المصطلحات الأممية.. لعبة تتكرر: احتواء الوثيقة على مطالب خطيرة، تتعارض مع الشريعة الإسلامية
حذرت في مقالاتي السابقة من الوثيقة المعنونة "القضاء على ومنع كل أشكال العنف ضد المرأة والفتاة " والتي تناقش الآن في سرية تامة في قاعات الأمم المتحدة المغلقة، ومن احتوائها على مطالب خطيرة، تتعارض مع الشريعة الإسلامية، وأنها استمرار لما سبقها من وثائق واتفاقيات على رأسها اتفاقية (سيداو 1979) ووثيقة (بكين 1995).
ورغم عنوانها البراق، إلا أن ذلك العنوان يخفي وراءه العديد من المطالب الصادمة، التي تتبنى فكرا أحاديا لا يقبل الاعتراض أو التعديل ولا يحترم التعددية الثقافية والدينية لشعوب الأرض.
لعبة المصطلحات
في محاولة للالتفاف حول المقاومة الشديدة التي واجهتها لجنة مركز المرأة بالأمم المتحدة في بدايات طرحها للمنظومة الأممية لحقوق المرأة، لجأت إلى التستر خلف عدد من المصطلحات المطاطة، شديدة الضبابية، لتُدخِل من خلالها كل ما لديها من مضامين تتعارض في الكثير منها مع معتقدات الشعوب وثقافاتها. ولا تفتأ تكرر تلك المصطلحات، في كل الوثائق التي تصدرها في اجتماعاتها المتكررة.. وفي كل مرة يتسع المصطلح أكثر، ليشمل مضامين أكثر..
وفي الوثيقة التي تناقش الآن في قاعات الأمم المتحدة، وثيقة "القضاء على العنف ضد المرأة والفتاة "، نورد أهم وأخطر تلك المصطلحات والمضامين وهي:
- Gender Equality (مساواة الأنواع): فالجندر يعني تقسيم أنواع البشر بناء على الأدوار الاجتماعية وليس بناء على التركيب البيولوجي الفطري للإنسان، فليس بالضرورة أن تكون المرأة هي الأم، أو أن يكون الرجل هو القيِّم على الأسرة! وبالتالي تعني (مساواة الجندر) توحيد الأدوار واقتسامها بين الرجل والمرأة.
ثم المطالبة بسياسات تراعي المنظور الجندري gender-sensitive policies، أي أن تراعي السياسات المساواة التامة بين الرجل والمرأة، ودعم حقوق الشواذ ومساواتهم بالأسوياء.
- Discrimination against women and girls (التمييز ضد النساء والفتيات): والمقصود (بالتمييز) وفقا لاتفاقية سيداو ووثيقة بكين وغيرها: أي فوارق بين الرجل والمرأة سواء في الأدوار أو في التشريعات، ومن ذلك تحمل الرجل مسئولية قيادة الأسرة والإنفاق عليها، وقيام المرأة بمهام الأمومة. كما يشمل الفوارق التشريعية بين الرجل والمرأة، مثل: القوامة، والولاية، والوصاية، والتعدد، والعِدَّة، والحضانة والزواج والطلاق (وفقا لاتفاقية سيداو).
• abolishing practices and legislation that discriminate against women and girls (إلغاء التشريعات والممارسات التي تميز ضد النساء والفتيات): وبالتالي وفقا لمفهوم التمييز في الوثائق الدولية، تصبح المطالبة بإلغاء "التشريعات" التي تميز ضد النساء والفتيات، تعني المطالبة بتغيير كل القوانين بحيث يتم إلغاء كل الفوارق بين الرجل والمرأة، و "إلغاء الممارسات" إنما يعني تغيير ثقافة المجتمع بالكامل لتصب في اتجاه تقبل وتطبيق التساوي المطلق.
وتعترض الوثيقة بشدة على اختصاص الرجل بمهمة القوامة داخل الأسرة، وتعبر عن ذلك بالنص على أن: "عدم التساوي في علاقات القوة بين النساء والرجال هو من الأسباب الأساسية للعنف". فنصت على:
- violence against women and girls is rooted in historical and structural - inequality in power relations between women and men (العنف ضد النساء والأطفال متجذر في عدم المساواة الهيكلية التاريخية في علاقات القوة بين النساء والرجال)!
- equal access to power and decision-making, and promote sharing of paid and unpaid work; (المطالبة بالمساواة في القوة/السلطة، وصنع القرار، وتعزيز تقاسم العمل المأجور، والعمل غير المأجور): ففي داخل الأسرة، القوامة للرجل {وللرجال عليهن درجة}، فهذا يعتبر -من منظور الوثيقة- عدم مساواة في "القوة/السلطة ". وبالتالي تأتي المطالبة باقتسام العمل مدفوع الأجر، وأيضا غير مدفوع الأجر (إشارة إلى العمل المنزلي ورعاية الأطفال).
• causes of violence against women and girls, including gender discrimination, inequality, unequal power relations between women and men, gender stereotypes ( أسباب العنف ضد النساء والفتيات، بما في ذلك التمييز القائم على النوع، وعدم المساواة، علاقات القوة غير المتكافئة بين الرجل والمرأة و الصور الجندرية النمطية): والمقصود بالصور الجندرية النمطية قيام المرأة بالدور الطبيعي في الإنجاب ورعاية الأطفال والأسرة، وقيام الرجل بالدور الطبيعي في العمل والإنفاق على الأسرة ورعايتها. حيث تعتبر الوثيقة هذه الأدوار "نمطية " ومن أسباب العنف ضد المرأة!!!
ومنذ مؤتمر القاهرة للسكان 1994، وحتى يومنا هذا، لا تفتأ الأمم المتحدة تطالب بضرورة حصول الأطفال والمراهقين على وسائل منع الحمل، وتدريبهم على استخدامها، فقد طالبت الوثيقة بـ: "بتوفير خدمات الصحة الجنسية والإنجابية للنساء والفتيات including sexual and reproductive health, " ، والتي تشمل توفير وسائل منع الحمل، والتدريب عليها، والمطالبة بإباحة الإجهاض. والغريب أن تلك الخدمات تطرح في الوثيقة كعلاج وقائي للعنف!! فما العلاقة بين توزيع وسائل منع الحمل، واباحة الإجهاض وبين العنف؟! عن أي عنف يتكلمون؟
ولإقحام العلاقة الجنسية بين الزوجين في قضايا العنف، فلننظر في تعريف العنف نفسه ضد المرأة نفسه، والذي نص على: The Commission stresses that “violence against women” means any act of gender-based violence that results in, or is likely to result in, physical, sexual, psychological harm or suffering to women and girls, including threats of such acts, coercion or arbitrary deprivation of liberty, whether occurring in public or in private life. The Commission also notes the economic and social harm caused by such violence " (أي عمل من أعمال العنف المبني على الجندر، ويترتب عليه، أو يرجح أن يترتب عليه، ضرر جسدي أو جنسي أو معاناة نفسية للنساء والفتيات، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة وتلاحظ اللجنة أيضا الأضرار الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن هذا النوع من العنف).
ويبدو واضحا المطاطية والاتساع الشديد في المفهوم، فالعنف ضد المرأة والفتاة هو العنف المبني على الجندر، أي أنه يحمل نفس معناه، ثانيا: ما هي حدود الضرر الجسدي أو الجنسي أو المعاناة النفسية؟ إن التعريف يتسع حتى ليكاد يشمل كل فعل لا ترضى عنه المرأة، وهذا أمر خطير جدا، فليس في مصلحتنا توسيع مفهوم العنف بهذا الشكل. فبالإضافة إلى الخطورة التي يمثلها ذلك التعريف على الأسرة بشكل خاص، والأخلاق بشكل عام.. إذا فُرِضَت علينا المساءلة والمحاسبة الدولية، ستصبح كل هفوة "جريمة عنف". حيث تطالب الوثيقة بتحويل ما أسمته ب "جرائم العنف" ضد المرأة والفتاة إلى محكمة الجرائم الدولية!!
ووفقا للتعريف فإن "الضرر الجنسي" الذي قد تعاني منه المرأة، أن يطأها زوجها في أوقات لا تحلو لها، وهو ما أطلقت عليه الوثائق السابقة "الاغتصاب الزوجي" ، بل وتتسع الدائرة أيضا لتشمل "التحرش الجنسي" فتقحمه ضمن إطار العلاقة الزوجية، خاصة بعد أن أكد الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره لعام 2010، وجوب مساواة عقوبة من "يغتصب زوجته " بعقوبة من يغتصب الأجنبية!!
- ولم تكتفي الوثيقة بالتعريف السابق للعنف، بل وضعت تعريفا آخر أكثر شمولا وأكثر خطورة وهو: The Commission affirms that violence against women and girls is rooted in historical and structural inequality in power relations between women and men, and persists in every country in the world as a pervasive violation of the enjoyment of human rights. Gender-based violence is a form of discrimination that seriously violates and impairs or nullifies the enjoyment by women and girls of all human rights and fundamental freedoms. Violence against women and girls is characterized by the use and abuse of power and control in public and private spheres, and is intrinsically linked with gender stereotypes that underlie and perpetuate such violence, as well as other factors that can increase women’s and girls’ vulnerability to such violence ( اللجنة تؤكد أن العنف متجذر ضد النساء والفتيات في عدم المساواة التاريخية والهيكلية في علاقات القوة بين المرأة والرجل، واستمرت في كل بلد في العالم، مما يشكل انتهاكا فادحا للتمتع بحقوق الإنسان. العنف القائم على الجندر هو شكل من أشكال التمييز التي تنتهك بشكل خطير ويعوق أو يلغي تمتع النساء والفتيات بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية. يتصف العنف ضد النساء والفتيات باستخدام وإساءة استخدام السلطة والسيطرة في المجالين العام والخاص، ويرتبط ارتباطا جوهريا مع "الصور الجندرية النمطية " التي تكمن وراء وإدامة هذا العنف، فضلا عن العوامل الأخرى التي يمكن أن تزيد من تعرض النساء والفتيات لمثل هذا العنف).
وهنا نصت الفقرة على أن العنف ضد النساء والفتيات يحدث ليس فقط باساءة استخدام السلطة (مع مطاطية كلمة "إساءة " واتساعها) ولكن يحدث باستخدام "السلطة " نفسها من الأساس، في المجالين العام (خارج الأسرة) والخاص (داخل الأسرة)، وهذا تصريح بأن استخدام سلطة القوامة داخل الأسرة، وهي ضرورية للحفاظ على تماسك الأسرة وتنشئة الأبناء، هو العنف بعينه، كما أنه يرتبط بما سُمِّيَ بـ "الصور الجندرية النمطية "، أي بالأدوار الفطرية لكل من الجنسين داخل الأسرة، ولكنهم لا يقولون فطرية، وإنما يقولون "نمطية "، والمتمثلة في قيام المرأة بدور الزوجة والأم، وريادة الرجل للأسرة!!
- ويقابلنا هنا مصطلح "جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية Human Rights and fundamental freedoms": وهو مصطلح شديد المطاطية، ولا يجب أخذه بشكل مطلق، لأنه، وبرغم اشتماله على الكثير من الحقوق الطبيعية، إلا أنه يشتمل أيضا على أمور كثيرة لا تتفق مع الشريعة الإسلامية، مثل حرية الزوجة في السفر أو الخروج أو العمل بدون إذن الزوج، وحرية المرأة (زوجة أو فتاة) في السكن بمفردها (وفقا للمادة 15 من اتفاقية سيداو)، كذلك حرية الفتاة في الزواج بدون إذن وليها، وحرية ممارسة العلاقة الجنسية المفتوحة، وممارسة الشذوذ الجنسي (من خلال جعل اختيار الهوية الجندرية Gender Identity، والتوجه الجنسي Sexual Orientation من حقوق الإنسان). لذا لا يمكن قبول المصطلح إلا في إطار واضح وهو: "بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية، وبما لا يضر بمصلحة الأسرة ونظامها الاجتماعي".
- ولإحكام قبضة المتابعة والمساءلة من الأمم المتحدة على الشعوب المقهورة، يأتي البند (A/a) لينص على ضرورة النظر في سحب التحفظات على اتفاقية سيداو واتفاقية حقوق الطفل بحجة التصدي للعنف ضد النساء والأطفال.
والتعهد بتغيير القوانين "التمييزية " التي "تميز " بين الرجال والنساء abolish all laws, regulations, policies, practices and customs that discriminate against women، فأي قوانين تقر وجود فوارق بين الرجل والمرأة، تعد من منظور الأمم المتحدة "قوانين تمييزية".
- ثمّ تخصيص موازنة خاصة لإدماج البعد الجندري في جميع السياسات والبرامج والمشروعات gender-responsive planning and budgeting ، وزيادة الاستثمار في مساواة الأنواع Increase the investment in gender equality.
تلك كانت بعض البنود التي تم إقرارها بالفعل في الوثيقة. ولكن هناك بعض البنود لا زالت قيد التفاوض والنقاش، أخطرها البند (d quin) الذي يطالب باعتبار ما اسماه بـ "أفعال العنف الجنسي، والعنف المبني على النوع acts of sexual and gender-based violence إلى محكمة الجرائم الدولية ICC ومع مطاطية المصطلح، يمكن إذا اشتكت زوجة زوجها باغتصابها ، أو بالتحرش بها، أن يتم توقيع عقوبات دولية على الحكومة لأنها لم تعاقب الزوج على ما فعل!!!
وللتمهيد لذلك المطلب الخطير، جاء التعبير عن النساء والفتيات اللواتي يتعرض "للعنف " وفقاً للتعريف الوارد في الوثيقة، بـ "الضحايا Victims "، و "الناجيات Survivors " من العنف، لتثبيت فكرة أن "العنف ضد المرأة " –وفقا لتعريف الوثيقة- هو "جريمة" تستحق العقاب على المستوى الدولي!!
تلك كانت بعض الملاحظات حول هذه الوثيقة، ولا زال التفاوض مستمرا، ونرجو أن تستمع الوفد الرسمية إلى مطالب الشعوب، وترفض كل ما يتعارض مع مرجعياتها الدينية والثقافية والحضارية.
مصدر: موقع اللجنة الاسلامية العالمية للمرأة والطفل
كاميليا حلمي (رئيسة اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل ومنسق ائتلاف المنظمات الإسلامية)
اترك تعليق