مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

مقام حميدة بنت مسلم(ع)

مقام حميدة بنت مسلم(ع)

حميدة بنت مسلم بن عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمية القرشية.
 ولدت في لمدينة سنة ٤٩ﻫ، وأمها رقية الصغرى بنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع).
 حضرت كربلاء مع أمها وأسرت ورجعت إلى المدينة.
 مسح خالها الإمام الحسين(ع) على رأسها في منزل السويقة وهو في طريقه إلى كربلاء عندما أُخبر بمقتل أبيها مسام بن عقيل.
 عاشت مع أمها في كنف الإمام السجاد(ع).
 تزوجها ابن خالتها عبد الله الأصغر بن محمد بن عقيل المعروف بالأحول.
 أنجبت له محمد الأكبر(١) وهو أخو مسلم بن عبد الله والذي أمه أم ولد، ولعبد الله الأحول ثلاثة ذكور آخرين هم محمد الأصغر وعقيل وهزم، ولكنهم لم يعقبوا، والمعقبون منهم فقط محمد الأكبر ومسلم.
 توفيت حميدة بنت مسلم بن عقيل في المدينة بعد وفاة زوجها الأحول في المدينة سنة ١٤٢ﻫ، والذي كان من الفقهاء المحدثين في المدينة ومن أصحاب الإمام الصادق(ع).

لم يذكر المؤرخون بأن السيدة حميدة، أو زوجها الأحول سافرا إلى دمشق والعهد الأموي كان قائما ودمشق هي عاصمتهم إلا إذا قيل إن سفرتها كانت في العهد العباسي وذلك بعد انهيار الدولة الأموية سنة ١٣٢ﻫ، ولم يصل اضطهاد العباسيين أوجه حتى يقال بأنها سافرت إلى دمشق مع زوجها فتوفيت هناك، فمن هنا إن صحت نسبة المرقد إلى حميدة بنت مسلم بن عقيل فهو مكان إقامتها أيام الأسر عام واحد وستين، أو أن هذا القبر لإحدى المواليات دفنت بجوار الفواطم فاختلط الأمر على الناس.
وعلى أي حال فإن المرقد ليس فيه معالم كثيرة لكي نذكر تفاصيله بل كل ما هو قائم يكمن في التالي:
هناك ضريح في الطابق السفلي مبني من الحجر الأسود بارتفاع متر وربع تقريبا وعرض ثلاثة أمتار تقريبا ومثله من ضلعه الآخر وعدد الأحجار المستخدمة فيه ٤ في ٩، ويضم هذا الجدار شاهدا من ثلاثة أحجار مستطيلة الشكل بيضاء اللون كتب على الأيمن منها:
"الفاتحة: ‹إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا›(٢) ضريح حميدة بنت مسلم بن عقيل(ع) المتوفاة عام ٧٠هجري"، وفي الوسط توجد صخرة بيضاء أخرى مثلها كتب عليها بالخط الأسود أيضا مثله إلا أنه جاء فيها بعد الفاتحة والبسملة وآية التطهير: "ضريح السيدة أسماء بنت عميس زوجة جعفر الطيار(ع) المتوفاة عام ٦٥ هجري"، وفي الطرف الأيسر بذات الفاصلة وبالكلمات نفسها ولكن ورد بعد الأية: "ضريح أم الحسن بنت الإمام الحسن ابن علي(ع) المتوفاة عام ٨٥ هجري". ولا يخفى أن عدد أحجار عرض المرقد تسعة، فلوحة حميدة جاءت في الصف الثاني ولوحة أسماء في الصف الخامس ولوحة أم الحسن في الصف الثامن.


ولهذه الأضرحة من الجهة السفلية كعب بارتفاع عشرة سنتيمترات وعرض خمسة سنتيمترات من الحجر الأبيض، بينما يعلو الأضرحة صندوق زجاجي مؤطر بالحديد ولعل له بابا من جهة الشمال بارتفاع متر تقريبا، وتقع هذه الأضرحة في الطابق السفلي ويفصل بين الضريح وجدران المبنى مقدار متر واحد وارتفاع المبنى جاء بحدود ثلاثة أمتار، ويوجد في الزاوية الجنوبية الغربية للطابق السفلي نحو عشرة سلالم للصعود إلى الطابق العلوي الذي يساوي أرض المقبرة، ومنه يتم الخروج.
وهذا الطابق مبني كما السفلي من الحجر المحلي مطلي بالجص ويتوسطه ضريح خشبي مسنّم بارتفاع متر وبشكل عمودي وبحدود متر من موقع الضلع المسنّم منه، وطول مترين وعرض متر ونصف تقريبا وموشح عليه قماش مخمل (قديفة) أسود اللون مطرز بالطرز النباتية وباللون الفضي.
وفي هذا الطابق شباك حديدي إلى جهة الغرب وباب حديدي إلى جهة الشرق.

هذا وتعلو فوق الضريح قبة، صبغ الطابق من جهة الداخل باللون الفستقي (أخضر فاتح) أو الشذري، وقد كتب في وسطه "الله جل جلاله" بالخط الديواني واللون الأسود وأطّر بإطار هندسي بألوان مختلفة، كما كتب حوله في دائرة أبعد بقليل ضمن أطر هندسية غير متساوية الأضلاع: "محمد(ص)"، "علي(ع)"، "فاطمة(ع)"، "حسن(ع)"، "حسين(ع)

بينما كتبت في دائرة أوسع وأبعد أسماء سائر الأئمة وذلك كل واحد في إطار هندسي جميل، وكتب فوقه "الإمام"، وتحته "عليه السلام"، وأما داخل كل إطار جاء ما يلي: "علي بن الحسين"، "محمد الباقر"، "جعفر الصادق"، "موسى الكاظم"، "علي الرضا"، "محمد الجواد"، "علي الهادي"، "حسن العسكري"، "الحجة المهدي".

وفي آخر المطاف كتب في نهاية قاعة القبة من الداخل: "خطوط وتنفيذ غسان لطف(٣) ورأفت فياض(٤) ١٤٠٧ - ١٩٨٧"(٥).

وقد اُدلي قنديل جميل مذهب في وسط القبة.
ومدخل المقام عرضه في حدود متر واحد وارتفاعه في حدود المترين والنصف، ويرتفع عن سطح المقبرة بمقدار سلمين، والمبنى مُنشأ من الحجر البني والأبيض المحلي، ويعلو المدخل قوس شبه حاد وفي داخله لوحة رماخية بيضاء حفر فيها ثلاثة أسطر:
"ضريح السيدة أسماء زوجة جعفر الطيار.
ضريح السيدة ميمونة بنت الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب(ع).
ضريح حميدة بنت مسلم بن عقيل.
شيد عام ١٣٣٠ﻫ"
ويعلو المبنى قبة صغيرة خضراء اللون، ويبدو أنها مجصصة ولوّنت بالأصباغ الذهبية.

• وأما الحديث عن مرقد السيدة حميدة بنت مسلم الهاشمية فإن المرجح أنها دفنت في مقبرة البقيع ولا مناص من ذلك لعدم وجود أي إشارة إلى خروجها من الدينة المنورة، ومن الطبيعي أنها تدفن في هذه المقبرة التي كانت عامرة منذ أن بدأ الإسلام في المدينة بهجرة الرسول الأعظم(ص) وحتى يومنا هذا، ولم نحصل قدر جهدنا على قائمة بأسماء من دفنوا في البقيع من الأصحاب والتابعين حتى يمكن البت بذلك، كما لم نحصل عن مدفنها بالخصوص كي نعتمده، فلذلك رجحنا أن يكون مدفنها في البقيع.
ولقائل أن يقول بأن هناك أثرا قائما في مقبرة باب الصغير في دمشق، فالمفترض الاعتماد على الأثر القائم باعتبار عدم وجود مؤشر آخر على ذلك، ولكن هذا المؤشر لا يجدي في المقام لأن مراقد آل الرسول(ص) المتواجدة في مقبرة باب الصغير لا يمكن الاعتماد عليها دون تحقيق لأنها جاءت في مكان لا يتناسب والثاوين بهذه الأضرحة المنتسبة إليهم مما يجب التحقيق في كل واحد منها، فعلى سبيل المثال فإن هناك قبرًا للسيدة أو سلمة وللسيدة أم حبيبة وضجيعتي حميدة بنت مسلم نفسها السيدة أسماء بنت عميس والسيدة أم الحسن بنت الإمام الحسن(ع) وأُخريات لا نريد الغطالة ونقتصر على هذه الأمثلة فقط، فالأولى أم سلمة زوجة الرسول الأعظم(ص) هي هند بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية توفيت سنة ٦١ﻫ ودفنت في البقيع وقبرها مزار معروف يقع بالقرب من قبور بنات النبي(ص) أي قريبة من قبر عقيل بن أبي طالب(ع).

وأما أم حبيبة زوجة النبي الأكرم(ص) وهي رملة بنت أبي سفيان الأموي توفيت سنة ٤٢ﻫ ودُفنت في مقبرة البقيع في البقعة التي دفنت فيها أم سلمة رضوان الله عليها(٦).
وأما أسماء بنت عميس الخثعمية والتي توفيت سنة ٤٠ﻫ بعد وفاة بعلها الأخير الإمام علي بن أبي طالب(ع) فقد دُفنت في الكوفة أو أطرافها(٧).
وأما أم الحسن بنت الإمام الحسن(ع) والتي ورد اسمها على صخرة الضريح "أم الحسن" بالكنية فهي قد حضرت في معركة الطف مع أمها أم بشير فاطمة بنت أبي مسعود الخزرجية وكان لها من العمر اثنتا عشرة سنة وسُحقت في كربلاء بعد مقتل الإمام الحسين(ع) ودُفنت مع الشهداء(٨).
[أما] اللائي وردت أسماؤهن بالكنى من بنات الإمام الحسن(ع) هن: أم الحسن الكبرى وأم الحسن الوسطى وأم الحسن الصغرى، وعلى فرض صحة ذلك فإن الأولى أمها أم بشير فاطمة بنت عقبة الخزرجية وقد تزوجت عبد الله بن الزبير.
والثانية أمها مليكة بنت الأحنف بن قيس.
والثالثة أمها أم ولد واسمها نرجس وهي التي قُتلت في كربلاء سحقا(٩).
فالأولى ماتت ودفنت في الحجاز، والثانية كذلك، وأما الثالثة قتلت سحقا في كربلاء، وأما شقيقتها أم الحسين فقد سحقت هي الأخرى فلا مجال للتصحيف.
ولكن قد تلاحظ معنا أن كتيبة الضريح تختلف عن كتيبة ما فوق الباب حيث ذكرت على الضريح "أم الحسن" وعلى الباب "ميمونة" مما يتراءى بأن اسمها ميمونة وكنيتها أم الحسن، ولم نجد في بنات الإمام الحسن(ع) من سميت بميمونة، وسنأتي على ذكرها في محلّه، وقد سبق وتحدثنا عن السيدة أم كلثوم، وأن الموجود في هذه المقبرة هو مقام وليس بمرقد.
كل هذه الإرباكات تجعلنا لا نعتمد على ما هو الموجود، وإن تطرقنا إليها من باب الموضوعية والاستقراء إلى ذكرها في هذا الباب كما في باب المعجم.
وأخيرا بما أن ليس لمرقد حميدة بنت مسلم في البقيع الغرقد من أثر بعد الحملة الوهابية على طمس المعالم والآثار في المدن الحجازية وغيرها، فإننا نعتذر من القارئ الكريم عن عدم تمكننا من بيان ما يمكن بيانه.

________________
(١)عمدة الطالب: ٣٢.
(٢)سورة الأحزاب، الآية:٣٣.
(٣)غسّان لطف: هو ابن عبدو، ولد في دمشق عام ١٣٦٩ﻫ (١٩٥٠م)، أخذ فن الخط عن والده المتوفي عام ١٤٠٤ﻫ (١٩٨٤م) الذي يعد من مشاهير الخطاطين في دمشق ومن تلامذة الخطاط الشهير بدوي الديراني، يدير حاليا "شركة لطف للدعاية والغعلان" التي أسسها والده في دمشق عام ١٣٥٣ﻫ (١٩٣٥م).
(٤)رأفت فياض: من مواليد دمشق عام ١٣٨٠ﻫ (١٩٦١م)، مارس فن الخط، يعمل حاليا في حقل السياحة والفندقة.
(٥)التاريخ الأول بالسنة الهجرية والثاني بالميلادي.
(٦)راجع بشأن مرقدي أم سلمة وأم حبيبة كتاب بقيع الغرقد: ٦٤، ومعالم مكة والمدينة بين الماضي والحاضر: ٤٣٨.
(٧)راجع مراقد المعارف: ١/١٤١.
(٨)راجع ترجمتها في معجم أنصار الحسين(ع) من هذه الموسوعة، قسم النساء.
(٩)راجع معجم أنصار الحسين(ع) من هذه الموسوعة، قسم الهاشميين، عن لباب الأنساب: ١/٣٤٤، وسيلة الدارين: ٣٤٥.
 
المصدر: تاريخ المراقد: الحسين وأهل بيته وأنصاره: محمد صادق محمد الكرباسي. دائرة المعرف الحسينية. ج٥.

التعليقات (0)

اترك تعليق