مقامُ السيّدة زينب(ع) في القاهرة
في هذا التّحقيق، نتوقّف عند أعتاب مشهد السّيّدة زينب(ع) ومسجدِها في القاهرة، ولا نهدفُ فيه إلى دراسة الآراء والأقوال التي تعدَّدت في مكان دفنِها، بل نكتفي بإشارةٍ موجزة، لنتوقّف عند معالم هذا المشهد الشّريف ماضياً وحاضراً، ونتعرّف إلى اهتمام المصريّين به على مرّ العصور، وحبّهم الشّديد لأهل بيت النّبيّ صلوات الله عليهم.
على قولِ أنّها(ع) دُفنت في مصر:
ذكر النّسّابة المؤرّخ العقيقيّ العُبَيدليّ (يحيى بن الحسن بن جعفر الحجّة بن عبيد الله الأعرج بن الحسين الأصغر، ابن الإمام السّجّاد زين العابدين، المتوفّى 277 للهجرة) في كتابه (أخبار الزّينبات) أنّ السّيّدة زينب عليها السّلام رَحَلت إلى مصر بعد واقعة كربلاء ودُفنت هناك. والعبيدليّ أوَّل مَن صَنَّف في أنساب الطّالبيّين. ومعظمُ الذين كتبوا حول وفادة السّيدة زينب عليها السلام إلى مصر، اعتمدوا كتابَه هذا، ففي كلّ المراجع المعاصرة التي تناولت سيرتها الشّريفة، إشارةٌ إلى الحوادث والمرويّات التي ساقَها العُبَيدليّ.
ويؤيِّدُ الرّأيَ القائلَ بأنّها عليها السلام دُفنت في مصر، طائفةٌ من العلماء والمؤرّخين المتقدّمين والمتأخّرين، وأبرز المعاصرين من مؤيّدي هذا الرَّأي آية الله شهاب الدّين المرعشيّ النجَفيّ، الذي أمر بطبع كتاب العُبيدليّ -ولم يكن طُبع من قبل- سنة 1401 للهجرة، وقَدَّم له.
أمّا السيّد محسن الأمين العامليّ رحمه الله فيقول في (أعيان الشيعة) عند حديثِه عن المقام المنسوب للسيّدة زينب عليها السلام في القاهرة: «وهذا المشهد مزارٌ، مُعظَّمٌ، مشيدُ البناء، بناؤه غايةُ الإتقان، فسيحُ الأرجاء. دخلتُهُ وزرْتُه في سفري إلى الحجاز بطريق مصر، عام 1340 للهجرة، ويُعرَف بمشهد السيّدة زينب، وأهلُ مصر يتوافدون لزيارته زرافاتٍ ووحداناً، وتُلقى فيه الدُّروس، وهم يعتقدون أنَّ صاحبتَه زينب بنت عليّ بن أبي طالب، حتّى إنِّي رأيتُ كتاباً مطبوعاً بمصر لا أذكرُ اسمَه الآن، ولا اسمَ مؤلِّفه، وفيه: إنَّ صاحبةَ هذا المشهد هي زينب بنت عليّ بن أبي طالب(ع)..».
ومع ذلك، يبقى أنّ أقوى الآراء وأشهرَها هو أنّ السيّدة زينب الكبرى صلوات الله عليها دُفِنت في دمشق الشّام، وهذا بدوره موضوعُ تحقيقٍ مستقلّ.
مغادرة المدينة المنوّرة:
ما إن انتَهت واقعةُ كربلاء، حتى بدأت مرحلة ثانية للثّورة، تَكَفّل بإنجاحها الإمامُ زين العابدين وعمّتُه السّيّدة زينب عليهما السلام، وهي التي ما هَدأت لها عينٌ ولا سَكَنت لها رنّة، فقد كان وجودُها في المدينة المنوّرة كافياً لإلهاب مشاعر النّاس، فطَلَب منها والي يزيد في المدينة عمرو بن سعيد الأشدق الخروج، فقالت لها زينب بنت عقيل بن أبي طالب: «يا ابنةَ عمّي، قد صدَقَنا اللهُ وعْدَه وأوْرَثَنا الأرضَ نتبوّأُ منها حيث نشاء وسيجزي الله الظالمين، إرحلي إلى بلدٍ آمن..». (راجع: أخبار الزّينبات للعبيدليّ).
فاختارت مصر داراً لإقامتها لِمَا سَمعت عن أهلها من محبّتهم لآل البيت عليهم السلام ولولائهم ومودّتهم لِذَوي القُربى، وللحديث النّبويّ الشّريف المشهور بين النّاس: «إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ، فَإِذا فَتَحْتُموها فَاسْتَوْصَوْا بِالقِبْطِ خَيْرًا، فَإِنَّ لَهُمْ رَحِمًا وَذِمَّةً»؛ يعني أنّ أمّ المؤمنين مارية القبطيّة أمّ إبراهيم ابن رسول الله(ص) منهم. والحديث الآخر: "إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ، وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِماً".
وفي خلافة أمير المؤمنين(ع)، تأصّلت محبّةُ آل البيت عليهم السلام في قلوب المصريّين، لأنّهم عاينوا مع ولاته صلوات الله عليه إقامةَ العدل وإحقاقَ الحقّ، وقد تولاّها له قيسُ بن سعد، ثمّ محمّدُ بن أبي بكر، أمَّا مالك الأشتر الذي أرسلَه الإمام عليه السلام ليتولّى إمرتَها، فإنّه اغتيلَ بإيعازٍ من معاوية على حدودِها، ولم يتسنَّ له دخولها.
الوصول إلى مصر:
وفق رواية العُبيدليّ، وصلت السّيّدة زينب عليها السلام إلى مصر في الأوّل من شعبان عام 61 للهجرة، وكانت الجموع الغفيرة تنتظرُها لاستقبالِها، وفي مقدّمتها مَسْلَمَةُ بن مُخَلَّدِ الأنصاريّ (ت: 62 للهجرة)، وحول ذلك قالت رقيّة بنت عقبة بن نافع الفهريّ: «كنتُ فيمَن استقبل زينب بنت عليّ لمّا قدمت مصر بعد المصيبة، فتقدّم إليها مَسْلَمَةُ بن مُخَلَّد وعبد الله بن الحارث وأبو عَمْرَةَ المُزَنِيُّ، فعزّاها مسلمة وبكى، فبكَت وبكى الحاضرون، وقالت: «... هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ» يس:52. ثمّ احتملَها إلى داره بـ "الحمراء"، فأقامت به أحد عشر شهراً وخمسة عشر يوماً وتوفّيت وشهدتُ جنازتها ".." فدفنوها بالحمراء بمخدعها من الدّار بوصيّتها». وكان ذلك عشيّة يوم الأحد لأربع عشرة مَضَين من رجب عام 62 للهجرة على أرجح الأقوال، كما في أخبار العبيدليّ.
المنطقة التي يقعُ فيها المشهد الزّينبيّ:
يقعُ المشهدُ الزّينبيّ اليوم في ميدان السّيّدة زينب بالقاهرة، وكانت هذه المنطقة تُعرَفُ قديماً بـ «الحمراء»، وقد بنى والي مصر عبد العزيز بن مروان (ت: 85 للهجرة) قنطرةً عند فمِ الخليج الذي كان يخرجُ من النّيل وينتهي عند السّويس، وكَتَب عليها اسمَه، ثمّ اندثرت. وبُنيت لاحقاً قنطرة السّدّ، فعُرفت المنطقة باسمها، ثمّ عُرفت بخطّ قنطرة السّباع، نسبةً إلى نقش السّباع على القنطرة التي بناها المملوكيّ بيبرس، وكانت السّباعُ شارتَه.
المشهد قديماً:
أَخَذ النّاسُ يفدون إلى ضريح السّيّدة زينب عليها السلام بعد وفاتها، وبعد مُضِيِّ عامٍ واحد أقاموا لها موسماً عظيماً، ومن ذلك الحين لم يَنقطع الموسمُ المذكور إلى وقتنِا هذا، وهو المُعبَّر عنه بـ «المولد الزّينبيّ» الذي يَبتدأ من أوّل شهر رجب من كلّ سنةٍ وينتهي ليلة النّصف منه، وهي ليلة الختام، وتُحيَا هذه اللّيالي بتلاوة آياتٍ القرآن الكريم، والأذكار الشّرعيّة، ويَفِدُ النّاس من جميع الأرجاء، لا سيّما أيّام الآحاد، وهو اليوم الذي تُوفّيت فيه السيّدة زينب عليها السلام وفق الرّواية المتقدّمة.
وبمرور السّنين اندَثَر جزءٌ كبيرٌ من الدّار إلّا ما كان من الضّريح الطّاهر، فإنّه كان معظّماً مقصوداً بالزّيارة، وموضعَ تبجيلِ الخاصّة والعامّة من النّاس، الذين كانوا يتعاهدونه بالتّعمير والإصلاحِ وبناءِ كلِّ ما يَتَصدّع من جدرانه، وكان يُصرَف على القائمين عليه، من وجوه الخير ومن رَيع الأعيان والممتلكات التي أُوقفت على الضّريح الشّريف.
تجديدُ المشهد وتوسيعُه في العصور اللّاحقة:
* في زمن الفاطميّين، بنى المعزّ الفاطميّ (ت: 365 للهجرة) أو العزيز بالله (ت: 386 للهجرة) عمارةً جليلةً عظيمةً على المشهد الشّريف. وقد ذكر الرّحالة الأديب أبو عبد الله محمّد الكوهينيّ الفاسيّ الأندلسيّ (ت:418 للهجرة)، أنّه دخلَ القاهرة في الرّابع عشر من المحرّم سنة 396 للهجرة، وقَصَد مشهد السّيّدة زينب بنت عليّ عليهما السلام، فوجَدَه داخلَ دارٍ كبيرة، وهو في طرفها البحريّ [على النّيل] يُشرِفُ على الخليج، ثمّ قال: «فنزَلنا إليه في مدرج، وعايَنّا الضّريح، وشَمَمنا منه رائحةً طيّبة، ورأينا بأعلاه قبّةً من الجُصّ، وفي صدر الحجرة ثلاثة محاريب، وعلى كلِّ ذلك نقوشٌ في غاية الإتقان، ويعلو باب الحجرة [نقشٌ فيه] بعد البَسملة: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا﴾ الجن:18، هذا ما أمرَ به عبدُ الله ".." الإمام العزيز بالله ".." أمرَ بعمارةِ هذا المشهد على مقام السّيّدة الطّاهرة بنت البتول، زينب بنت الإمام عليّ بن أبي طالب، صلوات الله تعالى عليها وعلى آبائها الطّاهرين وأبنائها المكرَّمين».
* وفي أيّام الحاكم بأمر الله الفاطميّ (ت: 411 للهجرة)، أمرَ بإثباتِ المساجد والمشاهد التي لا غلّة لها ولا رَيع، وأوقفَ عليها عدّة ضياع ومحالّ تجاريّة عام 405 للهجرة، وقد خُصَّ المشهدُ الزّينبيّ بنصيبٍ وافرٍ من هذه الأوقاف.
* وفي أواخر القرن السّادس الهجريّ أجرى الشّريف فخر الدّين إسماعيل بن ثعلب الجعفريّ (ت: 613 للهجرة) عمارةً وإصلاحاً على هذا المشهد الكبير، وكان الجعفريّ نقيبَ الأشراف الزّينبيّين في القاهرة.
وظلّ العديدُ من أهل الفضل والعلم والولاية يتناوبون على خدمة هذا المقام. ومن أعظمِهم ذكراً: السّيّد محمّد بن أبي المجد القرشيّ الحسينيّ المعروف بـ «سِيدي محمّد العِتْريس» المتوفّى في أواخر القرن السّابع الهجريّ، والسّيّد الحسينيّ العلويّ، المعروف بـ «سِيدي عبد الرّحمن العَيدَروس» (ت: 1778م)، وقد دُفن كلاهما أمام المقام الزّينبيّ الطّاهر من الجهة البحريّة.
* بقيت تلك العمارة قائمةً على هذا المشهد المبارك، إلى أن كان القرن الثامن عشر الميلاديّ، فاهتمّ الأمير علي باشا في منتصفِه بتعميرِ المشهدِ وتشييده، وجعلَ له مسجداً يتّصلُ به، وفي سنة 1761م، أعاد الأمير عبد الرّحمن كَتْخُدا -وكان من أكثر المهتمّين بالحركة العمرانيّة في القاهرة- بناءَ المسجد وتشييدَ أركانه، وأنشأ فيه ساقيةً وحوضاً للطّهارة والوضوء.
* وفي سنة 1795م جُدِّدت المقصورةُ التي تُحيط بالضّريح الطّاهر المقامِ فوقَ القبر، وصُنعت من النّحاس الأصفر، ونُصِبت فوق بابها لوحةٌ نحاسيّةٌ كُتب عليها: «يا سيّدة زينب، يا بنت فاطمة الزّهراء، مَدَدَكِ»، وما تزال اللّوحةُ على الضّريح الشّريف حتّى اليوم.
* في سنة 1798م تصدّعت جدرانُ المسجد، فهُدِمَ وشُرع في تشييده، لكنَّ البناء توقَّف لدخول الفرنسيّين مصر. وبعد خروجِهم من البلاد عام 1801م أُكمِلَ البناء، وأُرِّخَ ذلك بأبياتٍ من الشّعر خُطّت على لوحٍ من الرّخام جاء فيها:
نـورُ بـنـتِ النـّبيِّ زينبَ يَعلو مـسجداً فيـه قَبـرُهـا والمزارُ
* بعد ذلك -ونظراً لموقعِ السيّدة زينب عليها السلام في نفوس المصريّين- أصبح هذا المسجد محلَّ رعاية حكّام البلاد من أسرة محمّد عليّ باشا، فظّلَّ التّعميرُ والتّجديدُ يدخلان عليه. وفي سنة 1854م، شرع الخديويّ عبّاس باشا الأوّل في إصلاحه ووضعَ حجرَ الأساس، ولكنّ الموتَ عاجلَه في ذلك العام، فقام الخديويّ محمّد سعيد باشا في سنة 1860م، وقبل وفاتِه بثلاث سنوات، بإتمامِ ما بدأه سلفُه، وجدّد عمارةَ مقامَي «العتريس والعَيدَروس»، وكتب على باب المقام الزّينبيّ هذا البيت:
يـا زائريها قِفوا بِالبابِ وابتَهِلوا بنتُ الرَّسولِ لِهذا القُطرِ مِصْباحُ
* وفي سنة 1877م أمر الخديويّ إسماعيل بتجديد الباب المقابل لبابِ القبّة، وجعلَه من الرّخام، أمّا المسجدُ القائمُ الآن، فقد أمر بإنشائه الخديوي توفيق (ت: 1892م)، وتمّ بناؤه سنة (1302 هجريّة/ 1885م)، وفُتِحَ البابُ المخصّصُ حاليّاً لدخول السّيّدات، وكُتب على باب القبّة الشّريفة التي تضمّ الضّريح الطّاهر:
قِـفْ تَـوَسَّـلْ بـبـابِ بِـنـْتِ عليٍّ بِـخُـضـوعٍ وسَــلْ إِلـهَ السَّمـاءِ
تَـحْـظَ بـِالعـزِّ وَالقـَـبولِ وأرِّخْ: بابُ أُخْتِ الحُسَيْنِ بابُ العَلاءِ (1302)
* وفي عهد الملك فاروق (ت: 1965م)، تمّ توسيعُ المسجد من الجهة القِبليّة، وأُقيم فيه محرابٌ جديد، ووُضِعَ المنبرُ بجواره، وافتُتحَت هذه التّوسعة بصلاة الجمعة في 19 ذي الحجّة سنة 1360 هجريّة/ 1942م.
مساحةُ المسجد وأبوابُه:
زادَ إقبالُ النّاس على هذا المسجد حتّى ضاقَ بالمصلّين، خاصّة في أيّام الجمَع والأعياد، فأُجريت توسعة عظيمة عليه من الجهة القِبليّة أيضاً، وضُمَّت إليه مساحة تقدّر بحوالي ألفين وخمسمائة متر مربّع. وبذلك اتّصل بناءُ مقام المشهد بمسجد الزّعفرانيّ المجاور له من النّاحية القبليّة من جهة شارع السّدّ، كما أُقيمت فيه مكتبة كبيرة تضمّ عشرات الآلاف من المجلّدات، من بينها العديد من المخطوطات النّادرة، وأُلحقت بها قاعة فسيحة للمطالعة.
وتبلغ مساحة المسجد وملحقاته حاليّاً حوالي سبعة آلاف متر مربّع ، وتشرف واجهته الرّئيسيّة على ميدان السّيّدة زينب عليها السلام. ولهذه الواجهة ثلاثة أبواب تؤدّي إلى داخل المسجد مباشرة، وقد زُيّنت تلك الأبواب من كلا جانبيها بآياتٍ من القرآن الكريم منقوشة على الحجر بخطّ الثُّلُث الجميل، كما زُيّن أعلاها بأبياتٍ من الشّعر.
فقد زُيِّنَ جانبا الباب الشّرقيّ للمسجد، وهو أقرب الأبواب إلى المحراب، بالآيتَين الشريفتين:
«إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ* وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ» المائدة:55،56، والآية: «وللهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» آل عمران:189.
وخُصّ جانبا الباب الأوسط كذلك بالآيات الشّريفة: «...لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ» التّوبة:108. «أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا* وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا» الإسراء: 78-79.
أمّا الباب الغربيّ ويُعرف بـ «باب الطّرقة»، وهو أقرب الأبواب المؤدّية إلى الضّريح، فقد كُتبت على جانبَي مدخله الآيتان الشّريفتان: «وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ* وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ» هود:114-115.
وفي الواجهة المطلّة على الميدان عند طرفها الغربيّ باب آخر مخصّص لدخول السّيّدات ويؤدّي إلى الضّريح، وتقوم المئذنة على يسار هذا الباب الذي يعرف بـ «باب الِعتريس». وقد كُتبت على جانبَيه الآياتُ الكريمة من سورة الرّعد:
«وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ* جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ* سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ» الرعد:22-24
كما كُتب في أعلاه:
وقد تميّز جدار هذا الجزء من المسجد بإضافات من الشّعر ليست على باقي الجدران، فكُتب في أعلى وسطه ما يأتي:
بـيـتُـنـا سامي الذّرى أرِّخوا: بابُنا المَقبولِ بابُ الرِّضا (1302)
المئذنة والقباب:
تتميّز المئذنة بنقوش وزخارف عربية جميلة، وترتفع عن سطح الأرض بما يقرب من خمسة وأربعين متراً، وتُحيطُ بها ثلاثُ شرفات، وقد زُيّنت جدرانها بآيات من القرآن الكريم، فجاء في الجزء الأعلى آيات من سورة الأحزاب (من الآية 40 إلى 47)، وجاء في الجزء الأدنى، الآيات: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ» الجمعة:9-11.
ويحيط بالرّكن الغربيّ البحريّ للمسجد سُورٌ من حديد، بداخله قبّتان صغيرتان متجاورتان، شُيّدتا على ستّة أعمدة رخاميّة فوق قبرَي العتريس والعيدروس، وكُتب عليهما أبياتٌ من الشّعر.
وللمسجد واجهتان أُخرَيان، إحداهما على شارع العتريس، وهي الواجهة الشّرقيّة وفيها مدخل يؤدّي إلى المكتبة وقاعة المطالعة وسائر ملحقات المسجد، والأخرى تطلّ على الفِناء المجاور لمسجد الزعفرانيّ.
وقد أُنشئت واجهات المسجد ومنارته وقبّة الضّريح على طراز العمارة الإسلاميّة في القرن العاشر الهجريّ، وهي حافلةٌ بالزّخارف العربيّة والمقرنَصات والكتابات. وتُوِّجت جدران المسجد من الخارج من النّواحي الشّرقيّة والقبْليّة والبحريّة بآيات شريفة من القرآن الكريم، نقشت فوق الحَجر داخل إطارات، وكُتبت بالخطّ الثُّلُث الجميل الذي يدلّ على دقة الصّنع وحسن الذّوق.
الضّريح الطّاهر:
يقعُ في الجهة الغربيّة من المسجد، تُحيط به مقصورة من النّحاس الأصفر، تعلوها قُبّةٌ من الخشب، زُيّنت من الدّاخل بالنّقوش العربيّة الملوّنة، وبإطارات تتضمّنُ آياتٍ من القرآن الكريم ونبذة عن حياة السيّدة زينب عليها السلام. وتُحيط بجوانب هذه القبّة نوافذ من الخشب الدّقيق الصّنع.
وتعلو الضّريح قبّة مرتفعة، وتُحيط بجوانبها نوافذ جصيّة مفرّغة بزجاج ملوّن. ونُقشت جدران هذه القبّة بالنّقوش العربيّة الملوّنة، وكُتبت عليها في خطَّين متوازيين، أحدهما يعلو الآخر، آياتٌ من القرآن الكريم، ونبذة عن تاريخ إنشاء المسجد.
والمسجد الزّينبيّ في القاهرة موضعٌ مقصود للصّلاة والعبادة، والمشهدُ الشّريف مهوى قلوب المصريّين الذين يُظهرون كلّ الحبّ والتّقدير والتّعظيم لآل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله، فعند عتباتِه ترتفعُ الابتهالات، وبداخلِه تُقام الصّلوات وتلاوة الأذكار، وتُعقد النّذور.
المصدر: مجلة شعائر، العدد السادس والثلاثون.
إعداد: أحمد الحسيني.
اترك تعليق