مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

كلمة الحاجة عفاف الحكيم في المؤتمر الدولي الثلاثين للوحدة الإسلامي

الوحدة وضرورة مجابهة التيارات التكفيرية.. كلمة الحاجة عفاف الحكيم في المؤتمر الدولي الثلاثين للوحدة الإسلامي

الموضوع: كلمة الحاجة عفاف الحكيم في المؤتمر الدولي الثلاثين للوحدة الإسلامية.

العنوان: الوحدة وضرورة مجابهة التيارات التكفيرية. 

المكان: إيران- طهران.

الزمان: من 15 وحتى 17 كانون الأول 2016 الموافق لـ 15- 17 ربيع الأول 

 

 

خطر التكفير.. وسبل مواجهته:

قال تعالى في سورة آل عمران: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا}/103

وفي سورة الأنبياء قال تعالى: {فإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون}/92

ظاهرة التكفير التي ملأت ساحاتنا رعباً وغوغائية.. هي من أشد وأخطر الأزمات التي تواجه عالمنا الإسلامي اليوم، بل الإنسانية جمعاء.

خطورة هذه الظاهرة المدمرة للإنسان وللحضارة الإنسانية.. إنما تتمثل- بجماعاتها- التي تعتمد مع التكفير، العنف والإلغاء وعدم الاعتراف بالآخر- لأي دين أو طائفة انتمى- ما لم يلتزم بكل ما تذهب إليه.

والتي قامت منذ تفجّر مخططها الإرهابي بتوجيه ضربات قاسية ومؤلمة لأسس الإسلام وكرامة المسلمين في العالم، وسعت بكل ما تملك من حقدٍ وقوة لإزالة كافة المساحات المشتركة بين أبناء الأمة الواحدة.. بحيث ضربت عمق مجتمعاتنا العربية والإسلامية وطالت كل الشرائح فيها.. وعملت بشراسة غير مسبوقة على استهداف كافة القوى والقدرات والقضايا الأساسية فيها وعلى رأسها وحدة المسلمين وقضيتهم المركزية الجامعة قضية فلسطين.. جاعلة من هذا الواقع المؤلم الأرض الصالحة والخصبة لقوى الاستكبار والصهيونية العالمية لتحقيق مصالحها على كل الصعد.

لكن ما يؤسف له أنه رغم جسامة الخطر الذي تمثله هذه الجماعات المضللة وفداحة الفجائع التي أنزلتها بالإسلام والمسلمين، وما تشكله من تهديد للقيم الإنسانية في العالم كافة.. إلا أننا حتى الآن لم نلمس من عالمنا العربي أو الإسلامي المصدوم.. تلك الهمّة التي تثلج القلوب والتي تفرزها عادة في كل بلد من بلداننا. الفعاليات الدينية المقدّرة والنخب الفكرية والاجتماعية والثقافية وغيرها من سائر المخلصين ممن يملكون القدرة على إيجاد أو تكوين ما يمكن أن يسمى تعاوناً نهضوياً.. سيبيله توفير إجراءات مدروسة وفاعلة لجهة محاصرة هذا الوباء التكفيري والقضاء عليه- في أرضه- تدريجياً ولو على المدى الطويل.. أو ما يمكن أن يقام من طرق الوقاية للمحافظة على نقاء بيئتنا.. 

فهذه الجماعات التي اقترفت وبشكل يومي ألوان من القتل والذبح والتدمير والفتك الذريع من خلال انتحاريين يفجرون أنفسهم بالمارة والمدنيين في المساجد والأسواق عبر  السيارات المفخخة وعبر المجازر الوحشية الجماعية التي تطاول النساء والأطفال... وصولاً إلى أمور غير مسبوقة من مثل حزّ الرؤوس وشق الصدور وتعليق الضحايا كالخراف أمام شاشات التلفزة لتجسيد كل ما ينفر ويفضي إلى تشويه صورة الإسلام واعتباره دين عنف وإرهاب. إذ كانوا يعتمدون ولأول مرة.. كأسلوب إعلامي التصوير والتسجيل للمجازر المرعبة وإرسالها إلى كل المراكز الإعلامية والشاشات كتحدٍ سافر لكل من يدّعي الإنسانية.. 

هذه الجماعات التي أعماها التعصب والتطرف والجهل بالإسلام وبمفاهيمه وقيمه والتي باتت تعيش الجرأة والاستهانة بحرمة سفك الدماء. مع أن حرمة دم المؤمن أعظم عند الله وأكبر من حرمة الكعبة، وقد تواترت الأحاديث الشريفة الدالة على هذا المعنى.

وإن ما يؤلم ويحزّ في النفوس هو أن يموّل هذا التكفير الدموي الأرعن من قبل بعض الأنظمة العربية إلى جانب النظام السعودي الوهابي.. الذي تتلمذت على يده هذه الجماعات والذي كان المنبع الأساس لتمويلها والمصدر الأول لفتاواها التكفيرية التي ارتكبت بها المجازر البشعة في بلادنا. وفي بلاد العالم إذ كان دائماً النصيب الأكبر فيها للأسف من السعوديين بفضل هذا النظام الخاوي والفكر الأسود الذي يحمله والذي حول هذه الجماعات إلى أشبه ما يكون بوباء متوحش شرس يريد أن ينقض بالجملة على كل شيء، من بشر وحجر ومقدسات دينية لطوائف وأديان مختلفة وصولاً إلى التعرض للمراقد الشريفة ومدافن الأولياء والصالحين وحتى ما هو منتشر منها في الأماكن البعيدة والنائية، وذلك في أوسع عملية اجتثاث للتراث الإسلامي والإنساني، وهذا لا شك من أكبر وأكثر مظاهر الجهل والتخلف.

هذه الجماعات كان من كوارث ما حملته تلك العقلية الأحادية التي تقوم على الإدعاء بامتلاك مطلق الحقيقة، وأنها تنفرد دون غيرها فيها.. بحيث ترى أن الإسلام لا يتسع إلا لها، وأن كل من خرج عنهم وعن أفكارهم وقناعاتهم أو اختلف معهم فقد خرج عن الإسلام وبالتالي أصبح كافراً أو مرتداً.

إن هذه النظرة الضيقة التي تريد أن تجعل الإسلام بحجم جماعة أو أخرى هي لا شك نتاج جهل حقيقي بهذا الدين العظيم الذي جاء لكافة الناس {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً..}سبأ/28 

{وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} الأنبياء/108 والذي لا بد أن يكون لجميع أبنائه وبحجم جميع مذاهبه..

وإنها لكارثة أن يرى كلٌ في نفسه الأهلية لفهم الدين وتفسير نصوصه وأن على الآخرين الإذعان لأمره والأخذ برأيه وإلا فإنهم مخالفون وخارجون عن العقيدة ويجوز التصدي لهم ومواجهتهم بشتى الوسائل والطرق الدموية بحيث باتوا لا يتورعون عن قتل كل من يعتبرونهم كفاراً في داخل المجتمعات الإسلامية متسلحين بفتاوى تخولهم. [قتال العدو القريب قبل قتال العدو البعيد].. فتاوى تأمر بترك العدو الخارجي.. المتربص بنا.. والمحتل لأرضنا.. وتعمل على تحويل الصراع إلى صراع ديني داخل المجتمعات العربية والإسلامية.. لندخلها في حربٍ ضروس لا تعرف لها نهاية.. ولا يستفيد منها إلا ذاك العدو الخارجي الخبيث.. 

صحيح أن المسلمين في الماضي عانوا من ويلات هذه الآفة الفتاكة وكانت فرقة الخوارج التي ظهرت مع بدايات المجتمع الإسلامي الأول.. هي المصداق البارز لهذه الجماعات التكفيرية ولهذه الحالة الحادة من الجهل المغلق الذي يأبى الانفتاح على الآخر من خلال ما بينه كتاب الله العزيز.. من الجدال بالتي هي أحسن- حتى مع غير المسلمين- ومن رد الخلافات والمنازعات الفكرية والفقهية إلى الله والرسول عبر الرجوع إلى القواعد العلمية الآيلة إلى الأخذ بحقائق القرآن الكريم والسنة المطهرة بعيداً عن التحجّر والاستبداد بالرأي قال تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول}/ النساء/59

غير أن هذه الفرقة التي ابتدعها الخوارج يومذاك تقطعت وتلاشت رغم أن نهجها في العديد من الأحيان بقي موجوداً بشكل محدود ومضبوط.. فكان أن حافظت على وجودها الكامن على امتداد التاريخ الإسلامي بحيث تعايشت معها مجتمعاتنا لقرون لأنها بقيت عادية وطبيعية واقتصرت على مجرد أفكار واتجاهات لمفسرين أو علماء نشروها في الكتب أو قدموها كدروس في مؤسسات أو معاهد دينية.. 

لكن خطورة ظاهرة التكفير في أيامنا أو هذه الحالة الكارثية التي صنعها الفكر الوهابي الموبوء راحت تفرخ الإرهاب وتنشرها في المنطقة والعالم باسم الإسلام.. هو إنها لا تعرف لغة للتفاهم مع الأخرين غير القوة والسيف والقتل وانتهاك الحرمات واستباحة كل شيء.. إنها لا تعرف معنى لحرمة ولا تفقه معنى لحق ولا تستوعب معنى لحوار أو نقاش أو دليل أو منطق.. بحيث رأينا الدواعش يحاربون كل الناس ولكن لم يخرجوا يهودياً واحداً، رأيناهم يقاتلون المسلم والمسيحي وغيرهم من كل الطوائف والأديان لكن لم يقاتلوا اليهود الصهاينة ولم يربكوا ساحاتهم كما أربكوا كل الساحات.. 

كان الدين الإسلامي قبل هذه الظاهرة هو الأكثر انتشاراً في أنحاء العالم سواء في أمريكا وأوروبا وغيرها فجاءت هذه الحالة التكفيرية لتشوّه صورته.. وتوقف هذا المد الجليل.. ولتقول للناس على امتداد العالم- عبر المشاهد المأسوية المتلفزة- أن هذا هو الإسلام الذي أنتم مقبلون عليه.. وهؤلاء هم المسلمون.

نعم في المحصلة هي حرب على الإسلام دون أدنى شك. لذلك بات الدفاع اليوم عن هذا الدين، عن رسالته وتعاليمه وأخلاقه وقيمه السمحاء.. في مقابل حقد ومكر قوى الاستكبار والصهيونية العالمية واتباعهم في المنطقة وعلى رأسهم النظام السعودي الوهابي.. والذي يسخّر هو وجميع هؤلاء كل ما يملكونه من سلطة ومال وبترول واعلام ليكون كله بخدمة تلك الجماعات التكفيرية التي اشعلت نيرانها في كل مفاصل هذه الأمة..

السيد القائد (دام ظله) يقول بهذا الخصوص: "مضطرون اليوم للانشغال بتلك الابتلاءات التي أوجدها الاستكبار داخل العالم الإسلامي. ولا بد لنا من ذلك في الواقع. إن تناول قضية التكفير هو أمرُ فرض على علماء العالم الإسلامي ونخبه وحكمائه. 

إن هذا الأمر قد افتعله العدو كمشكلة للعالم الإسلامي ونحن مضطرون لمواجهته، في حين إن القضية الاساسية هي الكيان الصهيوني. وهي قضية القدس، وهي قضية القبلة الأولى للمسلمين والمسجد الأقصى. هذه هي القضايا الأساسية".

وعليه ومن هذا المنطلق.. ولإراحة العدو الصهيوني فقد حاول التكفيريون إشغال مجاهدي المقاومة الإسلامية في لبنان بشتى المتفجرات التي استهدفت مناطقنا اللبنانية عامة والضاحية خاصة بعشرات السيارات المفخخة، غير أن أبناء المقاومة البواسل استطاعوا بفضل الله ومن خلال عملهم الاستثنائي.. من القضاء على أكبر رموز التكفيريين.. بل دمروا مراكز تصنيع المتفجرات والسيارات ومعامل تصنيع الأحزمة الناسفة، فكان أن أراحوا الناس.. وفي نفس الوقت حافظوا على اليقظة والجهوزية والاستعداد لأي مواجهة مع العدو الصهيوني.. وهذا ما انعكس إيجاباً على لبنان والمنطقة عامة..

وإنه بالعودة إلى موضوعنا نجد أنه مع القوة والاقتدار.. فإن أي إنسان يمكنه أن يختار المكان الذي يريده ليضيء فيه شمعة.. فمؤتمر "غروزني" على سبيل المثال أهميته أنه جمع ما يزيد على مائتي عالم بحضور شيخ الأزهر وكبار علماء المسلمين من مختلف الأنحاء.. وهناك وضعت النقاط على الحروف.. وأعطيت الوهابية حجمها وأبعادها، مع كشف خطورتها على الإسلام والمسلمين.. وحيث وصلوا كما صرّح العديد من هؤلاء العلماء بأن الوهابية ليست من أهل السنّة.. وأنهم خطرُ على الأمة.. 

هذه الشمعة التي أضيئت في عاصمة الشيشان يمكنها أن تستكمل بأنشطة وأعمال متممة لتنوير الرأي العام الذي تاه في هذه المعمعة السوداء.

أخيراً: سبل مواجهة خطر التكفير:

1- إن مواجهة هذه الظاهرة المدمرة للإنسان وللحضارة الإنسانية لا بد أن تكون متعددة الأبعاد، من ثقافية وفكرية وتربوية وأمنية واقتصادية.. غير أن المسؤولية الأثقل في هذا الموضوع هي حتماً ملقاة على عاتق الفعاليات العلمائية الدينية الموقّرة والنخب الفكرية التربوية.. فهم جميعاً مطالبون بتحمل هذه المسؤولية التاريخية الخطيرة. 

أما بالنسبة للمجتمعات التي تأثرت بهذه الظاهرة وكانت على تماس معها فلا شك أن الحلول الأمنية غير كافية لأنها ليست بقادرة على اجتثاث هذه الظاهرة من جذورها، وهي بعد أن قطعت هذه المرحلة المثقلة لا يمكن مواجهتها بالحوار وإنما أولاً بردعها عن قتل الناس وتخريب وتدمير البلدان الإسلامية وثانياً: عبر اللجوء إلى جانب ذلك إلى الآليات الثقافية والفكرية والإعلامية من أجل قطع دابر التكفير واقتلاعه من جذوره. وهذه لا شك أيضاً مهمة العلماء والمفكرين في العالم الإسلامي ممن ينبغي لهم التصدي لمخاطر الأفكار التكفيرية والقيام بمسؤولياتهم الإلهية.

2- إن مواجهة هذا المشروع التكفيري تفرض وضع استراتيجيات وخطط مرحلية وبعيدة المدى يلحظ فيها تجفيف منابع هذا الفكر الهدام المستند على مغالطات تاريخية وفكرية مشوهة، وفتح الحوار الفكري والحضاري بين التيارات الدينية والمذهبية والسياسية وإرساء فضاء توافقي لتخفيف حدة الصراعات وإيجاد أرضية صلبة للتلاقي.. 

3- إقامة مؤتمرات وندوات للتقريب بين المذاهب الإسلامية على مستوى إسلامي رفيع وفتح باب الحوار بين مختلف التيارات الدينية وذلك لشرح ما تحتاجه الأجيال من إثبات بطلان ولا عقلانية  أو شرعية الفكر التكفيري وعدم استناده إلى واقع موضوعي، ومعطى ديني باعتباره فكر مشوه ودخيل على الإسلام.

4- أن نذكر ونؤكد على كل من توجب عليه هذا الأمر، بأن هذه الجماعات التكفيرية الإرهابية وما تحمله من مشاريع خطيرة هو واجب ومسؤولية الجميع.. لأن هؤلاء يشكلون اليوم أداة حقيقية لقوى الاستكبار والصهيونية. أداة تعمل على تقطيع أوصال الأمة وتغيير مسار صراعها القائم على مواجهة العدو الصهيوني ليتحول بأس شعوب هذه المنطقة موجهاً إلى بعضها البعض متذكرين ما قاله الإمام الخميني العظيم من أجل أن "جميع طوائف المسلمين تواجه اليوم قوى شيطانية تريد اقتلاع جذور الإسلام. هذه القوى التي أدركت أن الشيء الذي يهددها هو الإسلام. وأن الشيء الذي يهددها هو وحدة المسلمين".

 

 

 

 

وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين

عفاف الحكيم 

التاريخ 9-12-2016

 

 

 

 

 

التعليقات (0)

اترك تعليق