المرأة المقاومة في لبنـــان (نموذج وطن- لمشروع أمة)
الحاجة عفاف حكيم
المرأة المقاومة في لبنـــان (نموذج وطن- لمشروع أمة)
الحاجة عفاف حكيم
قال تعالى: «وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ» (سورة القصص، الآية: 5). ابتداءً لا بدّ من توجيه التحية للأخوات العزيزات في الهيئات النسائية – في جبل عامل، إذ سعينَّ لانعقاد مؤتمرهنَّ الأول في أجواء حدثين هامين كبيرين، كان لهما وقعٌ كبير على مستوى التفاعل والتأثير في الساحتين العربية والإسلامية. الحدث الأول: ويتمثل في الاندحار الإسرائيلي الذليل في 24 أيار عام 2000م وبتحقيق أول انتصار تاريخي كبير منذ وجد الكيان الصهيوني الغاصب على أرض فلسطين في العام 1948.
هذا الانتصار الذي كان للأمة –كل الأمة– بمثابة عودة الروح، بعد أن هزّ أعماق كل فرد فيها وأعاد إليه الثقة والعزة والأمل، وبالمقابل أنزل بالعدو الإسرائيلي الهزيمة والإخفاق والصدمة. أما الحدث الثاني: يتمثل في انتفاضة الأقصى المباركة التي ألهبت مشاعر وقلوب العرب والمسلمين وأظهرت بأن الصراع ضد الكيان الصهيوني لا زال حاضراً بكل مقوماته وثوابته. وإن الشعب الفلسطيني برجاله ونسائه وأطفاله لا زال على استعداده اللامحدود لبذل المزيد من التضحيات.
هذان الحدثان الكبيران بما يمثلان من أبعاد مختلفة على كافة الصعد والمستويات، دفعا باتجاه الساحات النسائية في العالمين العربي والإسلامي جملة من التساؤلات، باعتبار أن الحضور النسائي في مجتمعاتنا بات معدوداً ومعتبراً، بعد أن أكسبه العلم والعمل شمولية التفكير، وارتفع به نحو الانتفاخ الإنساني، وبات يملك طموحاً أكبر وأشمل من حدود الذات الضيقة، لكن: - أين هي الآن وفي هذه المرحلة بالذات من كل ما يدور حوله؟ وكم في الساحة بينه وبين القضية المركزية الأولى للعرب والمسلميــن (قضية فلسطين وانتفاضتها)؟ وهل بات مهيئاً –بعد التفاعل الكبير مع الحدثين الهامين– لبحث العوامل التي جعلت منها نموذجاً فاعلاً؟
دور المرأة المقاومة في لبنان نموذجاً فاعلاً ومميزاً واستثنائياً، وبالتالي هل بات مهيئاً للتأمل في حال الصراع مع الكيان الصهيوني الغاصب فيما لو استعادت المرأة في العالمين العربي والإسلامي حقيقة الدور ونهضت بتكليفها الشرعي، وحيث تقتضي منها الأمانة بتجنيد نفسها لتحقيق انتساب فعلي وعملي لمقومات هويتها القائمة على مبادئ الإسلام.
ومما لا شك فيه أن إياب ساحة العمل النسائي في مجتمعاتنا إلى معاقل القضايا الكبرى والأساسية للأمة، لهو إياب في منتهى الأهمية لو أدركت أبعاده ومعطياته، ليس فقط لجهة القضايا بل لجهة الساحة النسائية ذاتها.
وهذا ما نبه إليه الإمام الخميني(قده) منذ بدء الثورة الإسلامية المباركة. وهذا ما تمثله في نهجه الكريم. وحيث حض المرأة وأهاب بها من أجل النهوض لاستعادة موقعها ومكانتها ودورها الذي رسمته وأكدت عليه تعاليم الإسلام السمحاء، لأنه في تعطيل القدرات والطاقات النسائية، تعطيل لنصف طاقة الأمة وقدراتها.
ومن هنا نلاحظ أن الإسلام من هذا المنظور الأصيل هو الذي أرعب الأعداء على مدى التاريخ وأن الكابوس الذي كان ولا زال يقض المضاجع الصهيونية والاستكبار في تاريخنا المعاصر هو عودة الإسلام مجدداً إلى واقع الحياة كسلوك عملي معاش ليقود حياتنا أفراداً وأمة.
وقد عبر –بن غوريون– (أحد مؤسسي الكيان الغاصب) عن تحسسه هذا مع بدء انطلاق الثورة (وهو على فراش الموت) إذ قال: "إننا لا نخشى الثورات ولا الديمقراطيات في المنطقة، ما نخشاه هو الإسلام ذلك المارد الذي نام طويلاً ثم أخذ يستيقظ مــن جديد". وعليه يمكن أن نقدر أبعاد الصدمة التي سببها التجاوب العارم مع الثورة –وخصوصاً على صعيد المرأة– لأحلام الأعداء ومخططاتهم.
فالمرأة المقاومة التي ارتبطت بهذا النهج وعاشت الإلتزام بتعاليم الإسلام رأينا كيف نهضت إبان الاجتياح عام 1982، وهي أكثر إدراكاً لعدوها ولدورها. وأكثر تحسساً لمسؤولية الجهاد كتكليف شرعي.
ولذا لم يكن دورها استعراضياً أو إعلامياً، بل كانت تقوم بخطوات واعية وجريئة وهادفة وحيث الغاية الأساسية مرضاة الله سبحانه، فكان أن ساهمت مساهمة فعالة بتشكيل الإرادة الشعبية العارمة، وتحقيق الإنجاز التاريخي الكبير، وإنَّه بالاستفادة من ذلك كله نخلص:
1- إلى أن تحييد المرأة عن الهموم الأساسية وتحويل خط سيرها بعيداً عن المشاكل الكبرى للأمة أوقع الساحات النسائية في عالمنا العربي والإسلامي في إرباك كبير، ومن ثم مكن قوى الاستكبار والهيمنة من اختراق مجتمعاتنا عبر اقتناص الثغرات.
2- إن حضور المرأة الحقيقي والفعلي قادر على إحداث تحولات هامة وحاسمة في مسار الأحداث، كما أثبتت المرأة المقاومة في لبنان على أرض الواقع.
3- إن الانتصار التاريخي الكبير للمقاومة –الذي كانت المرأة فيه شريك أساس– كما كشف عن مكامن الخلل والإحباط والضعف المفرط الذي تمثله المرأة داخل المجتمع الصهيوني ( كمثال أمهات يــوم الخميس) فإنه كشف وهذا هو الأهم عن مكامن القوة المتمثلة في القدرات النسائية في مجتمعاتنا.
4- إن دور المرأة في المقاومة الذي دخل التاريخ بعطائه. وكان غنياً بدروسه وإنجازاته هذا اليوم –أداء ونتائج– يمثل سنداً ورصيداً هاماً ليس فقط للمرأة على أرض الجهاد في فلسطين وحسب، بل يمكنه أن يكون نواة استنهاض واستقطاب لمختلف الشرائح النسائية في مجتمعاتنا على امتداد العالم العربي والإسلامي يمكنه بحق أن نموذج وطن لمشروع أمة وصولاً إلى انخراط الطاقة النسائية المخلصة في ميدان الفعل المباشر لمواجهة العدو الصهيوني، والخروج من مأزق التغني بأمجاد الماضي، أو عقدة المتفرج والمصفق من بعيد.
أخيراً:
تحية إكبار وإجلال للمنتفضين على أرض فلسطين المباركة، للشيوخ والشباب والنساء والأطفال، للصابرين الصامدين الأحرار، لوقفتهم البطولية الجهادية في وجه جبروت وطغيان العدو الصهيوني الشرس. تحية لمجاهدي المقاومة الإسلامية الأبطال، الذين صنعوا للعرب وللمسلمين وللبنان عزاً ومجداً، وبينوا للعالم أن لبنان ليس منتزهاً يضم بحراً وجبلاً، وإنما هو بإنسانه المتمسك بالقيم التي صنعت هذا الإنسان ووحدت هذا الوطن وقدمته للعالم أمثولة.
اترك تعليق