مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

بيت فاطمة (عليها السلام)

بيت فاطمة (عليها السلام)

عندما بنى الرسول صلّى الله عليه وآله المسجد النبوي في نهاية العام الأول للهجرة في المدينة بنى على زاويته الشرقية الجنوبية بيته، ثم بنى فيما يليه وإلى جهة الشمال بيتاً يؤوي علياً وفاطمة عليهما السّلام.
وكانت مساحته على ما ذكره البتنوني كالتالي: طوله الجنوبي 5,14 متراً والشمالي 14 متراً وعرضه من جهتي الغرب والشرق حوالي 5,7 متراً، ولكنه حدد بيتها في تخطيطه بعرض 25,7 متراً وبطول تسعة أمتار.
وكان النبيّ صلّى الله عليه وآله يتهجّد خلف بيت فاطمة عليها السّلام من جهة الشمال عند الأسطوانة التي سُمّيت بأسطوانة التهجد، وما بين البيتين خوخة.
وفي هذا البيت عرّس عليّ عليه السّلام بفاطمة عليها السّلام عند الأسطوانة والتي عند محرابها عليها السّلام وذلك في نهاية عام اثنين للهجرة، وفيه ولد السِّبطان الحسن والحسين عليهما السّلام وزينب عليها السّلام وأم كلثوم عليها السّلام.
وبين بيت فاطمة عليها السّلام وبيت النبيّ صلّى الله عليه وآله كوّة سألت فاطمة عليها السّلام الرسول صلّى الله عليه وآله أن يسدها بعدما علمت أن عائشة اطّلعت على أخبار بيتها من خلالها فسدّها الرسول صلّى الله عليه وآله تلبية لرغبتها. وكان لبيت علي وفاطمة منفذ إلى المسجد النبوي كما وردت بذلك الأحاديث المتواترة. وكان لبيتها باب إلى الجنوب في الخوخة التي بين بيت الرسول صلّى الله عليه وآله وبيتها، وكانت فاطمة تستر الباب في بعض الأحيان بساتر.
وكانت موادّ البيت الفاطمي العلوي وهندسته بسيطة كالبيت النبوي، حيث بُني من اللَّبِن والجَريد ومُسوح الشَّعر، وذلك لرواية داود بن قيس، قال: رأيت الحجرات من جريد النخل مغشى من خارج بمُسوح الشعر، وأظن عرض البيت -النبوي- من باب الحجرة إلى باب البيت نحواً من ستة أو سبعة أذرع، وأُحرز البيت الداخل عشر أذرع، وأظن سُمكه بين الثمان والسبع.
ويقول الحسن البصري: كنت أدخل بيوت رسول الله صلّى الله عليه وآله وأنا غلام مراهق وأنال السقف بيدي، وكان لكل بيت حجرة وكانت حجره من أكسية من خشب عَرعَر.
وقال الهذلي: رأيت منازل أزواج النبيّ صلّى الله عليه وآله حيث هدّمها عمر بن عبدالعزيز وهو أمير المدينة في خلافة الوليد بن عبدالملك، وزادها في المسجد، كانت بيوتاً مبنيّة باللَّبِن ولها حجر من جَريد عَدَدتُ تسعة أبيات بحجرها ورأيت أم سلمة وحجرتُها من لَبن.
وقال عطاء الخراساني: أدركت حُجَر أزواج رسول الله صلّى الله عليه وآله من جريد النخل، على أبوابها المسوح من شعر.
ومن كل ما قدمناه تبين أن الأبعاد التقريبية لبيت فاطمة وعلي عليهما السّلام كانت على الشكل التالي: الضلع الجنوبي 5,14 متراً، والضلع الشمالي 14 متراً، وكلّ من الضلع الشرقي والغربي 5,7 أمتار، وارتفاعه متران، أو أن طوله تسعة امتار وعرضه 25,7 أمتار. وبنيت حيطانه من الجريد أو اللبنة المطلية بالطين ومسوح الشعر، وسقفه من جريد النخل، وكان مقسماً، إلى ساحة وحجرة.
والظاهر أن الحيطان كانت مبنية من الجريد. وما نقل من أن حجرة عائشة التي فيها قبر الرسول صلّى الله عليه وآله كانت مبنية من اللبن فإنه من عمل ابن الزبير أو عمر بن الخطاب حيث أبدل الجريد باللبن.
ويظهر أيضاً ـمما يذكر بأن باب حجرة عائشة كان مصنوعاً من العَرعَر وله مصراع واحدـ أن باب بيت فاطمة عليها السّلام كان أيضاً من العرعر، وربما كان مؤلّفاً من مصراع واحد أيضاً، ولعلّ الجدران من الخارج كانت مطليّة بالطين ومُسوح الشعر ومن الداخل مكسوّة بخشب العرعر.
هذا ويظهر من حديث (سَدّ الأبواب) المتواتر عند الفريقين، بالنسبة إلى باب بيت علي وفاطمة عليهما السّلام:
1 ـ أنّه كان لبيتهما باب على جهة الغرب ينفتح على المسجد.
2 ـ أن مرورهما وأولادهما كان من المسجد، بمعنى أنه لم يكن لهما طريق إلى الخارج إلا عبر المسجد.
وسنختار بعض النصوص من أحاديث سد الأبواب التي فيها نوع من الصراحة بذلك مقتصرين على محل الحاجة:
1ـ «وسَدَّ الأبوابَ إلاّ بابَه في المسجد».
2ـ سدّوا أبواب المسجد كلها إلاّ باب عليّ».
3ـ «فإنه سدّ أبوابنا في المسجد وأقرّ بابه».
4ـ «سد أبواب المسجد وفتح باب عليّ».
5ـ «أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله بسدّ الأبواب الشارعة في المسجد، وترك باب عليّ».
6ـ «كان لنفر من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله أبواب شارعة في المسجد فقال يوماً: سُدّوا هذه الأبواب إلا باب عليّ».
7ـ «سدوا أبواب المسجد غير باب عليّ، فيدخل المسجد جنباً وهو طريقه ليس له طريق غيره».
8ـ «ألا لا يحلّ هذا المسجد لِجُنُب ولا لحائض إلاّ لرسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين».
إذاً فباب بيت علي وفاطمة كان شارعاً إلى المسجد، وهذا لا ينافي ما سبق، وذكرنا نقلاً عن السمهودي أن لبيت علي وفاطمة باباً من جهة الجنوب شارع إلى الخوخة، والجمع بين القولين أن لبيتهما بابين. ولابد من القول بأن الخوخة لم تكن شارعة إلى غير المسجد كي يتحقق أنه لم يكن لبيتهما باب شارع إلى غير المسجد.
وأما ما عُرف من باب فاطمة من جهة الشرق والموجود إلى يومنا هذا فهو الباب الشرقي للمقصورة النبوية الشريفة، وإنما سمّي فيما بعد بباب فاطمة لجواره لبيت فاطمة.
ولعل الباب الجنوبي بيت فاطمة كان باباً داخلياً تطل منه إلى بيت أبيها هو البيت الذي خصصه صلّى الله عليه وآله لزوجته عائشة.
وأما الباب الرئيسي لبيت علي وفاطمة وهوالباب الغربي المطلّ على المسجد، فكان موقعه قرب الزاوية الجنوبية الغربية للبيت حيث حدّد أن باب بيتهما يقع عند مربعة القبر والتي فيها أسطوانة جبرئيل عليه السّلام ـوهي في الحائز الذي أقامه عمر بن عبدالعزيز عند منحرف الصفحة الغربيةـ ويقال لها أيضاً: أسطوانة مربعة القبر لأنها في ركن المربعة الغربية الشمالية عند منحرف الصفحة الغربية من الحائز الذي بناه عمر بن عبد العزيز إلى جهة الشمال في صف أسطوانة الوفود بينهما الأسطوانة اللاصقة بالشباك التي شرقي أسطوانة الوفود.
والحاصل أن الباب المطلّ على المسجد كان يقع على بعد 75 سم تقريباً إلى جهة الشمال من الزاوية الجنوبية الغربية للبيت.
حدود البيت
وأما عن حدود بيت علي وفاطمة فقال السمهودي: إن بيت فاطمة عليها السّلام كان فيما بين مربعة القبر وأسطوانة التهجد. وقالوا أيضاً: كان بيت علي بن أبي طالب وسيدة نساء أهل الجنة فاطمة رضي الله عنهما شمالي بيت عائشة. وذكرت الروايات السابقة أنّ باب بيت علي عليه السّلام كان شارعاً في المسجد، وقيل إنّ حجرة أم سلمة كانت على جهة الشرق من بيت علي وفاطمة، فعلم من هذا كله أن بيت علي وفاطمة يحده من الغرب المسجد النبوي، ومن الشرق حجرة أم سلمة، ومن الشمال الخوخة الفاصلة بينه وبين حجرة عائشة، ومن الشمال الطريق المؤدي إلى باب جبرائيل، وينتهي جدار بيتهما عند أسطوانة التهجد، وهو المحراب الذي كان يتهجد ويصلي النبيّ صلّى الله عليه وآله فيه.
ومن ناحية أخرى فإن الزاوية الجنوبية الغربية من هذا البيت تقع عند أسطوانة مقام جبرئيل، كما أن البيت من جهة الشرق يوازي الباب الثاني للمسجد والذي أحدثه عمر ابن عبد العزيز عام 91هـ وسمّي بباب علي، ثمّ أُبدل فيما بعد بشبّاك وهو الآن أول شباك على يمين الخارج من باب جبرئيل.
تركيبة البيت
بيت علي وفاطمة، على ما يظهر من الروايات والتاريخ، كان على الشكل التالي:
1ـ يوجد عند الحائط الجنوبي للبيت محراب فاطمة وعنده أسطوانة جبرائيل وذلك لقول ابن النجار: وبيتها اليوم حوله مقصورة وفيه محراب وهو خلف حجرة النبيّ صلّى الله عليه وآله. ويضيف غيره قائلاً: ويوجد محراب فاطمة أمام محراب التهجد داخل المقصورة، وهو مبني على الأسطوانة مجوف مرخم شبه محراب النبيّ صلّى الله عليه وآله، وذلك على بُعد أقل من خمسة أمتار من الزاوية الجنوبية الغربية إلى جهة الشرق.
2ـ وتقع خلف بيتهما إلى جهة الشمال على الطريق المؤدي إلى باب جبرئيل أسطوانة التهجد وتُسمّى محراب التهجد، لأنَّ رسول الله صلّى الله عليه وآله كان يصلي ويتهجد عندها، وهو يوازي محراب فاطمة عليها السّلام.
3ـ ونستظهر أن بيت علي وفاطمة كان مقسّماً إلى قسمين، الأول: الساحة والثاني الحجرة، وعادة ما تكون الساحة أمام الحجرة، وعليه فالداخل من المسجد إلى بيت فاطمة إنما يدخل الساحة أولاً ثم يدخل حجرتها التي نستظهر أنها كانت إلى جهة الشرق من البيت.
4ـ كما نستظهر أن الكوّة كانت تقع إلى جهة الجنوب بعد منتصف البيت في الحجرة.
5ـ وربما كان جزء من الساحة مسقّفاً لغرض الطحن والخبز، ولعلّه كان إلى جهة الشمال أي في الزاوية الشمالية الغربية، والله العالم.
6ـ كما يظهر أن باب بيتها كان مؤلّفاً من مصراع مصنوع من خشب العرعر.
7ـ كما أن الظاهر أن جدران داخل البيت كانت مكسوّة بخشب العرعر.
وفي عام 17 هـ عندما وسّع عمر بن الخطاب المسجد النبوي ورقّمه بنى حجرة عائشة وأبدل الجريد بجدار من لَبِن ولم يغير شيئاً، فكانت قائمة على أربعة أضلاع ولم يُدخل شيئاً من بيت علي وفاطمة في المسجد ولا في بناء قبر الرسول صلّى الله عليه وآله، وكان الجدار الذي بناه قصيراً، فزاد عليه عبدالله ابن الزبير عام 65هـ.
ثم إن الوليد بن عبدالملك لمّا وسّع المسجد النبوي (88ـ 91 هـ) عَبْر واليه على المدينة عمر بن عبدالعزيز ضمّ بيوت بنات الرسول صلّى الله عليه وآله وزوجاته ومنها بيت عائشة إلى المسجد، وأحاط المرقد النبوي الشريف بأربعة جدران من أحجار سوداء ثم أحاطه بجدار مخمّس الشكل، كراهة أن يشبه بناء الكعبة. ووصف السمهودي أبعاد الحائز المخمّس بقوله: إن ارتفاع الدائر المخمّس من أرض المسجد ثلاثة عشر ذراعاً وثلث. وبين جدار الحجرة والدائر المخمّس من جهة الشمال فضاء، شكله مثلّث، ومساحته نحو ثمانية أذرع وبين جدار البيت الشرقي والجدار الظاهر الشرقي فضاء، فعند ابتدائه من جهة الشمال نحو ذراع اليد فإذا قرب إلى القبلة يضيق إلى شبر. وهكذا بين جدار البيت القبلي والجدار الظاهر القبلي فضاء، أوله من جهة المشرق ذراع ثم أقلّ من ذلك إلى ملتقى الحائطين في جهة المغرب بحيث يصير نحو شبر. ولا يوجد فضاء بين الجدار الخارج والداخل من جهة المغرب. أمّا طول جدران الحائز الظاهر من كل زاوية إلى الأخرى من خارجه فطول الجدار القبلي سبعة عشر ذراعاً، وطول الجدار الغربي من القبلة إلى طرف مقام جبرائيل ستة عشر ذراعاً ونصف ذراع، وذَرع المنعطف من مقام جبرئيل إلى الزاوية الشمالية اثنا عشر ذراعاً ونصف ذراع. وطول الجدار الشرقي من القبلة إلى الزاوية التي ينحرف منه إلى جهة الشمال اثنا عشر ذراعاً ونصف ذراع. وطول الجدار المنعطف من الجدار المذكور إلى الزاوية الشمالية نحو أربعة عشر ذراعاً.
وبعد بناء هذا الحائز الخماسي يكون قد أدخل الجزء الجنوبي الغربي من بيت علي وفاطمة فيه، وبقيت بقية البيت من جهة الشمال والشرق خارج الحائز.
ولا يخفى أن بيتها اليوم داخل المقصورة كما صرح بذلك ابن النجار وغيره.
هذا ونستبعد أن تكون إحاطة عمر بن عبدالعزيز للمرقد النبوي بأربعة جدران أن يكون مدارها حجرة عائشة التي دُفن فيها الرسول صلّى الله عليه وآله وأبو بكر وعمر، بل أن مدارها هو بيت عائشة بما فيها الحجرة، وذلك لتطابق مساحة هذه الإحاطة المستطيلة الشكل مع مساحة بيت عائشة، وإلاّ للزم أن يكون التخطيط على الشكل التالي:
وعلى كل فالجمع بين الأبعاد المذكورة للحائز العزيزي وبيت عائشة والفواصل بين جداريهما وأبعاد بيت فاطمة عليها السّلام، والقول بأن زاويتها الجنوبية الغربية تلتقي بالزاوية الغربية الشمالية المنحرفة للحائز العزيزي والذي يقع عند أسطوانة (مقام) جبرائيل لا يمكن إلاّ إذا قدر عرض خوخة علي عليه السّلام بثلاثة أمتار ونصف المتر، وهذا وإن كان مستبعداً من دلالة اللفظ «خوخة» أولاً، وعدم تطابقه مع القول بأن كل بيت فاطمة عليها السّلام يقع في المقصورة ثانياً، اللهمّ إلا إذ عُدّت الدكة الشمالية من المقصورة، أو أنها كانت من جملتها ثم انفصلت عنها في التعميرات، ويؤيد ذلك وضع السياج حولها، وعليه فيكون التخيطيط كالتالي:
ولا يخفى أن بعض المصادر تشير إلى أنّ جزءً قليلاً وربّما حوالي المترين أو أكثر ـوالذي هو اليوم ممرّ في داخل المقصورةـ كان من المسجد وأُدخل في المقصورة الحالية، ولعلّ وجود الخَصرة على جهة الشرق يؤيد ذلك، والقول به لا يخلو من وجه، وعليه فإذا أُخذ بعين الاعتبار الكلام السابق في خوخة علي عليه السّلام يكون التخطيط كالتالي: (ولكن لا تصل الفاصلة أكثر من متر ونصف).
وفي عام 668 هـ قام السلطان بيبرس بتطويق المرقد النبوي الشريف بما فيه بيت عائشة وبيت فاطمة والحائز العبد العزيزي بطوق من الخشب بارتفاع قامتين وبطول ستة عشر متراً من جهة الشمال والجنوب وخمسة عشر متراً من جهة الشرق والغرب.
وفي عام 678 هـ شيّد السلطان منصور قلاوون القبة النبوية، وهي القبة الظاهرية الكبيرة التي تسمّى الآن بالقبة الخضراء، فكانت قبة مربّعة من أسفلها مثمّنة من أعلاها، وجُدّدت أيام السلطان ناصر الصالحي.
ولما كان عام 694هـ زاد السلطان كتبُغا على ارتفاع السور بشبك حتى أوصله إلى السقف.
وفي عام 765هـ جُدِّد بناء القبة أيام السلطان الأشرف، وكان ذلك في شهر شعبان.
وفي عام 881هـ وبالتحديد في الرابع عشر من شعبان قام السلطان قايتباي بهدم جدار الحجرة النبوية التي كانت قد تصدّعت ليجددها، ففرغ من ذلك في السابع من شهر شوال من العام نفسه.
ولمّا كان عام 886هـ قام السلطان قايتباي أيضاً بتجديد البناء بعدما احترقت القبة، فشيّد قبة عالية من الآجرّ بدلاً من الخشب والرصاص اللذين كانت سابقتها عليهما، فأرسى دعامتين إحداهما من يمين المثلث، والأخرى من شماله، كما أرسل شبابيك نحاسية وحديدية من مصر لتُنصَب مكان السور الخشبي المحروق للمقصورة، فوضعت النحاسية من جهة الجنوب والحديدية من الجهات الثلاث الأخرى، وهي المقصورة المعروفة.
كما أقام قبة أخرى على حجرة السيّدة فاطمة، وأحدث حاجزاً بشبكة حديد داخل المقصورة بين بيت السيّدة فاطمة الزهراء وبين عائشة فصارت الرحبة التي عند مثلث الحجرة الشريفة من الجهة الشمالية كأنها مقصورة مستقلة طولها من الضلع الجنوبي 14 متراً، ومن الشرق والغرب 7 أمتار، ولها بابان على يمين المثلث ويساره.
وما زالت المقصورة في هيكلها الخارجي على بنائها القديم منذ ذلك العهد إلى يومنا هذا.
هذا وقد قام السلطان سليمان العثماني بترميم الحجرة النبوية الشريفة بالرخام وغيره أثناء حكومته ما بين عام 926ـ 948هـ.
ويظهر أن من جملة الترميمات التي قام بها السلطان سليمان القانوني هو هدم الحائز العزيزي وبناء القبور الثلاثة ووضع صناديق عليها من الخشب مُسَنَّمة قِمَمُها، كما يظهر في الصورة التي التُقطعت قبيل عام 1344هـ.
وكان من جملة ترميماته بناء قبر السيّدة فاطمة الزهراء عليها السّلام.
ثم إن القبور قد أُحيطت من داخل المقصورة بجدار من جوانبها الأربعة ليكوّن بذلك مبنى ذا أربعة أضلاع مثلومة زاويته الشمالية الشرقية لئلاّ يشبه الكعبة الشريفة. ويبلغ طول ضلعها الجنوبي حوالي 12 متراً، وطول ضلعه الغربي نحو 5,8 أمتار، والضلعان الآخران على القياس نفسه إلاّ مقدار الثلم الذي قدرناه بحوالي المترين.
ولعل هذا التغيير حصل مع هدم قبة الزهراء عليها السّلام وأضرحة أئمة البقيع في السابع من شوال عام 1344هـ بأمر من قادة الفرقة الوهابية التي ترى حرمة بناء القبور.
وفي آخر استطلاع لنا عن داخل المقصورة تبين لنا أن هذه الثلمة ليست موجودة الآن وليست ظاهرة على أقل التقادير، ولعلهم جبروها بالبناء أو بالخشب، أو لعلهم غطّوها بالستار الأخضر الذي كُسي به الجدار بأكمله فوازى عندها الضلع الشرقي للضلع الغربي والضلع الشمالي للضلع الجنوبي.
ومن الجدير ذكره أن الباب الشرقي الرابط بين بيت فاطمة عليها السّلام ومربعة القبر كان يقع في هذه الثلمة.
وأما عن داخل بيت فاطمة فالظاهر أنهم أسدلوا الستائر الخضراء على مقربة من الشباك فلا يظهر للمتطلع منها إلاّ الستار.
هذا وقد حاولنا جهد إمكاننا الحصول على معلومات أكثر دقةً عن المقصورة النبوية الشريفة خلال هذه الفترة الزمنية، وبالتحديد منذ عام 926هـ وحتى يومنا هذا، فلم نوفق بمؤلّف أرّخ ذلك، كما لم نتمكن من استدراج كبار السن في الحديث عن ذلك بينما قمنا بالاتصال هاتفياً وتحريرياً بالجهة المسؤولة عن هذه القضايا في السفارة السعودية في لندن فواعدتنا خيراً إلا أنه لم تصلنا أيّة معلومة حتّى طباعة هذا الجزء.
وللمقصورة أربعة أبواب:
1ـ باب على جهة الجنوب يسمّى بباب التوجّه وباب التوبة، وعليه صفيحة فضية مرقوم عليها تاريخ صنعها عام 1026هـ، وهي من إهداء السلطان أحمد الأول العثماني، وهذا الباب موجود منذ عام 668هـ.
2ـ باب على جهة الشمال ويسمّى بباب التهجّد ويسمّى بباب الشامي أيضاً، وقد أحدث عام 729هـ عند زيادة الرواقين في الجهة الشماليّة.
3ـ باب على جهة الشرق ويسمّى بباب فاطمة، لقربه من موضع بيتها، وهو موجود منذ عام 668هـ. ويُقدّر ارتفاعه بحوالي 180 سم وعرضه بحوالي المتر الواحد.
4ـ باب على جهة الغرب ويسمّى باب الوفود، لأنه يلي أسطوانة الوفود، وهو موجود منذ عام 888هـ.
وهذه الأبواب الآن كلها مغلقة إلاّ باب فاطمة، حيث يمكن الدخول منها إلى المقصورة، بينما لا يمكن الدخول في مبنى المرقد المُسدَل عليه الستار لعدم وجود باب له.
هذا وقد احتوت هذه المقصورة كامل بيت علي وفاطمة والذي يقع في شمالها، وتحتل تقريباً كامل عرضها، كما أن القبور الثلاثة تقع في جنوبها وعلى القول بأن كامل بيت فاطمة عليها السّلام يقع في المقصورة بالأبعاد التي سبق ذكرها فلابد أن يكون موقع القبور الثلاثة في الجهة الجنوبية الغربية من المقصورة، وهذا بعيد كما هو مبين في الرسم التخطيطي التالي:
وعلى كل فإن أرضية بيت فاطمة مكسوّة بالرخام، ويبدو أنه من عهد السلطان سليمان العثماني، وللفسحة هذه بابان إلى جهة الجنوب أحدهما نحو الغرب والآخر نحو الشرق.
هذا ونميل إلى الرأي القائل بأن السيّدة فاطمة الزهراء عليها السّلام مدفونة في بيتها حيث من المستبعد جداً في مثل تلك الظروف التي أراد الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام أن لا يطّلع أحد على تشييعها ودفنها أن ينقلها إلى البقيع، وأن يترك هذا المكان الفضيل قرب مرقد أبيها وقرب الروضة والمسجد، وإذا ما قيل بأن الدفن كان في بيتها فنرجّح أن يكون في حجرتها لا في فناء دارها.
ويؤيد ذلك ما نقله لي الشيخ الغروي قائلاً: دخلت المقصورة الشريفة حدود عام 1389هـ منالباب المعروف بباب فاطمة الزهراء من جهة الشرق فإذا أنا في غرفة مساحتها نحو 5 في10 متراً في وسطه قبر مرتفع عن سطح الأرض بأكثر من مترين مخروطي القمّة طوله بحدود ثلاثة أمتار وعرضه حوالي المترين، المسافة بينه وبين الشباك الشمالي بحدود 5,1 متر وبينه وبين الشباك الجنوبي حوالي 25,1 متر، وبينه وبين الشباك الغربي حوالي 5,2 متر وبين الشباك الشرقي نحو 5,2 متر، ويوجد عند جهة الرأس رَحىً ومِهراس.
واضاف قائلاً: إن القبر كان مغطى بقماش بالي ورديّ اللون، مرقوم على جهته الشمالية: « هذا قبر فاطمة بنت رسول الله رضي الله عنها ». ويفصل بين هذه الغرفة ومرقد الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله شبّاك حديدي يربطهما ببابين أحدهما إلى جهة الشرق مغلق والآخر إلى جهة الغرب، دخلتُ من خلاله فإذا بممر ضيق لا يتجاوز عرضه المتر الواحد يفصل بين الجدار الداخلي المرتفع إلى السقف والمغطى بالقماش الأخضر وبين الشباك الخارجي الأخضر الذي يحيط الجدار من أطرافه الاربعة. وهذا الجدار يحيط بقبر الرسول صلّى الله عليه وآله، وهو على شكل مربع قد ثلم زاويته الشرقية الشمالية. وفي اليوم الثاني عندما جئت للزيارة نظرت من خلال الشباك الشمالي إلى داخل المقصورة فلاحظت أن القماش الذي كان على القبر قد أُبدل بقماش جديد أخضر فاتح اللون وعليه الكتيبة ذاتها، فسألت السيّد حبيب أحمد عن هذا التغيير، فقال: الليلة الماضية أبدلناه بأحسن منه حيث أصبح رثاً، وسألته عن تاريخ الكتيبة فقال: إننا نثبتها كما هي وذلك من العهد العثماني والعادة جارية على ذلك». ثم أردف الغروي قائلاً: إلا أنني وجدت بعد سنوات أنهم قد أسدلوا قطعة من القماش الأخضر الداكن على القبر فغطى الكتيبة.
ومن هذا يمكننا أخذ بعض التفاصيل عن بيت فاطمة في هذه الأيام.
وعن هذا البيت أخرج ابن مردويه وبريدة قال: قرأ رسول الله صلّى الله عليه وآله «في بيوتٍ أذنَ اللهُ أن تُرفَع ويُذكَر فيها اسمُه» فقام إليه رجل فقال: أي بيوت الله هذه يا رسول الله؟ قال: بيوت الأنبياء. فقام إليه أبو بكر فقال: يا رسول الله، هذا البيت منها ؟ـأراد بيت علي وفاطمةـ قال: نعم، من أفاضلها.
ومن الجدير ذكره أن الواجهة الشرقية لبيت فاطمة عليها السّلام داخلة إلى جهة الغرب بمقدار 5,1 متر من جهة الجنوب و 44,1 متر من جهة الشمال، ويحيط بها حاجز خشبي متحرك ارتفاعه حوالي ثلثي المتر، وهذا الحاجز يوازي تقريباً شبكة الضريح النبوي المقدس، ويقع باب فاطمة في الوسط ما بين جدار الروضة النبوية والأسطوانة التي على شمالها وعرضه في حدود متر، وهو مؤلف من مصراعين ويبعد عن جدار الروضة النبوية نحو 40 سم.
وأما في الواجهة الشمالية لبيت فاطمة فيوجد شباك مثل شباك الضريح النبوي الشريف ويتقدمه دكة ترتفع عن سطح المسجد النبوي مقدار 20 سم تقريباً، وبعرض 68,2 متر، من جهة الغرب و38,2 متر من جهة الشرق، وطوله أقل من الشباك بأقل من نصف متر من كل من الشرق والغرب. والدكة مسيّجة بمحجّر حديدي ارتفاعه أكثر من نصف متر، ويخترقه ممرّان أحدهما على مقربة الزاوية الشرقية والأخرى على مقربة الزاوية الغربية، يقوم المؤمنون بالصلاة والدعاء فيها تقرباً إلى الله تعالى عند محراب التهجد والذي يقع بعد منتصفه إلى جهة الشرق كما هو مبين في الصورة السابقة.
ومن التخطيط المرقوم منذ القرون الأولى ومن إلقاء النظر على أرض الواقع وبعض تصريحات المؤرخين التي سبق وذكرناها واستناداً إلى استطلاعاتنا توصلنا إلى ما يلي:
إن حدود بيت فاطمة عليها السّلام الآن كالتالي: من جهة الشمال ينتهي عند نهاية الدكة الشمالية المسيّجة بالمحجّر الحديدي، ومن جهة الشرق ينتهي عند باب فاطمة التي في جهة الشرق، وعليه فهذه المساحة ليست من بيت فاطمة بعكس تلك التي على جهة الشمال، وينتهي بيتها من الجهة الجنوبية بالشباك الفاصل بين بيتها ومحوطة القبور الثلاثة، ومن جهة الغرب الشباك الممتد من ضريح الرسول الأعظم، هذا على القول بأن طول بيتها نحو 14 متراً. وأما على القول بأن طول بيتها في حدود تسعة أمتار ـوالذي نرجّحه-فالظاهر أن الجانب الغربي من المقصورة ليس من بيتها بل من المسجد أُدخل في المقصورة، وقد حدّدها ابن زبالة بـ 5, 4 متر ـكما سبقت الإشارة إليه ـ مع الأخذ بعين الاعتبار موقع محراب التهجد في المقصورة القائمة إلى يومنا هذا، مضافاً إلى القول أن قبر الرسول صلّى الله عليه وآله يقابل الشباك الذي بين أسطوانة السرير وأسطوانة المَحْرَس (أسطوانة علي بن أبي طالب) بالإضافة إلى الفاصلة التي أُحدثت بين المقصورة النبوية والفاطمية لتحديد موقع بيتها مع ملاحظة عدد من التخطيطات القديمة للمقصورة وأبعادها وحدودها، مضافاً إلى تحديد كتب التاريخ أبعاد بيت عائشة ومساحته وأن بيتهما يحدّهما من جهة الغرب المسجد، أنظر المخطط التالي:
والغريب أن ما ورد في الكتب الحديثة والقديمة من تحديد المقصورة الشريفة بـ 16 r 15م لا يتطابق مع ما قدّره لنا عدد من الأخوة في هذا العام والذي كان نحو 20 13م. وهذا التقدير يتطابق تقريباً مع التخطيط الذي أورده اليماني في كتابه، وعليه فاحتمال أن المقصورة قد أعيد القسم الغربي منها إلى المسجد أيام العهد السعودي الأول وأضيف إليها من جهة الشمال وارد، والله العالم.
وفي الختام نود الاشارة إلى ما ورد في رحلة ابن جبير الذي وصل مكة المكرمة في شهر جمادى الأولى من عام 579هـ حيث ذكر في جملة مشاهداته بها المكانَ الذي وُلد فيه الإمام الحسين عليه السّلام تحت عنوان دار خديجة الكبرى، وهذا نص كلامه: «ودخلت... دار خديجة الكبرى (رضوان الله عليها) وفيها قبة الوحي، وفيها أيضاً مولد فاطمة (رضي الله عنها) وهو بيت صغير مائل للطول، والمولد شبه صِهريج صغير وفي وسطه حجر أسود، وفي البيت المذكور مولد الحسن والحسين ابنيها (رضي الله عنهم)، ومسقط شِلو الحسن لاصق بمسقط شلو الحسين، وعليهما حَجَران مائلان إلى السواد كأنهما علامتان للمولدين المباركين الكريمين، ومَسَحنا الخدود من هذه المساقط المكرمة المخصوصة بمس بشرات المواليد الكرام (رضوان الله عليهم)».
ثم يتابع قائلاً: «وعلى كل واحد من هذه الموالد المذكور، قبة خشب صغيرة تصون الموضع غير ثابتة فيه، فإذا جاء المبصر لها نحّاها ولمس الموضع الكريم وتبرك به ثم أعادها عليه».
ويقول في مكان آخر عند الحديث عن دار خديجة وقبة الوحي: «وفيها وَلَدَت ـفاطمةـ سيدَي شباب أهل الجنة الحسن والحسين (رضي الله عنهما)، وهذه المواضع المقدسة مغلقة مصونة قد بنيت بناء يليق بمثلها».
هذا وقد هدم الوهابيون هذه المباني عندما استولوا على مكة عام 1218هـ.
ومن الجدير ذكره أن أرباب التاريخ والمحدّثين أجمعوا على أن ولادة السبطين الحسن والحسين سيّدَي شباب أهل الجنة كانت في المدينة المنورة، ولا نعلم أهو من خطأ ابن جبير ـوهو بعيدـ أم أن هناك شيئاً آخر باسم ريحانتي الرسول صلّى الله عليه وآله. بالاضافة إلى أن السيّدة فاطمة الزهراء عليها السّلام عندما هاجرت إلى المدينة كان عمرها الشريف ثمانية اعوام وكانت ولادة الإمام الحسن عليه السّلام العام الثالث من الهجرة وولادة الإمام الحسين عليه السّلام العام الرابع، واحتمال انها عند ولادة الحسنين كانت في مكة من باب الصدفة مرفوض، إذ أن الرسول صلّى الله عليه وآله واهل بيته الاطهار بل كبار الصحابة منذ هاجروا مكة إلى المدينة لم يدخلوها إلا عام الفتح وهي السنة الثامنة للهجرة.
كما أن احتمال ان بعض الموالين صنعوا رمزاً في بيت السيّدة خديجة في مكة للمولدين ضعيف جداً، لان هذا الامر لم يكن متعارفاً في تلك القرون كما هو الحال في القرون المتأخرة من جهة، وأما من جهة اخرى فإن الفلسفة من وراء صنع الرمز انما تتم اذا كان الاصل بعيد المنال وهذا لا يصدق بالنسبة إلى مكة والمدينة، والحاصل فإنه مِن عمل من لا خبرة له بالتاريخ، والله العالم.


المصدر: تاريخ المراقد، الحسين وأهل بيته وأنصاره، ج1.


التعليقات (0)

اترك تعليق