مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

كلمة الأستاذة الجامعيّة والكاتبة الدكتورة أميمة عليق

وسائل التواصل الاجتماعي والاستفادة من الطاقة الشبابية في تعزيز القيم: كلمة الأستاذة الجامعيّة والكاتبة الدكتورة أميمة عليق

وسائل التواصل الاجتماعي والاستفادة من الطاقة الشبابية في تعزيز القيم
كلمة الأستاذة الجامعيّة والكاتبة
الدكتورة أميمة عليق

 

هو الجميل
لم يعد يخفى على أيًّ منّا الإقبال الهائل على شبكات التواصل الاجتماعي وما تحدثه من تأثيرات اجتماعية وتشكيل في الرأي العام والقيم والأخلاق والسياسة والاقتصاد في كافة البلاد. 
ولما كان من أهم الواجبات الملقاة على التربية بوجه عام، متابعة مستجدات العصر ومواكبتها لأهم التطورات التي تصيب المجتمع، فقد تناول العديد من التربويين والباحثين موضوع شبكات التواصل الاجتماعي بهدف الكشف عن إيجابيات وسلبيات هذه الشبكات وبيان مدى تأثيرها على حياة الأفراد عامة وعلى المنظومة القيمية بوجه خاص. ذلك لأن القيم الاجتماعية تحتل أهمية خاصة في مجال العلوم الإنسانية لكونها أساساً في تشكيل سلوك الأفراد وکونها معايير وجدانية وفكرية يعتقدون بها ويتعاملون بموجبها مع الأشياء بالقبول أو الرفض. وهي (القيم) عبارة عن تنظيمات معقدة لأحكام عقلية وانفعالية معممة نحو الأشخاص أو الأشياء أو المعاني سواء كان التفضيل الناشئ عن هذه التقديرات المتفاوتة صريحاً أو ضمنياً... وتكتسب القيم أهمية خاصة لدورها الفاعل في توجيه ميول الأفراد واهتماماتهم نحو أيديولوجية سياسية أو دينية أو اجتماعية أو اقتصادية معينة، فهي الوسيلة التي من خلالها يعبّر الفرد عن نفسه وهي التي تساعده على التبرير المنطقي للسلوكيات والاعتقادات والاتجاهات والتصورات غير المقبولة اجتماعيا. وتتصف القيم بمجموعة من الصفات والخصائص التي تجعلها تكتسب أهمية خاصة في حياة الأفراد والمجتمعات مثل اصطباغها بالصبغة الاجتماعية:
فهي تنطلق من إطار اجتماعي محدد، وعلى أساسها يتم الحكم على سلوك الأفراد لأنها تنال قبولا من المجتمع. وتتصف بالذاتية إذ يشعر كل شخص بالقيم على نحو خاص به. كما هي نسبية قد تكون مقبولة في مجتمع ومرفوضة في مجتمع آخر.
على الرغم من أنّ القيم تتصف بالثبات النسبي إلا أنها قابلة للتغير بتغير الظروف الاجتماعية. وهي عامة تشكل طابعاً قومياً عاماً، ومشتركاً بين جميع الطبقات الاجتماعية.
وتبرز أهمية القيم الاجتماعية أنها تقوم بدور أساسي في توحيد ميول وطاقات المجتمعات والأسر إذ أنها المصدر والموجه والقانون والمعيار الضابط المنظم لأفكار ومشاعر وجهود وطاقات وموارد الأفراد والمجتمعات والأسر.
تحفظ للمجتمع تماسكه وقوته كما تحدد له أهداف ومثله العليا ومبادئه الثابتة التي تضمن انتظام حياة الأفراد والمجتمعات في سلام وأمان.
تعمل على ضبط وترشيد الثقافة والفكر وتوظفها في خدمة غايات وأهداف المجتمع.
تلعب الدور الأساسي في تنمية المجتمعات خاصة إذا كان المجتمع يتبع المجتمع منظومة قيمية عالية الجودة.
أثبتت أحداث التاريخ الإنساني أن لكل أمة ثلاث مصادر أساسية نحفظ لها قواها ونقاؤها وقدراتها على الاستمرار وأول هذه المصادر منظومة القيم التي تتبناها وتعيش بها ولها والتي تحمي البنيان الاجتماعي للأمة ثم قدراتها العلمية والاقتصادية ثم قدراتها العسكرية.
القيم تحفظ للمجتمع هويته وتميزه.
تحفظ المجتمع من السلوكيات الاجتماعية والأخلاقية الفاسدة.
في الإسلام عرض بعض الباحثین تعریفات للقیم:
يرى الدكتور "برويز صانعي" بأن: "القيمة هي كل ما هو مفيد أو مرغوب أو ممدوح من قبل شخص أو مجموعة ويمثل لصاحبه أهمية واعتبار ثمين."
ويعرّف الدكتور "عبد الحسين نيكوهر" القيم بأنها المعايير التي تمنح المعنى للثقافة العامة والمجتمع وبالتالي فهي من أهم العوامل البنيوية في تبيين الفكر والعمل لدى الفرد وفي تشكل الحياة الاجتماعية. 


الباحثة الإيرانية شكوفه غفاري:
بعد أن تعتبر أن العصر الحاضر هو عصر زوال القيم وإن أغلب مشاكل القلق والتوتر والضياع السائدة ترجع إلى عدم التزام المجتمع بمنظومة قيم منسجمة ومتناغمة وموحدة لدى الأفراد والجماعات والحكومات، تقوم بترسيم حدود الإطار العام للقيم في الإسلام والذي يلحظ العناصر التالية:


ألف. الوجود وخالقه الله تعالى:
عالم الغيب وعالم الشهادة خلقهما الله تعالى وهو الواحد والقادر والعالم على الإطلاق والذي خلق كل شيء وهداه إلى كماله تشريعا وتكوينا.
ب ـ الإنسان:
أكرم المخلوقات بسبب قدرته على إدراك ظواهر الوجود وكذلك بسبب قدراته الفكرية والعقلية واختياره الحر والمسؤول، فهو المخلوق الأفضل عقليا وروحيا والقادر بإرادته وعمله على التكامل. 
ج ـ العقل والعلم والمعرفة:
وهي مفاهيم سامية في الإسلام وتميز الإنسان في مسيره التربوي والعبادي وقد رفع شأنها القرآن الكريم وكذلك روايات المعصومين (عليهم السلام) فالعقل عبر العلم والمعرفة يقود الإنسان نحو الأهداف العليا.
دـ الكثرة في عين الوحدة:
يرفض الإسلام المنهج الغربي الذي يزعم التضاد بين المفاهيم. لا تضاد بين الدنيا والآخرة ولا بين واقع الحياة والقيم وكذلك لا تضاد بين الفكر النظري والنشاط العملي والعلمي ولا بين الذهن والعين، بل هي كثرة تؤدي إلى الوحدة في حال إهدائها بالوحي والعقل والفطرة. 
يرى الدكتور عادل العوا في بحثه حول الفكر التربوي في الإسلام إن القيم الأساسية في القرآن الكريم هي:
تحمل المسؤولية، الإيمان باليوم الآخر، بر الوالدين، صلة الرحم، احترام أرواح الآخرين وحياتهم، ذم القتل، حفظ أموال الأيتام، الوفاء بالعهد، الأمانة، مخالفة الهوى، عدم التكبر، عدم التعرض لحقوق الآخرين. 
تبرز أهمية دراسة القيم من أهمية وكثرة المشاكل التي تعانيها مجتمعاتنا الإسلامية من هجمة تستهدف القيم خاصة، من خلال محاولة النيل منها وتشويهها وطمس معالم أصالتها وما الاضطراب القيمي والأخلاقي الذي يعاني منه شبابنا هذه الأيام إلا شاهداً حياً على أهمية إجراء مثل هذه الدراسات التربوية في ظل الإقبال الهائل وغير المضبوط على استخدام شبكات التواصل الاجتماعي وما نتج عنه من سلوكيات غير مقبولة اجتماعيا وقيميا ولعل أهم السلوكيات غير المقبولة: الإدمان على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي دون معايير وضوابط من جهة واللامبالاة التي تستولي على شبابنا إزاء الممارسات التي تتنافى مع القيم والأخلاق النبيلة من جهة أخرى.
لكي نتعرف على التأثيرات الإيجابية والسلبية لوسائل التواصل الاجتماعي على القيم، لا بد من العودة إلى الأبحاث الميدانية التي أجريت في بلادنا العربية تحت هذا العنوان:
ـ دراسة محمود (2012) التي كشفت أنّ القيم السلبية التي لحقت بالشباب الجامعي المصري كانت عبارة عن: تزييف وعيهم بقيمة الانتماء للوطن، تدني قيمة الوقت لديهم، تجاهلهم للمحافظة على الممتلكات العامة، تدني ثقتهم بقيمة العدالة في المجتمع، ضعف تمسكهم بالتقاليد والعادات الاجتماعية، تقليد الموضة الأجنبية، إضعاف الروابط الأسرية، تدني ثقتهم بالمنتوجات الوطنية، 
أما القيم الإيجابية فقد تلخصت في تعزيز المسؤولية الاجتماعية التي تساعد على تكريس قيمة التعاون ومساعدة الآخرين، وأهميتها في احترام الأفراد للنظام العام. 
ـ تناولت دراسة الدبيسي والطاهات (2013) أهم الآثار المترتبة على سوء استخدام شبكات التواصل الاجتماعي التمثلة بهدر الوقت، الإجهاد، تشويه الحقائق وتحريفها، ترويج الشائعات التي تعد من أهم مقومات تشكيل الرأي العام لدى الشباب الجامعي في المجتمع الأردني. بينما أكدت الدراسة أن التأثيرات الإيجابية كان في تعزيز الروح الوطنية والولاء والانتماء.
ـ أظهرت دراسة أبو صعليك والزبون(2013) الآثار السلبية لشبكات التواصل الاجتماعي على قيم الشباب الأردني والتي شملت الإدمان على الشبكات، التأخر الدراسي والأكاديمي، تعزيز التعصب العشائري، أو العرقي. أما التأثيرات الإيجابية فكانت في تعميق العلاقات بين الأصدقاء والمعارف، وتعزيز معارف الطلبة ومعلوماتهم العامة.
ـ أشار الصويان (2014) إلى بعض التأثيرات السلبية لشبكات التواصل الاجتماعي على منظومة قيم الشباب الجامعي السعودي كانفصالهم عن الواقع الفعلي إلى حد كبير مقابل ارتباطهم بالواقع الافتراضي، التأثير السلبي على اللغة الأم، إضافة إلى الكذب وضياع الوقت.
ـ بينما توصلت دراسة الشهري (2014) إلى بعض النتائج السلبية لاستخدام طلاب جامعة عبد العزيز في السعودية لمواقع التواصل الاجتماعي: قلة التفاعل بين الطلبة وأسرهم. بينما كانت الإيجابيات تنحصر في سهولة التعبير عن آرائهم واتجاهاتهم الفكرية.
ـ تناولت دراسة الطيار (2004) أهم الآثار السلبية لشبكات التواصل الاجتماعي تحديداً على قيم طلاب جامعة الملك سعود كالتمكن من إقامة علاقات غير مشروعة مع الجنس الآخر، إهمال الشعائر العبادية، واستنتجت الدراسة أيضاً أن هناك عدد من التغيرات الإيجابية كالاطلاع على أخبار البلد وحرية التعبير عن الرأي وتخطي حاجز الخجل.
ـ أشار المفوز (2011) إلى جملة من التأثيرات السلبية المترتبة على شبكات التواصل الاجتماعي التي أصابت سلوك الشباب العربي بشكل عام مثل: سرقة الهوية، الإرهاب الإلكتروني، الإساءة اللفظية، فقدان الهوية، العزلة، تدني الإنتاجية، ضعف الروابط الاجتماعية بين الشباب العربي. 
ـ استقصى الخولي (2013) أهم الآثار السلبية لشبكات التواصل الاجتماعي على الاستقرار العائلي في مدينة أبو ظبي مثل: الاستخدام السيئ لهذه الشبكات من قبل المراهقين، عزلة الأطفال عن العالم الحقيقي، نشر صور ومقاطع فيديو مسيئة للدين وللعادات والتقاليد.
ـ كشفت الدراسة التي أجراها لنش ودكاني (2015) واستهدفت التعرف على استخدامات الشباب الجزائري لشبكات التواصل الاجتماعي وتأثيرها على قيم الشباب الجزائري مثل: إجراء حوارات ونقاشات بين الطلبة من مختلف أنحاء العالم والانفتاح على الثقافات الأخرى وإمكانية التثقيف والتعليم من خلال الحديث مع أشخاص من مستويات مختلفة وتحسين مستوى التحكم في اللغات الأجنبية. 
ـ أجرى الشويفي (2003) دراسة حول المشكلات السلوكية المرتبطة باستخدام الأنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي لدى الشباب السعودي وتوصل إلى النتائج الآتية أن 95% من عينة الدراسة يرون أن الأنترنت والتواصل الاجتماعي له دور فعال في تنمية أنماط سلوكية جديدة وأن هذه الأنماط السلوكية المكتسبة تتنافى مع القيم الخلقية الإسلامية، ورأى 62% من العينة اعتبرت أن الأنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي لا تنشر الفضيلة على العكس رأى 75% من أفراد العينة يرون أن الأنترنت يعزز الرذيلة. و65% منهم اعتبروا أن شبكات التواصل هي وسيلة فعالة لإضعاف القيم لدى الشباب المسلم.
ـ من أهم الدراسات دراسة سعيد (2005) التي توصلت إلى أن شبكات التواصل الاجتماعي قد أثّرت سلباً على القيم الأخلاقية للطلاب خاصة قيمة العفة، الأمانة، الرحمة، الصدق، الحياء والعدل.
هذه نبذة عن الأبحاث والتي ما زالت تكثر وتتنوع نتائجها...


توصيات:
ضرورة توعية الشباب الجامعي وتثقيفه حول إيجابيات وسلبيات شبكات التواصل الاجتماعية وعلى أهمية الهوية.
تضمين أخلاقيات ومعايير استخدام شبكات التواصل الاجتماعي الرقمية في المناهج والمقررات الدراسية الجامعية بهدف إكساب الشباب الجامعي أخلاقيات التعامل الإلكتروني وفقاً للتربية الإسلامية الحقة.
ضرورة إنشاء شبكات عربية إسلامية ذات توجهات قيمية منبثقة من تعاليم الإسلام المحمدي الأصيل. والسعي لبث وترسيخ القيم التي ذكرت في القرآن الكريم وعلى لسان الرسول والأئمة (ع) وعلى لسان عظمائنا كالإمام الخميني والخامنئي.
سعي المناهج الدراسية والمدارس في الوطن العربي إلى التأكيد على تنمية المهارات اليدوية والعملية للأطفال والتلامذة كي تقل أوقات فراغهم ويشعرون بالإنتاجية..
على المدارس الجامعات في الدول العربية أن تقوم بإجراء ملتقيات تحث الطلبة على إدراك القيم الاجتماعية وصونها وتبنيها.

 

التعليقات (0)

اترك تعليق