مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

كلمة الحاجة عفاف الحكيم في المؤتمر الذي أقامه المجمع العالمي لأهل البيت(ع)

كلمة الحاجة عفاف الحكيم في المؤتمر الذي أقامه المجمع العالمي لأهل البيت(ع) في ذكرى ولادة السيدة الزهراء(ع) طهر

كلمة الحاجة عفاف الحكيم لمؤتمر المجمع العالمي لأهل البيت(ع) في ذكرى ولادة السيدة الزهراء(ع) طهران-2008

 

القدوة الصالحة... مفتاح النهوض بالمجتمعات النهائية المعاصرة
الصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين.. سيدنا ونبينا وقائدنا محمد.. وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين.
نبارك للجميع ذكرى الولادة الميمونة لكوثر النور والمعرفة، الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء(ع)، وذكرى ولادة حفيدها المقدس الإمام الخميني(رض) وبعد..
إنه من دواعي السرور -لي- أن أكون بينكم للمشاركة في برامج المجمع العالمي لأهل البيت(ع) وتحديداً فعاليات اليوم الذي اختاره الإمام(قده) يوما عالميا للمرأة المسلمة.
فيوم العشرين من جمادى الثانية بالنسبة لنا هو يوم له معانيه العالية ودلالاته البالغة في فكرنا وعقيدتنا وتاريخنا، وفي واقعنا ومستقبلنا كأمة، فضلا عن قضايانا كنساء.
هو يوم نستذكر فيه آثار وأبعاد المنّة الإلهية المتمثلة بشخص الزهراء(س)، وأهل البيت(ع) عموما، المثل العليا للبشرية جمعاء، والقيمة المستمرة التي تمد الحياة كلها بالحياة والروح وتملأها بكل المعاني السامية والأخلاق الرفيعة.
يوم نراجع فيه نتائج وأبعاد التمسك بمدرستهم ونهجهم وصبرهم(ع) وتضحياتهم الجليلة في جنب الله.
فبفضل علمهم ومدرستهم سلام الله عليهم، وبفضل الارتباط المتين بالقيادات الصالحة التي تابعت نهجهم، فضل ثورة الإمام الخميني(رض) والتوجيهات الحكيمة للولي الفقيه السيد القائد الخامنئي (دام ظله)، وفضل الانضباط والحب والذوبان في القيادة الميدانية المسدّدة لسماحة الأمين العام السيد حسن نصر الله أعزه الله.
كان ما حققه أبناء حزب الله في لبنان من انتصار على العدو الصهيوني الشرس عام 2006، رغم الدعم المباشر له من كل شياطين الأرض، وهذا الانتصار ما كان ليكون لولا فضل الله تبارك وتعالى، فضل الإسلام ونهج أهل البيت(ع) تحديدا.
لذا في الذكرى العطرة لسيدة نساء العالمين(س) الأسوة والقدوة والمثال الذي أقامه رسول الله(ص) في أسمى مكانة وأعز منزلة ليكون المحور والمثل لنساء الأمة، لا في العفة والطهارة فحسب، وإنما في كيفية حمل الرسالة والنهوض للأخذ بالدور الإصلاحي الشامل إن منيت الأمة بأي لون من ألوان الانحراف سواء كان فكريا أو سياسيا أو اجتماعياً.
وإنه في رحاب الكوثر العظيم الذي أعطاه الله لنبيه، نلتفت من موقعنا ومسؤوليتنا كنساء، للمرحلة الدقيقة التي تمر بها الأمة، والتحديات الراهنة التي تحيط بمجتمعاتنا العربية والإسلامية التي باتت تموج بالفوضى والضياع، والتي تتطلب من الجميع الانفتاح والتعاون وبذل الجهود المركّزة التي تساهم بانبعاث دور نسائي استثنائي، يتناسب مع انتمائنا المتميز، ومع فعل التأسي، وحاجة البشرية التي تشتد يوماً بعد يوم لدور ريادي، لمشروع نسائي عالمي إنقاذي، يحتضن وبصدق قضايا المرأة المعاصرة، بعد أن أطبقت القوى الإستكبارية الشيطانية ببرامجها على هذا الملف الحساس، جاعلة من هذا الموضوع معبرا للهيمنة واختراق المجتمعات والأسر وصولا إلى إبعاد المرأة وإشغالها عن أي مساهمة في قضايا أمتها المصيرية والأساسية.


من هنا كان لا بد من التفات الفعاليات في مجتمعاتنا:
أولا: إلى أن التحدي الذي يواجهنا كأمة في قضية المرأة ليس تحديا هينا ولا بسيطا كما قد يبدو، لأن قضية المرأة ليست معزولة عن قضية الأسرة وبالتالي عن المجتمع برمته بل الأمة بكاملها، والالتفات أيضا إلى أن موضوع المرأة خرج من إطار المبادرات الفردية التي كانت تثير نقاشا تقليديا بين مؤيدين ومعارضين، وأنه بات في هذه الحقبة يشكل جزءاً هاما من المواجهة الحضارية الشاملة.
قضايا المرأة اليوم تطرح بقوة على بساط النقاش الدولي، وهي حتى في هذه المرحلة الدقيقة تصنف من أهم القضايا التي تظفر باهتمام المجتمع العالمي المعاصر.
أما قضايا المرأة في عالمنا الإسلامي، فقد باتت تخضع بشكل وآخر لنوع من التدويل السياسي والثقافي، لأن المرأة ذاتها –فيما يسمى بالبلدان النامية– هي من منظور قوى الاستكبار وقواميسهم –كما تقول إحدى التوصيات للمخابرات الأميركية– جيش معطل ينبغي العمل على توجيهه وحسن استخدامه.
ثانيا: ما يثير القلق في هذا الموضوع هو تأثر واندفاع شرائح نسائية كبيرة في العالمين العربي والإسلامي باتجاه المشاريع والمؤتمرات واللقاءات الدولية التي تقيمها الأمم المتحدة ووكالاتها المختلفة حول المرأة، والتي أفردت لها أرصدة مالية ضخمة طرحت فيها شعارات استقطابية جاذبة تتعلق بالمساواة والحقوق والقضاء على كافة أشكال التمييز والعنف ومشاركة المرأة في هياكل السلطة ومواقع صنع القرار.
والمؤلم في هذا الجانب أن توصيات هذه المؤتمرات (الآيلة إلى صياغة ثقافة كونية شاملة محورها منظومة القيم الغربية)، باتت عبر الأمم المتحدة ملزمة للدول والشعوب، ليس فقط بقوة الشرعية الدولية، بل كذلك بقوة النفوذ الذي اكتسبته الحركات النسائية المتغربة في بلدانها بفضل الدعم الأجنبي، بحيث أصبحت هذه الحركات المصطنعة تشكل لوبيات للمطالبة والضغط على حكوماتها.
وقد رأينا نماذج لهذا في بلدان عربية وإسلامية عملت فيها الهيئات الحزبية النسوية على الحكومات برفع مطالب تغيير قوانين الأسرة والزواج بشكل تستوعب المبادئ والقرارات الصادرة عن تلك المؤتمرات واللقاءات الدولية، بحيث يمكننا القول في هذا الجانب، أن مؤتمر المرأة في بكين والسكان في القاهرة هما اليوم يشكلان الإطار الاستراتيجي والتعبوي الذي تدور في فلكه مجموع الجمعيات ومؤسسات ما يسمى بالمجتمع المدني والتي تتزعمها وتفعلها في البلدان الإسلامية الأحزاب والفلول النسائية العلمانية.
ويبقى الأهم فيما يؤسف له أن مشاريع تغريب المرأة المسلمة هذه تتبناها اليوم في بلدان المسلمين وتروج لها شخصيات نسائية من أهل السلطة والنفوذ، إضافة إلى مؤسسات ثقافية وإعلامية واجتماعية وسياسية تعمل بشتى الوسائل وتعتمد مختلف الأساليب، وحيث بتنا نرى في بلدان المسلمين طلائع الأجيال التي تنكرت لهويتها الإسلامية واستسلمت لمتاهات ومفاسد المجتمعات الغربية.

مشكلتنا مع الغرب:
إنهم بالرغم من الكوارث الاجتماعية والفساد المخيف والإحصاءات المذهلة التي تتحدث عن الحالة التي انحدرت إليها مجتمعاتهم المادية الجافة والقاحلة من العواطف الإنسانية.
وبالرغم من المراجعة الواسعة حتى من قبل المفكرين الغربيين أنفسهم، في فساد المجتمع الغربي وتحلله وما يحيط به من أخطار، وبالرغم من الدعوات التي تعالت لتشجيع الدين والإفادة مما تقدمه الرسالات السماوية من الضمانات، إذ يقول المفكر الفرنسي "أندريه مالرو" في مقالة له: "إن هذا الجفاف وصل إلى الأسرة أساس المجتمع والخلية الأولى للكيان الإنساني، فانحلت عراها، وتصدع بنيانها، وتقلصت مسؤولية الوالدين عن الأبناء، كما اتجه الأبناء والأحفاد لبناء حياتهم الخاصة بعيدا عن توجيه الكبار، والإفادة من خبراتهم وتجاربهم، وقد أدى مناخ الانفلات والفوضى والذي يطلق عليه زورا اسم -الحرية الفردية- إلى إشاعة عدد لا حصر له من الأمراض الجسيمة والعلل النفسية" وحيث تخيل (حضارة جديدة تجمع بين المادة والروح وتوائم بين مرامي الدين ومطالب الحياة).
بالرغم مما تقدم، فإنهم يعتقدون بأنهم من أرقى الدول والحضارات في العالم، وأن المرأة في بلادهم قد حصلت على كامل حقوقها كإنسان أسوة بالرجل.
وعليه، فقد وضعوا معايير لمقياس تقدم الدول ورقيها، وهم يحاولون تطبيق هذا المقياس (في إطار مشاريع الهيمنة المعولمة) باعتباره الميزان الأوحد للحكم على الشرائع والعادات والتقاليد، وكأن التجربة الإنسانية قد بدأت من الغرب وانتهت إليه وأنها تجمدت ولم يعد بوسعها أن تتطور وتكتسب المزيد من التجربة والمعرفة عبر الاطلاع على ما عند الآخرين.

دورنا كمسلمين وكأتباع أهل البيت(ع) تحديدا:
لا شك أن أحد أهم الميادين التي يمكن للإسلام أن يسهم بها هو ميدان المرأة. فنحن نعتقد يقينا أنه لدينا كمسلمين وكأتباع لأهل البيت(ع) تحديدا، كممهدين لولي الله المعظم الإمام المهدي(عج)، من مبادئ ديننا ومعتقداتنا وتراثنا ما نقدمه للإنسانية في هذا العصر عموما وللمرأة في قضاياها ومشاكلها خصوصا.
ونحن نعتقد أيضا بأننا معنيون بتلك الدعوات العالمية للعودة إلى منابع الدين والبحث عن حضارة متوازنة معتدلة.
معنيون بتعريف العالم على رسالة الإسلام الإنقاذية التي جاءت "رحمة للعالمين"، وبطرح أنموذجها النسائي الرفيع المتمثل بالسيدة الزهراء(ع)، وهذا بالطبع يبيّن أهمية الدور الذي ينتظرنا كأمة وينتظرنا كنساء.
أمام هذا الواقع تعظم المسؤولية وتتأكد أهمية الدور الذي يمكن أن تنهض به المرأة في بلادنا. غير أن هذه المسؤولية تكبر وتشتد مع المرأة على أرض إيران، باعتبار أنها تملك من المقومات والإمكانات والدعم الرسمي ما يمكنها فعليا من التأسيس لخطاب ومنبر عالمي للمرأة المسلمة ومن صناعة الدور الريادي على مستوى الأمة والحضور المؤثر على مستوى العالم.
فهي تملك:
1-
 رصيداً معنوياً ضخماً وسنداً قوياً يتمثل في حضورها وتقدمها في كافة المجالات، وفي الشوط الكبير الذي قطعته منذ انتصار الثورة وإلى الآن على مختلف الصعد.
2- يتمثل فيما تضمنته الوصية الإلهية للإمام الخميني المقدس(رض)، والتي يقدم فيها صورة المجتمع النسائي الحي وحالة القيام لله فيه، وتحديداً الفقرة التي تقول: "نحن فخورون بأن السيدات والنساء الهرمة والشابة والصغيرة والكبيرة، حاضرات في الميادين الثقافية والاقتصادية والعسكرية، جنباً إلى جنب مع الرجال أو أفضل منهم يبذلن الجهد من أجل إعلاء كلمة الإسلام وأهداف القرآن".
3- وفوق هذا كله تملك إرث الزهراء(ع) ونهجها العظيم، تملك إرثا بحجم إنا أعطيناك الكوثر ومن تملك إرثا بهذا الحجم تملك لا شك المفتاح الإلهي لخلاص وفلاح ليس فقط المجتمعات النسائية بل الإنسانية عامة.


كيف نقتدي بالزهراء(ع):
1- الإنسانة التي قال فيها رسول الله(ص): "إن الله ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها"، وقال فيها أبي عبد الله الصادق(ع): "ما تكاملت نبوة نبي من الأنبياء حتى أقرَّ بفضلها ومحبتها.. وهي الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون والأجيال".
الإنسانة التي عاشت مع من يمثلون المستوى الأعلى من البشرية في كل معاني الطهر والإنسانية والرسالة والانفتاح على كل المستضعفين والمظلومين، والمواجهة لكل الظالمين.
الإنسانة التي كانت مع أبيها رسول الله(ص) روحا وقلبا وعقلا، حتى اندمجت به اندماجاً جعلها تعيش كل مشاعره وأحاسيسه وتعرف ماذا يقصد وماذا يريد.
الإنسانة التي أسهمت في بناء الحضارة الإسلامية، وأثرت في التاريخ الإسلامي أيما تأثير، وكان جهادها في الميادين المختلفة جهادا نموذجيا في الدفاع عن الإمامة والولاية وفي الدفاع عن النبي(ص).
لقد كانت حياة الزهراء(ع) في جميع الأبعاد مليئة بالعمل والسعي والتكامل والسمو الروحي للإنسان. فهي الابنة التي ولدت في لهيب الجهاد المرير للنبي(ص) في مكة، فكانت في طفولتها تلاحق آلام الرسول(ص) فإذا اعتدى عليه المشركون كانت المواسيه له بدموعها وبكل ما كانت تقوى عليه، والمواسية له في شعب أبي طالب وهي دون الثماني سنوات، وحيث تحملت تلك الظروف الصعبة من الجوع والعطش والبرد والحر الذي استمر ثلاث سنوات في تلك الشعب وفي الفترات الصعبة في حياة النبي (ص)، إضافة الى أنها كانت الممرضة العظيمة لذلك الإنسان العظيم.
2- في زواجها وبيتها عاشت زهد الرسالة وروحانيتها أعانت الزوج علي(ع) أمير المؤمنين، الذي كان دائما في الجبهة وميادين القتال وتحملت العناء وشظف العيش، وإنه في ذاك البيت البسيط والظروف الصعبة قامت بتربية أولادها الحسن والحسين وزينب(ع).
ويشير الإمام الخميني(رض) الى أبعاد ذلك البيت وذاك العيش، إلى دورها(ع) في تربيتها لأبنائها العظام فيقول: "ربت في حجرة صغيرة وبيت متواضع، أشخاصا يشع نورهم من بسيطة التراب إلى عالم الأفلاك، ومن عالم الملك إلى عالم الملكوت الأعلى، صلوات الله وسلامه على هذه الحجرة المتواضعة التي تبوأت مركز شعاع نور العظمة الإلهية ودار خيرة بني آدم"، وأنه بحق هذه الأسرة أنزل الله تعالى آيات. فقد ورد أنه عندما مرض الحسن والحسين(ع) يوما، نذر أمير المؤمنين وفاطمة(ع) إذا ما شفي طفلاهما أن يصوما ثلاثة أيام، وحيث قدما طعامهما لثلاثة أيام متتالية إلى يتيم ومسكين وأسير، وخلالها لم يتناولا الا الماء، فأنزل تعالى الآيات الكريمة من سورة الدهر: "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً" فالله سبحانه لم يوح بتلك الآيات من أجل تلك الأقراص، بل لأنها كانت عن نية صادقة ومع الخلوص الكامل لله.     
3- كانت وهي الزوجة والأم والابنة، تجمع نساء المهاجرين والأنصار لتتلو عليهم ما سمعته من حديث رسول الله(ص)، كانت المعلمة في الوقت الذي كانت فيه حياتها محاصرة بشتى المتاعب، كانت تشعر أن مشاكلها وتعبها لا تقف دون القيام بمسؤولياتها في توعية المؤمنات.
4- كانت الأنموذج الذي يقف بكل صلابة في مواجهة الباطل، ولم تأخذها في الله لومة لائم، وقد أعطت(ع) صورا واضحة لرفض الانحراف عن طريق الحق.
5- وكانت عبادتها عبادة نموذجية –بقول الحسن البصري– "ما كانت امرأة في هذه الأمة أعبد من فاطمة، وكانت تقوم حتى تتورم قدماها"، وحيث تبلغ الصديقة(ع) ذلك المستوى الرفيع من التعلق بالله تعالى والإنشداد إليه.
وكانت سلام الله عليها إلى جانب ذلك ربة بيت أخلصت لزوجها حتى كان يجد في بيتها كل مناخ الروح وحيوية الرسالة، أمير المؤمنين(ع) يشير إلى ذاك العيش الأسري المتميز قائلا: "ما أغضبتها يوما ولا أكرهتها على أمر، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمرا، وكنت إذا نظرت إليها انجلت عني الهموم والأحزان" وكان عليه السلام يقول: "ولقد طحنت بالرحى حتى أثر في صدرها، وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها ومجلت يداها".
وكانت لا تتأفف حتى أن عليا(ع) طلب منها أن تطلب من رسول الله(ص) خادمة تعينها. وذهب إلى رسول الله(ص) وحدثه عن آلام الزهراء ومتاعبها في البيت، فكان جواب رسول الله(ص): {ألا أعلمكما شيئا إذا أنتما فعلتماه كان خيرا من الخادم، إذا أخذتما منامكما، فكبرا الله أربعا وثلاثين مرة، واحمدوا الله ثلاثا وثلاثون مرة، وسبحا الله ثلاثا وثلاثون مرة، فهو خير لكما من الخادم، فقالا: رضينا بالله تعالى}.
وأنه على مر الدهور، ومنذ ذلك اليوم أصبح تسبيح الزهراء تعقيب المؤمنين في صلاتهم وعند منامهم، كما وأن الزهراء حين جاءتها من تساعدها فإنها جعلت عمل البيت يوم عليها ويوم على الخادم.

أين كوثر النور من كتبنا ومناهجنا المدرسية والجامعية:
إن من المؤسف جداً أن لا نجد في مناهج التربية والتعليم وإعداد الأجيال أي حضور للزهراء(ع)، سواء في المرحلة الاولى أو المتوسطة أو الثانوية أو الجامعية، أين الأبحاث في هذا الشأن وأين الترجمة إلى لغات العالم؟
ترى إذا كنّا نعتبر أن القيمة الكبرى للإنسان المؤمن، والتي نريد أن يتحلى بها كل فرد صغيراً كان أم كبيراً، في هذه الأمة هي أن يساوي أحدنا الآخرين بنفسه كما ورد في الحديث الشريف: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لها".
فإن فاطمة(ع) كانت تحب الناس أكثر من نفسها وهذا ما يرويه ولدها الإمام الحسن(ع)، عندما كانت تقوم الليل حتى تتورم قدماها وكان يسمعها تدعو للمؤمنين والمؤمنات ولا تدعو لنفسها، وكان يسألها: "يا أماه لم لا تدعين لنفسك؟ فتقول: يا بني الجار قبل الدار".
لقد كانت(ع) تفكر بالآخرين وتتحسس آلامهم قبل أن تفكر بنفسها. وإن من المؤسف جداً أن لا نجد في برامج الإعلام المعاصر أي حضور للزهراء(ع)، وللمفاهيم التربوية والروحية التي تجلت في بيت فاطمة وأسرتها(ع).
أن نقتدي بالزهراء(ع) أفرادا وأسرا ومجتمعات، فهذا يعني أن الدأب على التأسي أصبح حالة وعيشا يوميا في حياتنا أصبح أساسا في تربيتنا وثقافتنا وإعلامنا.
وإن من الجناية حتى على مسيرة البشرية، وليس فقط مسيرتنا النسائية، أن تقطع تواصلها مع مواقع العطاء والإبداع في حركة التاريخ، وكيف إذا كانت هذه المواقع والمنجزات في خط الوحي والنبوة والإمامة. كيف إذا كانت الساحة النسائية عالميا قاحلة، وكان الأنموذج هو سيدة نساء العالمين الزهراء(ع).

كيف نجعل من القدوة الصالحة مفتاحا للنهوض بمجتمعاتنا النسائية:
1. أن تكون الزهراء(ع) حاضرة في المشروع المعاصر للمرأة المسلمة، هو ضرورة تفرضها الحاجة للتأصيل العقيدي والثقافي الذي يحمي هذا المشروع من كل الأفكار الدخيلة التي تحاول أن تصادر الهوية والإنتماء. باعتبار أن أعداداً كبيرة من النساء في مجتمعاتنا لا زالت تتجاذبها ثقافات التغريب والانفلات أو ثقافات التجهيل والجمود.
والزهراء(ع) كانت الأنموذج الأوضح الذي جسد هذه الأصالة ورسم -ليس فقط للنساء بل للإنسان الكامل- معالم الطريق، فإذا أرادت المرأة المسلمة لمشروعها أن يتأصل فكرياً وثقافياً، فيجب عليها أن تنفتح على عطاء الزهراء، وعلى فكر الزهراء، وعلى مدرسة الزهراء(ع)، خصوصا وأن البحث عن القدوة يشكل اليوم أحد ضرورات المرحلة الراهنة في حركة المرأة وعلى امتداد العالم.
2. إن من الخطر أن تنشط الفعاليات الاجتماعية والسياسية والثقافية النسائية بلا معطيات روحية وأخلاقية.
من هنا فإن حاجتنا ملحة إلى البناء والتأصيل الروحي والأخلاقي في المشروع النسائي المعاصر، والزهراء(س) هي المثل الأعلى لهذا البناء ولهذا التأصيل، ومن هنا كان لا بد للمرأة المسلمة أن تنفتح على آفاق الروح عند الزهراء(ع) وأن تتعلم من مدرستها المعاني الكبيرة للطهر والفضيلة والصدق والإخلاص والحب والوفاء والايثار والبذل والعطاء.
3. الزهراء(ع) تاريخ من الجهاد والعطاء في شتى الميادين، لذا لا بد للمرأة المسلمة المعاصرة من أن تنفتح على هذا التاريخ لتستلهم منه كل مقومات حركتها الجهادية المعاصرة سواء في الدائرة الخاصة من أجل النهوض بواقع المراة وتتثبيت حقوقها المشروعة أسريا وثقافيا واجتماعيا وسياسيا واقتصادياً، أو في الدائرة الأوسع من أجل بناء وحماية المجتمع والنهوض بكل الواقع الذي تعيشه الأمة؛ لأنه إن لم يكن لهذا الجهاد مضمونه الأصيل في كلتا الدائرتين، بحيث يعتمد نهج الإسلام ومبادئ القرآن وأحكام الشريعة، فستتوه بنا المسارات وتتفرق السبل وتزل الأقدام.
فلو سألنا أي من نساء المقاومة الإسلامية في لبنان اللاتي كان لهن مساهمة أساسية وفاعلة في تحقيق النصر الإلهي في تموز/ 2006، كيف عبرت نحو تلك المواقف الرائعة لأجابت باختصار إنه الارتباط والتأسي بنهج الزهراء(ع)، ببذلها وعطائها، بشموخها وصلابتها في مواجهة الباطل، ومقارعة الظالمين.

نماذج لمتأسيات من أمهات المقاومة:
1
. والدة الشهداء الثلاثة من آل غريب في بلدة الناقورة المحاذية لفلسطين، تقول إحدى قريباتها أنها كانت كلما رأت في التلفاز تشييع شهيد تجلس وتبكي. لذا عندما استشهد أبناؤها الثلاثة في نفس اليوم قلن كيف نخبرها. نخبرها بواحد، باثنين، لكن بثلاثة؟
غير أن هذه الأم حين أخبرت باستشهاد أبنائها كانت تجلس على كرسي فنهضت بهدوء مستأذنة -كما أخبرت- وقالت سأصلي ركعتين، وبعدها رفعت يديها إلى السماء طالبة من الزهراء(س) أن تعينها وتلقي عليها الصبر. هذه الأم اليوم هي حقا أنموذجاً رائعاً مع العديدات من أمثالها.
2. والدة الشهداء –مسلماني– كان زوجها وأبناؤها الثلاثة يقاومون ويصدون العدو الصهيوني في بلدتهم الجنوبية، فجرح أحدهم جروحا بليغة، فحمله الأب وتم نقله لإحدى المستشفيات، ثم عاد ليكمل مع ولديه الآخرين اللذين ما لبثا أن استشهدا خلال المعارك الضارية، فاتصل بزوجته ليقول لها أعرفك صابرة، فقالت أيهم استشهد؟ فقال الإثنان، فأجابت: الحمد لله الذي واسانا بالزهراء(ع).
3. الأم الثالثة أصرت على الصمود في بلدتها وبقيت مع أبنائها الأربعة المجاهدين (استشهد أحدهم حينها)، لكن المعجزة أن هذه الأم التي كانت طوال حياتها تعاني من مرض شديد منعها من أن تعجن أو تخبز، لكنها حين رأت حاجة الشباب، نهضت إلى بعض الطحين فاغترفت منه وعجنت وخبزت وكررت هذا لمرات عديدة طوال ثلاثة وثلاثين يوما أيام الحرب دون أن تشعر بأي تعب. وكانت المفاجأة أن هذا الطحين الذي كانت تأخذ منه بقي على حاله ولم ينقص منه شيئا.
كثيرة هي قصص الصمود والبركات التي تنزلت في مواقع المجاهدين وبين أيدي الأمهات والزوجات والأخوات.
فالمرأة الملتزمة بنهج الزهراء(ع) في جنوب لبنان التي أدخلت اليأس إلى قلوب الأعداء، جنباً إلى جنب مع المقاومين في خنادق الجهاد، وخنادق المقاومة والشهادة، لا زالت بفضل الله تمارس دورها الكبير في مواقع التحدي وصنع الانتصار، راسمة بنهجها وولائها العملي، معالم التأسي والارتباط بالقدوة الصالحة، المتمثلة بسيدة نساء العالمين الزهراء(س) وبالقيادات الصالحة من أحفادها البررة ممن تابعوا النهج وواصلوا الطريق كالإمام الخميني المقدس(رض)، والسيد القائد الخامنئي(دام ظله)، والسيد حسن نصر الله أعزه المولى، وحيث أساس الحب والولاء يبدأ مع الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، والحمد لله رب العالمين.. 

كلمة الحاجة عفاف الحكيم لمؤتمر المجمع العالمي لأهل البيت(ع) في ذكرى ولادة السيدة الزهراء(ع) طهران-2008  

التعليقات (0)

اترك تعليق