كلمة الحاجة عفاف في مؤتمر التقريب في الفكر والوحدة في العمل [تركيا-اسطنبول (نيسان2007)]
كلمة الحاجة عفاف في مؤتمر التقريب في الفكر والوحدة في العمل [تركيا-اسطنبول (نيسان2007)]
مباني الوحدة والتقريب بين القرآن والسنة:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد وآله الطيبين الطاهرين وصحبه المنجبين. وبعد:
من البديهي القول بأنّ الإسلام هو دين الوحدانية الكاملة والوحدة الجامعة، فبهذا هتفت الشرائع السماوية والرسالات الإلهية على امتداد التاريخ.
والمتأمل في الرسالة الخاتمة يلحظ أن القرآن الكريم حرص حرصاً شديداً على أن يعكس للمسلمين هذه الأسس والمرتكزات بحيث يجد:
أولاً: إنّه على الرغم من تعدد الرسالات الإلهية، وعلى الرغم من أن أي رسالة من هذه الرسالات تختص بفترة زمنية تنتهي مع نزول الرسالة التي تليها وصولاً إلى الرسالة الخاتمة، فإن هذه الرسالات على اختلافها وتعددها، نجدها تعبّر في تاريخ الإنسان عن وحدة المنطلق والمسيرة والغاية في رسالات الله. كما وأنها تعبّر عن خط رسالي واحد يملك عمقاً وامتداداً واحداً مترابطاً من آدم(ع) إلى رسول الله(ص).
وإن أي متأمل يحاول استعراض تلك المراحل من التاريخ سيلحظ الوحدة والانسجام بين هذه الرسالات على اختلاف مراحلها وفتراتها وسيملك اطمئناناً وافياً بأن هذه الرسالات جميعاً إنما تنبع من مصدر واحد وتحمل دعوة واحدة ويحكمها ولاء واحد بحيث أن المتقدمة منها تبشر بالمتأخرة والمتأخرة منها تصدق بالمتقدمة.
ثانياً: يلحظ أن الأمة الموحدة لله هي عبارة عن أسرة واحدة مهما اختلفت مواقعها الزمنية ومواضعها في التاريخ. قال تعالى: «وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ» (سورة المؤمنون، الآية:52)، فأسرة التوحيد سميت في كتاب الله بالأمة المسلمة، وسُمي المنهج الذي تسير عليه (بالإسلام) وهو دين الله تعالى في حياة الإنسان يقول تعالى «إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ» (سورة آل عمران، الآية: 91).
من هنا تأتي دعوة القرآن الكريم إلى أهل الكتاب من أجل التلاقي على كلمة واحدة سواء بيننا وبينهم؛ وهي كلمة التوحيد والعبودية الخالصة لله، ونبذ أي عبودية لغير الله، ونبذ أي تسليم وطاعة لغير الله.
قال تعالى «قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ» (سورة آل عمران، الآية: 64).
إذن الكلمة السواء هي التي تجمع أطراف هذه الأسرة الواحدة مهما بعدت مواضعهم على امتداد الزمان واختلفت مناهجهم وشرائعهم.
ثالثاً: يجد أن نقاط الالتقاء قد فتحت أمامه أفقاً جديداً للتأمل والنظر والمعرفة برسالات الله فمن قوله تعالى «إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (سورة آل عمران، الآيات: 33- 34)، إلى قوله تعالى «إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَأوُودَ زَبُورًا» (سورة النساء، الآية: 163).
وقوله تعالى «قُولُواْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ» (سورة البقرة، الآية: 136).
مَن يستعرض هذه الآيات وأمثالها في -كتاب الله- يجد أن هؤلاء الأنبياء يعدّون عمقاً واحداً وامتداداً واحداً لأسرة واحدة، وينتمون جميعاً إلى أصل واحد، ويأخذون جميعاً من مصدر واحد، ويتأدبون جميعاً بأدب واحد، ويهتدون جميعاً بهدي واحد.
رابعاً: إن القرآن الكريم قد وضع إطاراً للوحدة بين الديانات الإلهية ومن ثم بين أتباع هذه الديانات، إلى جانب معالجته لمجمل الانحرافات التي أصابت الأمم والجماعات التي آمنت بهذه الرسالات، وذلك من أجل الحفاظ على العلاقة النفسية والروحية بين المسلمين وأتباع هذه الديانات من ناحية، وإيجاد صف واحد للمؤمنين بالله واليوم الآخر في مواجهة قوى الوثنية والشرك، بحيث يُخاطب الناس في آيات كثيرة بمعزل عن دينهم وانتمائهم ليأمرهم جميعاً بالتعارف، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ» (سورة الحجرات، الآية: 13).
والتعارف هو درجة عميقة من الحوار ومترتبة عليه أنّه بمعنى من المعاني تلك العملية التي تغطي المساحة بين الحوار والتفاهم والتي تكون شاسعة، ولكنها أيضاً قابلة لأن تكون يسيرة المنال.
هذا هو المناخ الذي تحركت به رسالة خاتم النبيين محمد(ص) الذي هو وارث هذه الأسرة الربانية المباركة.
هذه هي جذور ومنطلقات ومباني الوحدة والتقريب في الدعوة الإلهية.
هذا ما حملته رسالة المصطفى وركزت عليه، ونحن نعلم أن خطابات القرآن الكريم جاءت عامة وشاملة لكل زمان ومكان ولكل الفئات والطبقات في المجتمع، فكما كان الخطاب شاملاً لكل من كان موجوداً في زمان رسول الله(ص) ودعوتهم إلى الوحدة ونبذ الخلاف. كذلك هو لمن جاء بعدهم إلى يوم القيامة.
من هنا نلاحظ حرص الرسالة الإسلامية على هذه المباني والأسس حين توجهت في خطابها إلى خير أمة مؤكّدةً على مسألة هامة وهي:
الدعوة إلى التقريب والوحدة والاعتصام بحبل الله بين أتباع الرسالة الخاتمة:
فنجد أنّ رسول الله(ص) قد عمل منذ البدء على سعادة وفلاح أمته كنواة وأنموذج لسعادة البشرية جمعاء. حيث سعى(ص) ودأب طوال حياته الشريفة من أجل توحيد المجتمع الإسلامي ورص صفوفه وتغذيته وتقويمه وحمايته من كل عوامل التفرّق التي تطيح بالمودة وتهدم البناء وتجعل أمر المسلمين منقسماً. داعياً الجميع إلى التآزر والتراحم والتعاون وإقامة البنيان المرصوص الذي يشد بعضه بعضاً، مدللاً على أن الوحدة الإسلامية هي أمر لا خيار لنا فيه باعتبار أنها أمر رباني ومسألة أساس وأنها من ذاك النظم الكريم لسلسلة الأوامر والنواهي الموجودة في القرآن الكريم، وأن ما أراده الله تعالى لنا هو أن نكون متحدين ومعتصمين بحبله وكتابه، مبتعدين عن كل شقاق وتفرقة، ملبين نداءه تبارك وتعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» (سورة آل عمران، الآيات: 102 -103).
بهذه الروحية العالية خاطب القرآن الكريم كل الآمة، خاطب كل فرد فيها (رجلاً كان أم امرأة) طارحاً هذا المفهوم الرائع الذي تنصهر فيه كل الجغرافيا وكل التاريخ وكل الثقافة «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا » هذا ما أراده القرآن لنا وأرادته سنة الرسول صلى الله عليه وآله؛ أن نرفع حواجز الحساسيات، أن يحس كل منا بآلآم الآخر وآماله. أن يشعر الفرد بأنه يعيش على مستوى الأمة لا على مستوى الهموم التي ضيقت عليه.
فنحن اليوم أمةٌ ضخمة -والحمد لله- أمة تملك كل شيء من مقومات الحضارة الإنسانية، وتملك الطاقات المادية الكبرى والمواقع الإستراتيجية المهمة والشخصيات المفكرة الكثيرة، فلو ضُمت هذه الجهود إلى بعضها وعشنا ما أراده الإسلام لنا كأمة واحدة متكاملة محوّلين الاختلاف إلى تنوع يغني ويثري الأمة بعيداً عن أي لون من ألوان الطائفية البغيضة. باعتبار أنّ كلمة التوحيد التي هي النطق بالشهادتين "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله" مَن قالها دخل الإسلام وحُقن ماله ودمه وعرضه وله ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين. وقد تحدثت الروايات من السنة والشيعة بهذا.
1- أخرج البخاري في الصحيح عن ابن عباس(رض) أن رسول الله(ص) قال لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن "إنك ستأتي قوماً أهل كتاب فإذا جئتهم فدعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم: إن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة. فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم إن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم. فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم" (صحيح البخاري من كتاب الزكاة باب 62).
2- ومن طريق الشيعة: جاء عن سفيان بن السمط قال سأل رجل أبا عبدالله عن الإسلام، فقال: "الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصيام شهر رمضان" (الكافي ج 2 ص 24).
فهذه الروايات تحدد أن مفهوم الإسلام هو النطق بالشهادتين بغض النظر عما يحمله الإنسان في داخل قلبه من الإذعان أو عدمه. كما تجري عليه أحكام الإسلام من طهارته وميراثه وزواجه. فله ما للمسلمين وعليه ما عليهم، ولا يحق لأحد أن يكفره ويخرجه عن عنوان الإسلام إلاّ أن يتخلى عن الشهادتين أو ينكر ضرورةً من ضروريات الإسلام.
أما المسألة الثانية التي شدد عليها رسول الله(ص) فهي:
•نبذ العصبية والأطماع والشهوات
لأنها هي التي صرعت الحقائق وهدمت بناء الوحدة وأخذت نور الإسلام. فعن النبي(ص): "ليس منا من دعا إلى عصبية وليس منا من قاتل على عصبية وليس منا من مات على عصبية".
كما عرف صلى الله عليه وآله العصبية بقوله: "العصبية أن تعين قومك على الظلم" هذا التشديد والحسم والتوضيح من نبي الأمة(ص) الذي لا ينطق عن الهوى يدلل على أبعاد تأثير العصبية وفتكها بمجتمع خير أمة إن أصبنا بالغفلة والتساهل وعدم الاكتراث بأهمية العودة إلى الأسس. باعتبار أن كل تمسك بالانتماء لقبيلة أو نسب أو جنس أو بلد أو منطقة هو من قبيل التمسك بها وإيثارها على مبادئ الإسلام التي لا تفرق بين جنس وجنس ولون ولون والتي تتمثل بقول النبي(ص): "كلكم لآدم وآدم من تراب".
وكلنا يعلم بأن الدعوة إلى العصبية أياً كان شكلها ومظهرها هي الداء الدفين الذي ما زال يوسّع الهوّة ويقطع الطريق على منافذ الوحدة ويجعل بأس المسلمين بينهم شديد، بينما لو التفتنا إلى أيام رسول الله والأئمة المعصومين(ع) يوم كان الالتزام بتعاليم الإسلام والدفاع عن كيان الأمة قوياً وحياً ونابضاً كانت وحدة المسلمين راسخة. ولذا ارتفعوا عن الانشغال بالجزئيات وامتلكوا ناصية الأمور.
يتعرض الإمام علي(ع) في فقرة رائعة في نهج البلاغة لهذه الأرضية بقوله: "ولقد كنا مع رسول الله نقتل آبائنا وأبنائنا وأخواتنا وأعمامنا ما يزيدنا ذلك إلا إيماناً وتسليماً ومضياً على القيم وصبراً على غصص الألم، وجَدّاً في جهاد العدو. ولقد كان الرجل منا والآخر من عدونا يتصاولان تصاول الفحلين فيختلسان أنفسهما أيهما يسقي صاحبه كأس المنون. فمّرة لنا من عدونا، ومرة لعدونا منا. فلما رأى الله صدقنا أنزل لعدونا الكبت وأنزل علينا النصر. ولعمري لو كنا نأتي ما آتيتم ما قام للدين عمود ولا اخضر للإيمان عود".
من هذه الزاوية نجد أن القرآن الكريم والسنة المطهرة وجهونا لمعرفة العدو وسلطوا السهام باتجاهه، إلفاتاً وتنبيهاً من أجل أن يبقى العدو عدواً «إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ».
«وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً».
«إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ».
أن تحدد الأمة عدوها فهذه مسألة أساس، لننظر إلى أمير المؤمنين علي(ع) وهو في عز الخلاف مع معاوية يوم كان متوجهاً إلى صفين إذ يقول: "والله لإن فعلها بنو الأصفر (يقصد الروم) لأضعن يدي في يد معاوية".
هذه هي الأمة، وهذه هي الأرضية التي كان عليها زمن الخير.
فالفعل البشري من جانب المؤمنين الذي هو الجهاد بشقيه الأكبر والأصغر نعلم أنه يقابله فعل إلهي هو الهداية والإرشاد إلى الطرق السلمية والأساليب الصحيحة أثناء العمل وبذل الجهد قال تعالى «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ» (سورة العنكبوت، الآية: 69).
فمع توفر الإيمان والجهاد في سبيل الله ينزل الله تعالى هدايته –لعباده- إلى سبيله ومن ثم يكونون موضوعاً بالآية الكريمة «إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ» إنها علاقة متبادلة وطرفاها مترابطان بإحكام ترابط المقدمة بالنتيجة.
• القضايا الإسلامية المصيرية من أعظم وسائل الوحدة بين المسلمين
وهذا ما تنبه له الإمام الخميني المقدس منذ انطلاقة الثورة الإسلامية المباركة وحيث أعلن آخر جمعة من شهر رمضان يوماً للقدس، معتبراً "إنه يوم حياة الإسلام، يوم امتياز الحق على الباطل، يوم مواجهة المستضعفين للمستكبرين".
لقد أراد الإمام أن يكون هذا اليوم يوم وعي للمسلمين وحركتهم لاستئصال جرثومة الفساد "إسرائيل" من الوجود معتبراً أن الذي لا يشارك بإحياء يوم القدس مخالفاً للإسلام وموافقاً لأمريكا و"إسرائيل".
هذا ما عبر عنه الإمام القائد الخامنئي(دام ظله) مكملاً مسيرة الإمام الراحل قائلاً "يوم القدس يوم التعبئة المستمرة للجماهير لإزالة هذه البقعة السوداء من خارطة العالم الإسلامي".
وما الحساسية البالغة التي يبديها الصهاينة وحماتهم الأمريكان تجاه إيران إلا دليلاً على الرعب الكبير الذي يشعر به هؤلاء إزاء اهتمام الأمة الإسلامية بالقضية الفلسطينية.
من هنا فإن الالتفاف حول الشعب الفلسطيني وحول القدس خاصة وفلسطين عامة والشعور بالمسؤولية والدفاع عنها كل ذلك يعزز روح الجهاد والوحدة بين أبناء الأمة كما هو حاصل لكل من يشعر بالواجب تجاه هذه القضية المصيرية.
وكأنموذج عن التفاعل والالتفاف، والتعبير عن النبض الحي الذي يسكن عمق الأمة، نتوقف مع المثال الذي عايشته المجتمعات:
• المقاومة الإسلامية في لبنان أنموذج الجهاد والدفاع عن كيان الأمة:
لقد قدمت المقاومة الإسلامية في لبنان تجربة أربعة وعشرون عاماً في مواجهة الاحتلال نموذجاً فريداً ومميزاً واستثنائياً في مسيرة الصراع مع الكيان الصهيوني في خلفيتها ووقائعها ونتائجها، توّج بالاندحار الإسرائيلي الكبير في الرابع والعشرين من أيار لعام 2000م، وبالانتصار الإلهي في حرب تموز (2006م) وحيث تحقق أول انتصار تاريخي كبير من نوعه منذ وجد الكيان الإسرائيلي الغاصب على أرض فلسطين في العام 1948م.
وكان أن شهدت الأمة مقاومة لم تساوم على حقها، مصرّة على إبقاء سلاحها موجهاً لصدور الغزاة المحتلين مهما كان الثمن، ولم تفلح كلّ المؤامرت الخبيثة في جرّ هذا السلاح إلى الداخل بعيداً عن العدو الذي حدّده الإسلام والقرآن.
واستمرت العمليات خارقة كل احتياطات العدو وإجراءته الأمنية وقلاعه الحصينة.
كما حاول العدو من جهته رفع وتيرته بتدمير البنى التحتية وتهجير أهالي الجنوب وقتل أعداد كبيرة من الأبرياء. كان آخرها فضائع وأهوال وجرائم حرب تموز التي استمرت خمسة أسابيع، مارس فيها العدو الإسرائيلي سياسة الأرض المحروقة، مستخدماً الآلة العسكرية الأمريكية الأكثر فتكاً دافعاً بـ 20000 ألف جندي معززين بأسطول من المدمرات، وحيث نفذت قواته الجوية أكثر من ألف وخمسمائة غارة، وألقت بآلاف الأطنان من المتفجرات والقنابل حتى تلك المحرمة دولياً، استهدفت 7,500 هدفاً ودمرت أغلب البنى التحتية للبنان، و15,000 بناء سكنياً، وسقط أكثر من 1200 شهيد وأكثر من 3000 جريح في صفوف المدنيين، وتم تهجير أكثر من 1200,000 مواطن، كل ذلك جعل "إسرائيل" تضيف إلى سجلها الأسود واحدة من أكبر الجرائم ضد الإنسانية التي عرفها العالم بعد الحرب العالمية الثانية وحرب فيتنام.
لكن رغم هذا كله ماذا كانت النتيجة؟
لقد تحقق وعد الله تعالى لعباده المخلصين وقيادتهم الصالحة التي أدهشت العالم بإخلاصها وحكمتها وصبرها وذوبانها.
وكان أن أنزل الله تعالى على عدوهم الكبت والهزيمة وأنزل عليهم النصر. إذ كانوا مصداقاً للآية الكريمة: «إن تنصروا الله ينصركم..» «وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله». فتفوق المقاومين البواسل أذهل الجميع وفاق كل تصور. أطاح بالجيش الأسطورة الذي بات أكثر جنوده يعانون من كوابيس ليلية ويتهافتون على المصحات النفسية. أطاح بسلاحه المدرع ودبابته الميركافا التي كانوا يقولون عنها (أنت حيٌّ ما دمت فيها). أطاحوا بمخططات وبرامج القيادات العليا وتركوا عدوهم في أسوأ حالة من التخبط والضياع بعد أن فتحت ملفات التحقيقات لقياداته على أعلى المستويات.
أخيراً:
كل هذا يؤكد أن أمتنا تختزن إرادة وقدرة وخلفية حضارية تؤهلها لمواجهة الواقع مهما بلغت قسوته وتحدياته ومخاطره وإن قدرها تصنعه بإيمانها وعزيمتها ووحدتها ورص صفوفها، ونبذها لكل عصبية بامتثالها لتعاليم الإسلام العظيم ونهج النبي الكريم(ص) الذي جاء رحمة للعالمين.
كلمة ألقتها الحاجة عفاف في مؤتمر التقريب في الفكر والوحدة في العمل [تركيا-اسطنبول (نيسان2007)]
اترك تعليق