مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

واجبات المرأة المسلمة ومسؤولياتها-الإطار المرجعي ومقومات المشاركة الحضارية

واجبات المرأة المسلمة ومسؤولياتها -الإطار المرجعي ومقومات المشاركة الحضارية

إن الدراسة العلمية المعرفية المتكاملة لموضوع  واجبات المرأة ومسؤولياتها في الإسلام تقتضي الإنطلاق من الإطار المرجعي الضابط للرؤية والحاكم للمنهج، خصوصا وأننا شعوب إسلامية يجب أن ننطلق في النظر إلى ذواتنا من خلال الخصوصية لا من خلال الاستلاب.
فمشاركة المرأة في التصور الإسلامي أمانة وتكليف ومصلحة شرعية راجحة ومسؤولية حضارية أكيدة سندها شمول الاستخلاف وتحمل الأمانة، أما في المنظومة الغربية فمشاركة المرأة حق تطالب به وهدف تطمح إليه وهو بالتالي مصلحة شخصية والفرق بين الأمرين واضح. وبالتالي فمحاكمة النسق الثقافي والحضاري الإسلامي قياسا بالنسق الغربي كنموذج، هو  مغالطة تغريبية  وإستلاب وهزيمة نفسية ومسخ حضاري.
إن الضعف في الممارسة العامة للمرأة والانحسار في دورها وتراجع وتحجيم مشاركتها، يجب أن يوضع في إطاره الواقعي، آخذاً بعين الاعتبار لمسبباته قصدَ معالجتها على مستوى التصور والممارسة، والاحتكام في ذلك إنما يتمّ حسب الرؤية الكلية للمقاصد الشرعية مع مراعاة تنزيل الحكم على واقع المرأة بالنظر إلى التحديات التي تعيشها.
هذا وإنّ تواصل المرأة المسلمة مع مجتمعها وتلاحمها مع قضاياه مسؤولية قائمة ومعايشة دائمة إعتبارا من كون النساء شقائق الرجال في الأحكام والمسئوليات والبناء الحضاري للأمة، ولم يرد التخصيص إلا في أحكام محدودة.
وإن الحديث عن مسؤوليات المرأة يقودنا بالضرورة لتناول الموضوع في إطار خصائصنا الحضارية ومواريثنا الثقافية، محاولين تأصيل الطرح على مستوى الفهم والدلالة والانطلاق من قطعيات الشرع التي أكدت الحضور الإيجابي للمرأة في مناحي الحياة في إطار الشهود الحضاري، وعليه تأتي معالجتنا لموضوع البحث.
[...]


الإطار المرجعي الضابط للرؤية والحاكم للمنهج

إن خصوصية الانتماء لأمة الإسلام تحيل على السمة العامة للرؤية الإسلامية لمختلف قضايا الأمة، والتي تقتضي بالضرورة الانطلاق من أصولية المنهج في احتكامه إلى الحي ، وهذا يؤكد ما يلي:
1 –ضرورة تناول الأشياء داخل الإطار المرجعي الخاص بنا كمسلمين والاحتكام إلى قطعيات الدين.
2 –إستقلاليتنا الحضارية انطلاقا من هويتنا يجب أن تكسبنا حصانة مفاهيمية ومنهجية تتقيد بالأصول العامة لهذا الدين.

وعليه ، فإن ما نعيشه اليوم من "عولمة لقضية المرأة" وضرب لخصوصيات الأمم والشعوب في هذا المجال إنما هو شكل من أشكال الهيمنة التي يحاول النظام العالمي الجديد فرضها على العالم، فعبر استقراء الطرح العالمي للقضية من المؤتمرات الخاصة بالمرأة، نجد ميلا واضحا لنسخ المبادئ العامة والقيم الراسخة للأمم والحضارات وطمس هوية الشعوب، وذلك لفرض الهيمنة الفكرية والثقافية والحضارية خصوصا في الخطاب الحقوقي الذي يناضل البعض مستميتا لفرض عالميته، والذي من ضمن أهدافه تقنين الشذوذ الجنسي وتعددية أشكال الأسرة بين الأمثال .
هذا التحدي الحضاري للأمة الإسلامية يأتي في وقت لم تستطع فيه هذه الأخيرة النهوض بعد نكساتها المتوالية، والمتمثلة في عصور الانحطاط وما أفرزته من تخلف وجمود في حياة المسلمين  على جميع الأصعدة، وتقلص واضح في مشاركة المرأة وعزلها من المجتمع بحجة الأخذ بالأحوط وسد باب الذرائع، إضافة إلى عهود من الاستعمار أفضت إلى تفكيك العالم الإسلامي وتشتيت قواه العقدية، والقضاء على مقومات النهوض لديه وتدمير الاعتزاز بالهوية والمقومات الحضارية.
ولقد شكلت المرأة المنفذ الرئيسي والعامل المؤثر الذي تسربت عبره معاول الهدم إلى عمق الحياة الإسلامية من صليبية وماسونية وصهيونية وشيوعية واستعمار وتغريب ، خصوصا أن الظروف المذكورة آنفاً قد هيأت المدخل، فمظهر الحيف والظلم الاجتماعي الذي عانت منه المرأة والتهميش الذي أفقدها دورها الإيجابي في الحياة والحرمان من العلم بدينها والتعلم بمشارب العلم المختلفة وما يتولد عنه من جهل وأمية، وكل ذلك شكل مدخلا ً تسللت عبره دعوات التحرر والمساواة لتقدم نسقاً دخيلاً تفرضه كنموذج تبسط من خلاله رؤاها وتصوراتها وتحاكم الأنساق الأخرى قياساً به.

هذا وإن إضفاء "العلمية" على الطروحات كان من بين الأسباب التي أدت إلى الانبهار بها خصوصاً مع الخطأ الشائع في محاكمة الإسلام كدين بدلا من تجربة المسلمين القابلة للخطأ والصواب.
وعليه، نرى أنه من الضروري أن يتمتع الإنسان المسلم بالقدرة الكافية للتمييز بين التأثر والتفاعل مع الحضارات، وبين الغزو الذي يحمل في طياته انهزاماً فكرياً ومسخاً حضارياً، فحجر الزاوية في بناء الحضارات هو الانطلاق من معالم عقدية تحدد هوية الأمة وتشكل لديها الرصيد النفسي المساعد على الحركة والفاعل الإيجابي في المجتمع، خصوصاً بالنظر للتأثير الحاصل بين الواقع الحضاري للأمة وبين ممارسة أفرادها لمسئولياتهم وقيامهم بواجباتهم. وقد أثبتت التجربة التاريخية بما لا يترك مجالاً للشك أن الإنحسار الحضاري لايترك إلا تخلفاً وانحطاطاً وإنعدام فاعلية.
إن العهد النبوي الزاهر شكل حقبة مميزة في تاريخ المرأة، حيث أحدث تغييراً اجتماعياً في أوضاعها بنص القرآن والحديث النبوي الشريف والقدوة النبوية وإقرار المشاركة العامة، لكن ضعف الممارسة الإسلامية بعد المرحلة النبوية قد انعكس سلباً على وضع المرأة على مستويين:
- على المستوى النظري: أصبحت التقاليد والأعراف هي التي تتحكم في النظرة إلى المرأة بدل الدين خصوصاً مع ظاهرة الاستغلال الجزئي للنصوص.
- على مستوى الممارسة: منعت المرأة من الذهاب إلى المسجد ومن الخروج من المنزل ومن المشاركة بإعتبارها عورة ومصدر فتنة. وكانت النتيجة أن حصدت الأمة جميعها تراجعاً في الوعي والفعل الحضاري المتميز، لأن الحكم بعدم مشاركة نصف الأمة هو تعطيل لثروتها البشرية ، خصوصاً و أن الإنسان هذا المخلوق المكرم الذي أسجد الله له الملائكة محتاج دائماً إلى تنمية شخصيته ليتمكن من القيام بمهمة البناء والإعمار، والشعور بالأمن النفسي والاجتماعي والكرامة الإنسانية يؤدي إلى استغلال الإنسان لطاقته من خلال الحرية في خدمة مجتمعه وأمته، وإهدار إنسانية الإنسان وطمس معالم شخصيته هو خسارة لفعل وعطاء إنساني، فلننظر ما هي خسارة الأمة بتعدد حالات الانحسار والعزلة المجتمعية؟
انطلاقاً مما ذكر يتبين أن الأمة في حاجة لدعم وإحياء دور مشاركة المرأة بتبني الممارسة العملية للمرأة لواجباتها ومسؤولياتها بين نور الوحي وإشراق النبوة بعيداً عن الغلو والتقصير وكذلك الإفراط والتفريط، تحقيقاً لتعاون مستمر بين الرجال والنساء يكون سبباً في كمال المسؤوليات، ولاشك أن ذلك يتطلب منا فهما صحيحا للدين (رجال ونساء) والتزاماً بهديه، لنضمن للمرأة تواصلاً بناءاً مع أمتها.
 
تصحيح مفهوم المشاركة وفق الرؤية الكلية للمقاصد الشرعية
إن التشريع الإلهي انطلق من مقاصد عامة ومنها إخلاص العبادة لله، والقيام بمهمة الاستخلاف في الأرض. وتحقيقاً لهذه المقاصد، فقد شرع الإسلام تضامن المسلمين وتعاونهم تحقيقاً للخير ومساهمة في عمارة الأرض، وذلك وفق النظام الإسلامي المتكامل الذي تضمن أحكام الدين والدنيا في تناسق بين حاجات الإنسان ومتطلبات مجتمعه في توافق.
وإذا كان الدارس لأصول الشريعة يجدها تؤكد وتعزز مكانة المرأة تكريماً وتكليفاً، فلقد شهد التاريخ الإسلامي عبر حقبه خصوصاً بعد التجربة النبوية انحساراً وتضييقاً وغلواً عطل قاعدة المشاركة، بل إن إطارنا المرجعي الذي هو الإسلام في صفاته وواقعيته ووسطيته واعتداله، أصبح يخلط بـ "الفكر الديني الإسلامي" المتراكم عبر عصور مختلفة سادها الصفاء أحياناً وعمها التعتيم أخرى. وبين هذا وذاك نشأت رؤى وتبلورت أفكار وتأسست نظرات ساهمت فيها ظروف مختلفة اقتصادية وسياسية واجتماعية -وحتى دينية أحياناً- وكان لهذه الظروف أثر في تجسيد النص الديني وتفسيره بشكل ضمن مع مرور الزمن بعداً حقيقياً عن روح النص وجوهره، وحتى صار الدين مصدراً ثانوياُ بعد الفكر الديني الذي أصبح له الصدارة في كل المناقشات والحوارات، وصارت له السيطرة على كل الدراسات والبحوث.(1)
وعليه تبقى الحاجة ماسة لتجاوز هذا الواقع بالتأصيل والاحتكام للقواعد الشرعية من النص القرآني مع الترجمة العملية في السنة النبوية الشريفة، وذلك في إطار التفريق بين ما هو ثابت من النصوص والأحكام المنزلة قرآناً والمثبتة سنة وبين الفهم البشرى لهذه الأصول وتفسيراته. وكذا بين التجربة التاريخية للمسلمين القابلة للصواب والخطأ وبين الإسلام كدين سماوي من عند الله تعالى.

واعتباراً مما ذكر يأتي الحديث عن صلاحيات المرأة الشرعية المقدرة بالنص الشرعي، وهى ما يصطلح عليه بالأهلية "وقد عرفها الأصوليين بأنها صلاحية الإنسان لوجوب الحقوق المشروعة له أو عليه، ولصدور الأفعال منه على وجه يعتد به شرعاً". ومركزها الحقوقي في الإسلام حاز قصب السبق سواء عن الشرائع التي سبقته أم عن التشريعات التي تلته، فالمرأة تتمتع بشخصية مدنية مستقلة وبأهلية كاملة.
إن المحافظة على البناء المتين للكيان الحضري للأمة يقتضى القيام بوظائف اجتماعية داخل دائرة الأمة ومن ثم اعتبر الإسلام العمل الاجتماعي التربوي الذي تقوم به المرأة داخل الأسرة عملاً مسئولاً ورعاية لها أبعادها التنموية خصوصاً لارتباطه بالتربية وحفظ الفطرة السليمة والتنشئة الاجتماعية الهادفة التي تحصن الهوية وتتبنى النموذج القوى الأمين، لهذا فإن المكانة الاجتماعية للمرأة ترتبط بالضرورة بالمجال العام سواء على مستوى إعداد المرأة للقيام بدورها (ارتياد المسجد للصلاة والعلم والتعلم كنموذج)، أو على مستوى حقها في المشاركة فى الشأن العام (المشاركة فى البيعة نموذجاً). هذا الارتباط الدائم بالأسرة والمجتمع والأمة إسهام في خيرية الأمة مصدقاً لقوله «كنتُمْ خيرَ أمّةٍ أُخرِجَتْ للنّاسِ تأمرُونَ بالمعروفِ وتَنْهَوْنَ عن المنكرِ» (آل عمران الآية:110) وأنّ الأمّة الإسلامية اليوم أحوج ما تكون إلى جهود أبنائها لتخرج من مرحلة الضعف والوهن مقام الشهادة على الناس.
ويتحمل علماء الأمة وفقهاؤها مسؤولية جسيمة أمام الله عز وجل في بعض الصور المشرقة لتاريخ الأمة من جملة مهامها حل إشكالية القديم المقطوع عن الواقع بتجديده وتمحيص الوافد الجديد بتأصيله.
ونحن حينما نتحدث عن التجديد، فإننا نقصد به الحركة الفكرية الشمولية التي تفسح المجال للاجتهاد في الأحكام بما يحفظ أصول الشريعة، ونقصد به تجديد الفكر والفقه الإسلامي، ونبذ مظاهر المذهبية والتبعية الجامدة والتفاصل مع الواقع المتغير الذي تستوعبه بالضرورة المبادئ الإسلامية التي تنفرد بسمة خاصة وهى قابليتها للتطبيق مع اختلاف الزمان والمكان، والحجية الثابتة هى القرآن والسنة دون سواهما، فالفقه الإسلامي هو اجتهادات البشر فى إدراك الأحكام المنزلة واستخلاص المعاني المقصودة، أي اجتهاداتهم في وصل   تلك الأحكام بأحوال البشر فى كل بيئة. وهى في إطار ما تعتبر فهماً بشرياً إنسانياً ذات وضع بشري يرد عليه الصواب والخطأ(2).
ولما كانت مشاركة المرأة المسلمة في الحياة العامة قد تم حظرها استناداً لقاعدة سد الذريعة فإن الغلوّ فيها قد عطل مباحاً وحرم حلالاً، وحمل المرأة مشقة وعسراً وإذا كان المراد بمقاصد الشريعة كما يقول علال القاسي رحمه الله هو الغاية منها والأسرار التي وضعها الشارع عند حكم من أحكامها، فإن الإسلام حينما أناط مهمة الاستخلاف والاعمار بالإنسان، فإنه جعلها مسئولية جماعية تضامنية مشتركة بين الرجال والنساء... ووضع القواعد والضوابط لضمان سلامة الممارسة على أرض الواقع، فالحجاب وغض البصر والنهي عن التبرج، وآداب المعاملات وحق الطريق وغيرهما، آداب عامة للمشاركة الآمنة فى الحياة الاجتماعية.
والإجتهاد الفقهي هو "لسان الميزان" فى هذه القضية إذ بإمكانه إقامة التوازن المطلوب بين المقاصد والقواعد، وخصوصاً وأن رسول الله (ص) قد رسم لنا منهاجاً لو تمسكنا به في حياتنا ما ضللنا أبداً بقوله "إياكم والغلوّ في الدين، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين" صحيح الجامع الصحيح.
وقد التزم عليه السلام بهذا المنهاج في حياته، تقول عائشة (رض) "ما خير رسول الله (ص) بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً" رواه البخاري ومسلم. والتكاليف الشرعية كلها محكومة بقاعدة "المشقة تجلب التيسير".
 
وعليه "لا شك أن حركة المرأة لإحداث التغيير من خلال مشاركتها وفعاليتها تحتاج إلى دعم واجتهاد فقهي ليساندها ويبلور مقاصد الشريعة ونصوصها بما يتفق وحاجات كل مجتمع إسلامي. فالظروف الاجتماعية المستجدة تستلزم الترجيح بين الآراء الفقهية.. ورد العرف إلى الأصول الشرعية وذلك كله فى إطار استيعاب مقتضيات تطور العصر والتعامل معها بأعمال قواعد الإسلام في وسطيته واعتداله وتفتحه وانفتاحه.


الهوامش:
(1)          محمد فتح الله الزيادي ـ مفاهيم سائدة في ميزان الإسلام، وإشكاليات الفكر الإسلامي ص 336.
(2)          طارق البشرى: الملامح العامة للفكر السياسي الإسلامي في التاريخ المعاصر ص 47 ـ 478 ط1.


 
المصادر والمراجع 
ـ القرآن الكريم
ـ صحيح البخارى.
ـ عبد الحليم أبو شقة: تحرير المرأة فى عصر الرسالة دار القلم للنشر والتوزيع 6 أجزاء ط ر 4لسنة 1415/1995م.
ـ محمد عمارة: معالم المنهج الإسلامي، المعهد العالمي للفكر الإسلامي دار الشروق ط. 2 لسنة 1411/1991م.
ـ هبة رؤوف عزت: المرأة والعمل السياسي المعهد العالمي للفكر الإسلامي.
_ عبد الحليم محمود: المرأة المسلمة وفقه الدعوة إلى الله، الطبعة الثالثة. الوفاء للطباعة والنشر.
_ وحيد الدين خان: المرأة بين الشريعة والإسلام والحضارة الغربية، ط 1 دار الطباعة للنشر.
ـ مالك بن نبي: ميلاد مجتمع دار الفكر. دمشق طبعة لسنة 1989. محسن بن عبد الحميد: المذهبية الإسلامية والتغيير الحضارى ط. الأولى 1414.
ـ منشورات الأيسيسكو 1414/ 1994م وضع المرأة فى العالم الإسلامى.


 المصدر: موقع الاتحاد النسائي الإسلامي العالمي
الأستاذة جميلة مصدر


 

التعليقات (0)

اترك تعليق