مستقبل الأسرة في ظل المشاريع والتعديلات القانونية المقترحة في البرلمان اللبناني: كلمة الأستاذة في الجامعة اللبنانيّة الدكتورة غادة عيسى دقيق
مستقبل الأسرة في ظل المشاريع والتعديلات القانونية المقترحة في البرلمان اللبناني
كلمة الأستاذة في الجامعة اللبنانيّة
الدكتورة غادة عيسى دقيق
تأتي هذه الورقة استجابة لدعوة كريمة من الأخوات الكريمات في جمعية الرابطة اللبنانية الثقافية. ولا شك أن الموضوع يتطلب بحثاً مفصلاً إلا أن الوقت المتاح للورقة لا يسمح إلاَّ بتناول موجز، رأينا أن نحصره في الموضوعات المحددة الواردة في هذه الورقة وهى ما نحسب أنه أكثر الجوانب أهمية. كما رأينا أن نحصر تناولنا في كليات الأمور دون الدخول في التفاصيل.
والمحاور التي تعالجها هذه الورقة هي:
1- مقدمة
2- قراءة نقدية لاقتراح قانون حماية الأطفال من التزويج المبكر في لبنان
3- قراءة نقدية لمشروع قانون الزواج المدني الاختياري
4- قراءة نقدية لاقتراح تعديل قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري
5- توصيات
• مقدمة
يقول الله تعالى في محكم كتابه الكريم ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾ (الأنفال 60)".
إن هذه الآية المباركة لا ترتبط بالقوة العسكرية وبالتجهيز للدفاع ومواجهة الأعداء بالسلاح والعتاد فحسب، فبعض الحروب قد لا تكون عسكرية أو سياسية، بل ربما تكون نفسية ثقافية وأيضاً أخلاقية قيمية. ولعل الخطر الحقيقي الذي يهدد مجتماعتنا في كثير من الأحيان ينبع من تلك الهيئات والمنظمات غير الحكومية المنضمة إلى الأمم المتحدة، التي تبدو بهيئة المصلح في الأرض والناصر للمرأة ولكنها في الحقيقة تفسد فيها وتستولي على كيانها ونظامها الذاتي وذلك من خلال كلمة حق يراد بها باطل ﴿وإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ (البقرة 11).
هذه الجمعيات والمنظمات تعمل بجهد ودون كلل أو ملل من أجل تنفيذ خطط الأمم المتحدة، مستخدمة بذلك سياسة النفس الطويل، واضعة الخطط والبرامج بعيدة الأمد، مستغلّة جهل كثير من النساء والرجال، من أجل تحقيق النجاح في تعديل قانون أو تشريع.
وقد كان لكل هذه المنظمات والهيئات دورها في كل ما أُنجز من مواثيق دولية، وكان لها دور أيضا في السعي لتغيير القوانين المحلية. فبعد أن وظفت الأمم المتحدة قضية المرأة لتفرض قيمها الغربية –مستغلّة في ذلك الجمعيات الأهلية النسائية النشطة في الدول العربية ومنها لبنان، عن طريق تمويلها لتقوم بالترويج لأفكار هدامة لا صلة لها بثقافتنا وقيمنا الإسلامية– فإنها وبهدف فرض رؤيتها الغربية على العالم نجدها تنتقل من الدعاية والإعلام إلى الضغط على الحكومات والدول لتعديل قوانينها الداخلية لتتماشى مع ما جاء في المواثيق الدولية ضاربة عرض الحائط مدى انسجام هذه المواثيق وما تبثه من شروط وبنود مع خصوصية كل بلد وما يحمله من ثقافة وأعراف وتقاليد.
وقد لا يكون بعيداً أن يصدر عن أحد مؤتمراتهم القادمة فرض عقوبات ومقاطعة لكل دولة تتحفظ أو ترفض الانصياع لمقرراتهم، إذ لا نتوقع أن يتوقف الأمر عند حد تعديل النصوص القانونية، بل يتعدّى إلى استحداث نصوص تحت طائلة عقوبات رادعة، فتساهم في تغيير الذهنيات بما للقانون من تأثير جازم في هذا الأمر.
وفي هذا السياق كانت بعض الجمعيات النسوية اللبنانية السباقة في رفع شعارات الأمم المتحدة، والعاملة ليلاً ونهاراً للترويج إعلامياً وللضغط سياسياً من أجل تعديل القوانين الداخلية في لبنان، سيما قوانين الأحوال الشخصية، التي بحسب وجهة نظرها المضطهد الأول للمرأة والظالم لها والسالب لحقوقها بما تحتويه من نصوص ومواد تميّز بين المرأة والرجل. وفي هذه الورقة سوف نكتفي بمناقشة ثلاثة مقترحات وتبيان أثرها السلبي على الفرد والأسرة، لنحاول بعدها تبيان سبل حماية الأسرة من الانهيار والتفكك لنرقى بمجتمعنا، إذ لا مجال للرقي بالإنسان والمجتمع ما لم يكن هذا الإنسان وكذلك المجتمع محميان من الرذائل والأخطار... فما بالك لو أصبحت هذه الأخطار معلّبة بمنظومة قانونية واجبة التطبيق؟
• المحور الأول: رؤية نقدية لاقتراح قانون حماية الأطفال من التزويج المبكر
هذا الاقتراح مقدّم من التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني وتمّ تقديمه إلى المجلس النيابي من قبل النائب عن القوات اللبنانية إيلي كيروز بتاريخ 28 آذار 2017. نص اقتراح القانون: المادة الأولى: يقصد بكلمة طفل كل فتى أو فتاة دون سن الثامنة عشرة من العمر مكتملة. المادة الثانية: يحدد سن الزواج على الأراضي اللبنانية بثماني عشرة سنة مكتملة للرجل والمرأة، وذلك خلافاً لأي نص آخر. المادة الثالثة: تعدّل المادة 483 من قانون العقوبات اللبناني بحيث تصبح كالآتي: أ- كل من عقد أو أذن أو حرّض أو تدخل أو ساهم أو اشترك في عقد زواج طفل، خلافًا لأحكام هذا القانون، عوقب بغرامة تعادل عشرة أضعاف الحد الأدنى للأجور والحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات. ب- وفي حال التكرار تضاعف العقوبة والغرامة. المادة الرابعة: تلغى جميع النصوص القانونية أو النظامية التي تتعارض وأحكام هذا القانون أو لا تتلاءم مع مضمونه. المادة الخامسة: يعمل بهذا القانون فور نشره في الجريدة الرسمية.
قبل الغوص في خلفيات ومضامين هذا الاقتراح، لا بد من الوقوف على العنوان أولاً لنتأمل قليلاً، فهو كعناوين المواثيق والاتفاقيات التي تعنى بالمرأة براقة وتحمل في معانيها قضايا إنسانية تحاكي الوجدان والضمير، ولكن من يقرأ بين السطور يجد الكثير الكثير من الويلات، التي تودي بالمرأة إلى أسفل السافلين، وهذا ما سنبيّنه بالدليل فيما يخص اقتراح قانون حماية الأطفال من التزويج المبكر، الذي إذا أردنا تسميته نسميه اقتراح حرمان أو منع زواج الشابات والشبان دون الثامنة عشر.
وإذا كنا ممن لا يشجع إقدام الشاب أو الفتاة على خطوة الزواج قبل الاستعداد التام لذلك والذي يختلف من فرد إلى آخر ولكن هذا لا يبرر صدور قانون يجرم من يقدم على الزواج ومعاقبته بحجة حمايته...
إن هذا الاقتراح ليس سوى إجراء تشريعي ألزمت الأمم المتحدة الدول الأطراف في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) اتخاذه تطبيقاً للفقرة الثانية من المادة السادسة عشر من هذه الاتفاقية، وبالرغم من أن لبنان تحفظ على هذه المادة غير أنه بموجب هكذا اقتراحات قوانين -فيما لو أُقرّت- يكون قد رفع التحفظ بصورة غير مباشرة وانصاع إلى الأوامر.
وقد نصت هذه الفقرة على أنّ خطوبة الأطفال وزواجهم ليس لهما أيّ أثرٍ قانونيّ، كما يجب أن تتّخذ الدول الإجراءات التشريعيّة جميعها؛ لتحديد سنٍّ أدنى للزّواج، وتسجيله في سجلٍّ رسميّ، وخَرْقُ هذا البند يتمّ إذا كان أحد الزّوجين دون سِنّ الثامنة عشرة، ولم يكتمل نموّه الجسديّ، وبهذا يُعدّ زواجهما قانونيّاً زواجَ أطفال.
إضافة إلى ذلك، إن إقرار هذا الاقتراح من شأنه أن يشيع العلاقات غير الشرعية وبالتالي أن يكرس مفاهيم جديدة مخالفة لقيمنا وشريعتنا الإسلامية، بحيث تصبح هذه المفاهيم مقبولة اجتماعياً، وأغلب هذه المفاهيم قد طرحت في مؤتمرات ومواثيق دولية، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
- مفهوم الأم العزباء وإدماجها في المجتمع (البند 173- بكين) "اتخاذ تدابير لكفالة تكافؤ سبل حصول المرأة على التدريب المستمر في مكان العمل، بحيث يشمل ذلك المرأة العاطلة، والأم العزباء".
- الحمل غير المرغوب فيه والدعوة إلى الإجهاض (البند 106- ك- بيكين) "أما النساء اللاتي يحملن حملاً غير مرغوب فيه فينبغي أن تيسر لهن فرص الحصول على المعلومات الموثوقة والمشورة الخالصة، وأية تدابير أو تغييرات تتصل بالإجهاض في إطار نظام الرعاية الصحية لا يمكن أن تتقرر إلا على المستوى الوطني أو العملي ووفقا للتشريع الوطني".
- الجنس الآمن (البند 108- ل- بكين) "تصميم برامج محددة موجهة للرجال من جميع الأعمار والمراهقين مع مراعاة أدوار الوالدين المشار إليها من الفقرة 107 هـ تهدف إلى توفير معلومات كاملة ودقيقة عن السلوك الجنسي والإنجابي المأمون والمسؤول بما في ذلك الاستخدام الطوعي لوسائل الوقاية الذكرية المناسبة والفعالة بغية الوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية الإيدز والأمراض الأخرى التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي".
إن كل هذه القيم البعيدة والغريبة عن مجتمعناً مضافاً إليها ما يسمى بحق المرأة في التصرف بجسدها وما يعني هذا الحق من حرية وتفلت، إذا ما أضفنا اقتراح قانون حماية الأطفال من التزويج المبكر، تُرى أي مستقبل ينتظر أسرنا، الفتاة تمارس حريتها باسم حقوق الإنسان والشاب يحصل على مبتغاه دون أن يتحمل أدنى مسؤولية وتكليف، فهل من حاجة بعد ذلك للزواج وتكوين أسرة؟
في زمننا هذا ربما الأغلب لا يشجع سيما الفتيات على الزواج دون الثامنة عشر من عمرها، ولكن لا نعمم ذلك فنجعلها قاعدة قانونية واجبة التطبيق بحيث تؤدي مخالفتها إلى انزال العقوبة بحق الفاعل، الشريك، المساهم... فلكل إنسان ظروفه وحاجته واستعداده المختلف عن الآخر بشأن الزواج.
ويبقى السؤال الموجه لمقترحي هذا القانون، لو أن شاب وفتاة أقدما على الزواج دون الثامنة عشر، فهل تعتبرون زواجه باطل قانوناً، ماذا لو رزقا بمولود، هل يعتبر الطفل شرعياً أم غير شرعي؟ هل يسجل في الدوائر المختصة أم يبقى مكتوم القيد؟
في كلمة أخيرة حول اقتراح القانون المذكور، نود أن نشير إلى أننا إن كنا نعارض قوننة منع الزواج المبكر لكن هذا ليس معناه الوقوف في وجه علم المرأة ودعوتها إلى ترك العمل وخدمة مجتمعها، ولا هي أيضا دعوة مفتوحة إلى الزواج المبكر بشكل يضر بطفولة الفتاة، بل المقصود هو إظهار مدى تدخل الآخرين في القضايا الداخلية، والتحذير من الأهداف الخفية لدعواتهم والتي تحدث عنها أحدهم بقوله: "إن العمل على تأخير سن الزواج، لا يكون بطريقة قانونية (إجبارية) بل عبر نشر وتأمين الحياة اللائقة للأنثى من تعليم وعمل، مما يؤدي إلى إشغال المرأة، ويقلل من معدل الولادات عندها.."
لذلك، نجد من الحكمة بمكان العزوف عن هكذا اقتراح سيما وأن الواقع في لبنان يدل على أن الزواج دون الثامنة عشر ليس بشائع، بل على العكس أعتقد أننا بحاجة لقانون يشجع الشباب على الزواج من خلال تقديم تسهيلات مادية وإعطاء دروس تعليمية واستشارية مجاناً قبل وبعد الزواج للأزواج الشباب حول كيفية اختيارهم الزوج المناسب، بناء الأسرة، التهيؤ للحياة المشتركة، التعرف على الحقوق الأسرية، وأخيراً التهيؤ لوجود طفل.
كما تجدر الإشارة إلى أنّ القانون 58 الصادر في 19/10/2017 الذي عدل القانون الصادر في 24 شباط 1948 حول "الأحوال الشخصية للطائفة الدرزية" قد عدل سن الزواج ورفعه إلى 15 سنة للإناث و16 سنة للذكور.
• المحور الثاني: رؤية نقدية لمشروع قانون الزواج المدني الاختياري
الأسباب الموجبة لهذا المشروع بحسب واضعيه:
حيث أن الزواج المدني ينسجم ويكرس مبادئ العيش المشترك، الذي لا يكون مشتركاً إلا إذا كان القانون الذي ينظم هذا العيش، هو قانون موحد لا يميز بين الأشخاص الخاضعين لأحكامه وفقاً لانتمائهم الطائفي أو المذهبي،
وحيث أن انتماء اللبنانيين إلى بلدهم لا يتعزز إلا في إطار المساواة في الحقوق والواجبات، الأمر الذي يصعب تحققه في غياب تشريعات تكرس هذه المساواة، لا سيما في أمور الزواج، وهو المجال الأمثل للعيش المشترك،
وحيث أن الزواج المدني، بصيغته المقترحة، يتسم بالطابع الاختياري ولا يفرض إلا على من اختاره وهو لا يمس مؤسسة الزواج الديني، إنما يعطي اللبنانيين حق الخيار بين إحدى مؤسستي الزواج المدني أو الديني كما وحق اختيارهما معاً.
وحيث أن الزواج المدني الاختياري، فضلاً عن ائتلافه والمبادئ الدستورية فهو يخفف على اللبنانيين الراغبين في عقد زواج مدني بدلاً من السفر إلى بلد أجنبي لعقد زواجهم المدني هناك، لأن دولتهم حرمتهم الحق في الزواج مدنياً على أرضهم اللبنانية ووفقاً لقانون يقومون باختياره،
وحيث أن الزواج المدني المعقود في بلد أجنبي ينتج مفاعيله القانونية في لبنان متى عقد من قبل سلطة أجنبية مختصة، فلا يتعارض الزواج المدني بالتالي مع النظام العام والمبادئ القانونية التي يقوم عليها النظام اللبناني، ما يستبعد أي مانع أو حائل قانوني دون وجود تشريع يسمح بعقد هذا الزواج أمام سلطة لبنانية مختصة بدلاً من السلطة الأجنبية،
وحيث أن مشروع القانون الراهن لا يرمي إلى وضع تشريع جديد في لبنان يرعى مفاعيل الزواج المدني، إنما يهدف فقط إلى الإفساح في المجال أمام الراغبين بعقد زواجهم مدنياً في لبنان لدى سلطة رسمية لبنانية تتمثل بمأمور النفوس وبتسجيله في دائرته، بدلاً من إبرام الزواج عينه أمام موظف مدني في بلد أجنبي،
وحيث أن مشروع القانون هذا ليس من شأنه أن ينشئ طائفة أو جماعة جديدة تخضع إلى تشريع مدني في أحوالها الشخصية إذ يولي فقط مأمور النفوس سلطة عقد هذا الزواج وتسجيله أصولاً، على أن يحدد فريقا العقد القانون المدني الأجنبي الواجب تطبيقه على زواجهما، على غرار ما يفعلانه لدى اقترانهما مدنياً في بلد أجنبي.
وحيث أن مشروع القانون بصيغته الحاضرة ليس من شأنه أن يحدث أي تعديل في البنيتين الإدارية والتشريعية، إذ لا يحتاج في تطبيقه إلى استحداث أي إدارة جديدة لعقد هذا الزواج أمامها، ما دامت هذه الإدارة أو السلطة الرسمية المحلية تتمثل بمأمور النفوس المختص، وطالما أن فريقي العقد هما اللذان يختاران القانون الأجنبي المطبق على زواجهما، وحيث، وفضلاً عن ائتلافه ومبدأ المساواة بين اللبنانيين، وعدم إحداثه أي تغيير أو تعديل في البنيان الإداري التشريعي، فإن مشروع القانون يعزز ويرسخ العيش المشترك الذي يطمح ويسعى إليه جميع اللبنانيين، والذي يتمثل بالزيجات المختلطة بين اللبنانيين التي تزداد يوماً بعد يوم، ولكن خارج الأراضي اللبنانية،
وحيث أن النصوص التشريعية يجب أن تواكب التطور الإيجابي للمجتمعات، وبعضها يكون مرحلياً بانتظار صدور تشريع أكثر حسماً وأكثر تعديلاً للنصوص السارية المفعول،
وحيث أنه كان من الأفضل نظرياً إصدار قانون مدني متكامل ينظم مفاعيل الزواج المدني الاختياري شكلاً ومفاعيلاً، إلا أن التدرج في التشريع قد يكون أكثر واقعية بحيث يفتح الباب للزواج المدني دون حاجة إلى اجتهادات وآراء قانونية أو إلى شطب المذهب عن الهوية، ويؤسس لمرحلة مستقبلية يصار فيها إلى إصدار قانون شامل للزواج المدني شكلاً ومفاعيلاً،
وحيث أنه لا يجوز للمشترع اللبناني أن يبقى متجاهلاً الفوضى التي تسيطر على الواقع الاجتماعي بحثاً عن سلطات وتشريعات أجنبية تسُد الفراغ التشريعي اللبناني،
وحيث أنه يتوجب على الدولة أن تحضن مواطنيها وأن تؤمن لهم الحد الأدنى من المساواة فيما بينهم،
لذلك نرفع مشروع القانون الحاضر متمنين الموافقة عليه. - ملاحظات حول الأسباب الموجبة: - إن قانون الزواج المدني الاختياري هو مشروع مطروح كجزء من مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية في لبنان الذي يتضمن في شقه الآخر الحاق المحاكم الشرعية والمذهبية والروحية بوزارة العدل، وهو ككل يطرح بصورة غير علنية تعديل المبادئ العامة في الدستور اللبناني. - من الواضح أن هذا المشروع ليس سوى خطوة أولية باتجاه إقرار قانون مدني شامل ومتكامل ينظم مفاعيل الزواج المدني الاختياري والذي ربما يصبح فيما بعد إلزامياً. - جعل تكريس مبادئ العيش المشترك والوحدة الوطنية مرهوناً بإقرار قانون يبيح الزيجات المختلطة دون تمييز بهدف تحقيق المساواة من خلال إقرار قانون الزواج المدني ليس سوى كذبة كبيرة ودعاية إعلامية جذابة تشبه إلى حد بعيد ما طرح في مقدمة اتفاقية سيداو حين جعلت السلام والأمن العالميين مرهونين بحصول المرأة على حقوقها ومساواتها المطلقة مع الرجل. - إن هذا المشروع يزعم أن البشر يعجزون، في وطن واحد، وفي ثقافة واحدة ومصالح واحدة، أن يراعوا وحدتهم، إلا بإنشاء قرابات دموية، الأمر الذي يعود بالاجتماع الإنساني إلى منطق القبلية والعشائرية. - إن حرية المعتقد يكفلها الدستور اللبناني، في حين أن المجاهرة برفض الدين والدعوة إلى مخالفته والخروج عليه وتشويه أحكامه ومفاهيمه والتحريض على ما يناقضه يشكل مخالفة دستورية وكذلك إخلال بالنظام العام وللميثاق الوطني...
ملاحظات تفصيلية حول بعض مواد مشروع القانون والتي من شأنها تفكيك الأسرة وهدمها:
- المادة التاسعة: لا يجوز عقد الزواج بين شخصين أحدهما مرتبط بزواج قائم وإلا كان العقد باطلاً.
أما الله سبحانه أباح تعدد الزوجات. - المادة العاشرة: "لا يصح الزواج:
1- بين الأصول والفروع
2- بين الأخوة والأخوات
3- بين من تجمعهما قرابة مصاهرة دون الدرجة الرابعة ولا فرق في تطبيق هذه المادة بين القرابة الشرعية أو غير الشرعية أو بالتبني" وبالتالي تكون هذه المادة:
1- قد أغفلت منع الزواج بسبب قرابة الرضاع –والله حرّم الزواج من الأمهات أو الأخوات من الرضاعة (سورة النساء/ الآية 23).
2- اعتبرت قرابة التبني مانعة للزواج كقرابة النسب.
- المادة (20): "كلا الزوجين ملزم بالنفقة تبعاً لموارده عملاً بالمادة 20 من هذا القانون".
في حين الله سبحانه وتعالى فرض النفقة على الزوج دون الزوجة.
- المادة(25): "يتساوى الرجل والمرأة في حق طلب الطلاق"، في حين أن الطلاق شرعاً جعله الله بيد الرجل –إلا إذا اشترطت تطليق نفسها في حالات محددة- وجعل للمرأة حق طلب التفريق...
- المادة (38): "يصح الهجر بالتراضي على أن يجري تدوينه بقرار تتخذه المحكمة المختصة". وهذا تشجيع واضح على الزنا.
- المادة (86): الولاية الجبرية على القاصر هي للأب، وهي للأم في حال وفاة الأب أو جنونه أو اعتباره مفقوداً..."
أما شرعاً فالولاية للجد في حال وفاة الأب.
المادة (110): "تطبق على الزوجين اللذين عقدا زواجهما وفقاً لهذا القانون أحكام الإرث والوصية وتحرير التركات العائدة لنظام الأحوال الشخصية التابع له كل منهما مع مراعاة المبدأين التاليين:
1- "لا يحول اختلاف الدين دون التوارث بين الزوجين ودون إفادة الأولاد". وهذا يناقض قول رسول الله(ص): "لا يتوارث أهل ملتين شتى"
2- "يبقى اختصاص النظر في قضايا الإرث والوصية وتحرير التركات والنزاعات الناشئة عنها للمحاكم المدنية دون سواها". أي أن المحاكم المدنية هي التي تحكم بقضايا الإرث والوصية، ولكن كيف ستحكم بالأحكام الشرعية وهي أصلا لا تعترف بالزوجة الثانية وبأولادها الذين يعتبرون بنظر المحكمة المدنية أولاداً غير شرعيين، في حين أنهم شرعيون بنظر المحكمة الشرعية.
هذه كانت بعض الملاحظات التي يمكن أن نوردها حول مجموعة من مواد مشروع قانون الزواج المدني الاختياري، الذي تتعاظم الدعوة إليه يوماً بعد يوم، وهو في رأينا بالإضافة إلى أنه غير مشروع- لعدم مراعاته الصيغة اللفظية من إيجاب وقبول- يشكل خطراً كبيراً على كيان الأسرة في مجتمعنا، من خلال فتحه الباب أمام المرأة المسلمة للزواج من غير مسلم وكذلك زواج المسلم من غير المسلمة والكتابية وما ينتج عن هذه الزيجات من مشاكل أسرية وأخلاقية...
إضافة إلى ما تقدم، إن الأطفال الذين ينشؤون من الزواج المدني غالباً ما لا يشعرون بالانتماء الديني.
وأخيراً الزواج المدني يقتضي أن يكون الطلاق مدنياً إن حصل، فيستطيع الزوج متى شاء وكذلك تستطيع الزوجة أيضاً، إنهاء العلاقة الزوجية الأمر الذي سيؤدي إلى تفكك الأسرة مع ما يتبع ذلك من نشوء مشاكل نفسية وسلوكية لدى الأطفال.
على هامش البحث في قانون الزواج المدني أود أن أطرح ولو بشكل سريع ما يثار مؤخراً في الإعلام ومن قبل بعض الجمعيات التي تعنى بحقوق الإنسان حول حقوق المثليين أو بالأصح الشاذين جنسياً، لا لأعالج الموضوع من وجهة تربوية أخلاقية إسلامية وإنما لأضع بين أيديكم ما هو موقف القانون والقضاء اللبناني من مثليي الجنس.
لا يزال القانون اللبناني يعاقب على كل مجامعة خلافًا للطبيعة (المادة 534 من قانون العقوبات) ولا يزال القضاء- في غالبيته يعتبر بأن المجامعة بين شخصين ينتميان إلى الجنس عينه مخالفة للطبيعة ويعاقب عليها.
ولكن تجدر الإشارة إلى المسائل التالية المهمة والتي تعكس تطور نظرة الدولة في هذا الموضوع:
1- تساهل القضاء في فرض العقوبات على جريمة المجامعة خلافًا للطبيعة، ففي حين يفرض النص عقوبة الحبس، يقوم القضاة باستبدال عقوبة الحبس بالغرامة. ولا يتم توقيف مثليي الجنس لارتكابهم جرم المجامعة خلافًا للطبيعة إلا في حالات نادرة جدًا واستثنائية.
2- إن الأحكام القانونية الرامية إلى منع التعذيب أثناء التحقيقات القضائية والى ضمان حقوق الموقوفين أمام القضاء تطبق على جميع الأشخاص، بغض النظر عن ميولهم الجنسي أو عن طبيعتهم الجنسية. يكفل نظام الشكاوى حق جميع الموقوفين بالتظلم وفق قنوات الانتصاف الرسمية دون النظر إلى ميولهم أو طبيعتهم الجنسية وذلك سواء بالنسبة للموقوفين أو المحكومين.
3- صدرت أربعة أحكام قضائية عن قضاة منفردين مختصين بقضايا الجنح والمخالفات (الأول في العام 2009 والثاني في العام 2014 والثالث في العام 2016 والأخير في العام 2017) قضت بتكريس حقوق المثليين جنسيًا. إن هذه القرارات الأربعة تبقى معزولة بالنسبة لغالبية القرارات القضائية الصادرة بهذا الخصوص والتي لا تزال تعاقب على الممارسة الجنسية بين المثليي الجنس.
4- في السياق عينه، أصدرت النيابة العامة التمييزية، بتاريخ 28 كانون الثاني 2018، تعميمًا إلى قضاة النيابة العامة بمنع إجراء الفحوصات الطبية الشرجية لإثبات المجامعة بين مثليي الجنس، وكذلك أصدر نقيب الأطباء قرارًا قضى بمنع الأطباء الشرعيين بإجراء مثل هذا الفحص. لا يعتمد عناصر إنفاذ القانون اللجوء إلى مثل هذا النوع من الفحوصات في كافة مراحل التحقيقات أو التوقيفات.
المحور الثالث: رؤية نقدية لاقتراح تعديل قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري293/2014
تقدمت جمعية "كفى" بمشروع قانون حماية النساء من العنف الأسري رقم 293/2014 الذي أقر في المجلس النيابي بتاريخ 15/5/2014، بعد أن قدّم حزب الله ملاحظاته عليه أمام اللجنة الفرعية في مجلس النواب التي كانت تتولى دراسته، وأخذت اللجنة بالكثير منها، الأمر الذي أفرغ مشروع القانون بنسبة معينة من مضمونه.
بعد إقرار مشروع القانون بالتعديلات التي أدخلت عليه، استنفرت جمعية "كفى" وأعلنت موقفها "الرافض للتشويهات التي أسقطت عليه وإصرارنا على استكمال حملتنا لإدخال التعديلات اللازمة بعد أن ضرب 71 نائبا بعرض الحائط التزامهم بإدخال تعديلات كان من شأنها الحفاظ على مضمون القانون والهدف الذي اقترح من أجله".
مؤخراً، أعلن عن اقتراح قانون يرمي إلى تعديل القانون 293/ 2014 جرى توقيعه من 10 نواب بعد حملة من جمعية "كفى" وتم تبنيه من الجمعية الوطنية لشؤون المرأة.
ملاحظة: لا بد من الإشارة إلى أن قانون العقوبات اللبناني نص على معظم الجرائم المنصوص عليها في القانون 293 /2014 أو في اقتراح التعديل، وأقر لها العقوبات المناسبة. إلا أن الهدف من الاقتراح الجديد هو تخصيص قانون لجريمة العنف الأسري دون سواها من الجرائم التي تحصل في المجتمع. ويتضح من مضمون هذا الاقتراح أن المستهدف هو الزوج، وأن الضحية هي الزوجة، عبر تسريب مفاهيم وعقوبات تشكل خطراً حقيقياً على الأسرة وعلى وحدتها، تحت شعار المساواة والحقوق والواجبات.
سنستعرض بعض الملاحظات على هذا الاقتراح:
المادة الأولى:
- الأسرة
جرى تعديل في هذا الاقتراح من خلال إضافة عبارة "أثناء قيام الرابطة الزوجية أو بعد انحلالها".
إن إضافة هذه العبارة لها مدلولات قانونية لجهة شمول واستمرارية المفاعيل القانونية لما بعد انتهاء الرابطة الزوجية. ففي حين نشهد تقزيماً للأسرة وتغييراً في شكلها وكينونتها، نجد هذا الاقتراح يمدد مفهوم الأسرة ليطال ما بعد الطلاق ولكن ليس للحفاظ على أعضائها وعدم شرذمتها وإنما لمعاقبة أحد المطلقين _ والمقصود هنا طبعاً هو الزوج_ بجريمة العنف الأسري.
- ما هو الوصف القانوني للفعل أو الامتناع عن فعل الذي يقوم به أحد المطلقين تجاه الآخر (كالضرب مثلاً) بعد مضي سنين على انتهاء الرابطة الزوجية، هل من المنطقي اعتباره عنفاً أسرياً وإخضاعه للقانون 293/2014 ؟ أم هو جريمة جزائية مرتكبة من فرد تجاه فرد آخر يعاقب عليها قانون العقوبات اللبناني...
- إن الإصرار على إيراد كلمة الولد غير الشرعي إلى جانب الولد الشرعي في القانون ومساواتهما ببعضهما في مجال العنف الأسري، يوهم أو يشير بشكل غير مباشر إلى تقبّل وجود الولد غير الشرعي-باعتباره فردا من الأسرة- وتمتّعه بذات حقوق الولد الشرعي.
العنف الأسري:
- أضاف الاقتراح عبارة: "... يعكس سوء استعمال للسلطة داخل الأسرة بالقوة الجسدية أو غيرها" فما هي الأهمية أو الفائدة المرجوة من هذه الإضافة؟
النص القديم عرف العنف الأسري بشكل واضح لا لبس فيه متوسعا في مفهوم العنف ليشمل حتى الإيذاء النفسي أو الجنسي أو الاقتصادي...
- إن ما يمكن أن نفهمه من هذه الإضافة (السلطة الجسدية أو غيرها) هو المساس المباشر بسلطة الأب أو الزوج وقيمومته داخل الأسرة، من خلال اعتبار قيامه بدوره، فيما لو أساء استعمال سلطته، (حتى لو لفظياً) مثابة عنف يعاقب عليه القانون، دون وضع معيار يحدّد مفهوم ونطاق الفعل الذي يشكل إساءة. وهذا
وهذا يحتاج إلى رأي أهل الاختصاص لبيان مدى مخالفته للشرع وتأثيره على تماسك الأسرة وإدارتها
الفقرة الثالثة من المادة الأولى: (فقرة مضافة)
هذه الفقرة تجرّم بنفس عقوبة الفاعل كل من المتدخل والشريك والمحرض في ما وصّفه الاقتراح بجريمة العنف الأسري.
ما هو الأثر الذي يمكن أن تتركه هذه الفقرة على العلاقات الأسرية عندما يستدعى أحد أفراد الأسرة إلى التحقيق أو للإدلاء بشهادته؟ الوالدة ؟ الوالد؟ الأولاد؟ الأخوة؟ الجيران؟
إن من شأن هذه الفقرة -كغيرها من المواد- تحويل العنف من سلوك سيء ومذموم داخل الأسرة إلى جريمة (جنحة أو جناية) أي إعطائه بعداً جرمياَ. المادة الثانية: 1- تمَّ استبدال عبارة "أحد الزوجين" المنصوص عليها في المادة 547 من قانون العقوبات اللبناني (جريمة القتل عن قصد) بـ "أحد أفراد الأسرة". الهدف هو امتداد العقوبة المنصوص عليها في هذا البند لما بعد انحلال العلاقة الزوجية (لأن عبارة أحد الزوجين لا تشمل المطلقين بينما عبارة أحد أفراد الأسرة تشمل المطلقين بحسب المفهوم الجديد المقترح للأسرة). 2- كذلك تشمل عقوبة القتل عن غير قصد أحد أفراد الأسرة (عبارة مضافة) حتى بعد انحلال الرابطة الزوجية. 3- إذا أدى العنف إلى الاستغلال الجنسي أو الحض على الدعارة أو التسوّل" (تعديل هذا البند يعاقب على العنف الذي يؤدي إلى الاستغلال الجنسي...
ماذا لو تم الاستغلال بدون اللجوء إلى العنف؟ هل معنى ذلك أننا لسنا أمام جريمة؟
لماذا تم حشر موضوع التسوّل؟ هل لإعطاء الموضوع بعداً إنسانياً؟ 4- هذا البند ينص على عقوبات في حال "أدى العنف إلى أي ضرر معنوي أو جسدي".
إن تحديد الضرر المعنوي بين أفراد الأسرة وخاصة بين الزوجين أو بين الأب والأولاد هو أمر دقيق وحساس جدا. وبالتالي إن تفسير هذا البند يعطي القاضي سلطة استنسابية مطلقة في تحديد الحالات التي تشكل ضرراً معنوياً كان أم جسدياً، ويخضع لمزاجية القاضي وثقافته والضغوط التي قد يتعرض لها خلال المحاكمة. 5- ينص هذا البند على عقوبة "إذا أدى العنف إلى الإضرار الاقتصادي بأحد أفراد الأسرة مثل الحرمان من الموارد المالية أو الحرمان من الاحتياجات الأساسية للأسرة".
كذلك إن مفهوم "الإضرار الاقتصادي" و"الحرمان من الاحتياجات الأساسية" فضفاض جدا، وغير محدّد، وتفسيره يختلف من قاض إلى آخر، وحتى من أسرة إلى أسرة، ولذا هو أمر حساس ودقيق وخطير.
6- هذا البند مضاف ولم يكن موجوداً في القانون الحالي أي في القانون 293/2014 وهو ينص على العقوبة في حال أدى العنف إلى أي تشويه في معالم الجسم أو عطل جسدي دائم.
أ- في القانون الحالي 293/2014، هناك اعتراف بالحقوق الزوجية في الجماع (لفظ حقوق)، أما في اقتراح التعديل فلم ترد هذه الكلمة مطلقاً.
ب– في القانون الحالي 293/2014، الزوج يعاقب في حال الضرب أو الإيذاء أو التهديد بهما؛ أما في اقتراح التعديل فجرى توسيع مفهوم الجريمة من خلال استبدال عبارتي "الضرب والإيذاء" بكلمة "العنف" لتطال أي إيذاء نفسي أو جسدي أو اقتصادي...
ج- في القانون الحالي 293/2014، تشدّد العقوبة في حال معاودة الضرب والإيذاء والتهديد، أما في الاقتراح الحالي، فإن تشديد العقوبة يتم بمجرد ممارسة العنف (النفسي– الاقتصادي) بهدف الجماع أو بسببه وإن كان قد ارتُكب للمرة الأولى.
- البند الثامن (مضاف): إقدام أحد أفراد الأسرة على حرمان شخص آخر من حريته.
- يتعارض هذا البند مع المادة 495 عقوبات التي تعاقب من يبعد قاصرا (دون الثامنة عشر عاما) ولو برضاه بقصد نزعه عن سلطة من له عليه الولاية أو الحراسة. وهذا معناه أن الأم التي تأخذ أولادها وتبعدهم عن والدهم تعاقب قانونا بموجب هذه المادة.
أما في اقتراح التعديل، فإنه يعاقب من يحرم أحد أفراد الأسرة من حريته. أي إذا أقدمت الأم على إبعاد أولادها لا يستطيع الأب استعادتهم بل ويعاقب بموجب هذا البند.
ويطبق نفس المبدأ بين الزوج والزوجة. كما يطبق على مبدأ الخروج من البيت أو السفر أو السكن المستقل،
بالخلاصة إن البند 8 يلغي مفهومي القوامة والولاية.
- البند التاسع: بموجب هذا البند من الاقتراح تلغى أحكام المواد: 487، 488، 489 من قانون العقوبات اللبناني، التي تجرم فعل الزنا، وبذلك تلغى عقوبة زنا أحد الزوجين.
إن اللافت في هذا الاقتراح أنه بالوقت الذي يلغي فيه جريمة الزنا من خلال نفي الصفة الجرمية عن العلاقة التي يقيمها أحد الزوجين مع أجنبي، فإنه يجرّم الاستغلال الجنسي أو الحض على الدعارة أو التسوّل فيما لو حصل نتيجة عنف أحد أفراد الأسرة (الزوج أو الأب).
بمعنى أنه أباح العلاقة غير المشروعة وجرّم الاستغلال الجنسي الحاصل بواسطة العنف.
وهو ما يعتبر تطبيقاً للمادة /6/ من اتفاقية "سيداو" التي انضم إليها لبنان وتنص على أنه "تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة بما في ذلك التشريع لمكافحة جميع أشكال الإتجار بالمرأة واستغلال دعارة المرأة".
وحيث أن هذه المادة وإن كانت ظاهراً تحرص على صون كرامة المرأة، إلا أنها فعليا تدعو فقط لمكافحة استغلال دعارة المرأة وليس مكافحة الدعارة بحد ذاتها. بمعنى أنها لا تعارض أي علاقة غير شرعية بين المرأة والرجل بل تعتبرها جوهر حرية المرأة ومساواتها بالرجل.
وحيث أن مقاربة هاتين المادتين /6/ سيداو و /2/ من الاقتراح ببنديها 3 و 9 يتبيّن لنا أن الاقتراح هو بمثابة التدبير التشريعي الذي دعت إليه اتفاقية "سيداو" الدول الأطراف لاتخاذه (ومنها لبنان)، بحيث أن هذا الاقتراح ألغى المواد/ 487 و 488 و 489/ من قانون العقوبات اللبناني التي تجرّم الزنا وتعاقب عليه، في حين أنه (أي الاقتراح) جرّم وعاقب على العنف الذي يؤدي إلى الاستغلال الجنسي أو الحض على الدعارة.
عند قراءة المواد اللاحقة في الاقتراح، لا بد من تسجيل الملاحظات التالية: - من خلال التعديل أصبح لشكوى العنف الأسري بعد قضائي أقوى وأشد، من خلال تحويلها إلى قاضي التحقيق للقيام بالتحقيقات اللازمة والقاضي المنفرد الجزائي وما تفتضيه المحاكمة أمامه من علانية. - خلال النظر في شكوى العنف الأسري يصدر عن المرجع القضائي المختص أمر الحماية خلال مدة أقصاها 48 ساعة وهو (أمر الحماية) تدبير مؤقت مخصّص لحماية النساء بغض النظر عن حالتهن الاجتماعية (بعد الطلاق– علاقة غير شرعية....) وأولادهنّ القاصرين (شرعيين أو غير شرعيين دون 18 سنة) من التدابير التي تتخذ بحق المشكو منه: - منعه من دخول البيت الأسري لمدة 48 ساعة.
- احتجازه.
- إلزامه بالخضوع لدورات تأهيل ضد العنف في مراكز متخصصة. - نقل الضحية وأولادها القاصرين إلى مكان آمن على نفقة المشكو منه وكذلك يتوجب عليه النفقة المقررة في متن قرار الحماية. - في حال إخراج الضحية من المنزل، يخرج معها حكما أولادها القاصرين وسائر الأولاد إذا كانوا معرّضين للخطر.
هذا إسقاط لمفهوم الولاية الجبرية.
والسؤال هو لماذا يريد هذا الاقتراح أن يجعل أي خلل ظرفي محتمل وشائع في العلاقة الأسرية بين الزوجين أو مع الأبناء بمثابة جريمة تستحق السجن والعقاب؟
ما هي مصلحة الأسرة أو الأبناء أو حتى الزوجة في ذلك؟
لماذا لم يقتصر الاقتراح على فعل الإيذاء الجسدي أو على محاولات القتل، التي تستحق العقوبة ولا خلاف عليها، علماً بأن القوانين الموجودة الحالية نصت على مثل هذه العقوبات. في حين أن الإيذاء والضرر المعنوي والنفسي الذي لا يمكن حصره أو تحديده يترك أفراد الأسرة تحت رحمة مزاجية القضاة واستنسابية التدخلات المختلفة.
إن أي أسرة معرضة لمواجهة حالات من الاضطراب ومن الخلل ومن التوتر، قد ينجم عنها تصرفات عصبية أو إساءة إلى أحد أفراده.
إن اقتراح التعامل مع مثل هذه الإساءات بالعقوبة والسجن هو تخريب متعمّد للعلاقات الإنسانية بين أفراد الأسرة، وبينهم وبين أقاربهم ومجتمعهم..
إن القانون المقترح هو تهديد واضح ومباشر لعلاقات الزوجين في ما بينهم، وهو مشروع لتفكيك علاقات الأبناء مع والديهم، وإدخال طرف ثالث في هذه العلاقة هو القانون والعقاب وقوى الأمن الداخلي. (هذا دون أن نتحدث عن الجوانب الأخلاقية والدينية المطلوبة في مثل هذه العلاقة) .)
باختصار، إن التعديل المقترح يتضمن تدليسًا على الرأي العام لأنه يهدف إلى تعديل قواعد الولاية والوصاية، ويدعو في جوهره إلى تفكيك الأسرة وتشجيع نشوز الزوجات ومكافأتهن على ذلك، وتكريم عقوق البنات والأولاد لآبائهم وأمهاتهم، وإضفاء حماية قانونية وقضائية على ذلك، كما نؤكد أنه يخالف الميثاق الوطني، وأحكام المادة التاسعة من الدستور اللبناني، والتعددية الدينية والثقافية والحضارية، وأحكام قانون تنظيم القضاء الشرعي، كما يخالف تحفظات لبنان على اتفاقية CEDAW المقرة بالقانون رقم 572/96.
توصيات: - اتخاذ موقف رافض وحازم لأي مشروع أو اقتراح قانون يمس بأحكام الشرع الحنيف والقيم الأسرية والأخلاقية تحت عناوين برّاقة مثل الحماية ومناهضة ما يسمى بالعنف ضمن تعريفاته المستوردة. - دعوة المرجعيات الروحية كافة لاتخاذ موقف واضح وغير ملتبس من الحملات المبرمجة لتفتيت الأسرة باسم حماية النساء تارةً، والأحداث والأطفال تارةً أخرى. - دعوة الأكاديميين والمتخصصين إلى تنظيم ورقة عمل لإعادة النظر بمناهج التربية والتعليم المشتملة على انحرافات فكرية ومنهجية مع التأكيد على ضرورة تعزيز آداب التعامل الأسري والزوجي في المناهج التربوية. - توعية جمهورنا بأهداف الحركات النسوية ومخططاتها ووسائلها وبيان مراميها، وذلك من خلال وسائل الإعلام المختلفة (التقليدية والحديثة) والندوات والمحاضرات وذلك من قبل العلماء والقيادات والمثقفين. - إقامة ورش تثقيفية في مدارسنا وجامعاتنا ومؤسساتنا لبيان مخالفة المواثيق الدولية ومشاريع القوانين المقترحة داخلياً لمقاصد الشريعة الإسلامية. - تعزيز الدورات المتعلقة بتأهيل الشباب لدخول عالم الزوجية، ومحاولة الإفادة من الأفكار والأساليب العلمية في هذا المجال، مع التأصيل اللازم، ليتم الدمج بين الطبائع والوقائع والنصوص. - تشكيل لجنة لرصد الاقتراحات ومشاريع القوانين وكذلك القرارات الصادرة عن الهيئات الدولية، والمتعلقة بالمرأة والأسرة ودراسة هذه القوانين والقرارات والأفكار، ومعالجتها معالجة علمية؛ لبلورة تصور معرفي عملي تجاهها، نابع من ثقافتنا وقيمنا الإسلامية، ورفع توصية إلى الجهات المعنية لاتخاذ القرار المناسب بشأنها. - تشكيل لجنة لمراقبة علاقات المنظمات والجمعيات الوطنية المحلية (مثال منظمة كفى عنف واستغلال) بالمنظمات والحكومات الأجنبية للحيلولة دون إنفاذ سياسات وأجندة أجنبية من خلال الدعم المقدم لمنظماتنا الأهلية، والتصدي لها في شتى الوسائل الممكنة والمباحة..
في ختام هذه الورقة لا يسعنا سوى القول بأننا لن نرتقي بمجتمعنا إن لم نبذل قصارى جهدنا للحفاظ على أسرنا شكلاً ومضموناً، وإعادة القداسة لها والرفع من شأنها، بعد أن تغيّبت (أي الأسرة) عن قصد في المحافل والمؤتمرات الدولية منها والداخلية، وإن ذكرت، فكان ذلك بقصد تنظيم الأسرة وتحديد النسل وتثقيف الفتيات حول الإجهاض الآمن...
اترك تعليق