مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

كلمة للحاجة عفاف الحكيم في ذكرى انتصار الثورة الإسلامية في إيران.. ثلاثة عقود ونيف

كلمة للحاجة عفاف الحكيم في ذكرى انتصار الثورة الإسلامية في إيران.. ثلاثة عقود ونيف على انتصار الثورة

الحاجة عفاف الحكيم

عنوان المقال: ثلاثة عقود ونيف على انتصار الثورة

المناسبة: ذكرى انتصار الثورة الإسلامية في إيران

 

بسم الله الرحمان الرحيم

 

قال تعالى في سورة الصف: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}.

مباركة هذه الأيام، أيام قيام الثورة الإسلامية الحسينية الخمينية على أرض إيران.. 

ثلاثة عقود ونيف مرت عاصرنا معها أكبر حدث وأضخم انتصار في تاريخنا المعاصر، الحدث الذي اهتزت لهوله فرائض قوى الإستكبار والصهيونية.. إذ يومها تناقلت وسائل الإعلام خبر صراخ رابين في الكنيست معبراً عن رعبهم "لئن انتصر إسلام الخميني فإنها الكارثة". 

- وبعده وصف -بيغن- وقع الثورة بقوله: "إنها أشبه بزلزال نخشى ارتداداته في المنطقة". 

- إنه الإنتصار الذي تفجر مع إنبلاج فجره ألف ينبوع نور في حياة المظلومين والأحرار على امتداد العالم. 

- ففي العام 1978، كتبت صحيفة الصنداي تايمز تصف وقع شخص الإمام الخميني(قده) وحضوره على الساحة الدولية قائلة: "إنه يبدو كرصاصة انطلقت من القرن السابع واستقرت في القرن العشرين".

وكتب صحافي شهير، بعد أول لقاء له مع الإمام في باريس قائلاً: "بدأ وقتها في باريس وكأنه فعلاً شخص من شخصيات صدر الإسلام عادت إلى الحياة بمعجزة بعد ثلاثة عشر قرناً من الزمان".

- هكذا كان وقع وحضور الثورة الاستثنائية عالميا.. وهكذا كان وقع وحضور الشخصية الاستثنائية والقيادة الربانية للإمام الخميني(قده).. فالثورة الإسلامية المباركة التي شكلت أهم حركة لإحياء الدين في هذا العصر، استمرت ولا تزال رغم مرور سبعة وثلاثين عاماً على انتصارها شوكة في أعين الطغاة والمستكبرين، بعد أن أحبطت كل الدسائس والمكائد والمؤامرات التي حيكت ضدها. 

- في الذكرى الثامنة والثلاثين للثورة، نتوقف مع الذكريات وما أكثرها.. 

فمن منزل الإمام في –نوفل ليشاتو– في العاصمة الفرنسية باريس والذي سعيت لزيارته خلال تواجدنا قبل سنوات.. فأُخبرنا أنه هدم كي لا يتحول محجة لكثرة زائريه.. 

إلى السكن الدائم المتواضع بجانب حسينية جمران في طهران والذي أذن لنا مع آخرين بالدخول إليه، حيث رأيت جمع من الصحفيات الأجنبيات يسألن زوج الإمام وهن في حال ذهول: أين تنامون؟ أين تتناولون الطعام؟... إذ لا أثاث من حولهم ولا مقتنيات ولا أي شيء من حطام هذه الدنيا.. 

- أما ما لا ينسى فهو اللقاء الغامر في الحسينية التي اكتظت عن آخرها بأعداد كبيرة من النساء والفتيات وطالبات الجامعات والحوزات إضافة إلى الوفود القادمة من الخارج للمشاركة في مؤتمر المرأة يومها. 

- هذا عدا الأعداد الكبيرة التي كانت لا تزال تقف على الثلج خارجاً تنتظر دورها.. يومذاك كان يوم المرأة، مولد الزهراء(ع) والذي اختاره الإمام يوماً عالمياً للمرأة المسلمة. 

ففي الحسينية كان الهتاف يتدفق من الحناجر متوهجاً حاراً فياضاً، والأنظار كل الأنظار مشدودة إلى الشرفة الداخلية البسيطة..

وما أن فتح الباب، وأطلّ الامام، حتى هبّت الجموع وأختلط الهتاف بالدموع والدعاء والتكبير.. لقد أحسست حينها وكأن الزمن توقف، وأن الحسينية انتقلت بنا إلى عصر صدر الإسلام، إلى رحاب الأئمة. إلى ذاك الزمن العذب بكل تفاصيله.

فقد ذكرتني القبضات والحناجر بحضور المرأة واستبسالها بين يديّ رسول الله(ص) في أحد.. 

- وبين يديّ أمير المؤمنين(ع) في صفين.. 

- وبين يديّ الإمام الحسين(ع) في كربلاء.. 

فشعرت بعظمة الإسلام وقوة المسلمة المرتبطة بكامل تعاليمه..

- واستذكرت قول الإمام(قده) حينذاك: "لولا المرأة لما انتصرنا"

فقد كانت القبضات والدموع والهتاف الخارج من الأعماق عبر الجنسيات المختلفة من حولي والألبسة المختلفة ترسم صورة المستقبل وروعة دور المرأة فيه. 

كانت يديّ الإمام كلما ارتفعت لتحيّ الوافدات صعدت معها القلوب، وكلما نزلت هوت معها القلوب. 

- كان وهج العزة والقوة والتصميم ينبئ العالم بأن زمن الأحرار قد أقبل. 

- فقد أثبتت ثورة الإمام للعالم كله بأن الإسلام الحبيب هو أقوى محرك للمسلمين، وأقوى جامع ودافع لهم، وأن هذا الإسلام قوة لا تقهر متى استيقظ في قلوب أبنائه. 

- الإمام بثورته حقق أكبر أمل هفت إليه قلوب الملايين في العالم الإسلامي بعد أن كسر طوق التبعية والخوف واليأس وفجر ثورته المباركه على مسمع ومشهد من قوى العالم كله وبقيت نفسه سابحة في ذلك المصاف المفعم بالثقة التامّة بالله تعالى ونصره. 

ومن هنا بات الإمام واحداً من بين قلّة في التاريخ طبع العصر باسمه فكان عصر الخميني، وثورة الخميني وأتباع الخميني...

ذكره ملأ الدنيا وشغل الناس وسكن وجدان الأمة ولامس أفئدة المستضعفين فانتعشت قلوبهم واتجهت نظراتهم لتلتقي بنظراته المثقلة بعمق الرسالة وأريج النبوة. 

- تلك النظرات التي احتضنت هموم الرسل وعذابات الأنبياء وجراحات الثائرين والمجاهدين والشهداء فكان وميض نورها الذي جاء من هذه الخلاصة بمثابة الهادي والسراج والدليل. 

- إمامنا الخميني(قده) أعاد الدين إلى الساحة العملية بكافة ميادينها مظهراً أنه العامل الأساس لإنقاذ المجتمعات الإسلامية من استكبار المستكبرين، ذلك لأن الدين على مدى أكثر من مئة عام مضت، كان قد أخلى مواقعه الواحد بعد الآخر بعد وطأة المكائد الخبيثة وحملات الغزو الثقافي والهجوم السياسي لهؤلاء.

ومع أن ثورة الإمام(قده) شملت مختلف الجوانب والمجالات على كافة الصعد إلا أنّي هنا اخترت أن أتوقف مع مسألتين بارزتين أعطاهن الإمام الكثير من الاهتمام: 

1- وضع المرأة 

2- قضية فلسطين 

فعلى صعيد المرأة نجد: 

أن الإمام (قده) مع أنه لم يختلف مع غيره من المراجع في تحديد صلاحيات وحدود وحقوق وواجبات المرأة. 

إلا أنه اختلف في انتهاج التطبيق العملي بحيث كسر جمود الواقع المألوف وسعى إلى أن يطبق عملياً ما أقرّته التعاليم السماوية، وصولاً إلى تمثل النموذج القرآني الذي ينطلق من كون المرأة شريك أساس في صناعة مستقبل الأمة وتقرير مصيرها. 

- فنراه (قده) من جهة يحرّضها على أخذ مكانتها الحقيقية والتمسك بها.

ومن جهة ثانية كان يعمل على إبراز حقها، ويسعى كأب عطوف لأن يوضح للجميع معالم دور المرأة وأبعاد نهوضها على مختلف الصعد، مؤكداً على دورها في الشأن السياسي معتبراً أنه واجب عليها النهوض به.. 

وفي وصيته للأمة سعى لأن يؤكد على معالم المجتمع الإسلامي الذي تشكل فيه المرأة ركن أساس "نحن فخورون -يقول الإمام- بأن السيدات والنساء الهرمة والشابة الصغيرة والكبيرة. الحاضرات في الميادين الثقافية والإقتصادية والعسكرية جنباً إلى جنب مع الرجال أو أفضل منهم يبذلن الجهد من أجل أعلاء كلمة الإسلام وأهداف القرآن"

- أما موقف الإمام من القضية الفلسطينية فنجد: 

أن الإمام (قده) منذ بداية نهضته المباركة طرح رؤية واضحة حول الصهيونية ودولتها الغاصبة "إسرائيل"، مبيناً حجم الأخطار التي تشكلها، ولهذا وضع منهجاً عملياً حاسماً في التعاطي مع هذا التهديد التاريخي للأمة. 

- فمن جهة اعتبر الإمام أن "إسرائيل" غدة سرطانية ومن طبيعة الغدة السرطانية أن تفسد الجسد وأن لا تقف عند حدود.. وإنما تمتد وتمتد حيث يمكنها ذلك. 

ولذلك فإن الإمام كان يرى في "إسرائيل" خطراً عظيماً ليس على الأرض والموارد الطبيعية وحسب، بل أيضاً على القيم الإنسانية والدينية والحضارية بأكملها، وأنه بناء على هذه الرؤية حددّ الإمام المنهج والمسار بقوله "يجب أن تزول إسرائيل من الوجود"، ويجب اجتثاث هذه الغدة السرطانية لأنه لا يمكن التخلص من السرطان أو التعايش معه إلا باجتثاثه من الجذور مهما بلغت الآلام والتكاليف..

ومن جهة ثانية، نجده يؤكد بأن استعادة المقدسات واجتثاث هذه الغدة.. لا يكون بالوسائل السياسية وإنما بالمواجهة والقتال المرتكز على الإيمان، ومن هنا كان طرحه لخيار الجهاد خياراً وحيداً لحسم هذه المسألة. 

وقد رأينا أنّ ما دعا إليه الإمام وما فعلته الثورة في إيران وجسدته الحركات الجهادية على الأرض في لبنان وفلسطين هو الذي أعاد زمام الأمور وجعل العدو الإسرائيلي أمام المواجهة الفريدة والمتميزة للمقاومين البواسل..

فبعد التحرير عام 2000 تحدث –إسحاق شامير– قائلاً: "إن بضع مئات من مقاتلي حزب الله يجبرون الدولة الأقوى في الشرق الأوسط على الخروج الانهزامي، لقد أثبت حزب الله أن هناك عرباً من نوع آخر".

- فالمقاومة الإسلامية المجاهدة والمضحّية في لبنان والتي تنتمي إلى فكر هذا الإمام وتلتزم بنهجه وطريقه، هي بفعل هذا الإلتزام اختلفت في قتالها عن أي قتال آخر باعتبار أن قتالها هو قتال في سبيل الله وطلباً لمرضاة الله.. 

- هو قتال من لا يبالون بالموت قتال المجاهدين الحسينيين أصحاب القلوب المطمئنة..

ولأنهم هكذا فإن الإمام (قده) قال فيهم قبل رحيله "إن جهاد أبناء حزب الله في لبنان حجّة إلهية على العلماء في العالم الإسلامي

فهؤلاء المجاهدون الذين جسدوا نهج الإمام في هذا المجال وأثبتوا بالتجربة أن الفئة القليلة المؤمنة والمتوكلة على الله تعالى قادرة على إلحاق الهزيمة بأقوى جيش في الشرق الأوسط, وقادرة على إذلاله وقهره وإسقاط أسطورته. 

- وها هي فلسطين اليوم، ها هي الفئة القليلة المؤمنة الصابرة في غزة تثبت من جديد تؤكد نفس المقولة، وتصنع بصمودها انتصارا إعجازيا رغم الحصار الكبير الذي فاق كل تصور.. والذي ما كان ليتم لولا الدعم الكبير والتوجيه الحكيم  للجمهورية الإسلامية.. 

- ثورة الإمام (قده) التي طردت منذ اليوم الأول لانتصارها كل الصهاينة وأعوانهم وأقامت سفارة فلسطين، ومن ثم وقفت بقوة إلى جانب الشعوب والحكومات العربية في مواجهة "إسرائيل" هي اليوم كما كانت لا تزال تتابع نهج الإمام ودربه بقيادة ولي أمر المسلمين السيد القائد الخامنئي دام ظله الشريف وتتحمل في سبيل موقفها العقائدي الصارم من مسألة فلسطين والقدس الكثير من الآلام والمعاناة وأشكال التآمر والضغوط المختلفة. 

- في الذكرى الثامنة والثلاثين لانتصار الثورة نتذكر الملتزمين والمتأسين بنهج الإمام، نتذكر المجاهدين والأسرى والجرحى والشهداء في إيران والذين ساهموا بدمائهم وتضحياتهم في بناء هذه الجمهورية المباركة، كما نتذكر أبناء المقاومة في فلسطين وغزة وأبناء المقاومة الإسلامية في لبنان.

نتذكر الأرواح الطاهرة التي حلقت وعرجت إلى بارئها أمثال الشهيد مطهري والشهيد بهشتي ومفتح وشيخ الشهداء الشيخ راغب، وسيد الشهداء السيد عباس الموسوي والشهيدة السعيدة أم ياسر والشهيد الكبير الحاج عماد.. 

وإلى هذا نتذكر مع الإبتهال والدعاء.. النعمة الكبرى التي أنعم الله بها علينا وعلى الأمة بأسرها نتذكر عطاءات العز والإنتصار التي تحققت على يديّ الأبن البار للإمام سماحة الأمين العام السيد حسن نصر الله أعزه الله وصانه ذخراً للأمة جمعاء..

 

والحمد لله رب العالمين

عفاف الحكيم 

 

 

 

 

 

 

 

التعليقات (0)

اترك تعليق