سفر فتيات خرمشهر الذي لا يُنسى
قالت خديجة عابدي عن أشهر الحرب المفروضة الأولى
سفر فتيات خرمشهر الذي لا يُنسى
أُسس مكتب القرآن خرمشهر، كأول مركز ثقافي للنساء في مدينة خرمشهر ويصل تاريخ نشاطه إلى ما قبل انتصار الثورة الإسلامية.
بعد انتصار الثورة الإسلامية وبداية الحرب المفروضة، لعبت سيدات هذا المركز، في الأيام الأولى من الحرب، دوراً مهماً في الدعم. وللتعرف عن قرب على المركز حاورنا مؤسسة ومديرة المركز سابقا السيدة خديجة عابدي. وفي حوارها تطرقت إلى الكثير من الأمور ومنها المهمة التي أوكلها بها الشهيد جهان آرا.
متى تأسس مكتب القرآن في خرمشهر؟
تأسس في زمن الطاغوت. لكن لم تكن نشاطاته بصورة رسمية، وكانت تقوم بعض النساء بنشاطاتهن وبرامجهن في المساجد والحسينيات. قبضوا على منزلين مخصصين للأخوات حيث كنّ يقمن فيهم نشاطاتهن. كان الناس يتركون منازلهم لمركز القرآن وفي الواقع كانت كل نشاطات المركز تقام بدعم شعبي. أجّر البناء الواقع في شارع 40 متري آيةُ الله موسوي، إمام جماعة مسجد جامع.
آمن الأخوات أنّ الجلسات الدينية والمراسم يجب أن تكون بمقربة من الناس ويجب أن تنشط المساجد والحسينيات لعموم الناس ومركزها هو هذا البناء. ولأنّ البعض كان محدوداً بحركته، فقد كان سكان المدينة متعصبين والعوائل متشددة، ولذلك إضافة للمركز كانت هناك نشاطات في المساجد والحسينيات.
إضافة للنشاط القرآني، كانت هناك برامج أخرى مرافقة؟
بل برامج كثيرة. فإضافة للنشاط القرآني وتفسيره ونهج البلاغة، كانت هناك الأحكام والعقائد. وهناك صفوف دراسية حوزوية وكانت تُدرّس النساء الأدب العربي. ذهبت مرة مع بعض الأخوات إلى أحد علماء المدينة ونقلنا ما تعلمناه منه للأخوات.
في الأعياد والمناسبات كانت لدينا برامج. حتى الخدمات الاجتماعية كانت جزء من برامجنا. وأذكر هنا أنّ المركز كان أول مركز ثقافي نسوي في خرمشهر. حتى تعبئة الأخوات جاءت فيما بعد. جاء قائد الحرس وقال لي: "نريد إعداد تعبئة للأخوات". ورشحتُ له السيدة حورسي.
نظراً على إصراركم أن تكون النشاطات قريبة من الناس، هل كنتم تذهبون للقرى؟
نعم. في الزمن البهلوي، كانت تذهب عضوات المركز في الأسبوع مرة إلى آبادان وأهواز وشوش دانيال. وكانت الأخوات مهددات من الساواك ولذلك أخذوهن عدة مرات.
نظراً للظروف المحتدة التي حكمت البلاد، كيف أقمتم البرامج السياسية؟
كمثال في إطار الفنّ، كان لديهم نشاط سياسي كانوا يعرضون مسرحية في حسينية مشهورة ويتقبلها الناس جيدا. على الظاهر يمثلون دور أبو جهل، ولكن في الباطن ينتقدون الشاه وسياساته. في نفس اليوم وجه الساواك تحذيرا لصاحب الحسينية لإنهاء المسرحية.
وكيف كانت النشاطات بعد الثورة؟
نشطت كل الأخوات في فترة انتصار الثورة الإسلامية. مع انتصار الثورة، توسعت النشاطات. بالطبع في محافظة خوزستان، وفي خرمشهر، قبل بداية الحرب، عبرنا من فتنة جماعة خَلْق العرب. كان لمركز القرآن دور كبير في إطفاء هذه الفتنة في خرمشهر. من خطط لضرب مسؤلين النظام، تجمعوا في منزل أحد العلماء. كان المركز له حالة وساطة. تحدثنا مع الذين انخرطوا في هذه القضية للحد من الخلافات. وأحيانا كنا ندعوا بعض المعارضين ويأتون مسلحين وبسيارات الجيب ونتحدث معهم.
متى تزوجتِ الشهيد مهدي آل بوغبيش؟
تزوجنا العام 1979 وعشنا بعدها في أحد غرف المركز. أردنا استئجار منزلا، ولكنه قال: "برامج المركز تبدأ في الصباح الباكر. ولذلك نسلمهم الإيجار ونستخدم إحدى غرفه".
حديثنا عنه قليلاً..
كان الشهيد أل بوغبش من الشباب النشطين. طالب جامعي ومعلم ونائب شورى المدينة ويعمل في النيابة. مثقف جدا وباحث ولديه معلومات كثيرة. جمع أرشيفاً من الصحف المؤيدة والمعارضة. لقّبوه بأبي ذر خرمشهر. يدعونه لمناقشة المنافقين والشيوعيين والعاطلين عن العمل.
حين جاءت الحرب كان المركز من أول الأماكن التي غيرت عملها لخدمة الدفاع المقدس والقوات المدافعة، ماذا كانت برامجه؟
قالت الأخوات: "من وظائفنا البقاء في المدينة والدفاع عنها". المخازن التي أحضروها من بقية المدن أنزلوها في مكانين، مسجد جامع ومركز القرآن. أتت شاحنات كبيرة وأنزلت فيهما حمولتها. كنا نوقّع ونختم على الأوراق التي تثبت وصول المؤن.
من أيّ المدن كانت تأتي في الأكثر المواد الغذائية؟
شيراز وطهران وبقية مدن خوزستان ومن أطراف خرمشهر.
ما هي البرامج الأخرى للمركز في فترة الحرب؟
الطبخ والإسعافات أيضاً كانت من ضمن أعمالنا. طلب منا الشهيد آل بوغبيش أن نعدّ الخنادق لكي تكون حاضرة حين عودة المقاتلين. كانت عملية ملء الأكياس بالحصى والتراب صعبةً جدا. من أعمالنا الأخرى حراسة مخازن الأسلحة والعتاد.
في أيام الحرب الأولى قصف البعثيّون معسكر دج. اشتعلت نار كبيرة فيه واستشهد البعض منا. كان فيه عتاد كثيرة. جاء الإخوة وقالوا: "أيتها الأخوات لنذهب ونحضر العتاد من معسكر دج". وذهبنا. كان بعض الجنود يعودون لمدنهم طلبوا منا إقناعهم بعدم التراجع. قالوا لنا: "من الممكن لو رؤوكن أن يتراجعوا عن رأيهم". كان حضورنا مؤثرا. قلنا لهم: "لا تتراجعوا". قالوا لنا: "يا أخوتي، هل ترين عدد القتلى". منعنا تراجعهم وإذا كان هناك من يصر على التراجع نأخذ بندقيته. وكان بيننا عملاء منافقون يُطلعون البعثيين بكل ما يحدث. يأتون لمعسكر دج لأخذ الأسلحة وأخذها لمدن أخرى لإحداث حرب شوارع. ولخيانة أبو الحسن بني صدر، رئيس الجمهورية في تلك الفترة، أثر كبير مع قلة الأسلحة، أكثر أسلحة المدافعين كانت بنادق خفيفة. لذلك طلبوا منا صناعة قنابل المولوتوف. كان بناء المكتب بجانب مقر حزب الجمهورية الإسلامية، هدمنا الجدار وأعددنا القنابل الحارقة وسط الساحة.
كان بناء المركز في شارع 40 مترا وهو معرض للخطر أكثر. ألم يقلقكم خطر الإصابة وانفجار قنابل المولوتوف؟
نعم صحيح. ولكن ليس هناك مكان آمن في خرمشهر. لأنّ العراق حاصر المدينة. وكما قلت كان يكفي إصابة القنابل لكي تنفجر ونهلك ولكننا اعتمدنا على الله. لم يكن أحد يخاف الموت. في إحدى المرات أصابت المركز قذيفة ولكنها وقعت في أكياس الطحين! وقال الشهيد آل بوغبيش: "في الخط الأمامي حين رأينا ذرات الطحين في السماء عرفنا أنهم قصفوا المركز القرآني". وفي إحدى المرات أطلقوا الرصاص على المركز والظاهر أنه كان من أعمال الطابور الخامس.
كم عدد النساء في المركز القرآني؟ ألم يود أهاليهم أخذهن معهم؟
تعاون معنا عدد كبير من النساء. صحيح، جاءت عائلة شهناز محمدي زادة ليأخذوها فقالت لي: "تريد عائلتي أخذي. أرجوك لا تدعيهم يأخذوني". قلتُ: "حسنا". حين وصلت عائلتها قلت لهم: "إسمحوا لها بالبقاء. من المهم بقاؤنا الآن في خرمشهر". وسمحوا لها.
في اليوم 30 سبتمبر 1979 من أيام الحرب الأولى هي نفسها التي استشهدت شهناز محمدي زادة وشهناز حاجي شاه، تحدثي لنا عنهما.
كانتا نشطتين في المركز القرآني قبل الثورة. خاصة شهناز كانت نشطة جدا وذكية ومؤمنة. وضعت كل وقتها للمركز. سعت أن تدخل الفتيات في المركز. كانت طباخة ماهرة وتطبخ من الصبح للمساء. وحين قلنا: "المسؤلية كلها تقع على عاتقك" تجيبنا: "هذه عبادة".
هل تذكرين يوم شهادتهما؟ كيف حدثت؟
كنا في تلك الأيام سوية. لكل واحدة منهما شخصية. كان الغذاء الواصل لنا قليل، فوضعت الأخوات لهن قوانين بعدم أكل البعض منها مثل الفواكه والمعلبات وإرسالها للإخوة في الخط الأمامي. في ذلك اليوم قالت لي شهناز محمدي زادة: "سيدة عابدي هل يمكنني الأكل من هذا التفاح؟" قلتُ: "ولمَ لا؟ هنيئا، أنتِ من وضع هذا القانون!" قالت جملة لم أفهمها في تلك اللحظة. قالت: "هذه آخر فاكهة أتناولها!" قلت: "ماذا تعنين؟" ابتسمت. صباحا حين اجتمعنا على المائدة قالت مرة ثانية: "هذا آخر إفطار أتناوله!" مزحوا معها قائلين: "ماذا حدث؟ هل وصلك خبر!" ضحكت شهناز مرة أخرى. اتجهت كل واحدة حيث مهمتها. رأيتُ شهناز تجلس على صندوق فاكهة وأمامها بضعة مناديل ورقية وتكتب عليها. كنت أريد الذهاب لمسجد جامع. قلتُ: "الجلوس هنا خطر". ابتسمت مرة أخرى. كانت شهناز طيبة، ولكن في ذلك اليوم امتزجت طيبتها مع شيء آخر. ذهبتُ لمجسد جامع وعدت، رأيتها مازالت في مكانها. ظننت أنها غير مرتاحة من شخص ما. قلت لها: "مازلت هنا؟ هل هناك أحد قد مسك بسوء؟" قالت: "لا، أنا لست متأذية من أحد".
حضرت سيارة غذاء من إحدى المدن. نادينا على الأخوات ليخلوا السيارة. أوشكن على النهاية ولكن قصف البعثيون المكان. كانوا يعرفون المناطق التي فيها تجمعات. فاتجه الجميع إلى الخنادق.
وكانت السيدات منا حين تجلسن دون عمل تبدأن في المناقشات العلمية. فقالت إحدى السيدات: "أنا أسأل وأنتِ أجيبي". وسؤالها هو: "لماذا علينا دفع الخمس؟" قالت شهناز لي: "سيدة عابدي أنت درستنا هذا الدرس. هل تسمحين أن أجيبها؟" أجابتها وشرحت فلسفة الخمس. قصف العراقيون مرة أخرى المدينة. قصفوا مكانا قرب مسجد جامع. نهضت شهناز وقالت: "دعونا نذهب للمساعدة" كانت تطلب منهم المساعدة حينها قلت: "لا تذهبن، الوضع خطر، لا أحد هناك". ورأيت شهناز حاجي زادة تنهض أيضا! وقعت القذيفة بينهما. كان منظرا صعبا. كانتا من أفضل بناتنا.
لم يكن لدينا سيارة. جاءت سيارة بيك آب من الشارع المقابل. أركبناهما في السيارة واتجهنا للمشفى، ولكن فقدتا الحياة. في الليلة التي سبقت الحادثة كنت قد ذهبتُ مع شهناز حاجي زادة إلى السطح، كان الهواء حاراً ولم يكن لدينا مروحة. زحفنا زحفا. كان الوضع خطراً. قلت: "لقد عطشنا. كيف سننزل في هذا الظلام؟" قالت شهناز: "لا مشكلة سوف أحضر الماء". رأيتها تحت ضوء القمر ترتدي ثيابا جميلة. كانت أنيقة وفنانة ومتدينة. كنا نمزح كثيرا. قلتُ لها مازحة: "يا سيدة شهناز كأنّ هذه الثياب ثياب عروس". وكانت ثياب الشهادة. قالت: "نعم، هذه الثياب جديدة الليلة ارتديتها". وضحكت. في اليوم الثاني استشهدت ورأيت ثيابها ممزقة، في الحقيقة كان هذا كفنها.
حتى متى كنتِ في خرمشهر؟
كنا آخر فريق يخرج من المدينة، بعد شهادة آل بوغبيش.
متى استشهد؟
14 أكتوبر 1979.
هل كنتِ حتى ذلك الوقت في المدينة؟
نعم. حتى أنّ الكثير من الإخوة غادر. جاء الإخوة في الحرس وقالوا: "لقد نقلنا مقراتنا إلى تلك الجهة... لا يمكن البقاء هنا". كانت المدينة تسقط. كانت الأخوات شجاعات مهما قلت لن أصف شجاعتهن. لا يخفن ويرين أنّ بقاءهن في المدينة أكبر عبادة. لذلك قلن: "لن نغادر. نريد الحفاظ على المدينة".
رحم الله الحاج الشيخ شريف قنوتي. أحضر عدة رشاشات. قالت الأخوات: "سوف نبقى وندافع عن المدينة بالرشاشات". قال الحاج: "لا تستخدموا هذه الأسلحة، لو أطلقتن النار سوف تظن قواتنا أنكم العدو ويطلقون النار عليكن". قلنا: "سوف نستخدم المولوتوف". وأخذونا بالقوة.
كلما ذكرت اليوم الأخير في مدينة خرمشهر، ما الذي يتداعى لذهنكِ؟
يوم حزين. النار والدخان في كل مكان. في نفس اليوم مات آل بوغبيش. أذكر حين أردنا الرحيل قالوا: "خذوا كل ما تحتاجونه". لم يأخذ أحد سلعة قيمة. ولأنّ زوجي استشهد أخذت ألبوم الصور. لم يكن لديّ الكثير من الذهب، ورغم ذلك لم آخذه، والبقية فعل ذلك، لم نكن نرى العالم.
هل ذهبتم إلى مدينة آبادان؟
لا. الحرس أخذنا إلى مقره في تلك الجهة من نهر كارون. ثم أخذوا لنا بناية في آبادان، كان قد تركها أهلها.
يبدو أنّ الشهيد محمد علي جهان آرا، قائد الحرس في خرمشهر طلب منك الذهاب إلى طهران وإخبار الإمام(ره) عن خيانة بني صدر والمسؤلين؟
نعم. قال بني صدر لن نعطي الحرس الثوري العتاد. كانت قواتنا دون أسلحة. قال الشهيد جهان آرا: "لو رحلنا، ستخلوا الخنادق. أعرف جيدا أنّ الإمام لا يعرف بالوضع هنا. أوصلي نفسك للإمام وأخبريه بخيانة بني صدر". وشعرتُ أنه تكليف يجب القيام به.
هل رأيت الإمام قبل بداية الحرب؟
رأيته. حين جاء لقم رأيته في لقاء خاص. كانت لديه كلمة في أعضاء المركز القرآني وقال: "أرحب بالأخوات القادمات من خرمشهر من المركز القرآني". خطب نصف ساعة. في بداية الثورة ولأنّ الناس لا تعرف المنافقين، أُطلق عليهم مجاهدي خلق وكتبوا شعاراً لهم "فضّل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما". خدعوا الناس والناس صدقوا أنهم ثوريين. وضعوا خيماً لهم في شارع 40 متر خرمشهر ومناطق أخرى واستقطبوا أعضاء. انخرط الكثير من الشباب معهم. وكان الوضع على كل البلاد مشابهاً. عرضنا قضية مجاهدي خلق على الإمام ليسمعه الجميع: "لديّ سؤال.. يقوم مجاهدي خلق باستقطاب الأعضاء. هل تؤيّد الدخول في هذه المنظمة؟" فأجاب: "لا".
هل تذكرين من رافقك من النساء في هذه المهمة إلى طهران؟
أذكر سهام طاقتي وأختها فخري وفاطمة أبو الحسن وأختي سوسن عابدي وصالح بور وسليمة عيداني وعصمت حبيب زاده زوجة صاحب عبود زاده ونسرين بزاز واحترام رفيعي وزهراء عدالت وسهيلا فرهادي.
كيف خرجتم من المدينة وذهبتم إلى طهران؟
لم نكن نعلم أن العدو يشرف على طريق آبادان/ ماهشهر وسربندر ويقصفونه. ضرب العراقيون السيارة التي تتقدمنا. ترجلنا من السيارة. تجادلنا فيما بيننا بين الذهاب والاختباء فأخذنا استخارة هل نذهب من طريق الماء؟ ولأني أقوم بهذا الأمر لأول مرة فتفجاءت عندما قرأت في القرآن آية حول هذه القضية. قصة السيد موسى وأمه حين وضعته في الصندوق وتركته في النيل. جاءت هذه الآية. قلت للأخوات: "نذهب وطبق هذه الآية حتى لو رآنا العدو، فلا شأن له بنا". وهذا ما حدث. حين أردنا ركوب القارب، مرت الطائرات البعثية. كانت تطير منخفضة ورؤونا لكن مروا.
كنا عشرة أو خمسة عشر شخصا ودخلنا الماء. قلت لأخت آل بوغبيش: "إذهبي لسربندر وأحضري لنا سيارة لنذهب إلى سربندر". ووصلنا.
هل نقلتكم السيارة من سرنبدر إلى طهران مجاناً؟
لا. لم نظن أننا سنتحاج للمال. أجرنا سيارة، ولكن لم يكن معنا مال للدفع. فهمنا أن ليس معنا مال حين وصلنا لسربندر. بعنا ما لدينا من ذهب لنجمع أجرة السيارة.
متى وصلتم إلى طهران؟
مساء وصلنا لموقف الحافلات. الهواء كان بارداً وثيابنا لا تتناسب مع البرودة. أصبنا بالبرد لأننا نمنا على الأرض.
هل نجحتم في مهمتكم؟
نعم. ذهبنا صباحاً لمجلس الشورى. لم يسمحوا لنا بالدخول. خطبت إحدى نساء الشهداء وقالت: "لماذا لا تدخلوننا؟ لماذا لا تفتحون لنا أبواب المجلس؟ هل تظنون أننا جئنا لمدّ اليد؟ أتينا لقول شيء مهم". فتحوا الباب ودخلنا. جاء عدة مندوبون وبينهم السيد علي أكبر برورش، عضو شورى الدفاع العالي. كنتُ أعرفه فقلت: "لقد جئت سابقا لخرمشهر وهذه هي أوضاعها". قال: "أقبل كل ما تقولوه وسوف أقوله كله في التلفاز، ولكن لن يتغير شيء بكلامي، لأنّ بني صدر قائد القوات وهو من يتخذ القرار. عليكن قول ذلك للإمام. هو وحده من يستطيع متابعة قضيتكن. إذهبوا للإمام مهما كلف الأمر". قلت: "ألا تستطيع أخذ وقت لنا؟" فقال المندوبون: "كما استطعتُن الدخول للمجلس سوف يساعدكنّ الله على رؤية الإمام". رأيتُ أنه لا يمكنهم فعل شيء.
هل استطعت لقاء الإمام؟
الوصول للإمام صعب جدا. لا يسمحون لنا برؤيته. قلنا: "جئنا من خرمشهر وليس لقاءنا بسيط". لم نكن نعلم أنّه كان في مكتب الإمام بعض مؤيدي بني صدر. لم يكن لنا دخل في القضايا السياسية وكنا نريد طرح قضية تتعلق بالحرب ولأنهم كانوا يعلمون أنّنا سننقل حديثنا عن أخبار الحرب وأننا نريد إيصاله للإمام، لم يكونوا يسمحون لنا بالدخول. قالوا: "هل تريدون إيصال خبر مضى عليه يومان، نوصل له أخبار الساعة".
كان وقتها قد حان موعد صلاة الظهر فكنا مقيدين بالصلاة بوقتها، رأتنا جارة لبيت الإمام وسمعت كلامنا فدعتنا لمنزلها. عرفنا أنّ علاقتها بالإمام ليست جيدة ورغم ذلك لم يبعدوها. وبعد الصلاة أخذت المرأة تتحدث بسوء عن الإمام: "قدمتم قتلى، ورغم ذلك لا يسمحون لكن بالدخول". حزنتُ كثيرا قلت: "ليس الأمر هكذا. قد يكون عندهم سبب. والإمام لا يعلم بنا".
بعد الصلاة عدنا. قالوا لنا: "نسمح لكن بالدخول، بشرط لا تتطرقن للجبهة والحرب". قلنا: "لا يمكن". فقالوا: "إذاً لن نسمح لكن بالدخول". نُقل الشهيد السيد عبد الرضا موسوي، رئيس الحرس بعد جهان آرا، إلى مشفى في طهران بعد إصابته. وقد هربوا من المشفى لكي يلتقوا بالإمام ويحدثوه عن خرمشهر. رأيتهم. لم يكن استقبالهم جيدا قالوا لهم: "لو كنتم رجالا لحاربتم ولم تهربوا". ومن شدة إخلاصهم لم يخبروهم أنهم جرحى مثل عوائل الشهداء لم يعلنوا عن أنفسهم. قال الشهيد عبدالرضا موسوي: "أحمل رسائل من خرمشهر، إذا لم تسمحوا لنا بالدخول سوف أخبر الإمام، وستندمون، لأنّ رسائلي مهمة جدا". قالوا: "ليدخل ممثل عن الرجال وممثلة عن النساء". اقتربنا أنا والشهيد موسوي من بيت الإمام. وطوال الطريق يسألون الشهيد موسوي: "لماذا هربت من الحرب؟" ويصر هو: "دعوني أرى الإمام". دفعوا موسوي وقالوا له"عدْ". انفتق جرحه (بكت الراوية). نادى عليّ وقال: "سيدة عابدي لقد ضربوني". فقدت السيطرة وقلت: "تعيدون وتكررون هارب هارب، الرجل ليس بهارب، هو جريح". طلب مني موسوي العودة ولكني أخبرته لم نأت لكي نعود.
هل عدتم من جماران؟
لا. عاد الأخ موسوي لأنه مجروح. طلبت ممن كان معي أن يدخل، والحرس حين رؤوا بيننا عوائل شهداء احترمونا وتراجعوا. حين دخلن هتفن: "أيها الإمام صوتنا لا يصل إليك". طلبوا منا عدم الحديث مع الإمام. انتظرت حتى بتّ الأخيرة. حين وصل دوري رأيت شخص يقف فوق رأسه ويشير لي ألا أتكلم. قبلت يده وتحدثت.
ماذا كان جواب الإمام؟
لم يتحدث الإمام، لكن تغيرت ملامح وجهه. ثم تشاجر معي من كان هناك وقالوا: "لو مرض الإمام فأنت السبب". فأجبتهم: "لو لم تصل للإمام الأخبار الصحيحة سوف يمرض".
هل نقلتن مظلومية خرمشهر لجهة أخرى؟
نعم سكنا في بيت شخص باسم جمشيدي في منطقة نازي آباد. في الأيام الفاطمية وقد تجمع الناس، وتحدثت سيدة ولكنها لم تشر للحرب ولا بكلمة. قلت لزوجة جمشيدي: "هل يمكنني إلقاء كلمة قصيرة؟" في ذلك الوقت كانت مشادات بين التيارات السياسية، خاصة بين أتباع الشهيد بهشتي وبني صدر. لم يكونوا على معرفة بنا. تشاوروا فيما بينهم وسمحوا لي. حين أخبرت الناس عما يحدث في خرمشهر ضجّ المكان. وصل الخبر للحرس. سجلت الأخوات صوتي وأخذنه للحرس. وحين علموا أننا على خطّ الولاية طلبوا منا البقاء في طهران.
كم بقيتي في طهران؟
أردنا العودة، لكن الحرس طلب منا البقاء. وكنا نقدم كلمات خطابية للناس.
بعد تحرير مدينة خرمشهر، هل عادت نشاطات المركز القرآني؟
نعم. ورغم وجود الألغام والخنادق حتى الخنازير، بدأنا عملنا ولهذه اللحظة. والفضل للكثيرين منهم العلماء الذين لبوا دعوتنا مثل آية الله مطهري ومظاهري ومشكيني وآية الله نوري والمرحوم علي دواني. منذ الثالثة عشر خطوتُ في هذا الطريق ووفقت لتأسيس المركز القرآني والحوزة العلمية للنساء في خرمشهر.
المصدر: التاريخ الشفوي الإيراني.
فائزة ساساني
ترجمة: أحمد حيدري مجد
اترك تعليق