من أرشيف مقابلة مع الحاجة عفاف الحكيم أجرتها مجلة الحكمة: دور المرأة في العمل الرسالي
من أرشيف مقابلة مع الحاجة عفاف الحكيم أجرتها مجلة الحكمة: دور المرأة في العمل الرسالي
إنّ الدور الذي تمارسه الفتاة المسلمة في الدعوة إلى الإسلام وحمل الرسالة، لا يقل عن الدور الذي يمارسه الشاب إن لم يتجاوزه، وذلك لأنّه على صلاح المرأة يتوقف صلاح كثير من عناصر المجتمع، كما يؤدّي فسادها إلى فساد تلك العناصر، فالمرأة عامل مهم في بناء الجيل الواعي وفيضٌ يمدّ الإنسان بالعاطفة التي تصقل شعوره ليمارس حياته بشكل أفضل وأرفع، عدا كونها عامل أساسي من عوامل بناء المجتمع، لما تحمله من طاقات توازي تلك التي يحملها الرجل والتي يجب عليها وعلينا تفجيرها لتفعل فعلها في عملية النهضة والتغيير.
فلا يمكن أن نتحدّث عن مجتمع متطور، المرأة فيه متخلفة ولا يمكن النهوض بالأمّة ما لم تساهم المرأة في عملية التطور، فهي بحق نصف المجتمع، وأحد أركانه الأساسية وتستطيع أن تكون رائدة في العمل على ترقية الإنسان والسير بالإنسانية أشواطا في مسيرة الحق والعدل والحرية.
ولكي تستطيع المرأة أن تؤدّي دورها على الوجه المطلوب، فلا بدّ أن تتهيأ لها الظروف الموضوعية إضافة إلى العوامل الذاتية التي تتيح لها ذلك، فنظرة إلى واقع فتاتنا المسلمة يرينا كم هي بعيدة عن روح تلك الفتاة الربّانية في عصر الرسالة الأوّل حيث عمق الإيمان، والشموخ والبذل، والتضحية، والجرأة في الله، والحثّ على الانتصار لله هي بعض أبرز الصفات لتلك المرأة.
ونظرة أخرى إلى الواقع حتى نرى كم تواجه الفتاة من عراقيل نتيجة للظروف التي تحيط بها وتتحكم بحياتها، فهي تتحمل وتواجه كثيرا من الأعباء.
فمن واجباتها التقليدية في المنزل, وضمن النظرة إلى شخصيتها والتي تنهش من روحها وتضعفها وتشلّها، إلى واجباتها نحو نفسها وفقا لمتطلبات الحياة السريعة التغير، إلى دواعي العمل الرسالي الذي يلح على فتاتنا المسلمة الواعية لتترك له مساحة لا بأس من وقتها واهتمامها.
من خلال هذا العرض السريع نتساءل: كيف يمكن للفتاة المسلمة والتي تعتبر بأن من أولى مهماتها في الحياة البذل في سبيل الله، أن توفق بين كل هذه المتطلبات لكي تساهم مساهمة عملية وفعّالة في بناء ونهضة المجتمع.
وقد ارتأينا أن نطرح تلك الأسئلة مباشرة على المرأة المسلمة لأنّها أحرى بالأجابة من غيرها.
فأجابت الأخت عفاف الحكيم على الأسئلة التالية:1- ما هي الهوة التي تفصل بين المرأة الرسالية في فجر الأسلام، وصورة المرأة المسلمة في واقعنا الحاضر؟
حين يقف أي انسان أمام العاطفة الرسالية التي تجلّت في النساء المسلمات في فجر الأسلام، ويقرأ عن تضحياتهن ومواقفهن، ثم يتأمل أحوالنا الحاضرة. لا بدّ وأن يلمس الفارق الكبير الذي أحدثته (إلى جانب ضعف النفس) ظروف ومؤثرات عديدة، فالمسلمة في حاضرنا كانت إلى عهد قريب:
- إما امرأة تحمل الإسلام حملا عاطفيا ينجلي فيه الصدق وتنعدم فيه الفاعلية.
- وإما امرأة انهزمت كليا أمام مفاهيم الغرب الفاسدة، فباتت لا تحمل من الإسلام إلا اسمه.
- وإما امرأة سعت إلى التوفيق، فراحت تخلط عملا صالحا بآخر سيئا..
وسواء كان سبب الهوة ضعف النفس، أو ظروف قاهرة، فلا بدّ من القول أنّ شلّ القدرة على المواجهة، نتج عن انخفاض في المستوى الايماني المطلوب. ذلك أن المرأة في تلك الحقبة كان عيشها للاسلام ذوبانا في المفاهيم والأحكام. فكانت رسالية في تعاملها مع الزوج، وفي تربيتها للأبناء، وفي السعي والانضباط تحت أقسى الظروف وأشدّها. كانت تتلقى أوامر الله ونواهيه بإيمان مطمئن وحاسم، وهذا ما يميزها عن المرأة في واقعنا الحاضر، التي بات ينطبق عليها إلى حدّ بعيد قوله تعالى: «وضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء مشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا». فالمرأة التي تتلقى تكاليفها من مصدر واحد لا بدّ أن تنعم براحة الاستقامة وتجمع الطاقة. أمّا التي تتلقى من شركاء متشاكسين رأيا من هنا وآخر من هناك، (فعدا الخسران)، سيشلّ فعاليتها التوزع والضياع.
إذا، فالهوة التي تقسم بين المرأة الرسالية، والمرأة التقليديّة في حاضرنا، هي مقدار انحسار الإسلام من واقع حياتها. فإذا نهضت لردم تلك الهوة بالتزام كامل فعال، فلا بدّ أن تستعيد ذاك الدور. وهذا ما تؤكده الطلائع النيرة، التي عادت لتسطع من جديد في ساحة الثورة الإسلامية في إيران.
2- هل تعتقدين أنّ للمرأة خطوطا خاصة في العمل إلى جانب الخطوط العامة، تنسجم مع تكوينها وتفجير طاقاتها؟
مما لا شكّ فيه أنّ هناك خطوطا خاصة تنسجم مع طبيعة المرأة، تبعا لاختلاف مهمتها عن الرجل. والتي لا جدال أنها أتت مهيّأة لها نفسيا وجسديا. لذا حرص الاسلام على عدم تبديد طاقاتها، وذلك بأرشادها إلى الخطوط الملائمة التي تمكنها من تفجير تلك الطاقات في الموقع المناسب. فهي والرجل، إنّما تفترق وتلتقي مجالات عملهما، بمقدار ما تنسجم مع طبيعة كل منهما ودوره الأساسي في الحياة. فهي إن خرجت للعمل انسانة لا أنثى، وإن تزاحمت الأعمال فهي الرسالية والزوجة والأم قبل أيّ شيء آخر.
3-هل ترين أنّ الدوائر التي تستطيع المرأة من خلالها تأدية واجبها الرسالي هي مجالات ودوائر ضيّقة؟
حين تتحرك المرأة بالإسلام، فليس هناك من مجالات ضيّقة –أو واسعة– فشريعة القرآن راعت الفطرة، ومتطلبات النهوض بالتكليف. والمرأة والرجل إنما يتعاونان ويتقاسمان الجهد والسعي في المجالات ككل.
أما دور المرأة بمقتضى هذه الشريعة فإنّه فعال وغير ضئيل. قال تعالى: «المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر» كذلك «فاستجاب لهم ربّهم اني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو انثى بعضكم من بعض». وإلى جانب العديد من الآيات الكريمة التي تبين الدور الرسالي، جاء قول الرسول(ص): "العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة" ليساهم عمليا في تأكيد هذا المجال إنطلاقا من كون العلم هو المقدمة لكل عمل.
أما دورها كزوجة، فيكفي أن نتأمل المهمات التي نهضت بها الرساليات الأوائل في مجال استقرار البيت وفاعليته لنعي ابعاده. إلى جانب أن دائرة إعداد الجيل حاليا باتت تذخر بالمتطلبات والجهود المترتبة على الأم المسلمة في هذا المضمار تفوق بما لا يقاس جهود أيّ امرأة أخرى. فقبل مدة قام عدد من الخبراء الأمريكيين بطرح أسئلة على خمسة عشر من أبناء أثرى أثرياء العالم، ليتمكنوا من وضع دراسة لظاهرة القلق والتعاسة عند هؤلاء، رغم المستوى الرفاهي المتوفر لهم. فجاء في قمة مطالبهم التي وقفوا عندها طويلا، هو ضرورة تواجد الأم في البيت، لأنهم يفتقدون الرعاية والحنان. وهذا ما لا يعوضه أي عامل آخر.
أما بقية مطالبهم التي تعبر عن معاناتهم فكان منها:
- هدف كبير أبعد من ذاتهم.
- فكرة يتبناها العالم بأسره.
- أخوة على الصعيد الأنساني.
- لغة واحدة للعالم تمكن من التعارف والتفاهم.
هذا هو نداء الفطرة الذي كان على الأم أن ترعاه، والذي جاء على لسان التعساء من أبناء المدينة الحديثة. وبهذه الدلائل وأمثالها، ندرك حجم الدور الأساسي للمرأة، والذي عليه يتوقف جزء كبير من صلاح أمرنا. فالمرأة المسلمة تستطيع -كيفما اتجهت- تأدية واجبها الرسالي إن هي نهضت على بصيره. ذلك أن الاسلام ترك لها مجال العمل مفتوحا في جميع المرافق والمجالات، إلا فيما ينافي أنانيتها ويتعارض مع دورها الأساسي.
4- كيف تستطيع الفتاة أن توفق بين متطلبات البيت والنشاط الأجتماعي على هدى الإسلام؟
يمكنها أن توفق، حين تتوجه لتحسين علاقتها بالله. وتعمل جديا لرفع مستوى تلك العلاقة. وذلك بتحصيل الأرتباط العملي بكافة أوامر الله ونواهيه، بحيث تصبح هي الموجه لكافة أفكارها وتصوراتها. فبدون استحضار الحكم الشرعي أو المفهوم الإسلامي لمواجهة أي أمر يعترضها، لا يمكنها أن تعيش قضية الحقوق والواجبات بالفعالية المطلوبة. فحين تعود الفتاة إلى البيت مرهقة، وقد أنفقت كل طاقاتها خارجا في واجبات أخرى، لا يمكنها التنبه إلى حقوق الوالدين، ومسؤولية المشاركة والتعاطف مع أفراد الأسرة. فاستبقاء جزء من حيويتنا لانعاش أجوائنا البيتية أمر هام وضروري. وعلينا أن نذكر الزهراء(ع)، كيف جسدت الموقف الرسالي حين جمعت بين أن تكون "أم أبيها"، وأن يكون بيتها أول مدرسة للمسلمات. ومن ثم لتكون مثال الزوج في تعاملها ونهوضها، وتربيتها، وإدارة بيتها.
إذن المهم أن تعي كل فتاة دورها وإمكاناتها، وتقف عند الأولويات من منطلق رسالي بحت. ثم تعمل على تقسيم وقتها، وإخضاعه لبرنامج يومي أو أسبوعي.
فعن الرسول(ص): "إن للمؤمن أربع ساعات؛ ساعة يناجي فيها ربّه، وساعة لمعاشه، وساعة لمعاشرة الأخوان والتقاة في الدين، ممن يعرفونكم عيوبكم، ويخلصون لكم في الباطن، وساعة لنفسه فيما يحل فيها ويجبل". وهذا ما يدلنا على ضرورة ترتيب الوقت، وحرمه في أربعة خطوط لكي تتحاشى الارتباك أو الزلل.
فإذا استطاعت كل فتاة أن تجمع إلى هذا حسن التوجه والإرادة، وكان همها كل همها تحصيل رضا الله في كل جانب من جوانب حياتها، فإنّ عملية التوفيق تصبح معاشة.
من أرشيف مقابلة مع الحاجة عفاف الحكيم أجرتها مجلة الحكمة
اترك تعليق