مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

(الجندر) في وثيقة الأمم المتحدة للطفل بين الإشكالية والتحدي

(الجندر) في وثيقة الأمم المتحدة للطفل بين الإشكالية والتحدي

                        

تقع المنطقة العربية والإسلامية في مجال التبعية الثقافية الغربية؛ بسبب ما تُعانيه من التأخر والتراجع الحضاري، ونتيجةً لذلك تتأثر بما يستجد من الأفكار والاتجاهات الثقافية، والتي تعزَّز غالبًا بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية، والتي جعلت هذه المنطقة تقع تحت تأثير الوصاية الغربية، فجاءتنا بمجموعة من المصطلحات والمفاهيم الغربية، وكان من أهم تلك المصطلحات: مصطلح الجندر Gender والذي يُستدل به على البُعد الاجتماعي لكلمة الجنس (Sex).

الجندر مصطلح مبهَم وغامض، وقد كثُر ذكره في الآونة الأخيرة في الوثائق الدولية، فهو أحيانًا يعني النوع (أي الذكر والأنثى)، وأحيانًا أخرى يعني المرأة أو الرجل أو كليهما، ويعطي معنًى مختلفًا في كل مرة من حيث التناول، وحسب موقعه في صياغة الوثائق والاتفاقيات.

وبوجهٍ عامٍ يُقصد بالجندر: إلغاء الفوارق بين الجنسين، أو بمعنى آخر إلغاء أثر الفروق البيولوجية بين الجنسين والحيلولة دون الأخذ بنظر الاعتبار تلكَ الفروق عند تناول توزيع الأدوار والوظائف بين الجنسين؛ حيث يدل مفهوم الجندر على أنَّ تلك الأدوار تمَّ تصنيفها اجتماعيًا بتأثير المجتمع، وليس بسبب التكوين البيولوجي الذي يفرض أنماطًا معينةً من السلوك، وبالتالي يمكن تغيير هذه الأدوار بتغيير ثقافة المجتمع، وتعليمه أنماطًا جديدةً من السلوك البعيد عن الذكورة والأنوثة.

وتكمن خطورة فلسفة الجندر في وثيقة الطفل فيما يحمله هذا المصطلح من تعليم الطفل أنماطًا جديدةً تتعلق بحياةِ الطفل، مثل: أن يُترك الطفلُ يكتشف نوعه من خلال سلوكه الاجتماعي، سواء كان هذا السلوك متماشيًا مع جنسه وتركيبه الجسماني أو مخالفًا له، وأن يقوم الطفل باكتشافِ سلوكه الجنسي بالممارسة الجنسية.

وإذا كان هذا السلوك طبيعيًا أو شاذًا دون أي توجيه أو تدخل من الأبوين فإن هذا – تبعًا لمفهوم الجندر– نابع من طبيعة الطفل التي قد تجعل منه طبيعيًا أو مغايرًا لأقرانه أيْ شاذًا!! ونرى من ذلك خطورة وجود المفهوم في الوثيقة لما يحمله من مضامين الشذوذ والانحلال. 

ويأتي مصطلح الجندر دائمًا جذابًا وراءه مجموعةٌ من المصطلحات تحت نفس السياق، مثل التمكين للفتيات وإلغاء التمييز ضدهن (البند 23 من وثيقة الطفل)، والتمكين يقصد به إعطاؤهن فرصًا وإمكانياتٍ تفوق تلك التي تُعطى للذكور، وهذا يتناقض تناقضًا واضحًا مع دعوة الجندر إلى المساواة الكاملة بين الجنسين، ويؤدي إلى نوعٍ من التمييز السلبي المرفوض تجاه الذكور؛ مما يلقي الضوء على تأثير الاتجاهات النسوية المتطرفة في صياغة الوثيقة، ثمَّ المساواة المطلَقة بين الجنسين، وكان الأصح أن تكون المساواة العادلة؛ وذلك لاستحالة المساواة الكاملة بين جنسين مختلفين من الناحية العضوية والنفسية.

وجاءت المساواة المطلقة على أساس الجندر في الحصول على الخدمات الاجتماعية الأساسية مثل: التعليم والتغذية، والرعاية الصحية مثل: التحصينات من الأمراض، والوقاية من الأمراض المسببة للوفيات، وشملت أيضًا-  للأسف- الرعاية الصحية الإنجابية والجنسية؛ مما يعكس فلسفة الجندر في تبني الحرية الجنسية للأطفال والمراهقين؛ مما يُشكِّل خطورةً على البناء الأسري والاجتماعي للمجتمعات العربية والإسلامية. 

وتنادي الوثيقة بالأخذ بالمنظور الجندري Gender Perspective عند وضع الخطط وسياسات التنمية، وهذا يعني الأخذ بعين الاعتبار بوجود نسبة من الفتيات والنساء في جميع مراحل التخطيط والتنفيذ المتعلقة بالتنمية واتخاذ القرار؛ مما ينفي عامل الكفاءة ويلقي نوعًا من التحيُّز للفتيات بدلاً من إتاحة الفرص والإمكانات للجميع لانتقاء الكفاءات والعناصر المتميزة. 

وفيما يتعلق بالأسرة التي ينشأ فيها الطفل نجد أنَّ مفهوم الجندر ينتقد ويرفض ما يُسميه بالأدوار النمطية لكل من الآباء والأمهات، ويقصد بالأدوار النمطية الأدوار المتعلقة بكل من الرجل والمرأة داخل الأسرة، وترفض الوثيقة أن تتضمن مناهج التعليم هذا النمط من الأسرة، والتي يتم توزيع الأدوار داخلها على أساس من النمطية (البند 40)، وتبعًا لذلك ينشأ الأطفال متحررين من أدوارهم داخل الأسرة؛ مما سيؤدي إلى خلخلةٍ لدى الطفل فيما يتعلق بمفهوم الأسرة المترابطة؛ حيث يؤدي كل فرد فيها دورًا مُكمِّلاً للآخر، قائمًا على الود والتعاون، محافظًا بذلك على بناء الأسرة بعيدًا عن الروح التنازعية التي يدعو إليها الجندر، وفي نفس الوقت فإنَّ الأدوار غير النمطية تتعلق بالأسرة غير النمطية، والتي قد تتعدد أشكالها تحت إطار الشذوذ والانحراف (البند 15).

إنَّ مصطلح الجندر يضع المجتمعات العربية والإسلامية أمام تحدٍّ بالغ الخطورة؛ لأنه يدخل هذه المجتمعات وهي تعاني من ضعف الوازع الديني وعدم الأخذ بالتشريع الإسلامي؛ مما يجعلها فريسةً سهلةً لهذه المفاهيم والمصطلحات الاجتماعية، إلا إذا تمَّ التنبُّه لها والتصدي لها بالدراسة والتمحيص، ومواجهتها في الوثائق الدولية، والقيام بمشاريع إصلاحية تنهض بالمجتمعات العربية والإسلامية على أساس الدين الإسلامي، آخذين بعين الاعتبار التغيرات الاجتماعية التي تطرأ على هذه المجتمعات. خاصة وأن هذه الوثائق التي تصدرها الأمم المتحدة تصبح بمجرد توقيع الدول الأعضاء عليها ملزمة لتلك الدول وجزء من قوانينها الوطنية التي تأخذ بها وتطبقها المحاكم في تلك الدول.


 د. حنان محمد علي

 * المصدر: http://www.moheet.com/

الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

التعليقات (0)

اترك تعليق