المرأة ودورها العظيم في بناء الأجيال الصالحة
لما للأسرة من أهمية في حياة وتطور المجتمعات، اهتم الإسلام ببنائها وتشكيلها، وأبدى نصائحه وإرشاداته وأحكامه، ليس بعد تشكيل الأسرة فحسب، إنّما قبل تشكيلها.
مرحلة تشكيل الأسرة:
لقد دعا الإسلام العظيم كلاً من الرجل والمرأة إلى الحرص على أن يكون اختيار شريك العمر في رحلة الحياة مناطه الاعتصام بالدين والأخلاق الحسنة، فذلك هو السبيل الأمثل لبناء أسرة قويَّة تكون عماداً لمجتمع قوي جدير بالريادة والقيادة والخيرية، والنصوص التي تحض على حسن الاختيار، وتحذر من الاهتمام بالأعراض الزائلة دون الاهتمام بالقيم الخالدة كثيرة...
قال رسول اللَّه(ص): "إن جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير"(1). وقال(ص):
"إياكم وخضراء الدِّمن". قيل وما خضراء الدمن؟ قال(ص): "المرأة الحسناء في المنبت السوء" وكما أكّد الإسلام على حسن الاختيار كذلك أكَّد على حريَّة الاختيار ليس للرجل فقط بل للمرأة أيضاً".
يقول الإمام القائد دام ظله: "إن الإسلام قد أولى المرأة كزوجة عناية خاصة في مختلف المراحل.
في الدرجة الأولى: مسألة اختيار الزوج، فقد جعل الإسلام المرأة حرَّة في اختيارها لزوجها، ولا يمكن لأحد أن يفرض عليها زوجاً.
فلا الأقارب لهم أن يفرضوا عليها ذلك، ولا حتى إخوتها ووالدها، ليس لهم أن يجبروها على الزواج من شخص لا تريده، ولا يحق لهم ذلك. هذا هو رأي الإسلام.
طبعاً كانت هناك عادات جاهلية وخاطئة في المجتمع الإسلامي، وما زالت موجودة في بعض الدُّول، وفي بعض المناطق من بلدنا وخاصة في المدن الوسطى وخوزستان وغيرها. فحسب علمي هناك بعض العشائر التي تعطي ابن عمّ الفتاة الحق في إبداء رأيه بزواجها! إنّه خطأ. فالإسلام لم يسمح لأحد بذلك. وما يقوم به المسلم الجاهل يجب أن لا ينسب للإسلام.
إنّها عادات جاهلية، فالمسلمون الجاهلون يقومون بأعمال ترتبط بادابهم وعاداتهم الجاهلية، ولا ترتبط بالإسلام وأحكامه النورانية.
فمن يجبر فتاة على الزواج من ابن عمِّها، فقد خالف الشرع. وأي ابن عم لفتاة يجيز لنفسه أن يمنع ابنة عمِّه من الزواج لأنّها لا تريده زوجاً لها، يكون هو وكل من يساعده في ذلك قد فعلوا حراماً وخلافاً للشرع. فتلك العادات مخالفة للشرع المبين، وليس هناك أي اختلاف بين فقهاء الإسلام في هذا المجال.
لاحظن أنّ أحكام الإسلام منذ بدء تشكيل الأسرة تقف إلى جانب المرأة في اختيار زوجها".
مرحلة ما بعد تشكيل الأسرة:
لقد كان لخروج المرأة عن مسؤولياتها الأسرية في البلاد الغربية الوقع الخطير على استقرار العائلة وأمانها النفسي والعاطفي والسلوكي.
وهذا ما ظهر ممَّا تقدَّم من كلام لسماحة القائد دام ظله.
لذلك ولأجل أن لا يقع المجتمع الإسلامي بما وقع به الغربيون، أكَّد سماحته على ضرورة توازن المرأة المسلمة بين العمل والمنزل.
يقول دام ظله: "في صدر الإسلام كانت المرأة تتولَّى مهمَّة معالجة جرحى الحرب في ساحة المعركة، بل كانت تلبس النِّقاب وتبارز بالسيف خلال الحروب الشديدة، وفي نفس الوقت كانت تحتضن أبناءها داخل بيتها، وتربّيهم تربية إسلامية، وتحافظ على حجابها، فليس هناك منافاة بين كل تلك الأمور.
فمن يدقِّق في ذلك جيداً سيجد أن لا منافاة بينها. لكن البعض يعيش الإفراط والبعض الآخر يعيش التفريط.
فالبعض يقول بما أن النشاط الاجتماعي لا يسمح لي بالاهتمام بالبيت والزوج والأولاد، لذا عليّ ترك النشاط الاجتماعي، والبعض يقول بما أنّ البيت والزوج والأولاد لا يسمحون لي بمزاولة النشاط الاجتماعي، إذاً عليّ أن أتخلَّى عن الزوج والأولاد. وكلا النظرتين خطأ، فلا يجوز ترك هذا لذاك، ولا ذاك لهذا".
"لديكن أعمال أيضاً، وتتواجدن خارج البيت، تزاولن الجراحة، وترين مرضاكنّ، وتقمن بعمل علمي ما، وتعددن المشروع الفلاني، وتعطين الدرس الفلاني في الجامعة, كل ذلك له أهميته، لكن عليكنّ مراعاة حصة البيت.
طبعاً إن حصّة البيت كسائر الأمور، قد تفدى كمية الحضور فيه لصالح الكيفية.
إن لحضور المرأة في البيت خلال 24 ساعة معنى؛ فعندما تقللن من ساعات الحضور في البيت، عليكنّ أن ترفعن كيفية حضوركنّ، فسيكون لحضوركنّ المميَّز هذا معنى آخر، وعندما ترين أن عملكنّ يضر بتواجدكنّ في البيت كثيراً, عليكن أن تجدن حلاً، فالأمر مهم وأساسي، إلاّ في موارد الضرورة، ففي كل أمر ضرورة تجعله خارجاً عن حدِّ القاعدة. وإنِّي أتحدَّث هنا عن القاعدة، ولا شأن لي بالاستثناءات".
وبعد تأكيد سماحة القائد(دام ظله) على أهمية التوازن بين العمل والأسرة، أشار إلى مسألة مهمَّة وهي: أن المرأة كما أن لها أهمية تربوية في البيت، كذلك لها أهميَّة تأثيرية على جميع أفراد الأسرة خارج البيت أيضاً يقول(دام ظله): "في أي ساحة تدخل النساء بشكل مسؤول وواعٍ فإن التقدُّم في تلك الساحة سيتضاعف.
إن خصوصية حضور النساء في الساحات المختلفة هو أن دخول سيدة الأسرة في تلك الساحة يعني دخول زوجها وأبنائها أيضاً.
أما حضور الرجل فليس له مثل ذلك التأثير. في أي ساحة من الساحات تردها المرأة السيدة وربَّة البيت فإنَّها في الواقع تدخل ذلك البيت كله إلى تلك الساحة، إن حضور النساء في المجالات المختلفة أمر مهم جدّاً".
المسؤولية التربوية للمرأة:
لقد تبيَّن مما سبق خطورة أن تترك المرأة مسؤولياتها التربوية داخل الأسرة، ولقد تأكَّد مما مرَّ أن الأسرة ليست ملهى ومرتعاً وإنما هي مؤسسة إلهية عظيمة لبناء الأجيال الصالحة، وأيّ تقصير في التربية الأسرية سيؤثِّر سلباً على المجتمع ككل.
فعلى الأم قبل أي شخص آخر أن تحمل هذه المسؤولية؛ بما لها من التأثير الأفعل على أولادها، بحكم أن الطفل يترعرع لمدَّة طويلة في حضن أمِّه، وهي غالباً تكون في البيت، بخلاف الرجل الذي يكون مشغولاً في عمله الخارجي.
فالأم هي صاحبة الدَّور الأساس في التربية الأُسرية، وصدق الشاعر حيث قال:
وقد أكَّد سماحة القائد دام ظله على هذا الدَّور المحوري والأساسي للمرأة قائلاً: "إن من جملة مهام المرأة داخل البيت والأسرة تربية الأطفال، فإن النساء اللواتي يمتنعن عن إنجاب الأولاد من أجل عملهن خارج البيت، فإنهن يتصرفن على خلاف طبيعتهن البشرية والنسوية. واللَّه لا يرضى بذلك. إن اللواتي يتركن تربية الطفل وإرضاعه واحتضانه وبذل المحبة والعطف له من أجل الأعمال التي لا تتوقف على وجودهن حصراً، إنَّهن يرتكبن خطأ.
إن أفضل أسلوب لتربية الطفل هو أن يترعرع في حضن والدته وينهل من محبتها وعطفها. والنساء اللواتي يحرمن أطفالهنّ من هذه الموهبة الإلهية يرتكبن خطأ، ويلحقن الضرر بأطفالهنّ وبأنفسهنّ وبمجتمعهنّ. والإسلام لا يسمح بذلك.
لذا فإن أحد المهمَّات الكبرى للمرأة أن تحنو على ابنها بالعاطفة والتربية الصحيحة، وتعيره انتباهها ورعايتها الدقيقة؛ لتجعل من ذلك الموجود الإنساني، فتاة كانت أم صبياً، تجعله عندما يكبر إنساناً سالماً روحياً، يخلو من العقد والابتلاءات، لا يشعر بالمذلَّة، ولا يعاني من البؤس والقهر، كالذي تعاني منه الأجيال الشابة الغربية في أوروبا وأمريكا".
"في الحقيقة إن المرأة هي توجد الأسرة وتدمرها، اعلمن ذلك، فالمرأة هي العنصر الأساس لتشكيل الأسرة وليس الرجل، فبدون الرجل قد تستمر الأسرة، فإذا غاب الزوج عن الأسرة أو توفي، وكانت المرأة عاقلة ومدبِّرة وربَّة بيت يمكنها أن تحفظ الأسرة، لكن إذا افتقدت الأسرة للأم لا يمكن للرجل أن يحفظ الأسرة.
إن الإسلام أكَّد على أهميَّة دور المرأة في الأسرة كثيراً، وعلَّة ذلك هي أن المرأة إذا كانت تحب أسرتها وتهتم بتربية الأبناء وترعى أطفالها وترضعهم وتحتضنهم، وتزوِّدهم بالزاد الثقافي والقصصي وتعلمِّهم الأحكام والقصص القرانية والحكايات المفيدة، وتقدِّم ذلك لهم كتقديمها للطعام لهم، فإن أجيال ذلك المجتمع سيكونون سالمين راشدين. هذا هو فنّ المرأة، وهو لا يتنافى مع دراستها وتدريسها وعملها ودخولها السياسة وأمثال ذلك".
المرأة صانعة الرجال:
إن الناس يتحدَّثون بإجلال وإكبار عن صانعي الأدوات المادِّية، ومخترعي الأمور المادِّية، ومبتكري الأعمال الأدبيَّة الشعريَّة والفنيَّة، ويقدِّمون لهم المنح والهدايا.
يتحدَّثون بافتخار واحترام عن مكتشف الكهرباء وقانون الجاذبية وعن غيرهما من المكتشفين والمخترعين.
إلا أن ما أغفله النَّاس ولم يعطوه الأهمية المطلوبة هو المرأة صانعة الرجال.
ألا تستحق منّا هذه المرأة الاعزاز والاحترام؟
ألم تصنع فاطمة حسناً وحسيناً؟
ألم تصنع المرأة العاشورائية الزوج والابن ليكونوا فداء للإسلام؟
ألم تصنع المرأة الإيرانيَّة والعامليَّة الرجال لكي يتقدَّموا إلى الشهادة بكل جرأة وشجاعة؟
إن كلّ كلمة تلقيها المرأة في بيتها لها دويّ كبير على نفوس أولادها بل نفس زوجها بالذات.
إن كلّ سلوك تقوم به المرأة في أسرتها له تأثير قوي على سلوك أسرتها وحتى زوجها. فعلى المجتمع أن لا يستهين بدور المرأة الريادي والصناعي. بل على المرأة ذاتها أن لا تستهين بدورها في صناعة الرجال.
ألم يقل القائل: "وراء كلّ رجل عظيم امرأة عظيمة".
هذا المعنى أشار إليه السيد القائد(دام ظله) بقوله: "إن أهم بناء هو بناء الإنسان، ليس بناء جسم الإنسان فقط، بل بناء عواطف الإنسان وأخلاقه، أن يربّين في أحضانهن بشراً دون عقد، وإنساناً صحيحاً وسالماً، تلك هي أهم قيمة لعمل المرأة". "إن للمرأة المسلمة في الأسرة واجبات ومهام، وهي أن تمارس دورها كركن أساسي للأسرة، وأن تربي أولادها، وأن تكون عوناً روحياً لزوجها.
خلال مرحلة المواجهة مع نظام الطاغوت في إيران، كان هناك رجال كثيرون يخوضون ساحة الصراع، لكن نساءهم لم تدعهم يكملوا المواجهة، لأنَّهن لم يطقن صعوبات المواجهة، ولم يكن لديهن إيثار. وهناك من كانوا على العكس من ذلك، حيث كان النساء يشجِّعن أزواجهنّ على المواجهة ويقدِّمن لهم العون، ويشكِّلن بذلك الرافد والداعم الروحي لهم. ففي عامي 1979ـ 1978م عندما كانت الشوارع والأزقة، مملوءة بالناس، كان للنساء دور مهم في تعبئة أزواجهنّ وأبنائهنّ وتوجيههم نحو ساحة الصراع والمواجهة والتظاهر".
"نعم هذا هو دور المرأة وتأثيرها على ابنها وزوجها، فتربية الأبناء ودعم الأزواج روحياً ليتمكنوا من اقتحام الساحات الكبرى هو من أهم أعمال المرأة".
في الحقيقة إن الإسلام عامر بالنساء اللواتي كنّ سنداً روحياً لأزواجهن يوم الشدائد والهزائز، وعاشوراء تحمل نماذج نسائية مهمَّة في الدعم الروحي لزوجها وولدها. انظر إلى "دلهم بنت عمرو" ، زوجة زهير بن القين التي قالت لزوجها عندما حطُّوا رحالهم في "زرود" ، وجاء إليه رسول الحسين(ع)، فتحيَّر ووجم ولم يعرف جواباً فبادرته قائلة: سبحان اللَّه أيبعث إليك ابن رسول اللَّه(ص) ولا تجيبه؟ ما ضرَّك لو أتيته فسمعت كلامه ثم انصرفت؟ فكان موقفها ودعمها الروحي وتشجيعها سبباً لتحويل زهير إلى معسكر الحسين(ع).
الهوامش:
1- الكافي: ج5, ص347.
المصدر: مركز الإمام الخميني الثقافي: دور المرأة في الأسرة. ط2، جمعية المعارف الثقافية، تشرين الثاني، 1429هـ- 2008م.
اترك تعليق