بالمقاييس التقليدية للسينما المصرية في سبعينيات القرن الماضي، صار الفتى القادم من مدينة بورسعيد الساحلية، نجما يشار إليه بالبنان، في وقت قصير جدا، هكذا كان محمود ياسين محظوظا منذ بداية مشواره الفني، الذي تحددت خطواته الأولى بفيلم «شيء من الخوف» مع النجم محمود مرسي، حيث ظهر الوجه الجديد في دور صغير، لكنه تمكن من إحداث الأثر المطلوب في بضع دقائق فقط، وفق الزمن الدرامي، لاسيما أن الفيلم أثار جدلا سياسيا واسعا، ساهم في نجاحه وأدى إلى اعتباره حدثا سينمائيا فارقا في المستوى والمضمون، فتحولت أنظار الجمهور والنقاد إلى القصة وأبطالها الرئيسيين والفرعيين، ومن ثم استفادت الوجوه الجديدة كلها من هذا الاهتمام، بوسي التي لعبت دور العروسة زوجة ابن يحيى شاهين المغدور به في ليلة زفافه، والزوج ذاته ضحية بطش عتريس، وبالتبعية كان محمود ياسين صاحب الطله المتميزة على الشاشة، والفائز بنصيب الأسد من اهتمام الجمهور.
من تلك المحطة تحرك قطار الممثل الشاب الحاصل على ليسانس الحقوق، والباحث عن موضع قدم بين نجوم السينما الكبار، ولأنه دؤوب ولديه مقومات النجاح، فقد تمسك بالفرصة، وأخذ يدعم نفسه بنفسه فلا يرفض دورا ولا يقف عند مواصفات أو شروط لقبول ما يُعرض عليه من شخصيات، فقد كان موقنا بأن لا بد له من صعود سُلم النجومية درجة تلو الدرجة كي يتمكن من الوصول للقمة. وبالفعل سار في دربه الفني تبعا للقاعدة حتى اشتد عوده، وتوالت عليه الأدوار والشخصيات والفرص فكانت له أحقية الاختيار والتدقيق، وعمد إلى المفاضلة بعد أن كون رصيدا مُقنعا من الأفلام في مراحل الانتشار، وإثبات الذات، وإن كان البعض قد أخذ عليه في وقت ما عدم التمييز في قبول بعض الأدوار والأفلام المتشابهة إلى حد كبير، حيث كان يقدم أكثر من فيلم خلال السنة.
ورغم هذا الإسهاب كانت هناك أفلام جد متميزة أكدت موهبة الفنان الراحل، ودعمت وجوده بقوة، واعتُبرت سببا مباشرا في نجوميته، كفيلم «أين عقلي» و«قاع المدينة» و«الخيط الرفيع» و«اذكريني» وهي التي أسست لقاعدته الشعبية وربطته بالنوعية الرومانسية في السبعينيات، وقد عرج ياسين على لون سينمائي آخر أكثر جدية مع قيام حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، فظهرت قدراته التمثيلية في الأفلام الحربية، «الرصاصة لا تزال في جيبي» و«بدور» و«يوم الوفاء العظيم» فزاد رصيده الجماهيري، واعتمد بطلا شعبيا، وبات ورقة رابحة تم الرهان عليها لسنوات طويلة في شباك التذاكر. وعزز ذلك وجوده كراو في فيلم «الرسالة» مع المخرج الكبير مصطفى العقاد، إذ برع في رواية الأحداث التاريخية والدينية، وشكّل بصوته ملاحم الانتصارات والفتوحات، في تأثير درامي بالغ القدرة والإتقان، وهي خاصية اكتسبها من عمله في المسرح القومي، إبان اكتشافه، حيث قدم بعض المسرحيات الكلاسيكية كـ»الزير سالم» و«سليمان الحلبي» و«ليلى والمجنون» قبل أن يتفرغ تماما للسينما ويجد ضالته فيها، وينوع في أدائه وأدواره ويخرج من حيز الرومانسية الذي ظل داخلة لفترة طويلة.
وبناء عليه قدم محمود ياسين نماذج أخرى من الأعمال السينمائية المختلفة، يأتي في مقدمتها فيلم «نحن لا نزرع الشوك» مع شادية وصلاح قابيل. و«أنف وثلاث عيون» و«أفواه وأرانب» الذي قدم معالجة درامية خاصة جدا لمشكلة الزيادة السكانية، وعرض للأسباب والأعراض والمشكلات الناجمة عنها مع النجمة الكبيرة فاتن حمامة، ثم قدّم بعد ذلك بفترة طويلة نسبيا فيلم «الأخرس» وكان اختبارا حقيقيا لموهبته فلم يكن هناك حوار مكتوب لشخصية البطل، وهو ما يعد تحديا كبيرا لقدراته التمثيلية وإحساسه الخاص بالشخصية المركبة.
وفي تباين ملحوظ بين الأدوار الكثيرة، التي قدمها النجم الكبير خلال مسيرته الفنية الطويلة، التي تزيد على خمسين عاما، كانت هناك علامات بارزة تمثلت في أفلام مثل «الباطنية» و«انتبهوا أيها السادة» و«ليل وقضبان» و«الصعود إلى الهاوية» و«قاهر الظلام» و«الجلسة سرية» و«أشياء ضد القانون» و«صور ممنوعة» و«على من نُطلق الرصاص» و«مولد يا دنيا» و«ظلال على الجانب الآخر» وغيرها.
وفي مراحله الأخيرة، وقبل أفول نجمة ذهب الفنان الكبير محمود ياسين إلى مناطق إبداعية لم يطرقها من قبل، فجسد شخصية كبير عائلة صعيدية في فيلم «الجزيرة» وناقش من خلاله قضية الثأر والمخدرات، وكذلك قدم صورة وطنية في فيلم «فتاة من إسرائيل» مع فاروق الفيشاوي من واقع ملفات المخابرات المصرية، كما قدّم أيضا دورا نوعيا مختلفا للغاية في فيلم «الوعد» مع آسر ياسين، هذا بخلاف ما قدمه على الشاشة الصغيرة من أعمال درامية كان أبرزها مسلسل «العصيان» و«سوق العصر» و«ضد التيار» و«الإمام أبو حنيفة النعمان» في تتويج قيم لمسيرته ومشواره ومحطاته الرئيسية والفرعية، لتظل ذكراه حاضره في إنجازه الفني وإبداعه المغاير الموقع باسمة وعنوانه وموهبته.
نسخ الرابط :