المرأة في الاتفاقيات الدولية من منظور إسلامي(1): دور الأُسرة في المجتمع الإسلامي وموقع المرأة فيه
المرأة في الاتفاقيات الدولية من منظور إسلامي (1)
دور الأُسرة في المجتمع الإسلامي وموقع المرأة فيه
وبعد فإن قضية المرأة والأُسرة بوجه عام في هذا العصر من أهم القضايا المعاصرة التي تستوجب البحث والدراسة، بل والعناية الكبرى لما لهذه المسائل من أثر بالغ في حاضر الأُمة ومستقبلها، فالبنيان الاجتماعي يقوم على الأُسرة، والأُسرة محورها وعمودها الفقري المرأة لأنها "منبت الوجود الإنساني وجوهر الذات البشرية في مستودع التكوين الآدمي، تُزوّده بأسباب البقاء والاستمرار، ولهذا لا نستغرب أن تكون كلمة (الأُم) ذات أصالة مرجعية نهائية وكأنها منبع التعليل والتفسير، والأم إمرأة قد اكتمل أداؤها الرسالي العظيم من مسيرة الحياة"([1]).
ومن هنا نرى أن طرح هذه القضية على (مجمع الفقه الإسلامي الدولي) ينبع من حرص إدارة المجمع على تناول القضايا المعاصرة التي تمس حياة الناس في المجتمع الإسلامي الكبير الذي يؤثر ويتأثر - طوعاً أو كرهاً - بالتيارات الفكرية العالمية، وبـ(الطرح) الدولي لقضايا المرأة ودورها وحقوقها.
ونظراً لتشعب هذه القضية رأيت أن أتناولها في هذا البحث من خلال النقاط التالية:
المطلب الأول: دور الأُسرة في المجتمع الإسلامي وموقع المرأة فيه.
المطلب الثاني: مسائل منهجية في بحث قضية المرأة ودورها في المجتمع.
المطلب الثالث: الموقف الإسلامي من (اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة).
وفي هذا المطلب:
أولاً: الأساس الذي بنيت عليه الاتفاقية.
ثانياً: النقاط الإيجابية في الاتفاقية.
ثالثاً: المحاذير والنقاط السلبية في الاتفاقية.
الخاتمة والتوصيات
المطلب الأول
دور الأسرة في المجتمع الإسلامي وموقع المرأة فيه
من المسلَّمات في علم الاجتماع الإنساني "أن الأسرة لبنة من لبنات الأمة، التي تتكون من مجموعة أسر، يرتبط بعضها ببعض، ومن الطبيعي أن البناء المكون من لبنات، يأخذ ما لهذه اللبنات من قوة أو ضعف، فكلما كانت اللبنات قوية ذات تماسك ومناعة، كانت الأمة المكونة منها كذلك، قوية ذات تماسك ومناعة، وكلما كانت اللبنات ذات ضعف وانحلال؛ كانت الأمة كذلك، ذات ضعف وانحلال"([2]).
وإذا كانت الأسرة تمثل الوحدة الأساس للمجتمع, فإن ما يراد وما يطلب تحقيقه من خلال المجتمع سيكون للأسرة فيه النصيب الأوفى، وذلك لأنها القنطرة التي تصل من خلالها إلى جميع شرائح المجتمع: الكبير والصغير، الذكر والأنثى، العامل والذي لا يجد عملاً، الأمي والمتعلم.. إلخ.
وتتمثل أهمية الأسرة بالوظائف المناطة بها والتي تجعل مسؤوليتها شاملة نحو الجيل الناشئ عنها؛ حيث "تعد الأسرة من أهم المؤسسات التربوية في المجتمع بل وأقدمها، وهي المؤسسة التي لها مساس مباشر بالأفراد منذ ولادتهم وتنشئتهم"([3]) من مختلف النواحي، ولهذا السبب تتركز مسؤولية الأسرة وأدوارها من خلال تحقيق الأهداف والمقاصد التي شرعت مؤسسة الأسرة ووجدت من أجلها, وتتلخص هذه الأهداف بالآتي:
أهداف الأسرة ومقاصدها:
أولاً: تحقيق السكن النفسي للأسرة (للزوج والزوجة):
لقوله سبحانه: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً» (الروم/21). إن خلو الأسرة من عنصر (السكن) يعد من أكبر الأسباب التي تعصف بوجود تلك الأسرة، الأمر الذي يؤدي إلى خلخلة المجتمع بأسره.
ويتحقق الأمن والسكن النفسي من خلال الدور التكاملي التفاعلي بين الزوجين وأفراد الأسرة الذي ينشأ في جو من المودة والرحمة.
وبنظرة سريعة إلى حياة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يتضح لنا بجلاء أن المرأة كانت تمثل سكناً حقيقياً للرجل، فهذه السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها تمثل أنموذج الزوجة الصالحة المعينة لزوجها، الزوجة التي تحقق السكن والسند، ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يذكرها دائماً ويذكر مواقفها معه، ومساندتها له، كما أنه صلى الله عليه وسلم حزن عليها حزناً شديداً وظل وفياً لها بعد وفاتها، فكان يُكرم صاحباتها وأقاربها إكراماً لها([4]).
ثانياً: المحافظة على مقصد الشارع بإيجاد النسل ورعايته:
يقول سبحانه: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء» (النساء/1)، فالذرية نتاج لهذه العلاقة التي أشارت إليها الآية وربطت بتقوى الله، وذكرت أن الزوجين (والأسرة) تجمعهما وحدة منشأة لقوله سبحانه: «خَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا».
إن الأسرة هي الطريق الطبيعي والسليم والموافق للفطرة الذي تنشأ منه الذرية، والأسرة هي قاعدة الحياة البشرية([5])، وبواسطتها يتحقق مقصد "الحفاظ على النوع الإنساني وصيانته من الانقراض"، وهذا المقصد يأتي والنفس مقبلة على تأسيس هذه المؤسسة (الأسرة)، والمجتمع بأسره يبارك هذا التأسيس وهذا الإنشاء، ويعلم به إعلاناً يحيط به السرور والأمل بالمستقبل، لتقوم الأسرة الصغيرة والكبير على حد سواء لتحقيق الأهداف المرجوة والمبتغاة شرعاً منه «وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً» (النحل/72)([6]).
ثالثاً: تهذيب الغريزة وتنظيم الطاقة الجنسية([7]):
إن حاجة الرجل إلى المرأة، وحاجة المرأة إلى الرجل حاجة فطرية خلقها الله سبحانه في تكوين الإنسان.
وقد أرشد الرسول (ص) الشباب إلى ضرورة المسارعة بالزواج، فإن لم يتيسر لهم ذلك؛ فعليهم بالصيام لأنه يضعف الغريزة، قال عليه الصلاة والسلام: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ"([8]).
قال العلامة ابن عاشور رحمه الله: "لما أراد مبدع الكون بقاء أنواع المخلوقات، جعل من نظام كونها ناموس التولد، وجعل في ذلك الناموس داعية جبلية تدفع أفراد النوع إلى تحصيله بدافع من أنفسها غير محتاج إلى حدو إليه أو إكراه عليه؛ ليكون تحصيل ذلك الناموس مضموناً وإن اختلفت الأزمان والأحوال، وتلك الداعية هي داعية ميل ذكور النوع إلى إناثه..."([9]).
لقد كان من حكمة الله سبحانه أن يميل الطبع والفطرة إلى التناسل والتكاثر؛ ليكون النسل والذرية، وكان من حكمة الله سبحانه أيضاً الميل إلى حب الأولاد والذرية لتتم رعاية الصغار والناشئة في كنف الأسرة: من الأم حملاً وحضانة وتربية ورعاية، ومن الأب تربية وإنفاقاً وسعياً لمصالح الأسرة كلها، دون إكراه من قانون أو تشريع، بل التشريع في هذه الحالة موافق للفطرة التي فطر الله الناس عليها.
رابعاً: حفظ الأنساب:
وهذا تابع لحفظ النسل، وهو من الآثار المباشرة للزواج؛ حيث إن القاعدة في النسب المعتبر شرعاً إنما تثبت للنسب الراجع للزواج الشرعي المعروف.
خامساً: القيام بالتربية:
يُجمع علماء التربية والاجتماع على أن الأسرة تمثل المؤسسة التربوية الأولى والأساس لتعليم وتربية الناشئة؛ حيث "يبدأ فيها - أي في الأسرة - حياته منذ ولادته، وهي - أي الأسرة - الأداة الأساس في عملية التطبيع الاجتماعي؛ ذلك أن في الأسرة تبدأ عمليات تحويل الوليد الكائن البيولوجي الصغير، ليصبح عضواً في الجماعة الإنسانية، فهي التي توفر عملية التفاعل الاجتماعي الأولى الضروري للتكيف مع ظروف الحياة المختلفة"([10]).
فللأسرة الدور الأكبر في تعليم الناشئة الجوانب التربوية المختلفة وأهمها:
1. التربية الخلقية والقيم.
2. التربية العقدية والتنشئة على أسس الإيمان الصحيح والعبادة الحقة.
3. التربية الاقتصادية وتعميق قيم الاقتصاد الإسلامي.
4. التربية الاجتماعية والتفاعل الاجتماعي، وفيها يتعلم قيم الشورى والحوار والتفاعل مع الآخرين.
5. التربية البدنية والجسمية والعاطفية، حيث ينشأ الطفل وينمو وهو يتغذى مادة وروحاً معاً، وينشأ ضمن أسرة وأقارب.
ولا ننسى الحديث الشريف الذي يرشد إلى أهمية الأسرة في تربية الناشئة حيث يقول (ص): "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ"([11]).
إن الحديث عن دور الأسرة في التربية حديث عن النظرية التربوية الإسلامية التي تعنى بالفرد تنمية وتنشئة: منذ وجوده، وقبل ذلك، منذ التفكير بالزواج وإنشاء الأسرة على أسس سليمة، وبعد الزواج، وقبل الحمل، وأثناء الحمل، وبعد الولادة، حتى البلوغ وإنهاء التعليم، بل حتى الزواج والدخول في بناء أسرة جديدة.
إن لكل مرحلة من مراحل نمو الطفل متطلبات تربوية، ينبغي التنبه لها، والقيام بمقتضياتها، وإن التقصير في هذه المتطلبات يثمر انحرافاً تربوياً لا تحمد عقباه، فالنتائج الطيبة مرهونة بمدى التزام الأسر بواجباتها التربوية تجاه أطفالها، ومن هم تحت مسؤوليتها، فالأسرة والعائلة في نظر الإسلام "لم تكن مجرد فنادق للنوم والمأكل، ولكنها بيوت للتربية والتعليم، وتبادل العواطف، وتلاقح الأفكار، وتعاون في السراء والضراء بين أفرادها"([12]).
موقع المرأة في تحقيق أهداف الأسرة ودورها في المجتمع:
لما كانت الأسرة تتربع على عرش الصدارة في تحملها لمسؤولية التنشئة التربوية والاجتماعية للناشئة، وهو الدور الذي يمثل القاعدة العريضة الأساسية ضمن أهداف وأدوار الأسرة في المجتمع، كانت المرأة قطب الرحى في تحقيق هذا الدور، وهي الجهة المنوط بها الإجراء العملي المباشر للعملية التربوية بعناصرها المختلفة وذلك من خلال:
1. المركز الذي تبوأته المرأة بوصفها أماً بكل ما تحمله كلمة (الأم) من معنى.
2. المركز الذي تبوأته المرأة بوصفها زوجة.
فإذا كان الزوج (الأب بالنسبة للأولاد) يمضي سحابة نهاره خارج البيت، يكد ويكدح ليُحصِّل قوته وقوت عياله، فإن النصيب الأوفر من الوقت تمضيه الأم (الزوجة) مع بقية أفراد الأسرة، وهي لهذا السبب، ولهذه الظروف الطبيعية تمتلك دفة التوجيه التربوي والاجتماعي في البيت ما دام الأب غائباً، وقد رأينا دور الزوجة الحكيمة خديجة بنت خويلد [...]
لقد كانت خديجة رضي الله عنها [...] بحق مثالاً يُحتذى للمرأة التي تعرف مهمتها الكبرى ووظيفتها العظمى، أن تكون شريكة للرجل في الحياة، [...].
أما دورها كأم فمهمتها أعظم لأنها "تحفظ كيان الأسرة وتصون قيمها الخلقية وتقاليدها وتربي أبناءها تربية تنتقل إليهم مع لبنها في فجر حياتهم بالطهر الذي يملأ روح هذه الأم، والإيمان الذي يعمر قلبها، والقيم والأخلاق والآداب والتقاليد والأعراف التي تشبعت بها، والآمال التي ارتسمت في كيانها، والأحلام التي رأت فيها أبناءها قبل أن تلدهم، وقد كبروا في خيالها وحققوا المثل الأعلى الذي تصبو إليه كل أسرة في مجتمعها، المرأة من هذا المنظور أم العالم ووجدان البشرية، المتحكم في حركتها الكونية ظاهراً وباطناً، والحقيقة أن أم العالم هذه ليس تحت أقدامها الجنة فقط، وإنما تحت أقدامها العالم أيضاً"([13]).
وإذا كانت الظروف المعاصرة قد أثرت على المرأة وقصرت من حدود وظيفتها في البيت؛ لتزاحم وقت العمل الوقت المخصص للأسرة، فإن هذه المسألة قد أضافت أعباء جديدة للمرأة، وأثقلت كاهلها، ولم تكن الحلول المقترحة مغنية، فليست "دور الحضانة مغنية عن جو البيت وصدر الأم واستقرار الأسرة، ولا تقبل مثل هذا الدور إلا لضرورات ملجئة، ومؤقتة"([14]).
وإن العودة إلى "وظيفة البيت" "وظيفة الأمومة الحقة" "وظيفة التربية"، بكل ما تحمل كلمة "التربية" من معاني الحنان، والعطف، والتنمية، والتنشئة، والخلق، والتضحية، والبذل، والعطاء، ليست رجعية ولا تخلفاً؛ بل هي قمة الحضارة وإعطاء للمرأة دورها في بناء الحضارة فيما تملك أن تقوم به وما هو مطلوب منها، فيما هيأها الله له، وكما يقول علماء التربية اليوم: "إن مدى تقدم الأمم يقاس -الآن- بطول طفولة أبنائها، وخصب هذه الطفولة وسعادتها"([15]).
إن الدعوات المعاصرة لإخراج المرأة عن وظيفتها الأساسية، وتهوين شأن تلك الوظيفة، وجعلها "وظيفة دونية" تعد علامة على تخلف المجتمع، ومن ثم تغيير النظام الاجتماعي بالكلية؛ إنما هي دعوات تصادم الفطرة والقانون الرباني الذي جعل سنة الحياة بأن يكون الزواج وتربية النشء الوظيفة الأساسية للمرأة.
وهذه الدعوات أيضاً دعوات "حديثة" لم تكن معروفة حتى في الغرب؛ فقد جاء في قرار للمحكمة العليا الأمريكية سنة (1872م) تعليل لرفضها إعطاء تصريح بممارسة مهنة المحاماة لامرأة مفاده "أن وظيفة المرأة أن تكون زوجة وأماً، وأن هذا هو قانون الخالق".
والنص بالإنجليزية هو:
In 1872, the Supreme Court of the United States decided that this provision of the Constitution did not prevent Illinois from refusing to license an otherwise qualified woman to practice law in that state. The legislature had said, in effect, that only men could be lawyers. Justice Bradley, writing for himself and two other justices, commented:
The paramount destiny and mission of woman are to fulfil the noble and benign offices of wife and mother. This is the law of the Creator. And the rules of civil society must be adapted to the general constitution of things, and cannot be based upon exceptional cases... I am not prepared to say that it is one of her fundamental rights and privileges to be admitted into every office and position, including those which require highly special qualifications and demanding special responsibilities([16]).
إن قيام المرأة بمهمتها ومسؤوليتها يقتضي وعلى سبيل الوجوب أن يتم إعداد المرأة بهذه الغاية إعداداً خاصاً، وهذا يتطلب بث الوعي الحضاري بدور المرأة، وبث ثقافة الأسرة ودورها وثقافة التربية الأسرية بجميع جوانبها؛ إذ ليس من المعقول ولا من المقبول في دنيا الأعمال أن يقوم عدد من العمال غير المدربين، وغير الحاصلين على أدنى تعليم، في فن من فنون الصناعة، إدارة مصنع يتطلب علوماً وإجراءات ومعارف، حتى ينتج بشكل صحيح؛ فكيف إذن بمن ينشئ أسرة تُخرِّج أجيالاً، تكون الأمة ومصيرها بأيديهم في المستقبل، والزوجان المؤسسان قد أقبلا على تأسيس الأسرة وهما صفر اليدين من ثقافة الأمة وثقافة الأسرة ودورها في المجتمع ونهضته.
لقد تنبه مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثانية عشرة التي عقدت في الرياض عام (2000م/ 1421هـ) لهذه المسألة، وأصدر قراره رقم (114/ 8/ 14) بشأن موضوع الإعلان الإسلامي لدور المرأة في تنمية المجتمع المسلم، فجاء فيه:
"إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية عشرة بالرياض في المملكة العربية السعودية، من (25/ جمادى الآخرة/ 1421هـ- 1/ رجب/ 1421هـ الموافق 23-28/ أيلول (سبتمبر)/ 2000م) بعد اطلاعه على توصيات ندوة الخبراء حول دور المرأة في تنمية المجتمع الإسلامي التي عقدت بطهران بالجمهورية الإسلامية الإيرانية في الفترة (17-19/ ذي القعدة/ 1415هـ الموافق 17-19/ نيسان (ابريل)/ 1995م) بموجب القرار رقم (10/ 7-ث (ق.أ) الصادر عن مؤتمر القمة الإسلامي السابع، تلك التوصيات التي تم تعديلها من قبل شعبة الفتوى في دورتي المجمع التاسعة والعاشرة.
وتأكيداً للقيم التي أحاط الإسلام المرأة بها، وناقضتها مؤتمرات المرأة العالمية وبخاصة مؤتمري القاهرة وبكين، وما تلاهما، وفي ضوء ما صدر من بيانات إسلامية لمواجهة تلك الحملات المنكرة قرر ما يلي:
أولاً: إن من أهداف الإسلام بناء مجتمع يكون فيه لكل من الرجل والمرأة دور متكامل في عملية البناء والتنمية، وقد أعطى الإسلام المرأة حقوقها كاملة على أساس ينسجم مع شخصيتها، وقدراتها وكفايتها، وتطلعاتها ودورها الرئيس في الحياة، وفي التصور الإسلامي يشكل المجتمع وحدة متكاملة يتم فيها التعامل مع الرجل والمرأة بصورة شاملة، ويؤكد القرآن الكريم، والسنة النبوية على وحدة الأمة الإسلامية بعناصرها الحيوية، فلكلٍّ من المرأة والرجل شخصيته، ومكانته في المجتمع الإسلامي.
ثانياً: الأسرة المبنية على الزواج الشرعي حجر الزاوية في البناء الاجتماعي السليم، ولذا فالإسلام يرفض أية صورة مزعومة أخرى للأسرة، وأية علاقة بديلة خارج هذا الإطار الشرعي. وللمرأة بمقتضى أمومتها وخصائصها الأخرى الدور الأساس في استقرار ورفاه هذا البناء العائلي.
ثالثاً: إن الأمومة هي إحدى وظائف المرأة الطبيعية في حياتها، ولن تستطيع أداء هذه الرسالة النبيلة على أحسن وجه وتكوين الأجيال القادمة إلا إذا حصلت على جميع حقوقها الإسلامية لتقوم بمهمتها في مجالات الحياة الخاصة بها.
رابعاً: المرأة والرجل متساويان في الكرامة الإنسانية، كما أن للمرأة من الحقوق وعليها من الواجبات ما يلائم فطرتها وقدراتها وتكوينها، وبينما يتمتع كل من الرجل والمرأة بصفات طبيعية متفاوتة فهما متكاملان في المسؤوليات المنوطة بكل منهما في الشريعة الإسلامية.
خامساً: الدعوة إلى احترام المرأة في جميع المجالات، ورفض العنف الذي ما زالت تعاني منه في بعض البيئات، ومنه العنف المنزلي، والاستغلال الجنسي، والتصوير الإباحي، والدعارة، والاتجار بالمرأة، والمضايقات الجنسية مما هو ملاحظ في كثير من المجتمعات التي تمتهن المرأة وكرامتها، وتتنكر لحقوقها الشرعية، وهي أمور منكرة دخيلة لا علاقة للإسلام بها.
سادساً: قيام الوسائل الإعلامية بتعزيز الدور الإيجابي للمرأة، ورفض جميع أشكال استغلال المرأة في وسائل الإعلام والإعلان، والدعاية المسيئة للقيم والفضائل، مما يشكل تحقيراً لشخصيتها وامتهاناً لكرامتها.
سابعاً: ينبغي بذل جميع الجهود لتخفيف آلام النساء والمجموعات الضعيفة وبصفة خاصة النساء المسلمات اللائي ما زلن ضحايا النزاعات المسلحة والاحتلال الأجنبي والفقر وضحايا الضغوط الاقتصادية الأجنبية.
ثامناً: إن التنمية الشاملة المتواصلة لا يمكن تحقيقها إلا على أساس من القيم الدينية والأخلاقية، وهذا يقتضي رفض محاولات فرض مفاهيم ثقافية واجتماعية دخيلة، وإدانة الهجمات المتواصلة من بعض الجهات ضد المفاهيم والأحكام الإسلامية المتعلقة بالمرأة.
تاسعاً: الإنكار الشديد لأساليب بعض الحكومات في منع المرأة المسلمة من الالتزام بدينها وإقامة شعائره وما افترضه الله عليها كالحشمة والحجاب.
عاشراً: العمل على جعل مؤسسات التعليم النسوي بجميع مراحله منفصلاً عن تعليم الذكور وفاء بحقوق المرأة المشروعة وقياماً بمقتضيات الشريعة.
حادي عشر: إن الشريعة الإسلامية في مصادرها الأساسية هي المرجع الوحيد لتفسير أو توضيح أي مادة من مواد هذا الإعلان. والله أعلم".
إن هذا القرار يمثل نواة لميثاق إسلامي عالمي في موضوع (المرأة) اليوم، والذي نطمح ونوصي بإصداره بشكل مفصل وبأسلوب المواثيق الدولية المعاصرة، بحيث يعتمد من قبل الدول والمؤسسات الإسلامية والعربية.
الهوامش:
[1] الدكتور غالب الشابندر، مجلة النبأ، عدد (60).
[2] العلامة محمود شلتوت: الإسلام عقيدة وشريعة، ص141، ط1، دار الشروق.
[3] الأسرة محورة التربية، أ.د. محمد عبد السميع عثمان، ص11، ضمن كتاب الإيسسكو (مبادئ تربية الأسرة 2001)، الدار البيضاء.
[4] صحيح البخاري، حديث (3818)، مناقب الأنصار، باب (20)؛ صحيح مسلم، حديث (6431)، فضائل الصحابة، باب (12).
[5] انظر: سعاد صالح: أضواء على نظام الأسرة، ص15.
[6] د. علي محمد صالح، أسس التربية الإسلامية ودور الأسرة في تأصيلها، ص155.
[7] راجع: أحمد الأسمر، فلسفة التربية الإسلامية، ص245، سعاد صالح، أضواء على نظام الأسرة، محمد عقلة الإبراهيم، نظام الأسرة في الإسلام.
[8] حديث صحيح رواه إماما المحدثين البخاري ومسلم في صحيحيهما.
[9] مقاصد الشريعة الإسلامية، ابن عاشور، ص155.
[10] أ.د. محمود محمد عبد الله كسناوي، أسس التربية الإسلامية ودور الأسرة في تأصيلها، ص239، ضمن كتاب الإيسيسكو، 2001م.
[11] راجع الحديث في: البخاري (3/ 245) مع الفتح، ومسلم كذلك (2/ 41) مع شرح النووي.
[12] محمد التومي، المجتمع الإنساني في القرآن الكريم، ص269 (وراجع كذلك عمر التومي الشيباني، فلسفة التربية الإسلامية ص151).
[13] د. عبد الكبير العلوي المدغري، حقوق المرأة في الإسلام بين أحكام الفقه والدعوة إلى التغيير، ضمن منشورات مؤسسة آل البيت، ص147.
[14] الشيخ محمد الغزالي، قضايا المرأة، ص116 بتصرف.
[15] محمد التومي، المجتمع الإنساني في القرآن الكريم، ص269.
[16] انظر: A practical guide to legal writing and legal method, by John C. Dernbach, Richard V. Singleton II, Cathleen S. Wharton, Joan M. Rothenberg, second edition, 1994, Rothman Colorado U.S.A., p.5.
مصدر: موقع دائرة الإفتاء العام- الأردن، د. عبد الناصر أبو البصل.
بتصرف
اترك تعليق