مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

مسائل منهجية في بحث قضية المرأة (وضرورة التخصيص في النظر لقضاياها)

مسائل منهجية في بحث قضية المرأة (وضرورة التخصيص في النظر لقضاياها)

أولاً: الاتفاق على المرجعية:
يمثّل الاختلاف حول "المرجعية" في بحث قضايا المرأة، مسألة محورية ذات أهمية كبرى؛ بحيث لو تمّ الاتفاق عليها؛ فلسوف تبقى المسائل الأخرى فرعية، يمكن تجاوزها والتعامل معها بسهولة، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل يتفق العالم الإسلامي (والعالم العربي في مقدمته) على كون القرآن والسنة أو لنقل "الإسلام" بما يتضمّن (الوحي والاجتهاد المنضبط) مرجعية في مسائل المرأة والأسرة بوجه عام؟ أم المواثيق الدولية والدراسات العالمية؟
الجمهور العام من أبناء الأمة بما يتضمّن القادة والعلماء (المجامع الفقهية والعلمية) والحركات السياسية (الإسلامية والمنتمية إلى الحضارة الإسلامية) ترفض فكرة استبعاد الشريعة من المرجعية، كما ترفض جعل الفكر الغربي مرجعية للتشريع والفكر، في قضايا المرأة والأسرة والأحوال الشخصية عموماً، مع الاختلاف في طريقة التعامل مع الفكر الإسلامي في هذا الشأن، وهناك فئة قليلة بدأت تظهر على الساحة –وإن كانت مطالبها معروفة من قبل- تحارب جعل الشريعة مرجعية لتشريعات الأسرة؛ بل تذهب أبعد من ذلك، حيث تزعم أنّ الشريعة ضدّ المرأة؛ فهذه كاتبة تقول: "ينتقص الفكر الإسلامي السلفي(1) التقليدي من حقوق المرأة جميعاً، استناداً إلى القرآن والسنة، في القوامة، والولاية والزواج، والطلاق، وتعدّد الزوجات والإرث، والشهادة، حيث المرأة مأمورة بالطاعة دائماً للرجل الذي له عليها درجة، ومن واجبها الطاعة التامة له، ما لم يأمرها بمعصية الله، والرسول هو نفسه القائل ما معناه: إنّ النساء ناقاصات عقل ودين، وإنّه لن يفلح قوم ولّوا عليهم امرأة، ولا نستطيع كباحثين في ظلّ هيمنة السلفية والجمود أن نقول إنّ النبي قد أخطأ، في حين أن البحث يفترض الخطأ والصواب في كلّ الفرضيات والمقولات"(2).
وآخر يقول متحدّثاً عن مشروع (الإسلاميين) لتنقيح قانون الأسرة في بعض (البلاد) "والاحتكام إلى النصوص الفقهية لتنظيم العلاقات بين الرجل والمرأة في الحياة الأسرية ما هو إلاّ مقدّمة للإجهاز رويداً رويداً على مبدأ التشريع الوضعي ككل"(3).
وهنا نقول: لا بدّ لنا من إنشاء حوار مباشر صريح تتمّ فيه الإجابة على التساؤل التالي:
- هل نريد الإسلام؟
- وهل نريد أن يكون "الإسلام" منطلقاً ومرجعية لنا في تشريع الأسرة وقضاياه؟
- لا أظنّ أنّنا بحاجة إلى إجابة على التساؤلات حقيقةً؛ لأنّ الأمة التي تؤمن بهذا الدين، وتجعل القرآنه كتابها الهادي، وتنصّ على أنّ "دين الدولة الإسلام" لا يمكن أن تقبل بحالة التنكّر لهذا الدين في مسائل الأسرة في الأقلّ؛ فالله سبحانه وتعالى يقول: «أفحكمَ الجاهليةِ يبغُونَ ومَن أحسنُ من اللهِ حُكماً لقومٍ يوقنُون» (المائدة آية 50)،  ويقول سبحانه: «فلا وربِّك لا يؤمنُون حتّى يحكِّموكَ فيما شَجَرَ بينهُم ثمّ لا يجدوا في أنفسِهم حرجاً ممّا قضيتَ ويسلِّمُوا تسليماً» (النساء آية 65).
إنّ مثل هذه الدعوات إنّما يُقصد منها أن تؤثّر على قوانين الأحوال الشخصية، لتعدّل بما يوافق مطالب تلك الفئات، وللوصول إلى تلك الغاية يتمّ الإستعانة بالمواثيق الدولية، زمن ثمّ تمارس الضغوط على الدول المعارضة لتتماشى قوانينها مع تلك الاتفاقيات، وإن كانت متعارضة –أي الإتفاقيات- مع ثقافة أو دين تلك الدول.

ثانياً: مظاهر أزمة قضية المرأة
لا شكّ أنّ طرح قضية المرأة على بساط البحث يحتاج إلى جرأة، وموضوعية، ومنهجية محدّدة تستند إلى أصول فكرية، منبثقة من الحضارة التي تنتمي إليها، وبدون ذلك نكون أمام "طرح غريب لا يمثّل الرؤية الذاتية، ولا يعبّر عن هوية القضية المتحدّث عنها، ولا انتمائها للأمة".
ومن هنا وقع القصور في تناول قضية المرأة في العصر الحاضر، ذلك القصور الذي تمثّل -من وجهة نظري- بظهور "أزمة" في الطرح تمثّلت مظاهرها فيما يلي:
أولاً: التمثّل بردّة الفعل، حيث إنّ الكثير من المطالبات، والتحركات؛ إنّما كانت استجابةً واتّباعاً لمطالب وتحرّكات مسبوقة في الغرب عموماً، وانعكس هذا على المعالجة، فما حدث في بلدٍ نريد مثله وما صدر في تلك الدولة نريد أن نصدر مثله ولو كانت الظروف مختلفة.
ثانياً: اعتماد النموذج الغربي للمرأة، وقد وقعنا في هذا المأزق لدخولنا إلى هذا المعترك ولم نستعدّ له العدة الكافية، التي تسلّحنا بالتصوّر الكامل لهذه القضية في الفكر الإسلامي المعاصر.
ثالثاً: التنازل (المنهجي) في القضية، حيث انتقلت القضية من الإصلاح العام المنطلق من الفكر والمبادئ والأصول إلى الحديث عن "مكاسب" محدّدة يكثر الحديث عنها من مثل "مقاعد في برلمان"، أو "بلدية"؛ كوتا نسائية أو تعديل نصّ في تشريع، \او الحصول على حقّ الانتخاب، أو ترشيح الحصول على مناصب ومراكز قيادية... أو غير قيادية إلخ...
رابعاً: افتعال لصراع ثنائي بين "الرجل والمرأة"، بين "المؤيدين والمعارضين"... فالرابح هو الذي يحصل على مكاسب والخاسر هو المتنازل عن تلك المكاسب، مهما كانت، والأصل العودة للنظرة المتوازنة لا الأحادية الجانب.
خامساً: الانطلاق –وبدون قصد في كثير من الحالات- من أنّ نموذج الرجل زما يثبت له هو النموذج الأمثل، وفي مثل هذه الحال لن تكون المرأة رجلاً وكذلك العكس، وليتنا نعلم أنّ الرجل ليس هو النموذج المحتذى للمرأة، وأنّ التميّز والخصوصية لكلّ من نوعي الإنسان مقصود للشارع سبحانه، ولن يكون يوم القيامة الحساب اليسير للرجال والعسير للنساء فالقاعدة في التفاضل بالتقوى والعمل الصالح «إنَّ أكرمَكُم عند اللهِ أتقاكُم» (الحجرات آية 13).
سادساً: إغفال أو تحجيم دور المرأة في الأسرة، منذ البناء والتفكير بإنشاء الأسرة. فالدعوات القائمة التي تنظر إلى دور المرأة في الأسرة على أساس أنّه دور عادي لا قيمة له، وأنّ الدور الحقيقي يكمن في المشاركة على قدم المساواة، وفي كلّ مجالات الحياة، دون أيّ حساب للدور الأسري وهذا التوجّه فيه ظلمُ كبير للمرأة أوّلاً، وللأسرة وخاصة النشء وللمجتمع، ومردّ ذلك في نظري يعود إلى ضعف "التقييم" لدور المرأة وللنظرة التي يضفيها المجتمع بفئاته المختلفة لهذا الدور، فالمحصّلة النهائية التي ترى في أيّ عمل قيمته المادية وإضافته للناتج القومي الإجمالي –رقماً في إحصاء- لأيّ مجتمع، نغفل وبإجحاف المشاركة والإسهام الكبير لدور المرأة في التربية، وهو لإضافة لا يستغني عنها والخسارة فيه خسارة لا تُعوّض، والواجب إعادة حساب وإدخال هذا الجهد المبذول من قبل المرأة ضمن المعادلات العليا في ميزان الناتج الإجمالي للمجتمع.

إنّ دور المرأة في الأسرة يضعها في مقام الجهاد
إنّ الدور الأساسي للمرأة في الأسرة أولاً، يضعها في مقام الجهاد الذي لا يقلّ أهميةً بل يفوق الجهاد القتالي لحماية الأمة والوطن، فالبيت ثغر من ثغور لا يسدّه ولاي قوم بالمرابطة فيه غير "المرأة"، وهذا الثغر يحتاج إلى قوة وإرادة وعزيمة أكثر من ذي قبل، ذلك أنّ التحديات التي تواجهها الأسرة المسلمة والنشء، بوجه خاص، أكبر بكثير من العصور الماضية، فمن سيقوم بالدور الذي يبني سياجاً أمنياً ثقافياً في عقول أبناء الأمة ويبني شخصيتهم على مواجهة التيارات المختلفة التي تبثّها وسائل الاتصال المختلفة والتي سيلقاها الناشئة في مستقبلهم أو سيتلقونها لا محالة.


ضرورة التخصيص وإعادة النظر  في المناهج التي تغفل دور المرأة
إنّ الحديث عن المسؤولية الحضارية الملقاة على "المسلم المعاصر" تجعل من الواجب إعادة النظر في "عناصر التكليف" للمكلّف بهذه المسؤولية من حيث "الوعي والإدراك المتبصّر" بهذه المهمة أولاً، ومن حيث تأهيل "المكلّف" بها، إذا لا يمكن للفعل الحضاري أن يقوم ويؤدي دوره إلاّ إذا كانت وسائل نجاح قيامه وعوامل ترتيب آثاره متوافرة.
ولئن كنّا على مرّ سنين خلت نتحدّث عن مسؤولية "المسلم" مطلقاً ونذكر فيما نذكر أنّ الحديث عن الرجل يعني الحديث عن المرأة -وهذا حقُّ في ذاته- إلاّ أنّنا شئنا أم أبينا، قصدنا أم تجاهلنا، وقعنا في مصيدة انحراف التوجيه الحقيقي للرسالة؛ حيث قصرناها على الرجل عنايةً وتوجيهاً وتأهيلاً، ولهذا لم يعد يقبل اليوم الحديث العام والتوجيه المطلق؛ بل لا بدّ من التخصيص، وبيان عناصر المهمة وتفصيلات "المسؤولية" وإفراد الرسالة التوجيهية ليتسنّى لكلّ من تقع عليه مسؤولية أو مهمة ما القيام بها على الوجه المطلوب، ولهذا كلّه لا بدّ من إعادة النظر في المناهج التي تغفل دورالمرأة الحقيقي وصياغتها بما يؤهّلها للمهمة الملقاة على عاتقها، مع ضرورة إجراء دراسات جادة عن الواقع الفعلي للمرأة المسلمة، من مختلف النواحي، ولا بدّ من اشتراك المرأة وقيامها بنفسها في تصحيح ما وقع من انحراف عن الطريق الذي رسمه الإسلام للقيام بواجب عمارة فيما يخصّ المرأة من مسؤولية.


توصيات:
أولاً: ضرورة إصدار الإعلان العالمي لحقوق المرأة، أو الميثاق الإسلامي لحقوق المرأة والطفل يكون ميثاقاً عاماُ يُعرض على القمة الإسلامية وتتبنّاه الدول الإسلامية ويكون محققاً للآمال ومتسماً بالواقعية والأصالة ومعبّراً تعبيراً صادقاً عن الانتماء لهذه الأمة ولهذه الحضارة.
ثانياً: ضرورة رصد ما يصدر عن الاعلام العربي والغربي حول موضوعات المرأة وتحليل مضامين الرسالة الاعلامية الموجهة للمرأة المسلمة من النواحي الإيجابية والسلبية.
ثالثاً: ضرورة إدخال مقرّر خاص بالأسرة والمرأة ضمن المناهج الجامعية والمدرسية، يكون هذا المقرّر موضوعاً بعناية ودراية، بحيث يمثّل الرؤية الإسلامية المتوازنة، ويكون لبنة في بثّ الوعي الثقافي لمهام ومقاصد الأسرة ومن العناصر التي يتضمّتها.
رابعاً: وجوب قيام هيئة اسلامية عربية مشتركة تحت مظلة أيّ من المنظمات الإسلامية أو العربية (منظمة المؤتمر الإسلامي، رابطة العالم الإسلامي، جامعة الدول العريبة، الإيسيسكو...) تكون مهمتها التنسيق لتوحيد المواقف تجاه المواثيق الدولية المتعلّقة بالمرأة والأسرة، وحضور المؤتمرات الدولية للتأثير فيها، ويشترك في هذه اللجنة أو الهيئة متخصّصون ومتخصّصات بالتشريع والقانون والتربية.


مصدر: حقوق المرأة ومسؤولياتها في النظام الإسلامي، مجموعة مقالات، المؤتمر الأول لـ المعاونية الثقافية للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب؛ مقال: وقفات مع قضية المرأة بين التشريع الإسلامي واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة، أ.د. عبد الناصر بن موسى أبو البصل (رئيس قسم الشريعة بجامعة الإسراء، عمان- الأردن.




 

التعليقات (0)

اترك تعليق