مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

المرأة الشرقية في جحيم الازدواجية

المرأة الشرقية في جحيم الازدواجية: لا تزال تحتفظ في داخلها ببقية من المرأة الفطرية الطبيعية لكن..

 تميل المرأة بطبعها إلى أن تكون مرغوبة، مطلوبة، محبوبة، وهذا الميل يشاركها فيه الرجل بدرجة أقل لأنه من حاجات النفس الفطرية، ولكن الثقافة السائدة حطمت جزءا كبيرا من هذه النزعة الفطرية لحساب الجرأة والعرض الجمالي لا بالمعنى الفلسفي الذي يشمل الروح والجسد، بل بالمعنى الاستتيكي الحديث، يعني التركيز على المقاييس المعتمدة في السوق بوصفها مقاييس جمالية.
في التجربة الغربية، أُطلق العنان لهذا المذهب لأسباب من أهمها طغيان ثقافة السوق، فنزلت المرأة من مستوى إنسان يملك قابليات روحية وذهنية وعاطفية هائلة، إلى سلعة، ثم إلى أقل من سلعة بمعنى مجرد لوحة جميلة تعرض عليها السلع لتباع وتبقى هي مجرد خلفية جميلة لهذا الشيء أو ذاك، وفي محاولة لستر هذه الإستهانة بروح المرأة وقيمتها، تعيش العارضات في ريعان الشباب المبكر فترة من الإرهاق الجسدي والروحي للوصول إلى المقاس النموذجي. وتفرض عليهن أنظمة شديدة القسوة من ناحية نوع الأكل وساعات الرياضة، وساعات النوم، وفي النهاية وبفترة وجيزة بالنسبة للعمر ينهار هذا الكائن الشفاف، عندما يفقد شرطا من شروط السوق وينتقل بسرعة لا تتحملها النفس الشفافة، من كائن مرغوب بقوة ومطلوب بشدة إلى كائن مهمل، لم يعد نافعا للمهنة التي صرف صحته وأغلى أيام عمره في الكد من أجل النجاح فيها.
المصير نعرفه جميعاً، ونقرأ عنه كل يوم، يبدأ بالأمراض النفسية والعصبية والعقلية وينتهي بالإنتحار إذا لم يتم تدارك الإنهيار في مصحات أصبحت متخصصة بمعالجة النجوم.
نعم هناك فئة متميزة من النساء في الغرب، اتجهت اتجاها آخر وخطت خطوات كبيرة في مجالات البحث العلمي والقيادة الإدارية والتربوية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية… ولكن لا مجال للمقارنة الإحصائية بين سرعة انتاج عارضة أو مغنية أو ممثلة، وسرعة انتاج شخصية قيادية في مجالات العلم والأدب والثقافة عموماً.

مرض الازدواجية
ثم أنّ النماذج الناجحة في الغرب لا نجدها تحتل صفحات الجرائد والمجلات، وشاشات السينما والتلفزيون بالكثافة التي تحضر بها المرأة السلعة إذا جاز لنا أن نعبر بهذه الطريقة، فالغرب متهم من هذه الجهة بأنه يروج لنموذج على حساب آخر ربما لأن الطابع التسويقي هو الغالب على كل ما ينتجه للآخرين.
حسنا لقد تمكن الغرب من تسويق ذلك النموذج الهابط من تجربة النساء عنده، وتسبب هذا النجاح بتأثير بالغ السلبية على المرأة في الشرق التي لا تزال تحتفظ في داخلها ببقية من المرأة الفطرية الطبيعية، في مقابل المرأة المصنعة أو الصناعية… ولكن ضغط السوق المتعولم حملها على صرف المزيد من الأوقات وهدر المزيد من الجهد والمال، من أجل الوصول إلى ذلك الحلم الإستيتيكي الذي يتطلب من المتخصصين برامج مرهقة ومكثفة لكل خلية في الجسم.
وفي غمرة البحث عن مزيج نسائي جديد يجمع بين الأصالة والمعاصرة، وقعت المرأة الشرقية بمرض الإزدواجية الذي يجمع بين المنديل الرقيق أحيانا مع الماكياج الطافح والمكثف على الوجه، منديلها يقول أنها لم تتغرب كليا بعد، و”الماكياج” الباهر يعلن أنها تبحث عن وجه آخر شاهدته يوما أو تشاهده يوميا على الشاشة بواسطة جهاز يمتهن بيع الأحلام الكاذبة، والنتيجة خليط عجيب غريب، يظهر أيضا في السلوك والتصرفات التي تعكس شخصية متحيرة بين المرأة العارضة والمرأة المعرضة، بين امرأة ترى أن من كرامتها أن تطلب، وامرأة ترى أن من الذكاء النسوي هذه الأيام أن تعرض.
ويأتي تأثر الرجال بالنموذج الغربي، ليزيد الطين بلة، أو “ليكمل السالفة” على ما يقول إخواننا في الخليج، فتنتصر المقاييس الجنسية على ما عداها وتحشر المرأة في خيارات محدودة، وكأنها تساق بإرادتها أو بغير إرادتها إلى حياة لو تركت وشأنها لما اختارتها.

[ضرورة بلورة رؤية كاملة لشخصية المرأة]
لم يبذل المجتمع النسوي العربي بعد جهدا كافيا لبلورة رؤية متكاملة، تعين المرأة على التخلص من مأزق الإزدواجية الذي أصبح كابوسا يجتاح قدرتنا على الابتكار وحقنا في الاختلاف والعيش وفق ما نراه.
وفي تقديري أن هذا الجهد يجب أن ينصب على العناية بمقومات الشخصية النسائية في المطلق أولا، ثم في الشرق ثانيا، هذه المقومات التي تعطي لكل جانب من جوانب الشخصية أهميته وتعتني به بالقدر الذي يسمح بنمو متوازن للمرأة، لا يفترس فيها الجمال الجنسي، بقية جماليات الروح والنفس عند المرأة، التي برهن تاريخنا الطويل على وجودها بقوة في أعماق شخصية هذا البركان اللطيف.
 [...]

مصدر: موقع مجلة شؤون جنوبية

التعليقات (0)

اترك تعليق