دور المرأة في مقاومة ومواجهة تحديات المرحلة المقبلة
[...] لطالما طُرح موضوع المرأة ودورها في السابق والحاضر والمستقبل، وجال الكثيرون حول دورها ومكانتها، لكننا في الواقع نغفل أمراً جوهرياً وأساسياً يفرض نفسه ولا يحتاج إلى تأويل أو نقاش، هو أن دور المرأة قائم بذاته نظَّرنا له أم لم نُنَظِّر له، وهو أن المرأة وجود يفرض حيويته وحقيقته سواء أغفل المجتمع ذلك أو أقر به، كل ما في الأمر أن طريقة تعاطي مجتمعاتنا ومفكرينا ومجموع الناس مع دور المرأة يعيقها أو يسهل لها، لكن ليس عندنا من يقرر دوراً للمرأة لم يكن موجوداً، فالحديث عن العوائق والحديث عن التسهيلات وليس عن الدور لأن الدور أمر تكويني وطبيعي موجود في الحياة، فهي تمثل نصف المجتمع بشكل طبيعي وعادي، وهي أمٌ ومربية وهي أختٌ وحاضرة وهي زوجة وفاعلة وهكذا نعتبر أن المشكلة عندما يجري الحديث عن دور المرأة إنما هي مشكلة أداء خاطئ وليس مشكلة البحث عن الدور لأنه دور طبيعي مفروض لا نحتاج للبحث عنه ولا نحتاج للنقاش فيه.
وقد أعطى الإسلام للمرأة دوراً ومكانة لا يدخل إليها اللَّبس، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» ليضع المرأة والرجل على قدم المساواة في المنافسة من أجل التقوى، ويضعهما على قدم المساواة في إعمار الكون، وبالتالي فالخطاب ينطلق إلى البشر بأجمعهم من أجل أن يقرأوا السورة الإلهية في وجود كل من الرجل والمرأة يتنافسان ويعملان في الحياة الدنيا ليتسابقا في الخير «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ»، من يراجع الآيات القرآنية التي تتحدث عن الإنسان يرى أن الخطاب فيها موجه لكل من الرجل والمرأة «يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ» وعندما يقول تعالى: «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ» فإذاً الخطاب الإلهي خطاب للجميع وعندما يقول: «جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً» ليس رجلاً والخليفة ليست امرأة وإنما الخليفة هو إنسان يقوم بدور وهذا الدور يتمثل بالأداء العملي وبالمنهجية التي يحملها الإنسان والتي تكون محل حساب تتمثل بالأعمال الصالحة أو الفاسدة التي على أساسها تكون الجنة أو النار.
إذاً نحن أمام دور طبيعي وواقعي قرره الإسلام ونظمه في إطار رؤية متكاملة يضع فيها المرأة كجزء من المجتمع، ويضع الرجل كجزء من المجتمع، ولعلَّ أكبر الأخطاء التي تُرتكب عند الحديث عن حقوق المرأة وعند الحديث عن دور المرأة هو عزل المرأة عن هذا السياق العام، يعني يُناقش وضع المرأة في العمل بمعزل عن وضع المرأة في الحياة، يُناقش وضع المرأة في الحياة الزوجية بمعزل عن وضعها في حمل هم الأمة، يُناقش وضع المرأة في القوة والضعف بمعزل عن إقامة الدولة وكيان الأمة، هذا خلل كبير موجود في طريقة حواراتنا ونقاشاتنا عندما نتناول مسألة المرأة بشكل منفصل عن المنظومة العامة والرؤية العامة في الحياة.
من هنا كان عملنا في حزب الله يركز على الرؤية الإسلامية المتكاملة لدور المرأة، هذه الرؤية التي تنظر إليها كإنسانة كاملة الصلاحية لا كإنسانة منقوصة، وتنظر إليها أيضاً كأنثى في المحل المناسب وإنسانة في التكوين العام ومربية في موقع التربية ومتعلمة في موقع النهضة ومقاومة في دائرة المساهمة في عمل المقاوم ومسيَّسة في فهم الشأن العام، أي أن النظرة هي نظرة متكاملة لا يمكن اجتزاؤها وإلاَّ أخطأنا كثيراً وارتكبنا انحرافاً واضحاً في نظرتنا إلى دورها والتحديات التي يمكن أن تواجهها. أعتبر أن أهم نقطة مفصلية تحدد الدور والعمل المستقبلي يتمركز حول عنوان أساس لا بدَّ من تثبيته لنبني عليه باقي البنيان، هل نريد المرأة أنثى أم نريدها إنسانة؟ من أرادها أنثى عمل بمنهجية تُبرز مفاتنها وجمالها وجسدها وعرضها من دون أن يدخل إلى النقاط الأخرى التي أصبحت ثانوية بالنسبة إليها، عندها لا ينفع الكلام عن المرأة العالمة والمرأة المسيسة والمرأة التي لها مكانة في المجتمع، لأن المسار يسير في اتجاه آخر، هؤلاء الذين اختاروا أنثوية المرأة لم ينصفوها لأنهم أخذوا منها ما كان يفترض أن يكون محصوراً لا عاماً، لذا وجدنا أن الغرب وبعض من سار على نهجه ركَّز على عنوان الجمال في إطار المجتمع، يعني إبراز المرأة بجمالها وأنثويتها للمجتمع، والاستفادة من جسدها للمجتمع، أي أصبحت تقوم بأداء أو يُقرر لها دور يخرجها من دائرة خصوصيتها لتصبح في العامة جسداً يتحرك في المجتمع لأغراض إغوائية وبالتالي هي قبلت بشكل أو بآخر في المجتمعات الغربية بهذا التوصيف وبهذا الدور وساهمت به فكان المجتمع يسير في اتجاه جعل المرأة أنثى في المجتمع وهذا له منهجيته. هذه المنهجية أدت إلى التخلي عن الأمومة بشكل عام، وأدت إلى ظهور الإباحية، وأدت إلى تفكيك الأسرة، وأدت إلى المنافسة على الدور على قاعدة أنها تقدم شيئاً في داخل المجتمع ومن حقها أن تأخذ شيئاً من هذا المجتمع، تقدم جسدها فمن حقها ان تأخذ قوة وقدرة تنافس فيها الرجل فأصبحت نداً، لكن كانت النتيجة هي هذا الانهيار الذي نراه على المستوى الثقافي والأخلاقي والإنساني وتولدت أمراض نفسية واجتماعية وتربوية ستبرز آثارها أكثر فأكثر مع المستقبل على الرغم من بروز بعض الآثار القاتلة في عصرنا الحالي.
بينما ينظر الإسلام إليها كإنسان، أي أنه يعتبر أن الدور الإنساني هو الدور المحوري، يجب أن تكون حاضرة في التربية، وفي الوعي وفي بناء المجتمع، وهي أنثى في دائرة الحياة الزوجية فقط، وهي أنثى بالمعاني الأخرى في الدوائر الخاصة التي لها علاقة ببني جنسها والتي لها علاقة بالدوائر العادية والطبيعية حيث لا تبرز بجسدها إلى المجتمع وهذه هي فلسفة الحجاب التي جاءت كنتيجة طبيعية لمنهجية الأنسنة في النظرة إلى المرأة. لأنه عندما قال بأنه يريدها إنسانة وجد بأن جمالها وجسدها والفطرة التي تكونت عليها، لا يمكن أن تنضبط في دائرة الأنسنة إلاَّ إذا كانت محجبة لوجود مقومات طبيعية في الخلقة تؤدي إلى الأنثوية فيما لو لم يوضع هذا الحاجز الذي يحمي والذي يوجه في الاتجاه الإسلامي الأصيل.
إذاً نحن أمام منظومة متكاملة تختلف عن المنظومة الغربية في النظرة إلى المرأة، نحن نريدها إنسانة وبعض الأفكار المادية تريدها أنثى وهذا يؤثر على طبيعة الدور والمكان، من هنا وجدنا أن منهجية التعامل مع المرأة كإنسانة ولَّد نتائج مهمة في عملها المقاوم وفي مشاركتها وتأثيرها في عملية الانتصار، وهنا نحن لا نتحدث عن معنويات نعطيها للمرأة الملتزمة في لبنان بل نتحدث عن واقع عملي أنتجته هذه المرأة بأدائها وسلوكها بشكل مباشر كأم وابنة في المواقع المختلفة.
في لبنان عملت المرأة في أن تكون جزءًا لا يتجزأ من مجتمع المقاوم، فكانت أماً تربي على الشهادة والجهاد، وكانت زوجة تشجع على مواصلة التحديات، وكانت أختاً تناصر هذه المسيرة، وكانت ابنة تتطلع لدور مؤثر وعملي في اتجاه المساهمة في الوضع العام المقاوم، وهذا ما أنتج لنا مجتمع المقاومة الذي دعونا له كثيراً. وأقول بكل وضوح لو كنا نعمل كمجموعة عسكرية من خلال الشباب المقاوم ينطلقون من المكاسب ومن المواقع العسكرية البحتة ولم يكن عندما خلفية مقاومة في مجتمع مقاوم تحميه النساء من خلال التربية والدعم والتسديد لبقي حزب الله مجموعة عسكرية لا ترقى أن تكون جزءًا من الأمة ولا تتحول إلى الطليعة في هذه الأمة، لكن عندما أتت مساهمة المرأة كمساهمة فاعلة في الوضع الاجتماعي وفي العمل المباشر وفي المساندة وفي التأييد أصبحنا اليوم نجد أننا أمام مجتمع مقاوم، الطفل والشيخ والرجال والنساء فيه يعيشون المقاومة بحيث يصعب على العدو أن يخترق مجتمعنا فهو يواجه مجموعة عسكرية وإنما يواجه كتلة مترابطة تحمل منهجاً يكون أحد تعابيره البندقية، لكن التعابير الأخرى مرتبطة بهذا التكون الاجتماعي المتكامل من الرجال والنساء في مختلف أعمارهم ومستوياهم، وهذه نقطة جوهرية نقلت المرأة من الدائرة السلبية في عدم الفعل إلى الدائرة الإيجابية في المشاركة في العمل المقاوم بالدور والإدارة اللذان ينسجمان مع قدرتها ومع ما يناسب ساحتنا وإمكانات عملنا. فنحن نعتبر أن هذه التجربة هي تجربة نموذجية وتجربة تستحق الدرس والتعميم لتفصيل هذه المشاركة التي تحولت إلى أداء متكامل بين الرجل والمرأة في داخل المجتمع، واليوم لو نظرنا إلى كل العالم وسألنا كل المراقبين من الخارج كيف تجدون المقاومة في لبنان؟ سيقولون نحن نجد الرجال والنساء يقاومون في لبنان، فالانطباع العام الذي لا يحتاج إلى تفصيل وتفسير يُبيِّن تماماً أن المشاركة هي مشاركة عامة وليست مشاركة جزئية أو مقتصرة على فئة أو جنس من الناس وإنما هي مشاركة عامة تشترك فيها المرأة والرجل كلٌ بحسب دوره ومقوماته.
ولا نكشف سراً إذا قلنا أمام الأخوات العزيزات مدى الإلحاح الذي ألَّحته بعض الأخوات من اجل المشاركة العسكرية المباشرة بحمل السلاح والقتال، وكنا دائماً في صف القاعدة العامة على المستوى الإسلامي التي لا توجب على المرأة قتالاً إلاَّ في الحالات الاستثنائية التي تكون الأمة فيها محتاجة إلى مثل هذا الأمر، يعني الأمر ينحصر بمشاركتها لكن عندما لا تكون حاجة فعلية فلا ضرورة لهذه المشاركة العسكرية بصفتها المباشرة، إذ يمكن تقديم المشاركة بطريقة غير مباشرة من خلال الدعم والتربية ومن خلال مجموعة من الوسائل غير القتالية المباشرة، وقد أكدنا على هذه المنهجية على المستوى العملي على الرغم من أن الإقبال النفسي والعاطفي والعقلي الموجود عند الكثير من أخواتنا كان إقبالاً كبيراً جداً، وكان الدافع يؤكد على ضرورة المشاركة لكننا التزمنا بالمنهجية العامة كي لا نكسب شيئاً ونخسر أشياء أخرى، بالإضافة إلى ذلك فالطبيعة العملية لساحتنا ولقتالنا لا تستدعي أن نزج طاقات ليست مطلوبة في هذا المقام لتكون في مقامها الصحيح ولذا لم ندخل في دائرة العمل العسكري النسوي على قاعدة أن الإسلام لا يطلب منهن هذا والواقع العملي لا يحتاج أيضاً لمثل هذا النوع من المشاركة، ولسنا في دائرة البحث عن أعمال شكلية أو استعراضية، ربما جذَّاب جداً أن نكون فصائل نسائية تحمل السلاح وتقوم بالاستعراضات العسكرية وبعض العمليات قد يكون عنواناً شيقاً للإعلام والدعاية ولإعطاء صورة ربما تكون متقدمة في نظر البعض، لكن نحن لا نبحث عن الشكل الذي يغري الآخرين بموقف رائع أو يعطي انطباعاً غير الانطباع الحقيقي الذي عليه المرأة، لذا لم نقبل بهذا النمط فلا الساحة بحاجة إلى هذا النمط ولا الواجب يقتضيه، وبالتالي فلنحافظ على الأدوار كما هي فإذا قامت بدورها كاملاً وقام الرجل بدوره كاملاً فالنتائج ستكون أفضل بكثير من أي عملية تبديل للأدوار في لحظة لا نحتاج فيها إلى هذا التبديل ولا نحتاج فيها إلى هذه الاستعارة ولسنا في ضرورة أن ننقل مسؤولية من الرجل إلى المرأة أو بالعكس، لذا استمرينا في هذا الاتجاه، وكان العدد من الشباب كافياً بحمد الله تعالى فلا حاجة للقتال على المستوى النسوي وقامت المرأة في كل المجالات الأخرى المساندة والمؤيدة والداعمة والمهيئة في هذا الاتجاه الذي يخدم مسيرتنا.
إذاً نحن ملتفتون إلى ما تتطلبه الساحة، وملتفتون أيضاً إلى أننا نقدم تجربة في هذا الاتجاه، وأتمنى من أخواتنا العزيزات ان لا ينظرن إلى عملهن كعمل عادي وبسيط، ربما زُرِّع في عقل البعض بأن مسألة الحجاب هي مسألة تقليدية وعادية ومجرد أمر إسلامي تلتزم به وبالتالي هذا هو التكليف الشرعي وتوقفنا عند هذا الحد، هذا خطأ لأن الموجود اليوم هو تجربة نسائية محجبة مجاهدة أعطت نموذجاً كنموذج الذي أعطته المقاومة في دائرة جهادها وانتصارها ليكون عنواناً يُطرح أمام العناوين الأخرى، لنقول هذا هو النموذج التربوي الذي أدى إلى النموذج النسائي في أدائه فتفضلوا وناقشوه لنناقش المسائل الأخرى التي طُرحت عند الآخرين، والتي طرحوها في الساحة وحاولوا تثبيتها عبر أجيال وأجيال.
من هنا نعتبر أن تجربة المرأة الملتزمة في لبنان هي تجربة متقدمة ومتطورة وهي تقدم رؤية وليست مجرد أداء عملي عابر، لا وإنما هي تقديم رؤية ونموذج، كيف تكون أم الشهيد، وابنة الشهيد، كيف تتحمس المرأة لدفع أولادها إلى القتال متغلبة على عاطفتها، كيف تقدم القضايا الكبرى على القضايا الخاصة، كيف تستطيع أن تكون مجتمعاً مؤمناً يشكل حماية أمام الأخطار الثقافي والاجتماعية والأخلاقية التي تواجهنا، كيف تقوم بدورها كأم تتمسك به في ظل هذه الظروف الصعبة والمعقدة والأفكار التي تتجاذبها للتخلي عن الأمومة، كل هذه العناوين هي تحديات تجسدها المرأة المسلمة الملتزمة من خلال أدائها في دائرة العمل المقاوم الذي ينظر إلى قضايا الأمة في الوقت نفسه الذي ينظر إلى تفاصيل الواقع العملي وإلى الخصوصيات التي يعشها الأفراد.
إذاً نحن أمام تجربة نسائية لا بدَّ أن نكملها وأن نعطيها كل المقومات اللازمة للنجاح لأنها تصلح للإقتداء ولأنها تشكل نموذجاً مقابلاً لنماذج أخرى، وهنا ينكشف بشكل واضح الأخطاء التي ارتكبت باسم الإسلام في ممارسات إسلامية لبعض الحركات الإسلامية أو بعض المسلمين أو بعض التقاليد الموروثة التي أدت دوراً سلبياً في واقع المرأة، وبهذا المجال نحن لا نتحمل مسؤولية أخطاء تطبيق قام بها الآخرون حتى ولو كانوا في مجتمعنا، ونحن اليوم في تجربتنا الإسلامية نختلف في الواقع مع كثير من التجارب التي كانت موجودة في السابق ونختلف مع بعض التجارب الموجودة في الحاضر، والتي تنظر إلى المرأة نظرة مختلفة حتى من الرؤية الإسلامية، تنظر إليها كإنسانة معزولة وهذا خطأ، وتنظر إليها كإنسانة لا فعالية لها في المجتمع على الإطلاق وهذه نظرة مرفوضة من قبلنا، نحن نرى ان المرأة يجب أن تكون في بيتها وفي مجتمعها في آنٍ معاً بتوازن تقدره كل امرأة بحسب ظروفها وخصوصياتها، أي أن تعطي لمجتمعها بقدر وأن تعطي لبيتها بقدر آخر، ولا يمكن رسم نسب مئوية ثابتة في هذا الأمر، لأن الظروف تختلف من إنسانة إلى إنسانة لكن الأساس أن يكون المحيط الأسري هو المنطلق والمحمي ومنه تطل على المحيط العام، من دون أن تكون الأسرة مانعاً عن الإطلال على المحيط العام، وبالتالي هذا يؤكد على فهمها السياسي وعلى وعيها العام، وعلى مشاركتها في قضايا الأمة، وعلى اشتراكها في التظاهرات والمواقف والدعم الذي تعطيه للعمل الجهادي، وكل هذه العناوين التي تركز على دورها على العام فضلاً على الدور الخاص الذي تقوم به في إطار أسرتها وفي إطار انسجامها مع التكوين الذي كونها الله تعالى عليه.
فنحن لا نتحمل مسؤولية الأخطاء في التطبيق والتي قام بها مسلمون أو حركات إسلامية أو جهات مختلفة في طريقة النظرة إلى المرأة، ومن الخطأ أن نقول بأن المسلمين على رأي واحد في هذا الأمر، لأننا نرى في التجارب العملية نماذج مختلفة في دول إسلامية مختلفة ولحركات إسلامية مختلفة تعطي نظرات وتفسيرات متفاوتة حول دور المرأة، لن نأخذ هذا الواقع لنعتبره حكماً، بل سنأخذ الإسلام لنعتبر الحكم، من الإسلام ننطلق لنقول هذا هو الدور، ونحن نقدم تجربة على ضوء فهمنا للإسلام، ولكن لا يصح أن يُقال كل الممارسات الإسلامية واحدة ومتشابهة كي لا نتحمل مسؤولية أخطاء في النظر إلى المرأة وُجدت عند الآخرين وقاموا بتأديتها وعملها بطريقة أساءت إلى الإسلام أو بالحد الأدنى بطريقة عطلت دور المرأة إذا لم أتحدث عن إساءة لنفس الدين.
إذاً نحن أمام تجربة حيوية موجودة في لبنان تمتلك الحيوية الكاملة من خلال رؤيتنا الإسلامية، وتتحرك في دائرة المجتمع بتوازن متكامل لا يغفل دور الأسرة، ولا يجعل المجتمع خلف الأحداث، من هنا نحن مع وجود المرأة في قلب الحدث السياسي، ونحن معها في قلب المشاركة التي تؤدي إلى تحديد المسار لمجتمعنا بشكل عام، نحن مع الوعي السياسي للمرأة حتى تفهم ما يجري حولها، على الرغم من أن البعض كانوا يقولون بأن النساء لا يفهمنَ بالسياسية ولا يفترض بهن ذلك، أنا أعتبر أن هذا نوع من التعطيل للدور، لأن المرأة يجب أن تفهم ما يجري حولها، ويجب أن تعرف من هي إسرائيل وما هي مخططاتها، وما هي الأخطار التي تحيط بنا في لبنان، وما هي قرارات أمريكا وما تريد أن تصنع في العراق، كل هذه الأمور تشكل وعياً معيناً تستطيع معه أن تتحرك بإرادتها وبقناعتها بناء على هذا الوعي، فالوعي السياسي الذي ينتج عن فهم ينتج حركة فعالة، أمَّا الوعي السياسي الذي يأتي عن تلقين بناء على نصائح رجالية فهذا لا ينتج حركة نسائية فعالة في الدور وفي الفهم لأنه عبارة عن تعليمات وليس عبارة عن قناعات وفهم، فنحن نؤكد على ضرورة أن يعم الوعي السياسي في أجواء أخواتنا ونسائنا وكل المجتمع النسائي بشكل عام، ومع أن تستمر المرأة في دورها المجتمعي بالتوازن الذي يناسب مع كل امرأة على حدى حتى لا نضع قاعدة عامة تكون مقيدة وغير قابلة للتطبيق، وبالتالي نؤكد أن هذا النوع من المشاركة هو الذي يؤكد المنهجية الإسلامية، وهو الذي يجعلها إنسانة في المجتمع تقوم بدورها وتكليفها، وبالتالي تُحدث أثرها فتكون فاعلة كما فعالية الرجل في مجالاته ولا تكون منفعلة فقط أي تتأثر بالأحداث من دون أن يكون لها دور أو فعالية، نحن نريدها أن تكون فعالة وحاضرة.
على ضوء ما تقدم نحن نعتبر أن مشاركة المرأة في الحياة السياسية والمقاومة والتربوية وفي الحياة العامة هي مشاركة ضرورية وهي جزء لا يتجزأ من وظيفتها، وهذا لا يتعارض مع دورها الأمومي والزوجي، وهي القادرة على إحداث هذا التوازن، فلا نريد امرأة تخرج إلى المجتمع، ولا نريد امرأة تدخل إلى الأسرة وتتخلى عن مجتمعها، كما لا نريد امرأة تتحول إلى أنثى في المجتمع بل نريد امرأة تكون إنسانة في المجتمع ولتمارس أنثويتها في المجالات الطبيعية لهذه الأنثوية، لذلك لا نكون قد أحدثنا خللاً في الدور وأوجدنا تكاملاً في طبيعة الأداء والمهمة التي تقوم بها المرأة في المجتمع. وهذا الموضوع يتطلب منَّا عملاً شاقاً لتثبيته كمنهجية في حياة الناس، أي أن وظفتنا اليوم هي تقديم هذه الصورة العملية وشرحها وتقديم الأدلة عنها، من أجل أن تتعمم كي لا تغلب علينا الصورة الأخرى الآتية من الغرب والتي تُحاصر المرأة وتبعدها عن إنسانيتها ودورها في الحياة الاجتماعية العامة. نحن نريدها في صلب الحياة، وهذا جزء من قوتنا في عملية المواجهة، لو كان مجتمعنا اللبناني لا يعيش حالة من التكامل والتفاعل والالتفاف العام حول المقاومة من كل فئاته، ومن كل الشرائح الموجودة ومن الرجال والنساء، كان يمكن لإسرائيل أن تقوم بأعمال تحاصر فيها الحزب، ويمكن لإسرائيل تحقيق إنجازات معينة مستغلة بذلك انعزال المجتمع عن المقاومة، لكن لأن التماسك موجود بشكل كامل، ولأن الفئات تتعاطى ككتلة واحدة في مواجهة التحدي فإن الاختراق الإسرائيلي والأمريكي لساحتنا صعب ومعقد، وهم لم يكفوا عن المحاولات فهم دائماً يفكرون باتهامات يطلقونها وضغوطات يمارسونها للوصول إلى الهدف، تارة يصفوننا بالإرهاب من أجل إعطاء صورة مشوهة يستطيعون من خلالها تنفير الناس من حولنا كي يتمكنوا عزلنا تمهيداً لضربنا، لكن هذه الخطة فشلت واستطاعت المقاومة أن تعطي صورة على مستوى العالم بأنها مقاومة، واليوم لو جلنا الدنيا لتقول بأن أمريكا تقول عن حزب الله بأنه إرهابي وحزب الله يقول عن نفسه والشعب اللبناني يقول عنه بأنه مقاومة لوجدت أن صفة المقاومة اللصيقة بحزب الله منتشرة ومعممة وأقوى بكثير من صفة الإرهاب التي تحاول أمريكا أن تطلقها على الرغم من وسائلها الإعلامية وقدراتها الضاغطة على مستوى العالم مما يؤكد أن الممارسة العملية والتجربة التي قدمها هذا الحزب استطاع من خلالها أن يثبت صورة قوية قادرة على مواجهة هذه الاتهامات وهذه التحديات. وهذا الأمر لا يقتصر على هذا النموذج، سيدخلون إلينا بعناوين أخرى وسيقولون كما قالوا بأن أفراد منَّا لا بدَّ أن يحاسبوا لأنهم هم الإرهابيون، وهنا نتحصن لنقول لهم ليس عندنا تقسيمات للأفراد كل من عندنا مقاوم ولا نميز بين الأفراد، وسيقولون بأن عملنا هو عمل عشوائي يمكن أن يؤدي إلى أخطار كثيرة وتدمير للواقع القائم وتراجع على الوراء وعلى لبنان أن يكتفي بالنصر الذي حصل ويتوقف عنده لا أن يفتش عن نصر آخر لأنه أمر صعب في دائرة الضغوطات الأمريكية الإسرائيلية، لكننا نقول لهم نحن لم نبحث يوم عن نصر إنما بحثنا عن حق، وهذا الحق لا يأتي إلاَّ بالدفاع والمقاومة والمواجهة فسلكنا هذا الطريق، وقلتم أن السياسة تريد الحق، فتبين أن السياسة الاستكبارية المعتمدة تكرِّس الظلم ولا تعطي العدل، واكتشفنا أن المقاومة تحقق إنجازاً بأيدينا لا تستطيعون منعه، ولذا سلكنا طريق المقاومة وحققنا بحمد الله تعالى انتصاراً نأمل أن يتكرر ويتوسع ويشمل كل مناطقنا المحتلة بهذه المنطقة.
نحن أمام تحديات متنوعة ثقافية واقتصادية واجتماعية وعسكرية، ولسنا أمام نموذج واحد فقط والسبب في ذلك هي أن المنطقة عندنا موضوعة في دائرة المشرحة الأمريكية التي تريد أن تغير معالمها بالكامل لمصلحة المصالح الإسرائيلية الأمريكية، ولذا لا تستغربوا إذا تدخلت أمريكا في كل شيء، ولا تستغربوا إذا كانت المطالبة بكل شيء، فأمريكا اليوم تتدخل في الاقتصاد وفي المناهج التعليمية وفي المواقع والمواقف السياسية، وتضع الأسقف للحركة التي يجب أن تكون في المنطقة، وتخطط للواقع الإسرائيلي وكيفية استقراره، وتعمل بالضغط على وسائل الإعلام من أجل توجيه الرأي العام، ومن أجل تكوين صورة على القياس الأمريكي وعلى المنهج الأمريكي، عدا عن التفاصيل الأخرى التي تعتبر محاولات جادة لتغيير بنيتنا الفكرية والثقافية والسياسية والعملية.
فإذا أردنا أن نتحدث عن تحدي أمام المرأة المسلمة وأمامنا جميعاً، ففي الواقع التحدي متشعب وواسع وكبير، وهذا التحدي يتطلب أن نفهم تماماً قدراتنا وإمكاناتنا ونعمل على هذا الأساس، لا أن نستسلم للتحدي القادم لأنه من أمريكا ولأنه كبير ومعقد وصعب، أنا لا أخفي أن حجم التحديات اليوم كبيرة وثقيلة جداً، ولا أنكر بأن المقدرات التي تملكها أمريكا ومعها إسرائيل هي مقدرات ضاغطة جداً، ولكن في المقابل من الخطأ أن نتعامل مع قدراتنا وكأنها غير موجودة، نحن أيضاً نملك قدرات، نملك قدرات بشرية وحقاً في أرضنا ونملك قدرة جهادية، ونملك تصميماً ومنهجاً وعزيمة يمكن أن تؤدي إلى إحداث تغيرات ما، لن أرسم خطواتها ولكني أعرف تماماً من خلال تجربة المقاومة أنها خطوات واعدة باتجاه تحقيق الانتصار بشكل من الأشكال.
[...]
المصدر: موقع سماحة الشيخ نعيم قاسم.
*الكلمة التي ألقاها نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم، في منطقة النبطية في مدينة الفرح بتاريخ 31/05/2003م.
اترك تعليق