دور المرأة وبخاصة الريفية في الاقتصاد المنزلي
إنّ اهتمامات الأم في الأسرة لها جانباها المعنوي والمادي، أما المعنوي فيها: فهو العلاقات الإنسانية الحميمة بين أفرادها، من محبة، وتعاطف، ورغبة في التعاون والتكافل والتضحية.
أما الجانب المادي: فيتمثل في حاجات الأسرة المادية، كدخل الأسرة وإنفاقها، والغذاء والملبس والصحة والتعليم وغير ذلك.
هذا كله لا بدّ من إدارته إدارة حكيمة، تستند إلى ثقافة يمكن أن نسميها بثقافة الاقتصاد المنزلي، والاقتصاد المنزلي يحتاج إلى طرق في ترشيد الإنفاق، وتوجيهه الوجهة الصحيحة، وإدارة واعية لا بدّ من أن تحسنها المرأة، وبخاصة في هذا العصر الذي أصبحت الأسرة فيه تقوم على التعاون بين أفرادها في كل ما يخصّها (FAO,2003).
سابقاً كانت الظروف تملي على الرجل أن يعمل خارج البيت والمرأة تدير شؤون الأسرة وتقوم بأعمالها، أما الآن فقد تشابكت الأمور، ولأجل التمتع بحياة أفضل وفق المعايير السائدة بما تحتاجه الأسرة من الملبس والمأكل والنزهة والتعليم والضيافة والسفر وغيرها، كان لا بدّ للنساء من المشاركة في تأمين المنابع المالية للعائلة وهذه ليست بظاهرة جديدة، حيث أنّ النساء كنّ يعملن ولكن بشكل آخر وبنظرة أخرى تختلف عما هي عليه الآن.
إنّ المشكلة الأساسيّة للنساء لا تكمن بالعمل في الوسط الاجتماعي، بل المشكلة هي وجود نوع من الإجحاف في التقسيم غير الصحيح للعمل، فمن المتعارف عليه أنّ تدبير الأمور المنزلية هي من وظيفة المرأة بصورة بحتة.
فالرجل وظيفته العمل خارج البيت، ولكنّ ما يكسبه لا يكفي لإعالة الأسرة، لذلك تعمل المرأة خارج البيت أيضاً، ولكن الرجل لا يساعدها في أعمالها داخل البيت، كما أنّ الرأي السائد لدى الناس بصورة عامة، أنّ المرأة تريد العمل لأنها هي الراغبة بذلك ولذلك لا يعير أهمية لدخلها باعتباره لا قيمة له، أما في الواقع فإنّ دخلها مهم وضروري للتخفيف من الأعباء الملقاة على عاتق رب الأسرة، فالنساء يتحملن أعباءً مضاعفة بالنسبة للرجل نظراً لعملهن داخل البيت وخارجه فهنّ يتحملن ضغوطاً كبيرة من الناحيتين، لذلك ينبغي على الرجل والمرأة أن يدركا بأنّ العمل سواءٌ كان في البيت أو خارجه فله نفس القيمة والأهميّة وفي كلا الحالتين يحتاج إلى طاقة كبيرة، وينبغي أن لا ينتظر من المرأة العاملة أن تقوم وحدها في جميع الأعمال المنزلية بصورة كاملة ومن غير نقص، ففي هذه الحالة يجب أن يتم نوع من التعاون بين الرجل والمرأة في إدارة المنزل وأعماله ولأجل هذا ينبغي أن يتم نوع من التثقيف والتوعية في هذا المضمار(حمد والرزاز، 2003).
تشكل المرأة نصف المجتمع وإذا حذفنا دورها الاقتصادي، فمن المؤكّد أنّ المجتمع سوف يتضرر، ومما لا شك فيه أنّ العمل المنزلي هو صنف من العمل كسائر الأعمال الأخرى، وبالرغم من أنّ عمل النسوة العاملات في البيت لا يأتي في حسابات الإنتاج المادي إلا أنهنّ في الواقع يقدمن أفضل الخدمات الإنتاجية والمصرفية والرفاهيّة، إذاً عمل ربّات البيوت له قيمة اقتصادية أيضاً، وفي المجتمعات المتقدمة يسعون لإدراج عمل ربّات البيوت وفق النماذج الاقتصاديّة الجديدة ضمن حسابات قيمة الإنتاج الجماعي.
1- دور المرأة الريفية في المجال الاقتصادي وبخاصة الاقتصاد المنزلي:
أ- في المجال الزراعي (نباتي وحيواني):
يمثّل عدد النساء اللاتي يسهمن في القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني نحو(51%، 76%، 86%) من العدد الكلي للنساء على المستوى العالمي وفي أفريقيا وآسيا على الترتيب، حيث تعد المرأة الريفية عنصراً منتجاً لبعض المنتجات التي تساعد في رفع دخل الأسرة ورفاهيتها، هذا بالإضافة إلى وظيفتها الاجتماعيّة بالأسرة، ومع ذلك فإنّ هذه الإحصاءات لا تعطي صورة صحيحة عن الحجم الحقيقي للإسهام الإنتاجي للمرأة في الزراعة، لأنها لا تتضمن بالضرورة عمل المرأة لفترات قصيرة مثل العمل الموسمي، بمعنى أنّ دور المرأة في الأنشطة الاقتصاديّة للقطاع الزراعي ممكن أن يتزايد عن الأرقام السابقة فيما لو أمكن التعبير رقميّاً عن الأنشطة الجزئيّة للمرأة في الأعمال المزرعيّة، ويزداد دور المرأة الريفية كثافةً وظهوراً كلما صغرت الحيازة الزراعيّة للأسرة، وقد تعاظم دور المرأة الاقتصادي بعد هجرة عدد من الرجال تاركين مسؤولية العمل الزراعي والإدارة المزرعيّة للمرأة الريفيّة، ومن ثمّ تحملت عبء اتخاذ القرارات الإنتاجية الزراعيّة وخرجت تتعامل في مستلزمات الإنتاج وتسويق الحاصلات (المنظمة العربيّة للتنميّة الزراعيّة1، 1997).
إنّ مساهمة المرأة الريفيّة في القوى العاملة الزراعيّة تتفاوت كثيراً بين دول المنطقة العربيّة إذ يتراوح مدى المشاركة من 6% فقط في الإمارات إلى 39% في الصومال و29% في كل من مصر والسودان و27% في لبنان و26% في المغرب، وبالرغم من كل هذه الإحصاءات فإنها لم تشمل كل ما تقوم به المرأة من أعمال منتجة (المنظمة العربيّة للتنميّة الزراعيّة، 1999).[...]
ب- في مجال الصناعات المنزليّة:
هناك عدد من الصناعات المنزلية البسيطة التي يمكن أن تقوم بها كل أسرة بنفسها وبالتالي توفر عليها نفقات كثيرة، وهذه الصناعات تكون أدواتها بمتناول كل أسرة ولا تكلفها إلّا القليل من الجهد والمال، وهي إما غذائيّة أو صناعيّة بسيطة، وبذلك يمكن للمرأة أن تساهم في رفع مستوى الأسرة وتأمين متطلباتها وتظهر كفاءتها المهنيّة وتزداد مساهمتها بالنشاط الاقتصادي للمجتمع، حيث تُظهر الإحصاءات أنّ نسبة العاملات منخفضة جداً وهو لا يزيد عن 15% في سورية، وبذلك يمكن لربات البيوت أن يتخطين دورهنّ المتمثّل في الأمومة والقيام بالأعمال المنزليّة العادية إلى مساهمة فعّالة في أعمال إبداعيّة وتصنيعيّة يمكن أن تحسّن من دخل الأسرة وتؤمّن متطلباتها وخاصة الغذائيّة التي تعدّ أساس الحياة الإنسانيّة، حيث أنّ الغذاء هو قوام حياة الإنسان، وفيما يلي سيتم ذكر بعض الصناعات البسيطة التي يمكن أن تساهم ربة المنزل من الناحية المرتبطة بالغذاء وتسيير أمور المنزل رغم أنّ هناك أعمال أخرى كثيرة يمكن أن تقوم بها المرأة كالخياطة والتطريز والرسم... إلخ (المنظمة العربية للتنميّة الزراعيّة، 1995).
1- الصناعات الغذائيّة:
تُعدّ الصناعات الغذائيّة من أهم الأعمال التي تقوم بها المرأة في المناطق الريفية على الرغم من التباينات الاجتماعيّة والجغرافيّة لكل منطقة، وذلك للأسباب التالية:
1- لأهميتها في توفير الغذاء للأسرة في مواسم غير مواسم إنتاجه.
2- تسويق الفائض للحصول على دخل إضافي لرفع المستوى الاقتصادي للأسرة الريفية.
3- نظافة الأغذية المصنّعة منزليّاً.
4- إمكانية صناعة الأغذية بما يتوافق والأدوات المختلفة للعائلات الريفيّة بعكس الإنتاج الصناعي الكبير.
ويمكن إيجاز أهم الصناعات الغذائيّة بالنسبة للمرأة الريفية بالمجموعات التالية:
- صناعة الألبان ومشتقاتها (اللبن، الزبدة، السمن، الجبن الطازج، القشطة... ).
- التخليل (خل التفاح، خل العنب... ).
- المربيّات (التفاح، البندورة... ).
- حفظ الأغذية بالتجفيف (ملوخية، بامية، بصل، لوبيا... ).
- تصنيع الحبوب وخاصة القمح (الخبز، فريكة، برغل... ).
ويختلف الجهد المبذول من قبل المرأة الريفية في كل من الصناعات باختلاف أساليب وطرق إعداده. ففي الأماكن التي لا تتوفر فيها مطاحن للقمح والذرة تقوم المرأة الريفيّة بطحنه يدويّاً بالآلات التقليديّة ومن ثم عجنه وتخميره وخبزه (وردة وكرباج، 2005).
2- الصناعات اليدويّة:
كان للتطور الصناعي تأثير على البيت، ففي النظام الإقطاعي كانت كل إقطاعيّة تنتج كل ما يلزمها من احتياجات زراعيّة في مزارعها وأدوات في دكاكينها الحرفيّة، كذلك كان البيت إقطاعيّاً أيضاً إذ كان ينتج كل احتياجاته فيه بواسطة أفراده، فكان ينسج القماش الذي يلزمه، ويحيك ملابس أفراده، ويدبغ الجلود ويصنع منها الأحذية، كما يصنع أثاثه وأدواته المنزليّة بنفسه ويتولى عملية الحفظ وتخزين الطعام لطول العام أي أنه كان وحدة إنتاجيّة قائمة بذاتها (البقلي وأمين، 1981).
إلّا أنّ التطور الصناعي أدى إلى جعل البيت معتمداً اعتماداً كلّياً على السوق ونتيجة لخروج المرأة إلى العمل خارج البيت فلم يعد يترك لها من الوقت ما يكفي لإنجاز ما يتطلبه البيت من أعمال لذا لجأت إلى السوق تبحث فيه عن المنتجات الجاهزة، ومع تردّي الأوضاع الاقتصاديّة في السنوات الأخيرة انتشرت ظاهرة عمل النساء من منازلهن كوسيلة فعّالة لزيادة دخل الأسرة، حيث تمارس النساء أعمال مثل الحياكة والتريكو والأشغال اليدويّة وغيرها، ويعادل هذا النوع من الأعمال ثلث إنتاج الاقتصاد العالمي، كما أكّدت دراسة دوليّة حديثة، موضحة أنّ المرأة التي تدير مشروعاً في منزلها توفّر جزءاً كبيراً من الدخل الذي تحصل عليه لأنّ المرأة العاملة تنفق 40% من دخلها على المظهر والمواصلات (البنك الدولي، 2001).[...]
وبالنسبة لسوق العمل العربي، فقد أشار تقرير التنميّة في الدول العربية إلى أنّ ظاهرة البطالة أكثر تأثيراً على النساء حيث ارتفعت نسبتها من 17% عام 1977 إلى ما يزيد على 25% عام 2002 لذلك اتجهت المرأة العربية إلى سوق العمل غير الرسمي لزيادة دخلها بعد أن وجدت، أنّ العمل من داخل المنزل يلبي احتياجاتها الذاتيّة ويحقق لها مكسباً ماديّاً ويجعلها تواجه سد متطلبات الحياة الحديثة ويساعدها على التفرغ لرعاية الأبناء وضمان استمرار خصوصيتها (2006، UNDP).
وعلى الرغم من أنّ هذا النوع من العمل غير مدرج في حسابات الدخل القومي إلّا أنّ قيمته الماديّة تتجاوز أربعة آلاف تريليون دولار سنويّاً، ووفقاً لتقديرات صندوق الأمم المتّحدة للسكان، فإنّ هذا العمل يعادل ثلث الاقتصاد في العالم، والجدير بالذكر أنّ هذا النوع من العمل لا يقتصر على النساء في الدول الناميّة بل يشمل دولاً أوروبيّة، وأمريكيّة أيضاً، حيث أظهرت دراسات دولية أن نحو 46% من أصحاب الأعمال المنزليّة في أمريكا نساء ويفوق دخلهنّ دخل العاملات في المكاتب بنحو 28%، وفي كندا تأكد لرجال الاقتصاد أن العمل من المنزل يحقق جدوى اقتصادية فعلية (البنك الدولي، 2001).
2- دور المرأة الريفية في المجال الاجتماعي:
يقع على عاتق المرأة في سورية وفي العالم أجمع، الدور الأكبر في التنشئة الاجتماعيّة، ولا يتوقّف دورها الطبيعي عند لحظة الإنجاب، بل يتعداه تلقائيّاً ليشمل فترة رعايته الطبيعيّة والرضاعة لحولين، وتستمر عنايتها به مع تدرّج تطوره ليصبح كائناً اجتماعيّاً مدركاً ومن ثمّ تتضاءل إلى اكتمال نضجهم الإنساني.
يزداد تأثير المرأة الاجتماعي والنفسي خاصة على بناتها الإناث بحكم التجاذب الطبيعي للنوع ونتيجة للعوامل الاجتماعيّة التي تتطلب من الأم تهيئة طفلة اليوم لتصبح أم الغد، وهذا ما يؤدّي إلى استمرارية وقوة المفاهيم الأنثويّة المتوارثة بدرجة أكبر، مما هو عند الذكور، وكثيراً ما تشابه البنت أمّها في التصرفات والسلوك والقيم والعادات أكثر مما يشابه الأولاد آباءهم، ولا يجوز إغفال تأثيرها على التعليم في المجتمع، فهي تؤثّر بصورة مباشرة كفرد نافع فيه، أو بصورة غير مباشرة من خلال الأسرة التي تكونها أو تعيش بها، لهذا كان لتعليم الإناث الأهميّة الكبيرة في تنمية المجتمع وتطويره في سورية خلال المراحل التاريخيّة السليمة لأبنائها تسهم بتنمية المجتمع، فإنها ستعرف أنّ مسؤوليتها كبيرة، فهي بعملها هذا ستقدّم للمجتمع شباباً، ذكوراً وإناثاً، واثقين بأنفسهم قادرين على الاعتماد على ذواتهم، وعلى اتخاذ القرارات (2003، FAO).
يتعاظم دور المرأة الأنثوي ويعلو مع امتداد طول مدة الحياة الزوجيّة ومع قدرتها الإنجابيّة، فالمرأة العربيّة تزداد مكانتها كلما كبر عمرها، وكلما كان لها عدد كبير من الأبناء وخاصة الذكور منهم وتحافظ كثير من النساء في الوطن العربي على إضفاء صفات المهابة والاحترام والسيطرة لدى رب الأسرة أمام الحاضرين، وهذا ما يكسب قيمة الأسرة الاجتماعيّة ويرتقي بمكانة الرجل الاجتماعيّة ومكانتها هي أيضاً (المنظمّة العربيّة للتنمية الزراعيّة1، 1997).[...]
المصدر: الزعبي، م. سجا طه، دور المرأة في الاقتصاد المنزلي، دار نينوى، سوريا- دمشق، ط1، 2010م.
اترك تعليق