مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

مقال للحاجة عفاف الحكيم نُشر في مجلة المنطلق سنة 1985م(1)

مقال للحاجة عفاف الحكيم نُشر في مجلة المنطلق: المسلمة بين الثورة الإسلامية والمقاومة الإسلامية(1)

مقال للحاجة عفاف الحكيم نُشر في مجلة المنطلق عدد29- 1985: المسلمة بين الثورة الإسلامية والمقاومة الإسلامية(1)

من البديهي القول أنه ما من مسلم واع في آيامنا هذه إلا وأصبح يعيش حالة من الوضوح في الرؤيا، وبات يدرك بان أبلغ ما أصبنا به -من جراء الهجمة الإستعمارية الشرسة- هو شخصيتنا الإسلامية أو كياننا  الإنساني الذي كان بمثابة حصن الأمة ودرعها الواقي، وبات الآن يعي أبعاد التراجع المميت الذي منينا به أمام محالات التغريب، فأدرك ولو بعد وقت فداحة الثغرة التي دفعت بمقدرات المسلمين إلى أيدي من غفلوا عن نهجهم وتملكهم حب الدنيا، فكان أن استباحوا الآرض ثم أباحوها بما فيها وبمن عليها. كذلك ما من واع اليوم إلا وبات يدرك بأن الفضل الأكبر في صد هذه الهجمة إنما يعود إلى حصون الإسلام، وإلى البيئة التي بقيت رغم المد والجزر تتوهج بنور القرآن وتعاليمه مواصلة سعيها وتماسكها مع عظيم التضحيات إلى أن عمت الصحوة الإسلامية، وتم في الشعب المسلم في إيران التحول الروحي والمعنوي المطلوب-وفق السنن الإلهية- فكان أن تم النصر وبزغ فجر الإسلام من جديد.

المسلمة والتحول:

حيثما أن التغيير الذي تم في إيران استند على الإسلام والقرآن، وكان امتدادا لثورة رسول الله(ص) كان من البديهي لأي متأمل في مسيرة هذا الشعب أن يمتلئ غبطة بروعة دور المرأة فيها، وأن يمتلئ أسى في الوقت نفسه لواقع المرأة المسلمة في المجتمعات المتحللة التي لا زالت تلهث وراء سراب ما يسمى بالحضارة الغربية، فالمرأة برزت من خلال الثورة الإسلامية في كل خندق، وخلف كل متراس، في الكتابة والخطابة والأمور السياسية والعسكرية والإجتماعية.
المهم في الأمر أن تواجدها في هذه المجالات، لم يكن تبريريا بمعنى أنه عمل على إبرازها هنا وهناك بشكل استعراضي شأن الثورات الهزيلة، وإنما كان تواجدا أملاه الفكر الذي تستند إليه هذه الثورة، أملته شريعة القرآن، التي تؤكد على مشاركة الناس ذكورا وإناثا في تقرير مصيرهم إن سياسيا أو اجتماعيا أو فكريا.
قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ..»  [الممتحنة:10]

«إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ..»، «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ».
ففي الآية الأولى يؤكد تبارك وتعالى على الحق في تقرير المصير، وفي الآية الثانية يتبين بأن المكلف بالنهوض لحمل الأمانة وإقامة المجتمع العابد العادل في الأرض هو الإنسان الرجل والإنسان المرأة. أما في الآية الثانية فبين تعالى كيفية النهوض المشترك عبر مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ومن المعلوم أن المعروف هو: كل ما دعا إليه الإسلام وهو كل خير في الأرض، وأن المنكر هو: كل ما نهى عنه الإسلام وهو كل فساد في الأرض.
وبناء عليه يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو مسؤولية الرجل والمرأة على حد سواء-كما تؤكده الآية الكريمة- عبارة عن ثورة دائمة لتعطيل كل فساد في الأرض، وإقامة العدل في كل الميادين.

المسلمة والثورة الإسلامية:
مما تقدم ندرك بأن مسيرة المرأة المسلمة في إيران إنما انطلقت ضمن الإطار الذي حدده الله لها للإسهام بدور الخلافة على الأرض، وما نهوضها العظيم في ظل ولاية الفقيه لتواجه كامل المسؤليات إلا تجسيدا لشخصيتها الرسالية بعد أن فتح أمامها الباب على مصراعيه كما فتح في ظل ولاية رسول الله(ص)، فالمشاركة الجهادية الفعالة جعلتها -كما في الماضي..- تسطر أروع المواقف البطولية، والتي كما لاحظنا تحير معها المراقبون في هذا العصر، واندهش الناس حتى أن بعض المتدينين من البسطاء رأى في تلك المشاركة نوعا من التطرف، بينما رأى فيها آخرون أنها نوع من الإنفتاح والتطور الذي اكتسبه المسلمون بتأثير الحضارة المادية الحديثة، وقد غاب عن هؤلاء أنّ هذا الدور الثوري العظيم ليس إلا الصورة المثلى للمرأة المسلمة كما رسمها الإسلام، وأن المرأة الإيرانية في هذا السبيل لم تكن مندفعة بعوامل العاطفة والمشاعر الوقتية، وإنما عن وعي منها لدورها الجهادي وللمسؤولية الشرعية التي تلزمها بعدم الركون للظالمين، ولذا ارتفعت إلى مستوى الأحداث بيسر، وتقدمت لتضع جميع إمكانياتها في كل المجالات من أجل المساهمة في تقويض النظام الطاغوتي الفاسد وإقامة حكم الله في الأرض.


في مجال إثارة الوعي لدى الجماهير:
برزت مساهمة المرأة الإيرانية في التواجد المكثف في المساجد والحسينيات في أوقات الصلاة والدعاء وعبر المشاركة في الخطب الحماسية لإزاحة غشاوة التضليل التي غشى بها النظام أعين الناس.
كما أخذت على عاتقها توزيع المنشورات السرية معرضة نفسها للإعتقال ولأقصى أنواع التعذيب الذي كانت تنزله السلطة بكل من يمارس نشاطا إسلاميا، فكان أن دخلت العديدات منهن السجون.
وفي مجال التبرعات: فقد كانت النساء في المدن والقرى يجتمعن في المساجد والأماكن العامة لجمع المساعدات اللازمة لتمويل الثورة بذلن ما يملكن من المال والمجوهرات. بل يمكن القول -كما يقول أحدهم- أن التبرعات النقدية والعينية التي تبرعت بها المسلمة في إيران قد لا تمر في بال ولا تخطر في خيال ولم يسمع الناس نظيرا لها في التاريخ.هذه المشاعر الحية شملت المسنات منهن، بحيث كن يتقدمن بكل ما لديهن من حلي وأقراط ونقود حتى أن إحداهن باعت سجادة الصلاة التي لا تملك غيرها وتبرعت بثمنها.
في مجال المظاهرات: فقد كان لها دور فعال عبر المشاركة في المظاهرات المليونية الصاخبة، التي لم يشهد العالم مثيلا لها. بالإضافة إلى الدور الخطير الذي أدته في تظاهرات الرجال إذ كانت تقوم بصنع حزام حولهم كي لا يطلق الجند عليهم الرصاص. وفي هذا المجال تروي شاهدة: أنه في إحدى المسيرات أنذر الجيش التظاهرة بالتفرق، فرفضت النساء وبقين متمسكات بموقفهن، حتى أنها رأت السيدات يتساقطن صفا بعد صف كما تتساقط أوراق الشجر. وتقول أخرى: أنها رأت الجندي الذي أطلق النار على نفسه وعلى ضابطه الذي أمره بإطلاق النار على السيدات، وكان أن قدمت المرأة في هذا اليوم –يوم الجمعة السوداء- ثلاثمئة شهيدة قربانا للإسلام. كما شاء لها تعالى أن تسجل بكل فخر واعتزاز أن أول شهيدة سقطت في الثورة كانت امرأة.
وفي المجال العسكري: فقد تدربت على السلاح وحملته إلى جنب الرجل، وقامت بصنع القنابل الشعبية (مولوتوف) التي كانت تتساقط بكثافة من شرفات المنازل لعرقلة تقدم جيش الشاه المخلوع، كما ساهمت بدور بارع في نقل الجرحى وتضميدهم.

أما على صعيد الجهاد الأكبر الذي هو جهاد النفس: فقد ارتفعت المرأة على هذا الصعيد إلى أعلى عليين، فالمسلمات كن كما المتوقع منهن، كن يستقبلن شهادة الولد أو الأخ أو الزوج بقول الحوراء زينب(ع) "اللهم تقبل منا هذا القربان".
كانت الأم منهن تضحي بولدها وتنساه، فلا يبقى من مؤثراته إلا الشموخ والإعتزاز، كانت تتذكر فقط أنها قدمت شهيدا للإسلام، ولا شك ان حالة الإفتخار والذوبان هذه التي جسدتها الأمهات كانت تلهب مشاعر الجماهير وتدفعها إلى تصعيد التحدي والتحرك نحو الهدف بشوق كبير. فعلى سبيل المثال: يروي أحد الأشخاص –يومذاك- وكان يقف أمام مقبرة الشهداء في طهران أنه رأى إحدى الأمهات توقف سيارتها، ثم تتقدم وهي تحمل ابنها الشهيد على يديها لتسلمه إلى المعنيين بعد أن ترمقه بنظرتها الحانية، وتقول له مودعة: "شكرا لك يا ولدي إذ جعلتني أما لشهيد"، ثم تعود أدراجها لتواصل عملها الجهادي.
حتى أنه وصل الإيمان بالأم الإيرانية أن جعلها ترتفع فوق عاطفتها فتعين المجاهدين في سبيل الله على اعتقال ابنها الذي رأته يعمل ضد الثورة، وتقدمه لتنفيذ حكم الله فيه. وقد قالت إحداهن عندما سمعت بخبر تنفيذ حكم الإعدام بابنها "أشكر الله على إزالة الشوكة التي كانت تعرقل خط الثورة والإسلام -ثم تتابع- إنني أوصي وأنصح الأمهات والآباء أن يغضوا النظر عن المشاعر والعواطف الدنيوية والمادية اتجاه أبناءهم، ويأخذوا بنظر الإعتبار العقيدة الإسلامية".
هذا الزخم الرسالي والتفاعل العظيم بين المرأة والثورة لا يمكن أن يحدث في أي بقعة من الأرض إلا عندما يقود الإسلام حقا، وهذا يدركه كل متأمل في التاريخ الجهادي للأمة المسلمة، إذ يلاحظ بأن أخصب عطاء للمرأة تمثل في حقبتين اثنتين –أي صدر الإسلام الأول وأيامنا هذه- ولا ريب أن هذا يعود إلى قيام دولة العدل الإلهي في كلا المرحلتين، والأمر من الوضوح بمكان ولا يحتاج إلى تفصيل.
إنما أردنا تبيان ما للقادة من دور مهم في تفجير طاقات الأمة بشكل عام وطاقات المرأة بشكل خاص، ومن هنا يحق القول: بأنه إن كانت تشريعات الإسلام قد شكلت الحافز الأول لهذه المواقف البطولية التي أدتها المرأة في إيران، فإن الحافز الثاني يعود لولي الأمر، لقائد الثورة الإمم الخميني (حفظه الله)، وتوجيهاته الحكيمة التي عملت للإرتفاع بكل أعضاء المجتمع إلى آفاق النهج الرسالي، إذ تجده في كل خطبة يتوجه لجميع فئات الشعب دون تمييز، بل قد يخص المرأة أحيانا بتحريضها على أخذ مكانتها الإسلامية الحقيقية والدخول إلى ساحة النضال، وإلى حمل السلاح في وجه الطاغوت، طالبا منها أن تنهض وتقتدي بالزهراء(ع) التي كان لها دور هام في جميع الشؤون الحياتية سياسيا واجتماعيا، وعلى سبيل المثال نورد بعض المقتطفات من خطبه النيرة، ملاحظين الروحية التي كان يتحدث بها إلى نساء الأمة.-إذ يخاطب وفدا من نساء قم يضم حوالي ألف امرأة يقول:تحية لكن يا كل نساء بلادنا اللواتي كن المعلم للرجال في هذه الإنتفاضة الشريفة، ولازلتن على هذا السبيل. ولو لم تكن هناك أية مكاسب لهذه الثورة سوى هذا التحول الذي حدث في نسائنا وشبابنا لكان ذلك كافيا لبلدنا.
ويتابع: فدور المرأة أعظم في المجتمع من دور الرجل؛ ذلك لأن النساء فضلا عن كونهن يشكلن فئة فعالة في كل المجالات، فهن يربين الفئات الفعالة الأخرى في أحضانهن.
ثم يخاطبهن بقوله: حافظن على هذا التغيير.. كن مستقلات في تفكيركن ولا تتبعن أفكار الآخرين، واسعين بأنفسكن لتكن مفيدات لبلدكن، وقمن بهداية الرجال وإسداء النصح لهم، وقدمن النصح لمسؤولي البلد، وكن أمهات صالحات واستمرن في أداء النصح والخدمة للفقراء.. وحمدا لله، أنتن تقمن بهذه الأعمال.
أما مندوبات سيدات إيران فيخاطبهن بقوله: التحية لكن أيتها البطلات اللاتي حررتن الإسلام من أغلال الأجانب. أنتن أيتها الأخوات العزيزات بالتكاتف مع الرجال قد حققتن النصر الساحق للإسلام.
ويتابع: فجميع قوانين الدين الإسلامي إنما شرعت لصالح المرأة والرجل معا.. يجب أن تشترك المرأة في تقرير مصير البلاد. يجب عليكن بناء الوطن، لقد كانت المرأة في صدر الإسلام تساهم مع الرجل في جبهة القتال أو متقدمة عليه في بعض الأوقات، قد بذلت حياتها وحياة أطفالها وأشبالها الشباب، ولا زالت واقفة وهي تقاوم. نحن-يقول الإمام- نهدف الشموخ بالمرأة إلى قمة الإنسانية العليا. إن المرأة يجب أن تقرر مصيرها بنفسها.. إن عهد الإضطهاد والإستبداد أراد للمرأة المناضلة أن تتحول إلى دمية.. ولكن الله تعالى أبى ذلك. إنهم أرادوا تحويل المرأة إلى متاع، لكن الإسلام جعلها كالرجل في كل الشؤون، فكما يستقل الرجل في كل شؤونه، تستقل المرأة في كل شؤونها. وإذا ما أضفنا إلى هذا قول الإمام بأنه "من أحضان الأمهات تعرج الرجال إلى العلياء" و "لولا المرأة لما انتصرنا" فلا بد أن نكتشف سر القفزة وعمق الأثر البناء الذي تتركه العقيدة الإسلامية في حياة المرأة البعيدة عن العبث واللهو.. هذه المرأة التي ما أن توفرت لها مقومات النهوض حتى اضطلعت بدورها كاملا وسطرت في صحائف التاريخ دروسا قيمة كان لها على مستوى العالم وسيكون لها بإذن الله أبعاد..

... يتبع


مجلة المنطلق عدد29- 1985

التعليقات (0)

اترك تعليق