، وما قيمة الحبر على الورق مقابل خلجات الروح وحنين القلب إلى القلب، إلى اللقاء، إلى المستقبل، كأن تلك المناظر من خلف الأسلاك أنت والأهل وأطفالي.
كنت وجلا من اللقاء، هذا اللقاء القصير، وكيف تكفي الساعات والأيام، كنت أشعر سابقاً بعد الغياب الطويل والشهور الطويلة كيف سيكون هذا اللقاء القصير، وفي ذهني الكثير الكثير من الكلام والحديث، ولكن شرد ذهني في روعة اللقاء وحرقة البعد.
ولكم كنت سعيداً عندما شاهدت أهلي وأختي وأنت وأطفالي هنا في المعتقل ونحن نستقبلهم في عزة وشرف رغم القيود، والبسمة تعلو وجوهنا بشراً وحباً، والأسلاك بيننا وكأننا لسنا في المعتقل.
وفي زحمة اللقاء، يغيب الحديث والكلام، وتخرس الألسن، وتتكلم القلوب والعيون، وكم أحسست بالحرقة والحزن بعد الرجوع عندما تذكرت طفلتي تنظران إليّ بلهفة وبراءة: أمال وآيات، تريدان أن تنطقا بحبهما لي، وأنا أنظر إليهما بلهفة أريد أن أنزع منهما الكلمة بقوة فتخجلا وتبتسما وتحنيا رأسيهما، وآيات يا للروعة تنظر إلي خائفة حذرة وكأنها نسيت وهي على كتفي تلهو وتلعب وتقول: بابا، بابا.
وأحسست بعد عودتي كذلك بهذا الصمت الرهيب الذي أصابني، لماذا لم أتحث معك عن معتقلنا، وعن حبي لكم جميعاً؟ لكن أليس الصبح بقريب؟ نعم، نعم، يا عزيزتي أم حسن.
محمد فقيه
رسالة من معتقل أنصار
بتاريخ 18/ 12/ 1984م.
المصدر: عبد الله، الحاج حسن: تاريخ لبنان المقاوم في مئة عام 1900- 2000. ط1، دار الولاء، بيروت، 1429هـ -2008م
اترك تعليق