مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

الفقه الإسلامي واتفاقية سيداو: دراسة مقارنة لنقاط الاختلاف

الفقه الإسلامي واتفاقية سيداو: دراسة مقارنة لنقاط الاختلاف في ما يتعلق بالمرأة والحياة الفردية

 فريبا علاسوند
في هذا المقال نعرض مواطن الخلاف بين الاتفاقية والفقه الاسلامي، بجميع مذاهبه، (المذاهب الخمسة) على صعيد الحياة للمرأة

 المرأة والحياة الفردية
   1-  البلوغ
إنهاء الفرد لمرحلة الطفولة والدخول في مرحلة البلوغ والشباب حالة تكوينية يجتازها الإنسان بصورة طبيعية، ولهذا حدّدت الدول، في منظومتها القانونية، سنّاً معينة للبلوغ إذا ما اجتازها الإنسان سيصبح فرداً مسؤولاً. بمعنى، أنّ الفرد البالغ هو الذي يتحمّل تبعات تصرفاته، ويحقّ له ممارسة أيّ نشاط من النشاطات السياسية والاجتماعية والحصول على مزايا خاصة. كما أنّ التمييز بين السلوك السوي والمنحرف يبدأ من هذه السنّ.
في ضوء هذا التقديم، يجب القول: إنه في إطار حماية حقوق الطفل، فإنّ جميع الاتفاقيات الدولية، بما فيها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة، تطرقت لمسألة البلوغ. إن إيلاء مصلحة الأطفال الأولوية في توزيع الأدوار بين الوالدين، خطوبة الطفل أو زواجه... إلخ، هي من جملة الحالات التي وردت فيها كلمة الطفل، والمقصود بالطفل هو المعنى نفسه الذي ورد في معاهدة الطفل، إذ تعرّف المادة الأولى منها الطفل بما يأتي: "يعني الطفل كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشر".
الطفل، إذاً، حسبما ورد في توصيات معاهدة القضاء على أشكال التمييز أيضاً، من قبيل منع خطوبة الطفل أو زواجه، هو الفرد الذي لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره.
ونقطة الخلاف هنا هي سنّ الرشد، حيث لكل مذهب من المذاهب الإسلامية رأيه الخاص. فالمشهور، عند المذهب الشيعي، أنّ سنّ البلوغ هو تسع سنوات هجرية للبنت، وهو في كل الأحوال أقل من سنّ الرشد للصبي. وتتفاوت هذه السنّ بين المذاهب الأربعة، ولكن الرأي الغالب هو ظهور علائم البلوغ، مثل الحيض عند البنت والاحتلام عند الصبي... إلخ، وهي على الأعم الأغلب تحدث دون سنّ الثامنة عشرة، اللهمّ إلاّ إذا طرأ خلل جنسي، ويتفرد أبو حنيفة بالنسبة للصبي والمالكية بالنسبة للجنسين بالقول: إنّ سنّ البلوغ هي إكماله الثامنة عشرة من عمره، في حين تنخفض هذه السنّ عند المذاهب الأخرى عن ذلك.
لذا، تكون علامة البلوغ القطعي للبنت ظهور علائم الحيض قبل إكمالها الثامنة عشرة من العمر، وهو بلوغ تشرّعه أحكام الدين بهدف التكليف، وبطبيعة الحال فهو يختلف عن البلوغ التعاقدي الذي تشرّعه الاتفاقية. ولكن هذا لا يمنع من تحديد سنّ معينة لأغراض النشاطات الاجتماعية، مثل حقّ الاقتراع والاستفتاء، أو استصدار بعض الشهادات مثل إجازة السواقة... إلخ، ولكن شريطة ألاّ تسري هذه السنّ على كافة الأدوار أو الحقوق الشرعية للبنات والصبيان.
وبوجيز العبارة: إنّ القول بتمايز سنّ البلوغ للصبيان والبنات يتعارض جزئياً مع ما ورد في بعض المواد من الاتفاقية المذكورة، وجذرياً مع المادة الأولى.

    2- التبرّج
تحرّم المذاهب الإسلامية قاطبةً التبرّج، أو استغلال المفاتن الجنسية، لجذب الانتباه. فالتبرّج يبدأ بنزع الحجاب، وينتهي إلى الانحراف والدعارة التي أصبحت اليوم ركناً مهماً من أركان التجارة في عصرنا هذا، وجميع هذه الحالات محرّمة بحسب جميع المذاهب الإسلامية.
وتستمدّ حرمة التبرّج من محكم الآيات القرآنية، حيث يقول الله عزّ وجل في كتابه الكريم: وقرن في بيوتكنّ ولا تبرّجن تبرّج الجاهلية الأولى    (الأحزاب:33)
وقد ورد، في السنة النبوية الشريفة، ما يؤكد ذمّ التبرّج، حيث روت عائشة بنت أبي بكر عن الرسول الأكرم(ص) قائلة: سمعت رسول الله(ص) يقول: "ما من امرأة تنزع ثيابها في غير بيتها إلاّ هتكت ما بينها وبين الله تعالى".
إذ تنطلق الاتفاقية من خلفية ثقافية، فهي لا ترى ضرورةً لتحديد لباس أو حجاب معين يستر جسد المرأة عن أنظار الرجال، لأنها تعدّ ذلك بمثابة تمييز جنسوي، وبالتالي تنظر إلى تحريم التبرّج على أنّه تقييد لحرية المرأة وراحتها، أي أنّه عقبة في طريق ريتها الفردية يمنعها من تحقيق رغبة شخصية. من هذا الباب جاءت المادة الأولى من الاتفاقية متعارضة مع الأحكام الإسلامية.
والمثير للدهشة أن الاتفاقية لم ترَ ضيراً في أصل البغاء الذي يمثّل أحطّ مظاهر التبرّج، وذلك استناداً إلى المبدأ نفسه، بل إنّ المادة السادسة منها اكتفت "بحثّ الدول الأطراف على اتخاذ جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريعي منها لمكافحة جميع أشكال الاتّجار بالمرأة واستغلال بغاء المرأة". طبعاً، وردت في اتفاقيات أخرى بعض الإشارات إلى منع البغاء، لكنّها جميعها تركّز على الجانب التجاري للقضية، بمعنى أنّه عندما يتّخذ نشاط البغي طابعاً تجارياً فإنّ عملها حيننذاك يكون ممنوعاً شاءت أم أبت. وبموجب المادة السادسة من المعاهدة الدولية لقمع الاتجار بالرقيق الأبيض، الموقّعة في باريس في 18 أيار (مايو) عام 1904، فإنّ الدول الأطراف تتعهّد بإعمال الرقابة على الدوائر والوكالات المسؤولة عن تشغيل العمالة النسائية في الخارج، إذ تنصّ المادة الأولى من المعاهدة المذكورة: "يعاقب كل من يقوم بأعمال القوادة، بما فيها الاتّجار والنقل وإغواء النساء –حتى وإن كان بموافقتهنّ- أو البنات القاصرات وحرفهنّ عن الطريق السويّ، حتى وإن ارتكبت هذه المخالفات فرادى وفي دول مختلفة".
إذن، فالتقابل بين الاتفاقية والفقه الإسلامي واضح –على الرغم من إصرار بعضهم على عدمه- بسبب أنّ الاتفاقية لا يعنيها التبرّج بجميع مظاهره، بل إنّ أشدّ مظاهره ممنوع من وجهة نظرها، لأنّه يندرج تت بند تجارة الرقيق الأبيض واستغلال المرأة، أما المظاهر الأخرى، فتدخل في سياق التمييز الجنسوي مثل فرض الحجاب، أو أنّها تعدّ خارجة عن صلاحيات القانون؛ وذلك بالاستناد إلى الأيديولوجية الليبرالية.

ملاجظة:
نودّ الإشارة إلى أنّه توجد نقاط مختلفة في الاتفاقية لا يجوز معاملتها بالتساوي وفق الآيات والأحاديث التي تحظّر التبرّج، مثال على ذلك موضوع الرياضة، التي يحثّ عليها الشرع ويعدّها عملاً محبّذاً، ولا فرق هنا بين الإناث والذكور، فالهدف الأصلي هو تحقيق الصحّة البدنية والسلامة النفسية.
مما يؤسف له أنّ بعض الأقوال ينظر إليها من زاوية الوجاهة والشان الاجتماعي، فتخرج بذلك عن إطارها الطبيعي، فمثلاً، بدلاً من التركيز على دور الرياضة الجماعية والتخطيط لها، لأهميتها في المحافظة على صحة الأفراد وسلامتهم، ينظر إليها على أنها كسب اجتماعي للمرأة، وحلبة جديدة من حلبات الصراع بينها وبين الرجل. من هنا تطرع الاتفاقية نظرة تماثلية تماماً في ما يتعلق بفتح آفاق الرياضة أمام المرأة، يُقصد منه دخول المرأة في جميع فروع الرياضة جنباً إلى جنب مع الرجل، من دون فرض قوانين التمييز الجنسوي التي تصنّف الرياضة على أساس الجنوسة، ذكورية وأنثوية، كأن يكون حجاب المرأة مانعاً لها من اختيار رياضة معينة والمشاركة في المسابقات الدولية، أو حجب عرض بعض المسابقات النسوية على الرجال، فهذه كلها حالات تمييز جنسوي من وجهة نظر الاتفاقية المذكورة. وفي المحصلة فإنها تتعارض مع بنودها.


(1) معاهدة حقوق الطفل
(2) "لا يكون لخطوبة الطفل أو زواجه أي أثر قانوني، وتتخذ جميع الإجراءات الضرورية بما في ذلك التشريعي منها، لتحديد سنّ أدنى للزواج، ولجعل تسجيل الزواج في سجل رسمي أمرا إلزامياً". اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة، المادة 16 فما بعد. يُشار إلى أنّ المذاهب الإسلامية لم تحدّد سنّاً معينة للزواج، وإنّ زواج الصبي والبنت غير البالغين يكون بإذن وليّهما، ولكن يجب الأخذ بعين الاعتبار مصلحة المولى عليه، وإلاّ يعدُّ الزواج باطلاً. من هنا فإنّ زواج غير البالغ ليس فيه مصلحة له، لا يصدق هنا، لأنّ المهم هو أنّ المذاهب الإسلامية جميعها تجمع على وجوب توفُّر شرط الرضا، وبالتالي بطلان الزواج القسري، سواء أكان الفرد بالغاً أم لم يكن.
(3) شمس الدين سرخسي، "كتاب المبسوط"، ج3، ص161، و"الفقه على المذاهب الأربعة"، ج2، ص350-352.
(4) سورة الأحزاب: الآية33.
(5) أحمد بن حنبل، المسند، ج2، ص362، 367، 199، صحيح البخاري، ج10، لعن المتبرّجات، ص333، سنن أبي داود، ص4930، سنن الترمذي، ص2785.
(6) مهر أن يز كار، "إلغاء التمييز ضدّ المرأة"، ص140، إنّ سياسة الكيل بمكيالين للقوى العظمى التي تحمل ظاهراً إنسانياً مدافعاً عن حقوق المرأة والأطفال تجعلنا نشكّ أكثر في الجهود القانونية التي تبذلها، على سبيل المثال، لمّا كان الاتجار بالأطفال ممنوعاً، نرى دولاً مثل هولندا تقوم بتخفيض سنّ الرشد القانونية من 18 إلى 12 سنة، وذلك لتقلّل من القيود التي تحول دون هذه التجارة.

المصدر: كتاب المرأة وقضاياها-سلسلة الدراسات الحضارية من مركز الحضارة لتنمية الفكر الاسلامي
           نقلا عن كتاب للكاتبة تحت عنوان "اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (دراسة فقهية- قانونية)

 

 

التعليقات (0)

اترك تعليق