أسس معاهدة سيداو في التحدي مع العلم والمعرفة(1):الأساس غير الميتافيزيقي
تحديات المعاهدة من منظار المعرفة البشرية
الأساس غير الميتافيزيقي
ان العلمانية وعبر توجهين الحادي وغير الحادي تعتبر الانسان بغير حاجة الى الله والتعاليم الالهية، في حين ان حاجة العالم لله في الخليقة، وحاجة الانسان الى التعاليم الالهية في الهداية تعتبر من ضرورات العقل والمعرفة البشرية.
ان دراسة الاطر المحدودة للبشرية كافية لاثبات الحاجة الى قيادة الهية هادية لسبيل الرشاد، مثل:
1-الخطأ: وقوع الخطأ في حياة الانسان ليس شيئاً يحتاج الى اثبات وان المهم هو الاهتمام بمقدار الاطمئنان وتطبيق المعلومات البشرية، وبعبارة اخرى عندما نشاهد كل حين ظهور نظرية جديدة تدحض نظرية اخرى، أو تثبت نقص نظرية ما فلا ينبغي أن نتوقع بأن تحدد العلوم البشرية وافكارها بصورة جازمة مسار وكيفية الحياة.
إذا تصور احد بانه يمكننا عبر التجارب المكررة الكشف عن اخطائنا للوصول في ضوء ذلك الى الحياة المتوخاة، فإن مثل هذا الشخص لم يدرك تعقيدات الوجود البشري ولا علم له بالمدى الواسع للحياة البشرية الممتدة حتى عالم الغيب ولا يعي عظمة العلاقة والصلة بين العالم والطبيعة. بل يمكن القول أن مثل هذا الشخص يتصور بأن شخصية وحياة وسعادة البشر امور بسيطة مثل صنع اداة صناعية او تربية زرع ما، والذي لن تكون له تداعيات سيئة كبيرة في حال حصول خطأ فيه، في حين ان التأريخ يشهد على ان نظرية خاطئة ما حول البشرية ربما ادت احياناً الى حروب واراقة الكثير من الدماء ومقتل الكثير من البشر.
بناء على ذلك فإن امكانية وقوع الخطأ يستلزم وجود إله منزه عن الخطأ يرسم طريق الكمال والسعادة امام البشرية كي يمضوا في ذلك الطريق بطمأنينة.
2-تطور الافكار: المقصود من تطور الافكار هو ان تكتمل معلومات الانسان تدريجياً وأن تزيد كميتها وعمقها شيئاً فشيئاً.
إن تاريخ المعرفة البشرية يثبت جيداً بإنه حدث في كثير من الأحيان أننا توصلنا الى مسألة ما عبر الكثير من التجربة والفكر ولكن بعد فترة من الزمن توضحت زوايا اخرى من تلك المسألة مستقبلاً بالمزيد من افكار وتجارب افراد وعلماء آخرين.
إن التغيير والتطور في الافكار يؤدي الى أن يغير البشر حياته باستمرار وأن يبنيها على اساس المبادئ الجديدة، ومن الطبيعي أن فهم هذا الموضوع يكشف احد اسرار تغيير قوانين الانظمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والاسرية المختلفة ويجعل من السهل ادراكها.
إن مسألة "ما هو ذلك النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يؤدي الى سعادة البشرية جمعاء، ليست مسألة يمكن ترك حلها للازمنة اللاحقة، بل أن جميع البشر لهم الحق أن يعرفوا الطريق الصحيح والكامل لسعادتهم وهذا هو سر بعثة الانبياء واحداً بعد آخر"، و كون نبي الاسلام خاتم الانبياء ليس السبب فيه عدم حاجة البشرية للهداية الالهية ولتعاليم الدين بل لأن الله حدد للبشرية برنامجاً كاملاً وشاملاً لجميع البشر من قبل نبي الاسلام مما يعني أن البشر له القدرة على "استلام" و"حفظ" و"استخدام" مثل هذه الهبة الالهية.
3-الخلافات الفكرية والعملية: إن الخلافات بين أفكار البشرية، لا سيما في مجتمعات الغرب العلمية، ازدادت بحيث جعلتهم يحملون مختلف انواع الشكوك بالشكل الذي يتصورون ايدي البشر بعيدة عن الوصول للحقيقة. يقول "ماكس شلر" أحد علماء الغرب في هذا الصدد بأنه لا يمكن الوصول مطلقاً للجواب النهائي، بل هناك على الدوام قرائن يجب دراستها على الدوام.
ويشير "ماكس شلر" الى ظهور مختلف العلوم التي تدعي معرفة الانسان ويقول: (ان العلوم التخصصية التي تتزايد باستمرار ولها علاقة بقضايا الانسان،ا هي على الاغلب تخفي ذات الانسان وراء الستار اكثر مما تلقي الضوء عليه).
العالم الغربي الاخر "ارنست كاسيرر" يقول: (الى جانب معلومات اليوم، يبدو الماضي فقيراً الى حد بعيد، ولكن غنى المعلومات لا يعني بالضرورة الغنى الفكري، وإذا لم نستطع العثور على طريق مستقيم للخروج من هذا الدهليز المظلم فليس من الممكن أن نصل الى معرفة واقعية للخصائص العامة للثقافة البشرية وسنواصل الغرق في كم هائل من المعلومات المنفصلة عن بعضها والمبعثرة التي تبدو على الظاهر أنه ليس هناك أي انسجام داخلي فيما بينها).
ورغم أننا نرفض التشكيك والنسبية المطلقة في ادراك البشر، ولكن لا نشك بأن الكثير من الخلافات الفكرية والعلمية بين البشر ناجمة عن الاعتماد على انفسهم فقط ولا يأخذون على محمل الجد ما جاء به الانبياء.
ومن المؤكد أن تعاليم الانبياء ودين الاسلام المصان من التحريف ويعد الدين العالمي وخاتم الاديان لو تم دراستها ومعرفتها بصورة جادة وجرى العمل ايضاً وفقاً لها فإن الكثير من الخلافات الفكرية والعلمية للمجتمعات البشرية ستزال وهذا هو السر في أن الله اعتبر احد اهداف الانبياء حل الخلافات وازالة ارضيتها.
ما ذكر آنفاً يمثل ثلاث حالات من محدودية الانسان في مجال العلم واكتساب المعرفة. [...]
بناءاً على هذه المحدوديات فإن حاجة البشر للدين في مسيرة الحياة تتوضح، ونظراً لمكانة المرأة والرجل والعلاقة بينهما، هي احدى الحاجات البشرية للحياة اللائقة فمن الضروري الرجوع الى الدين وأجوبته.
ويبرز التساؤل هل ان العزوف عن التعاليم الالهية تمكن لحد الآن من حل مشكلة من مشاكل النساء وأن يرفعهن الى مكانتهن الحقيقية؟ تشير الدراسات الاجتماعية الى تدهور وضع المرأة في عهد الحداثة في المجتمعات التي عزفت عن التعاليم الالهية وعملت على النقيض منها فيما يتعلق بالمرأة.
وكتب "جسترتون" في هذا الصدد: (إنني لا انكر أن النساء تعرضن لسوء المعاملة وحتى للتعذيب فيما مضى ولكنني اعتقد أن وضعهن لم يكن بائساً اكثر مما هو عليه اليوم).
ينبغي الاذعان بأن تجاهل التعاليم الدينية وفضلاً عن أنه لم يساعد في تحسين وضع النساء فإن تداعياته السلبية قد باتت بالشكل الذي يقول معهم الدكتور "توني غرنت" في هذا الصدد: (إن امرأة اليوم مزيفة وهي في صراع مع الرجال الحقيقيين ولهذا السبب فهي مضطربة وغير مستقرة. إن حركة المساواة بين المرأة والرجل التي ترافقت مع الثورة الجنسية، بشرت النساء في البدء، بوعود مثيرة وبراقة، وقد كانت هذه الوعود مغرية للحد الذي تركت الكثير من النساء ازواجهن وابناءهن، أو انهن وعلى أثر حصولهن على الحرفة أو الرغبات الشخصية المتعلقة بهن، أبعدن من أذهانهن تماماً فكرة الزواج وبناء الأسرة).
إن مثل هذه الأفكار التي كانت تؤكد على الاكتفاء الذاتي والنزعة الفردية كان من المفروض أن ترفع مستوى حياة النساء وأن تحسن حق الاختيار وكذلك علاقاتها مع الرجال. ولكن اليوم، وبعد مضي عقد او اكثر، أصبحت النساء مضطرة لمواجهة هذه الحقيقة وهو أنه لا يمكن تطبيق تلك الوعود التي بشرت بها الحرية وحركة المساواة بين المرأة والرجل. والآن فإن الكثير من النساء المتجددات يشعرن بالعجز ـ سواء انطلاقاً من طبيعتهن النسوية أو قوة التواصل او أي شيء آخر ـ في الحصول مجدداً على ما فقدنه.
إن التأكيد على المساواة الجنسانية الواردة في المعاهدة والتي تعد محور حركات المساواة بين المرأة والرجل لم يسفر سوى فقدان القدرات النسوية وتبدل المرأة الغربية الى ما يمكن اعتباره "رجل مزيف"، وحسب قول "توني غرنت" فإن ذلك ادى الى خلق نساء يشعرن بالضياع في المجتمعات الغربية.
المصدر: سيد محمد علي داعي نجاد
مركز شؤون المرأة والأسرة – رئاسة الجمهورية الاسلامية الايرانية
www.women.gov.ir/ar
اترك تعليق