مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

المرأة والأسرة والعمل.. ومتغيرات العصر

المرأة والأسرة والعمل.. ومتغيرات العصر

الأسرةُ هي الحلْقة التي تربط الأجيال، وبحسب قوتها يتحددُ مدى تحققِ هذا الترابط، وقوةُ الأسرة تتأثر تأثرًا كبيرًا بقدر فهم أفرادها لواجبهم في بناء الأسرة، وتكوينُ الأسرة يعد إعلانًا بانتقال الفرد في الأسرة إلى مرحلة أكثر تأثيرًا في المجتمع.
وفي ضوء متغيرات العصر الحديث أُملِيت علينا ثقافاتٌ وأفكار قد تؤثر في فهم أفراد الأسرة لواجباتهم، وذلك يؤثر بالسلب على وحدة بناء المجتمع، ومن ثم في مدى ترابط الأجيال وإدراكهم لطبيعة ثقافتهم الأصلية مما يوهن ويضعف الأسرة أصلا والمجتمع كنتيجة لذلك.
ويأتي عملُ المرأة ليثير تساؤلا خطيرًا... هل عمل المرأة يؤثر إيجابًا أو سلبًا على قوة الأسرة؟
ولكي نجد جوابًا عن هذا السؤال يجب أن نبحث أولا عن واجب المرأة في الأسرة وتأثر ذلك الواجب بعمل المرأة، ومن ثم ندرس تأثر ترابط الأجيال وتمسكهم بثقافتهم بعمل المرأة، وإن كان تعميم كلمة (عمل المرأة) عليه بعض التحفظات لما يحتويه من تسوية بين كل أنواع العمل تحت هذا المسمى، وهذا ليس صحيحًا تمامًا، وإنما يتفاوت التأثير بطبيعة العمل من ناحية، وبالمرأة وطباعها من ناحية أخرى، وفي ذلك تفصيل لا مجال لذكره في هذا المقام.
تكوين الأسرة يعد إيذانًا ببدء نوع مختلف من الحياة يتطلب من طرفي الأسرة استعدادًا خاصًّا؛ فالزوج يبدأ تلقي مسئولية رعاية الأسرة وتوفير سبل العيش والحياة بالإضافة إلى الثغر الذي أمره الله أن يقوم بحراستة من خلال فرض الكفاية الذي يقوم به خلال عمله. أما الزوجة فتبدأ في تلقي عمل جديد، وهو رعاية أركان الأسرة، وتدعيم جوانبها، والعمل على تدريب جيل جديد لتقدمه إلى المجتمع قادرًا على مواجهة متغيرات العصر مع الحفاظ على ثوابت وأصول دينه ومبادئه.
ولكي يقوم كلٌّ بعمله لابد من توافر أدوات ذلك، ونخص بالذكر المرأة المسلمة، فتدعيم أركان الأسرة يتطلب مهارات كثيرة في الحياة؛ فالمرأة الناجحة هي القادرة على حفظ التوازن النفسي لأفراد الأسرة من جانب بالإضافة إلى مساعدتهم على أداء أعمالهم واكتساب المهارت اللازمة من جانب آخر لتبدأ حلقة مجتمعية جديدة متمثلة في نشء هذه الأسرة. وهي بذلك تؤدي عملاً مركبًا أشبه ما يكون بعمليات البناء؛ فهي من خلال حفظ التوازن النفسي لأفراد الأسرة تقوم بتدعيم أساس البناء ليصير قادرًا على حمل أعباء أكثر، ومن خلال تربية النشء وتوفير المناخ الملائم لهم فهي تقوم بعملية التعلية لهذا البناء. والأمران بطبيعة الحال متلازمان... بل متداخلان، فلا يختل أحدهما إلا ويختل الآخر، وعلى النقيض فتعزيز أحدهما يؤثر بالإيجاب في الآخر.
هذا يُظهر مدى أهمية المرأة في بناء الأسرة، وصعوبته أيضًا، وهو ما يملي على أفراد الأسرة -ولا أخص المرأة بالذِّكْر- أن يدركوا احتياجات هذا الأمر والأخذ بأسباب تحقيقها حتى لا يختل ميزان الأسرة ومن ثم ينهار المجتمع.
ومما سبق يتضح أن المهارات التي يجب أن تتحلى بها المرأة في الأسرة المسلمة متعددة، بما يتوافق مع واجباتها المختلفة. فمن المهارات: مهارات تربوية، ومهارات زوجية، ومهارات دينية، ومهارات دعوية...
أما المهارات التربوية فتبدأ مع بداية الزواج، وذلك ليتحقق الاستعداد الكافي لاستقبال أفراد الأسرة الجدد، ويستمر هذا الأمر باستمرار الحياة الزوجية، ولا يتوقف حتى مع تقدم سن الأبناء.
والمهارات الزوجية تحتاج إليها المرأة لحفظ التوازن النفسي في العلاقة بينها وبين زوجها، ومن ثم توفير المناخ الأسري المناسب للقيام بعمل الأم والأب التربوي بالإضافة إلى تعزيز قدرة الزوج على أداء فرض الكفاية الموكل إليه، وذلك يخدم المجتمع في الوقت الحاضر (الزوج) وفي المستقبل (الأبناء الصالحين بإذن الله).
والمهارات الدينية مطلوبة لتقديم روح وجوهر الدين للنشء المسلم الجديد، وتحويله من مجرد عبادات تنفيذية يتلقون طرقها في المدارس إلى منهاج حياة يمكنهم عند الانتقال إلى أداء أعمالهم في المجتمع من الحفاظ على هويتهم الدينية وعدم مسخها وتحويلها إلى قشور هشة لا تثبت أمام الرياح الثقافية الدخيلة على الفكر المسلم.
أما المهارات الدعوية فضرورية لتفاعل الأسرة المسلمة مع الأسر المحيطة، وهي لا تقل بأي حال من الأحوال عن الأدوار الأخرى التي تخدم أفراد الأسرة أنفسهم؛ لأنها تشترك معهم في أنها جميعًا تصب في معين واحد ألا وهو النهوض بالمجتمع المسلم وحفظ ثقافته وهوية أبنائه.
وتحصيل هذه المهارات وتنميتها وتكييفها بما يتواكب مع متغيرات العصر هو مهمة صعبة في نفسها وتحتاج إلى بذل الوقت والجهد من أجل ذلك، بالإضافة إلى عبء التربية ومشاق الحياة الزوجية اليومية.
ويضيف إلى عبء المرأة أيضا العوامل التي تعمل على إبطاء قدرتها على أداء عملها، مؤديًا إلى احتياجها لتوفير الحماية اللازمة للأسرة في مواجهة تلك العوامل. وهذه العوامل قد تكون عامة لارتباطها بوجود الأسرة في أحد المجتمعات التي تعمل على هدم مجهودات الأسرة التربوية أو النفسية، وقد تكون خاصة لظروف تخص حال الأسرة نفسها، وفي الحالتين يجب على الأسرة معادلة تلك المؤثرات الخارجية لئلا تؤثر في قوتها التي هي مصدر قوة المجتمع.
ومن خلال ما سبق فإننا نجد أن أعباء الأسرة على المرأة بطبيعتها كثيرة، وتتطلب من المرأة مجهودًا لتغطيتها[...]


المصدر: شبكة الألوكة.
أحمد إبراهيم.

التعليقات (0)

اترك تعليق