مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

أتباع أهل البيت(ع) ومعضلة التكفيريين.. كلمة الحاجة عفاف الحكيم في الاجتماع السادس للج

أتباع أهل البيت(ع) ومعضلة التكفيريين.. كلمة الحاجة عفاف الحكيم في الاجتماع السادس للجمعية العامة للمجمع العالمي

بحث للحاجة عفاف الحكيم.

عنوان البحث: أتباع أهل البيت ومعضلة التكفيريين.

المكان: قدّم في الاجتماع السادس للجمعية العامة للمجمع العالمي لأهل البيت(ع) في إيران.
الزمان: بتاريخ 15-19 آب 2015 الموافق 1-4 ذي القعدة.

 


بسم الله الرحمن الرحيم

 


والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، محمد وآله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين.
قال تعالى في سورة العنكبوت {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ}/69
بداية لا بد من التوجه بالشكر للقيمين والمسؤولين في المجمع العالمي لأهل البيت، وعلى رأسهم سماحة آية الله الشيخ الأختري حفظه الله، على الجهود الكبيرة التي بذلت وتبذل من أجل خدمة الإسلام ومذهب أهل البيت(ع) على امتداد العالم، وبعد..
يواجه العالم الإسلامي في هذه المرحلة -كما نعلم- تحديات جسام تتطلب من العاملين المخلصين الكثير من اليقظة والبصيرة والإرادة القوية والعزيمة الصادقة من أجل البحث عن الحلول الكفيلة بقلع جذور الأفكار المتطرفة بين المسلمين والاضطلاع بمعالجة أخطر معضلة واجهت وتواجه عالمنا الإسلامي اليوم.. إلا وهي مشكلة التكفيريين.. التي تعتبر من أخطر المشكلات التي أُريد لها أن تعصف بكل مقومات وطاقات الأمة على امتداد رقعتها دفعة واحدة..
بحيث تجتاح الأهوال والمجازر والمتاعب كامل بلداننا ومجتمعاتنا ونعمل على مصادرة كل القضايا والمنافذ والسبل لتصبح هذه الفتنة -العمياء الصماء- أو الفوضى الخلاقة التي حدثت بها دوائرهم.. بمثابة الضربة الأشد والأقوى بسبب ما تحدثه من ترويع للأمن وسفك دماء الأبرياء وزرع للبلبلة وزعزعة الاستقرار، وصولاً إلى تحطيم كل المساحات المشتركة بين المسلمين وادخالهم في أتون صراع لا ينتهي..
ويبقى أن هذه المشاكل والتحديات التي تعاظم أوارها في هذه الأيام، إذا تأملنا فيها نجدها- قديمة جديدة- باعتبار ان المسلمين كانوا وما زالوا منذ ذاك الزمن البعيد يشكلون غرضاً لأهداف قوى الاستكبار والصهيونية التي عملت بدأب وخبث من أجل تمزيقهم إلى فرق متناحرة يسهل اختراقها وضربها، وصولاً إلى تدمير القدرات ونهب الثروات وسحق العقائد والقيم.. آخذين بنصيحة أحد ملوك الغرب (لويس التاسع ملك فرنسا) الذي قدم لهم معلماً بارزاً في التعامل مع المسلمين حين قال (إذا أردتم أن تهزموا المسلمين، فلا تقاتلوهم في السلاح وحده فقد هزمتم إمامهم في معركة السلاح. ولكن حاربوهم في عقيدتهم فهي مكمن القوة فيهم). وقول أحد جنرالاتهم (غلوب باشا) الذي قال (إن تاريخ مشكلة الشرق الأوسط يعود إلى القرن السابع للميلاد).
وهكذا راحوا يفتكون بهذه الأمة ويمزقون أوصالها ويزرعون الخلاف الفكري والطائفي والسياسي والعنصري بين صفوفها، بحيث راحت الأمة تعيش حالات مضنية من المدّ والجذر وعدم الاستقرار وذلك بهدف الهيمنة والتركيع.. إلى أن وصلنا في هذه الأيام إلى جبهات تكفيرية إرهابية. وحرب عالمية هدفها في نهاية المطاف إبادة الأمة..
جبهات تعمل بشتى السبل على نشر الذعر والإجرام وتشويه صورة الإسلام وتحويل بوصلة الصراع من الكيان الصهيوني الغاصب إلى حالة من الاحتراب والصراع بين الشعوب العربية والإسلامية.. وصولاً إلى إشغال الأمة بعضها ببعض..
يقول الرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (اللواء هارون زئيفي فركش) وذلك في مؤتمر هرتزيليا للمجالات المتعددة، (إن الشرق الأوسط سيشهد خريطة جديدة كلياً تشبه الخريطة الأوروبية بأن يتحول إلى منطقة مفتته تكون من ثلاثين دولة. -وتابع- إن التطورات المقبلة التي ستشهدها المنطقة ستكون عبر حرب داخلية ستؤدي إلى تقسيمها إلى دويلات.. دون أن تتكلف "إسرائيل" أي جهد عسكري في هذا المجال).
وقد قال الرئيس الأمريكي أوباما قبل أشهر (أن الصراع في الشرق الأوسط كان عربياً إسرائيليا ثم أصبح سنياً شيعياً..) وأما ما كشفته وزيرة الخارجية الأمريكية سابقاً هيلاري كلينتون صراحة أن (أمريكا والغرب وراء تشكيل هذه التنظيمات الإرهابية ومنها تنظيم -داعش- لمواجهة العالم الإسلامي، وإن زعيم هذه الزمرة الإرهابية جرى إعداده من قبل الموساد الإسرائيلي). هذا بعض مما قيل بهذا الخصوص... غير أن خيارنا في هذا البحث هو التعرف على هذه الزمر والوقوف تحديداً على العقلية التكفيرية التي أريد لها أن تعمل على تأجيج الفتن والحروب والنزاعات بين طوائف المسلمين وتسعى إلى أبعادهم كلياً عن قضاياهم الأساسية وعلى رأسها فلسطين.


من كوارث العقلية التكفيرية:                
1- الجهل بالإسلام، مع ما يرافقه من محدودية وتعصب وتطرف وتكفير وتصادم مع المنتسبين للمذاهب الإسلامية الأخرى وصولاً إلى تكفيرهم، وهذا يناقض تماماً حالة الانفتاح الإيجابي التي عايشها الناس منذ الفترة الأولى لظهور الإسلام وعلى امتداد التاريخ..
إذ لا شك أن من أهم الأسباب التي تؤدي إلى التعصب والتطرف والتصادم مع المنتسبين للمذاهب الإسلامية الأخرى وصولاً إلى تكفيرهم، هو الجهل والمحدودية والاستغناء عن الوقوف على معارف الإسلام وقيمه. هو الانغلاق وعدم الانفتاح على الرأي الآخر. مع إن هذه الحالة من الانفتاح الايجابي عايشها الناس منذ الفترة الأولى لظهور الإسلام. والتاريخ حدثنا عن دخول النبي(ص) في حوارات ولقاءات مع الرأي الآخر كما في قصة المباهلة مع نصارى نجران. وحيث أكد القرآن الكريم من جهة ثانية على حرية الرأي واحترام الرأي الآخر. قال تعالى: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} (سورة سبأ، الآية: 24).
كما رفض النبي(ص) أن يعاقب أحداً على دينه يهودياً كان أو نصرانياً، ولذا نجد أن أهل الديانات الأخرى انخرطوا في الدفاع عن المسلمين رغم تباعد الديانة والثقافة..
وكذلك هذا ما نجده جلياً في سيرة أهل البيت(ع) حيث أعطوا مجالاً واسعاً للرأي الآخر كما في أيام (أبان بن تغلب) وهو من خواص تلامذة الإمام جعفر الصادق(ع). وقد أمره أستاذه الإمام أن يجلس للإفتاء في مسجد المدينة. ولأن السائلين والمستفتين كانوا يختلفون في مذاهبهم ومراجعهم فقد وجهه الإمام إلى أهمية احترام الرأي الآخر من المذاهب وذلك بأن لا يقتصر على نقل مذهب أهل البيت أو فتاواهم بل يفتي السائلين حسب مذاهبهم، إذ يقول له الإمام الصادق(ع): "أنظر ما علمت أنه من قولهم فأخبرهم بذلك"، إنه درس في التسامح وفي احترام الرأي الآخر مهما أختلف.. يعطيه الإمام(س) للأمة.
وهناك روايات وأحاديث كثيرة تدلنا على عظمة الإسلام في تقدير الرأي الآخر والدعوة إلى محاورته ومناقشته بالكلمة الحسنة. وان ما ينبغي أن لا نغفل عنه هو أن  مسيرة المسلمين إنما نجحت ونمت وترعرعت بمساهمة عامل الانفتاح والبحث عن الحقيقة وإن بعُد مكانها.. وقد ورد عن النبي الكريم(ص): "أطلبوا العلم من المهد إلى اللحد".
غير أن من المستغرب في أيامنا أن يصل واقعنا الإسلامي المعاصر إلى مثل هذه الجماعات التكفيرية التي تلغي الآخرين ولا تعترف لهم بفكر أو حقوق.. بحيث تلقي التهم جذافاً ضد هذا الطرف أو ذاك فقط لأنه الآخر المختلف.. مع أن دين الإسلام هو دين العقلانية والبحث والاقتناع بالحقيقة وهو دين دعا إلى المعرفة والحقيقة منذ فجره الأول ودعا أيضاً إلى الحوار والانفتاح والتلاقي والاستفادة من الآخر. كما في حادثة أسر عدد من المشركين في معركة بدر وحيث جعل رسول الله(ص)- فدائهم أن يعلّم كل منهم عشرة من أطفال المسلمين الكتابة..
 أن هذا الدين العظيم لم يقف يوماً ضد العقل أو الفكر وإنما رفض التعامل مع الآخر من منطلق إنا وجدنا آبائنا على آمة وإنا على آثارهم مهتدون ومقتدون.. ومن هنا فإن الإسلام يرفض أخذ الأمور على طريق التقليد الأعمى ويطلب أخذها عن طريق المعرفة والاقتناع وهذا لا يتأتى إلا بعد الانفتاح على مجمل الآراء ومعرفة الصواب منها. وهذا أمر قدّره حتى المستشرقون والمفكرون من غير المسلمين وعدّوه نقطة قوة في الإسلام. فالمستشرق الفرنسي- كود اتيان سفاري- الذي وصف رسول الله(ص) في مقدمة ترجمته للقرآن بالعظمة قائلاً: "أسس محمد ديانة عالمية تقوم على عقيدة بسيطة لا تتضمن إلا ما يقره العقل من إيمان بالإله الواحد الذي يكافئ على الفضيلة ويعاقب على الرذيلة".

2- من كوارث العقلية التكفيرية: الجرأة والاستهانة بحرمة الدماء
وإن من أشد ما يؤلمنا.. من الفتن الدائرة حولنا وفي أرجاء العالم والمنسوبة إلى -هذه الجماعات التي تدعي الإسلام- هو هذه الاستهانة بحرمة سفك الدماء. وكلنا يعلم أن حرمة دم المؤمن أعظم عند الله وأكبر من حرمة الكعبة وقد تواترت الأحاديث الشريفة الدالة على هذا المعنى.
كما وان قتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق من أكبر الكبائر. ويعظم الجرم ويشتد الآثم حين تكون هذه النفس نفساً مؤمنة قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} (سورة النساء، الآية: 92).
و {أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيْعًا..} (سورة المائدة، الآية: 32).
وقال سبحانه أيضاً. {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (سورة النساء، الآية: 93).
وقال رسول الله(ص): "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه".
وعنه(ص) أيضاً: "من ظلم معاهداً كنت خصمه"، و"من آذى ذميّاً فقد آذاني".
وفي خلافة أمير المؤمنين علي(ع) حين عارضه الخوارج ورفضوا رأيه وحكمه فأعلن مبدأ الإسلام في كيفية التعامل مع الآخر حيث قال لهم: "إن لكم علينا أن لا نبدأكم بقتال وأن لا نقطع عنكم الفيء وأن لا نمنعكم مساجد الله".
هذا كله لا شك دليل على عظمة الإسلام من هذه الناحية..
وإنه من هنا نلتفت بحرقة إلى هذه العاصفة الدموية التي تجتاح بلاد المسلمين بحيث يقتل المسلم بيد من يدّعي الإسلام وتسفك دماء المسلمين ويتم تكفيرهم بالجملة ويذبحون في مجازر جماعية باسم الإسلام وبنداء -الله أكبر- وحيث المستفيد الوحيد من هذه الجرأة على الله تعالى وعلى الإسلام هم أعداء الإسلام هم قوى الاستكبار والصهيونية العالمية المجرمة.. التي تبذل اليوم جهوداً شيطانية واسعة عبر أخطبوطهم الإعلامي وذلك من أجل أن تعكس للعالم وللأسف صورة غير حقيقية ومنافية لما حمله وجاء به الدين الحنيف من رحمة ورفق وعطف وسماحة عامة بالخلق أجمعين قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (سورة الأنبياء، الآية: 107).
‘إنهم للأسف يعكسون للعالم واقع هذه الظاهرة المرعبة.. المنسوبة للإسلام زوراً والتي تحولت إلى خطر على الواقع الإسلامي كله، بما تقوم به هذه الجماعات التكفيرية وتقترفه بشكل يومي من القتل والذبح والتدمير والفتك الذريع عبر انتحاريين يفجرون أنفسهم بالمارة والمدنيين والمساجد والأسواق وعبر السيارات المفخخة والمجازر الوحشية الجماعية التي تطاول النساء والأطفال من دون أي ذنب وصولاً إلى أمور غير مسبوقة من مثل حزّ الرؤوس وشق الصدور أمام شاشات التلفزة لتجسيد كل ما ينفّر ويفضي إلى تشويه صورة الإسلام واعتباره دين عنف وإرهاب.
وان أشد ما يؤلمنا ويحز في نفوسنا هو أن تتحول هذه الجماعات التكفيرية بين عشية وضحاها وفي هذه السنوات القليلة إلى أشبه ما يكون بوباء متوحش شرس يريد أن ينفّض بالجملة على كل شيء من بشر وحجر ومقدسات دينية لطوائف واديان مختلفة وصولاً إلى التعرض للمراقد الشريفة ومدافن الأولياء والصالحين وحتى ما هو منتشر منها في الأماكن البعيدة والنائية.. وذلك في أوسع عملية اجتثاث للتراث الإسلامي والإنساني، وهذا لا شك من أكبر وآكد مظاهر الجهل والتخلف..

3- العقلية الآحادية:
وان من كوارث العقلية التكفيرية لدى هذه الجماعات هي الادعاء بامتلاك مطلق الحقيقة وأنها تنفرد دون غيرها بها. بحيث يرون أن الإسلام لا يتسع إلا لهم وان كل من خرج عنهم وعن أفكارهم وقناعاتهم فقد خرج عن الإسلام وكل من دخل في أفكارهم وقناعاتهم فقد دخل في الإسلام. إن هذه النظرة الضيقة التي تجعل الإسلام بحجم جماعة أو أخرى هي لا شك نتاج جهل حقيقي بهذا الدين العظيم الذي جاء لكافة الناس، والذي لا بد أن يكون لجميع أبنائه وبحجم جميع مذاهبه. وإنها لكارثة أن يرى كلُّ في نفسه الأهلية لفهم الدين وتفسير نصوصه، وان على الآخرين الإذعان لأمره والأخذ برأيه وإلا فإنهم مخالفون وخارجون عن العقيدة ويجوز التصدي لهم ومواجهتهم بشتى الوسائل والطرق.
إن هذه العقلية الأحاديه التي تلغي الآخر وتهمشه هي لا شك من تلك الأخطار التي أدت إلى التراجع والتخلف.. ولذا لا بد من أن يعي كل فرد في مجتمعاتنا ويدرك بأن مجتمع المسلمين هو مجتمع قائم على أساس الإسلام وان من ينتمي إلى الإسلام فهو جزء من هذا المجتمع، وقد نصّ القرآن الكريم والسنّة المطهرة على الحقوق المعنوية والاجتماعية المتبادلة بين أبناء المجتمع الإسلامي {إنما المؤمنون أخوة} "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره".
ومن هنا فإن التنكر لانتماء أي إنسان لهذا المجتمع.. ولهذا الدين، إنما يعني التنكر للقيم وللحقوق المترتبة على ذلك الانتماء.. وحيث إن الإسلام قد وضع معايير محددة لإقرار هذا الانتماء. فإنه لا يجوز لأحد أن يضع معايير أخرى ويشترط أن من ينتمي لهذا الدين لا بد وأن يكون ملتزماً بها.. فمعايير الانتماء إلى الدين يضعها الله سبحانه وتعالى وليس الآخرون.. وحين تتوفر هذه المعايير التي وضعها الله تعالى فلا يحق لأحد أن يتنكر لها.. وبالتالي لا يحق لأحد أن يختلق شروطاً إضافية قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}(سورة النساء، الآية: 94).
وعليه فإذا جهر أحد الأشخاص من معسكر الأعداء- كما هو معروف- بالشهادتين وقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله فهذا الشخص توفر فيه معيار الانتماء إلى الإسلام وإلى مجتمع المسلمين.
كما وإن النصوص كثيرة على هذا الصعيد وقد جاءت كلها لتؤكد المعايير المتّبعة لاعتبار هذا الشخص من المسلمين أو لا، ويكفينا هنا أن ننظر من حولنا في هذه الوقائع المناهضة للإسلام المحمدي الأصيل الذي يحاكي نهي الرسول(ص) للصحابي الذي طعن مشركاً مستأمناً بعد أن نطق بالشهادتين- هلا شققت عن قلبه؟..
وقد ورد في صحيح مسلم عن المقداد ابن الأسود أنه أخبره أنه قال: "يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلاً من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يديّ بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال أسلمت لله أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها. قال(ص) لا تقتله. قال فقلت يا رسول الله انه قد قطع يدي ثم قال ذلك بعد أن قطعها أفأقتله قال رسول الله(ص) لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي".
وعن صحيح البخاري عن رسول الله(ص) قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وان محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله".
هذه هي المقاييس الأساسية التي وضعها الإسلام أما الاختلافات الأخرى- كما هو معلوم- فليست مما يخرج منه.. باعتبار ان نصاب الإسلام أو الحد الأدنى الذي يدخل الإنسان في الإسلام هو النطق بالشهادتين.
وبهذا يتبيّن لنا حجم مشكلة التكفير أو حجم الجهل باستسهال إخراج أحد من الدين باستعمال تلك الكلمة الفتاكة.. ولذا باتت هذه المشكلة في الواقع من أخطر المشكلات التي تواجهها الأمة الإسلامية اليوم.. فمسألة إخراج الإنسان من الإسلام كمقدمة لتبرير قتاله ليست بالأمر البسيط..
ولذا يقول الشيخ محمد عبده بهذا الخصوص (إن الله لم يجعل للخليفة ولا للقاضي ولا للمفتي ولا لشيخ الإسلام أدنى سلطة على العقائد وتقرير الأحكام ولا يسوغ لواحد منهم أن يدّعي حق السيطرة على إيمان أحد أو عبادته لربه أو ينازعه عن طريق نظره..) الأعمال الكاملة ج3 ص282
وكان قبل ذلك أبي حامد الغزالي قال: (إنه لا يسارع إلى التكفير إلا الجهلة.. وينبغي الاحتراز من التكفير ما  وجد الإنسان إلى ذلك سبيلاً. فان استباحة الدماء والأموال من المصلين إلى القبلة المصّرحين بقول لا إله إلا الله محمد رسول الله خطأ والخطأ في ترك ألف كافر أهون من الخطأ في سفك محجمة من دم مسلم) الاقتصاد في الاعتقاد ص142
وبهذا نلاحظ أن الإسلام قد حارب كل ما ينتمي للتكفير بصلة.. وحيث نجد أن رسول الله(ص) قد حّذر من أن يشهر مسلم على أخيه المسلم سلاح التكفير.. ففي الحديث الصحيح "من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما] وعن الإمام الصادق(ع): "ملعون ملعون من رمى مؤمناً بكفر ومن رمى مؤمناً بكفر فهو كقتله".
وعليه فان ما تحتاجه الناس في مجتمعاتنا بشكل عام مع الوعي والبصيرة وحسن التوجه هو المطالعة البسيطة والمركزة.. التي توضح بشكل لا لبس فيه عدم استسهال إخراج أحد من الإسلام. وإنه ليس مشروعاً إخراج أحد من هذا الدين بناء على الظن والشبهة، باعتبار أن الأصل في المسلم عصمة دمه وعرضه وماله.. ومن هنا فإن التكفير الإجرامي الذي نشاهده اليوم من حولنا هو أمر دخيل على الإسلام.. وأن -داعش- وغيرها من هذه الجماعات التكفيرية الضالة ليست إلا وجهاً من وجوه الإرهاب المستخدم من قبل دول الإرهاب المنظم في العالم. إنهم يؤدون وظيفة خطيرة جداً بل مدمرة للأمة وللأوطان وللمجتمعات، وظيفة تلتقي مع مشروع الهيمنة العالمي لقوى الصهيونية والاستكبار.
 

أتباع أهل البيت ومستجدات الدور والريادة العالمية:
في ظل هذه الأجواء القاتمة والمروعة التي أوجدها التكفيريون والتي شوهت صورة الإسلام والمسلمين على امتداد العالم. لا بد لأتباع أهل البيت(ع) من أن ينهضوا لدورهم ومسؤولياتهم ومضاعفة جهودهم وتفعيلها على مختلف الصعد، وبما يتناسب ومتطلبات هذه الأحداث التي عمت وطالت الجميع.. انطلاقاً من الدور الريادي المنوط بهم.
فمجتمعاتنا باتت بحاجة إلى توفير حالة من اليقظة والتنبه، بحاجة إلى امتلاك البصيرة والوعي الدقيق الذي يرافقه حسّ المسؤولية.. لتحصيل كل ما يمكن من إحراز رؤية نافذة بما لدى هذه الجماعات التكفيرية من تنسيق استثنائي مع شياطين الأرض من قوى استكباريه وصهيونية ومؤسسات استخبارية دولية وإقليمية ومحلية بحيث يساهم الجميع بتكوين إحاطة شاملة لكل ما يحملونه من أجندات خطيرة لا ترحم صغيراً بيننا ولا كبير..
يقول الخبير والباحث الأمريكي- مايكل ليدن- أول من صاغ نظرية الفوضى الخلاقة عام/2003 وذلك عندما وضع خطة جديدة للولايات المتحدة لإدارة أهم المناطق حساسية في العالم وهي الشرق الأوسط. يقول:(علينا تدمير الأنماط والنماذج والعلوم القديمة في الأدب وغيرها، وهذه مهمتنا التاريخية من أجل التغيير الكامل للشرق الأوسط على المستوى الثقافي والاقتصادي والسياسي والديني.)1
فمشروعهم كما يقولون: يتعدى إمدادات النفط والموارد الطبيعية الأخرى وحماية "إسرائيل". إلى تغيير نمط وسلوكيات ومعتقدات شعوب المنطقة واستبدال ثقافتها بثقافات يعتبرونها ضرورية لصيرورة النظام العالمي الجديد، الذي يريدونه.
وعليه فأن المنطقة راحت- بعد التنسيق الخبيث بين شياطين الأرض من قوى استكباريه وصهيونية إضافة إلى الحاضنة الوهابية التي أوجدت ومولت هذه التنظيمات من داعش إلى النصرة وغيرها.. بحيث راحت هذه الجماعات التكفيرية  الشاردة التي قذفوا بها إلى هذا الأتون الملتهب لتدك المنطقة بدولها وقومياتها وعقائدها وثقافتها وموروثها التاريخي، وذلك من خلال جرائم فظيعة ومشاهد مروّعة من القتل والذبح وحزّ الرؤوس أمام أجهزة الإعلام إضافة إلى سبي النساء وتشريد مئات الآلاف من الأطفال والشيوخ والأمهات بعد التدمير الهمجي للبلدات الأولياء.. بحيث راح الجميع يعيش مراحل تطبيق هذه النظرية الفتاكة التي خلّفت ولا زالت الكثيرين من المآسي والكوارث والمصائب والمحن..
ويبقى ان الأدهى من ذلك كله هو أن كل هذه الجرائم والفظائع كانت ترتكب باسم الإسلام وتحت راية- لا إله إلا الله.. تشويهاً للدين الحنيف..
ومن هنا يقول الإمام الخامنئي دام ظله بهذا الخصوص. أنه "لا بد من تنوير الناس بخصوص سياسات أمريكا وبريطانيا الاستكبارية. ويجب أن يعلم العالم الإسلامي كله ما هو دور السياسات الأمريكية في هذا الخضم، وما هو دور الأجهزة التجسسية الأمريكية والبريطانية والصهيونية في أحياء هذه الفتنة التكفيرية. ينبغي للجميع أن يعلموا هذا".
وإننا من هذا المنظور.. الذي حملته توجيهات السيد القائد حفظه الله نلتفت إلى مستجدات الدور الذي يقع على عاتقنا كمبلغين ونخب فكرية وإعلامية وعلمائية وغيرها من أجل تبيان خطر هذه الجماعات التكفيرية الإرهابية التي إنما تأسست لتشويه صورة الإسلام والمسلمين والعمل على كشف خططها وجرائمها وجعل المسلمين في أقطار الأرض يعلنون التبرؤ منها ومن الفكر الوهابي الخبيث الذي أسس لها مستشرقين من جهة معالم المستقبل الموعود ومهام الريادة العالمية. ومن جهة أخرى دراسة، المرحلة التي نمر بها ومتطلباتها كمقدمات..
 إذ مما لا شك فيه أننا نعبر مرحلة مفعمة بتحدٍ ضاغط ضخم يتطلب الكثير من سعة الصدر والحكمة والتدبر والعزيمة الصادقة للمواصلة والمضيّ قدماً. في اتجاه الاطلاع بمعالجة أخطر معضلة واجهت وتواجه العالم الإسلامي.. وإن ساحة أتباع أهل البيت(ع) تملك بفضل الله الكثير من نقاط القوة ماضياً وحاضراً وعلى مختلف الصعد والمواقع وبما يمكّن  أبناءها البررة من سرعة استعادة حيوية الدور وبلوغ درجة التأهب والاستعداد وتحقق النجاح .. وقد اثبتوا هذا في مواقع الفعل وعلى مرأى ومسمع العالم كله.. سواء منها: حال القيام والانتصار العارم للثورة الإسلامية المظفرة على أرض إيران أو على صعيد انتصارات المقاومة الإسلامية التي كسرت ظهر الصهاينة على أرض لبنان..
أخيراً نختم: بأن مواجهة هذه الجماعات التكفيرية الإرهابية هو لا شك واجب الجميع.. فهذه الزمر تشكل اليوم الأداة الحقيقية لقوى الاستكبار والصهيونية ولكل ما حلموا به من طموحات.. فما يتم هدمه وتدميره اليوم على يد هؤلاء هو البلدان الإسلامية والمجتمعات الإسلامية وجيوش المسلمين وثروات المسلمين وحاضر المسلمين ومستقبل المسلمين..
ولا يسعنا هنا إلا أن نتذكر بإجلال كبير وصايا الإمام الخميني المقدس الذي ستتحطم على يد أبنائه بإذن الله كل تلك الطموحات.. وحيث قال(رض) أن "جميع طوائف المسلمين تواجه اليوم قوى شيطانية تريد اقتلاع جذور الإسلام. هذه القوى التي أدركت أن الشيء الذي يهددها هو الإسلام وأن الشيء الذي يهددها هو وحدة المسلمين".

1- جريدة الحياة، 4-11-2014: الفوضى الخلاقة لهدم الشرق الأوسط.

والحمد لله رب العالمين
عفاف الحكيم
9-8- 2015

 

 


 

 

 

التعليقات (0)

اترك تعليق