مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

دراسة فقهية - قانونية لاتفاقية سيداو

اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "دراسة فقهية - قانونية": الاتفاقية في ميزان الفقه الاسلامي

 فريبا علاسوند

الاتفاقية في ميزان الفقه الاسلامي
يضاف إلى جملة العوامل السلبية التي تتضمنها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة، على صعيد الفرد والأسرة والمجتمع (سياسياً، ثقافياً، اقتصادياً)، عامل مهم يحول دون انضمام البلدان الإسلامية إليها، وهو مخالفتها الصريحة لأحكام الشريعة، ذلك أن ثمة سقف مشترك من بديهيات الدين تجتمع تحته المذاهب الإسلامية، بمختلف مشاربها وألوانها، قد تخطّته تلك الاتفاقية. من هنا جاءت ردود أفعال البلدان الإسلامية شديدة وتحفظاتها كثيرة عليها، ووصلت أحياناً إلى حدّ الرفض.
لذا من المهم أن نبيّن مسألتين مهمتين هما:
المسألة الأولى: احتواء الاتفاقية طروحات بنيوية، مثل المساواة والتماثل، تتناقض كليا مع الفقه الاسلامي وأحكامه، أي هناك تناقض فكري ومفهومي يحتّم علينا التعاطي مع الاتفاقية ضمن رؤية نقدية ما فوق فقهية، هذا إذا تركنا مؤقتاً تناقضها الشديد مع أحكام الشريعة.
إنّ التنصّل من الاتفاقية، ومن تبعاتها التماثلية في الميادين التي تكون المساواة فيها مرفوضة من قبل الدين، ليس بالأمر اليسير ولا المقبول من قبل واضعي الاتفاقية، لذا فنحن أمام خيارين لا ثالث لهما: إمّا التمسّك بأحكام ديننا أو الرضوخ للاتفاقية. وهذه الاتفاقية التي شرّعت باسم القضاء على أشكال التمايزات والتمييز، لا تنسجم بكل تأكيد مع تحفظاتنا. وخلاصة القول: لو لم تتضمّن الاتفاقية إلاّ البند الأول؛ لكان كافيا لإدانتها ورفضها؛ وذلك بسبب تناقضه مع جوهر أحكام الدين.
لا شكّ في أنّ الإسلام قد وضع تمايزات على أساس الجنس في دائرة الأحكام والأخلاق، والتجربة الإسلامية، بوصفها أنموذجاً أخلاقياً وفقهياً يشمل جميع مناحي الحياة، تمثّل حالة متقدمة لو جرّب المجتمع الإسلامي بنسائه ورجاله وأطفاله تطبيقها لأصاب فائدة كبيرة.
المسألة الثانية: إن الإحاطة بالنظام الفقهي الإسلامي يستدعي، أولاً، الإلمام بالنظام العقدي والأخلاقي، وأهمّ من ذلك كلّه مراجعة شاملة للنصوص الدينية وفي مقدمتها القرآن الكريم، باعتباره السند الأهمّ، وغير الوحيد؛ ذلك أنّ المذاهب الإسلامية، برمتها، تتفق على أنّ القرآن الكريم لم يتطرّق إلى جميع القضايا المتعلقة بالإنسان في مجالي الفقه والأخلاق.
إنّ التشابك الوثيق والتفصيلي بين الفقه والأخلاق بالحياة المتغيرة للإنسان وبيئته من جهة، وعدم تضمّن مرحلة الوحي لجميع المستحدثات من جهة أخرى، حدا بالمسلمين إلى أن يعتمدوا السنة النبوية الشريفة –بحسب ما أوصى به الرسول الكريم (ص)- مرجعيةً إلى جانب القرآن الكريم في استنباط الأحكام الدينية. لذا، لا مناص من الرجوع إلى هذين الثقلين عند تمحيص حكم ما، من حيث صحته ودائرة شموله(1).
ومن المؤسف القول: إنّ عدم تركيز الاهتمام الكافي على هذه المسألة بعث على الاعتقاد بأنّ غياب بعض الأحكام من القرآن الكريم يعدّ دليلاً على عدم أهميتها، وهي –أي الأحكام- لا تعدو كونها استنباطات للفقهاء، في حين أن هناك العديد من الفروع الفقهية التي لا وجود لها في القرآن، على سبيل المثال عدد ركعات الصلاة.


(1) يقول عزّ من قائل: «بالبيّنات والزّبر وأنزلنا إليك الذكر لتبيّن للناس ما نُزل إليهم (سورة النحل: الآية44)، أجمع المفسّرون على أنّ الرسول (ص)، بحسب هذه الآية الكريمة، قد قام بشرح القواعد والمفاهيم العامة الواردة في القرآن وتشريعها، ومن ثمّ مطابقتها على الحالات التفصيلية.
المصدر:كتاب المراة وقضاياها- سلسلة الدراسات الحضارية  من مركز الحضارة لتنمية الفكر الاسلامي 
 نقلاً عن كتاب للمؤلفة يحمل عنوان المقال

التعليقات (0)

اترك تعليق