مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

السيدة جويرية بنت الحارث

السيدة جويرية بنت الحارث

جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار بن مالك بن جزيمة، وجزيمة هو المصطلق من خزاعة. تزوجها مسافع بن صفوان. فقتل يوم المريسيع (1).
وبعد هجرة الرسول(ص) تكاتفت قريش لاستئصال المسلمين. فكانت غزوة بدر في السنة الثانية من الهجرة. ثم غزوة أحد في السنة الثالثة، وفي السنة الرابعة من الهجرة نشطت أجهزة ومؤسسات الصد عن سبيل الله. فكانت أكثر من غزوة منها الغزوة المعروفة بذات الرقاع. وغزوته(ص) إلى اليهود من بني النضير. وغزوته إلى بني المصطلق. وفي هذه الغزوة تم سبي جويرية بنت الحارث سيد هذا البطن من خزاعة. وكان زواج النبي(ص) من جويرية بنت الحارث أحد الأسباب الرئيسية التي قصمت ظهر جبهة الحرب التي كان أبو سفيان يعتمد عليها للصد عن سبيل الله.
زواجها:
إذا تدبرنا في الأحداث. وجدنا أن زواج النبي(ص) بجويرية بنت الحارث قد حقق نتائج لا يحققها إلا جيش كامل العدد والعدة.
ذكر ابن كثير: أن بني المصطلق كانوا أكبر بطون خزاعة  وكانوا حلفاء لأبي سفيان بن حرب على رسول الله(ص). وكانوا ذو تأثير كبير على من حولهم من القبائل(2) وكان زواج النبي(ص) من جويرية بنت الحارث سيد بني المصطلق من الأسباب الرئيسية لتصدع جبهة أبي سفيان بن حرب. ولقد كان بنو المصطلق ضمن نسيج الصد عن سبيل الله.
روى الطبري: بلغ رسول الله(ص) أن بني المصطلق يجتمعون له. وقائدهم الحارث بن ضرار أبو جويرية بنت الحارث. فلما سمع بهم رسول الله(ص). خرج إليهم حتى لقيهم على ماء من مياههم يقول له: المريسيع. من ناحية قديد إلى الساحل. فتزاحف الناس واقتتلوا قتالاً شديداً. فهزم الله بني المصطلق. وقتل من قتل منهم. ونفل رسول الله(ص) أبناءهم ونساءهم وأموالهم. فأفاءهم الله عليه.
وروى الطبري: أصيب من بني المصطلق يومئذ ناس كثير. وقتل علي بن أبي طالب منهم رجلين: مالكاً وابنه. وأصاب رسول الله(ص) جويرية بنت الحارث(3).
وذكر ابن هشام في السيرة: لما أنصرف رسول الله(ص) من غزوة بني المصطلق ومعه جويرية بنت الحارث. دفع جويرية إلى رجل من الأنصار وديعة. وأمره بالاحتفاظ بها. وقدم رسول الله(ص) إلى المدينة. فأقبل أبوها الحارث بن أبي ضرار بفداء ابنته فلما كان بالعقيق نظر إلى الإبل التي جاء بها للفداء. فرغب في بعيرين منها. فغيبهما في شعب من شعاب العقيق. ثم أتى النبي(ص). فقال: يا محمد. أصبتم ابنتي وهذا فداؤها. فقال رسول الله(ص): فأين البعيرين اللذين غيبت بالعقيق في شعب كذا وكذا؟ فقال الحارث: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. فوالله ما أطلع على ذلك إلا الله تعالى. فأسلم الحارث. وأسلم معه ابنان وناس من قومه. وأرسل إلى البعيرين فجاء بهما. فدفع الإبل إلى النبي(ص)، ودفعت إليه ابنته جويرية. فأسلمت. وخطبها رسول الله(ص) إلى أبيها فزوجه إياها(4).
وروى الحاكم عن عبد الله بن أبي الأبيض مولى جويرية عن أبيه قال: سبى رسول الله(ص) بني المصطلق فوقعت جويرية في السبي. فجاء أبوها فافتداها وأنكحها رسول الله(ص)(5). وروي أن خبر زواج النبي(ص) ذاع بين الناس. فأرسل المسلمين ما بأيديهم وأعتقوا نحو مائة أهل بيت من بني المصطلق. وقالوا: أصهار رسول الله (ص)(6).
وروي عن عائشة قالت: فما نعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها(7).
وبالجملة: كان زواج النبي(ص) مقدمة ترتب عليها إرسال المسلمين ما في أيديهم من سبايا بني المصطلق. وقولهم: أصهار رسول الله(ص). وعلى هذه الخلفية انتقل بنو المصطلق من خندق أعداء الدعوة إلى خندق حماية الدعوة. وبدؤوا يمارسون تأثيرهم على القبائل من حولهم ويؤمنون حركة الذين آمنوا وتجارتهم بين القبائل. وبعد غزوة بني المصطلق تصدعت الجبهة السفيانية. وترتب على هذا التصدع صلح الحديبية. وعلى خلفيته انطلقت الدعوة برسائل النبي(ص) إلى كسرى وقيصر. ثم اكتملت الثمار بفتح مكة. لقد كان هتاف المؤمنين يوم غزوة بني المصطلق: أصهار رسول الله(ص). وكان هتاف بني المصطلق يوم الحديبية: نحن في عقد محمد وعهده(8).
ويمكن القول. إن زواج النبي(ص) أم حبيبة بنت أبي سفيان في أول العام السادس الهجري كان ضربة قوية وجهت إلى ما يدور في عقل الجبهة السفيانية من إثارة الفتن والتشكيك في الدين من تحت لافتة نصرانية وقع في حبائلها عبيد الله بن جحش زوج أم حبيبة بالحبشة.
وكان زواجه(ص) من جويرية بنت الحارث آخر العام السادس الهجري. ضربة قوية أخرى أصابت الجبهة السفيانية وتعدتها إلى قبائل أخرى.
وفاتها:
قال أبو عمر: توفيت جويرية سنة ست وخمسين(9). وروي أنها عاشت خمساً وستين سنة(10)


الهوامش:
1- الطبقات الكبرى 116/ 7.
2- البداية والنهاية 295/ 5.
3- تاريخ الأمم والملوك 65/ 3.
4- سيرة ابن هشام 246/ 4.
5- رواه الحاكم (المستدرك 27/ 4).
6- الإستيعاب 260/ 4، ورواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح (الزوائد 250/ 9).
7- رواه الحاكم (المستدرك 27/ 4).
8- تفسير الميزان 268/ 18.
9- الإستيعاب 261/ 4.
10- الإصابة 266/ 4.


المصدر: زوجات النبي(ص): سعيد أيوب. ط1، دار الهادي، بيروت- لبنان، 1997- 1417م. 

التعليقات (0)

اترك تعليق