كلمة الحاجة عفاف الحكيم في مؤتمر بكين: الخلفيات وسبل والمواجهة.
كلمة الحاجة عفاف الحكيم في مؤتمر بكين: الخلفيات وسبل والمواجهة في ندوة ألقيت في الجامعة الاميركية بتاريخ 18/10/ 1995
إنّ مؤتمر المرأة العالمي الذي عقد في بكين والذي ضمّ حشداً عالمياً لم يسبق له مثيل في تاريخ المؤتمرات، والذي التقت فيه حوالي 50 ألف امرأة من سائر أنحاء العالم، شكّل في حقيقة الواقع ملتقىً عالمياً للمرأة على مختلف انتماءاتها الثقافية والدينية والاجتماعية، باعتبار أن هذه النساء، مع رصد المواقع، هي في الغالب محاميات وأستاذات جامعيات وكاتبات وباحثات وصاحبات مؤسسات وتنظيمات تشرف على شؤون المرأة في القارات الخمس.
لذا يمكن القول أنه شكل فرصة كبرى للمسلمات الملتزمات سواء لجهة الانخراط والمشاركة، أو لجهة إبراز موقف الإسلام العظيم من المرأة، ومواجهة ما تم توضيبه في الدهاليز الدولية. وحيث تناقلت وسائل الإعلام العالمي خلال المؤتمر خبراً مفاده أنه كان للمسلمات انتشاراً واسعاً باشكال وأزياء مختلفة وإن هذا حدث لأول مرة في تاريخ مؤتمرات المرأة العالمية.
لقد كانت الأجواء هامة غير أن ما يؤسف له هو أنّ بصمات القوى المهيمنة وما يُعد للنظام العالمي الجديد كانت بارزة برامجاً وأساليب.
أهمية المؤتمر:
يرتدي المؤتمر أهمية كبرى لجهة خطة العمل التي تنبثق عنه، والتي تهدف للنهوض بأوضاع المرأة خلال الفترة الممتدة حتى العام ألفين.
والمعلوم أن الإعداد لهذا المؤتمر تمّ عبر سلسلة طويلة من الإجراءات نُفِّذت بإشراف لجنة الأمم المتحدة لمركز المرأة والتي عملت كلجنة تحضيرية للمؤتمر، والتي تمثل 45 دولة من دول الأعضاء في الأمم المتحدة. وهذه اللجنة لها رئيسة ومقررتين ومن المهام التي عنيت بها تشكيل لجان وطنية وإقليمية ودولية مهمتها عقد اجتماعات تحضيرية إضافة إلى عقد منتديات إقليمية واجتماعات تمهيدية واستشارية للمنظمات غير الحكومية.
الأجواء العامة:
لقد شكّل المؤتمر حدثاً هاماً بما حفلت به أجوائه من وقائع وغرائب ومدهشات فلا يرى الإنسان من حوله طوال أسبوعين إلا النساء بأزياء وأشكال وأعمار وأفكار وأهواء مختلفة، فهذا ليس بالسهل استيعابه.
أن تحمل 50 ألف امرأة من أقطار العالم وفق برنامج عالمي بهذه الضخامة العددية وبهذا اليسر، فالمسألة تحض على التأمل وتدفع إلى التفكير ملياً في كيفية صنع البرامج ووضع الخطط لقيادة الشعوب وتسخير طاقاتها. فمن المحطة العالمية سنغافورة إلى بانكوك؛ الطائرات محملة بالنساء، المطارات ممتلئة بالنساء، الفنادق غاصة بالنساء والكل وجهته المؤتمر.
باختصار لقد قرأت، في هذا الجمع، المشروع الهامَّ الذي تبنته قوى الاستكبار للعمل عليه. إذ أذكر أنه في كتاب "مدافع آية الله" يكشف الكاتب محمد حسنين هيكل بأن المخابرات الاميركية قدمت نصيحة لشاه إيران قبل خلعه بفترة، أنّه بين يديك جيش معطل، عليك أن تحسن كيفية استخدامه: النساء. ويتابع أنه يومها عُيِّنت "أشرف" شقيقة الشاه على رأس مجموعة للتخطيط والبرمجة لمجتمع النساء.
هذه هي الطاقة النسائية التي يُنظر إليها كجيش معطل والتي يخطط اليوم على مستوى العالم لحسن استخدامها.
إنه المشروع الذي نبه إليه رسول الله(ص) في أكثر من مقام ودلّل عليه في أكثر من إلفاته والذي لا بد لساحتنا أن تنتبه إليه وتراجع معه حساباتها.
الخلفيات:
وإنه من أجل سبر غور الخلفيات، نحتاج إلى التأمل في التفاصيل ونوعيات المحاور وبرامج الجلسات العامة والأهداف الرئيسة التي وضعت للمؤتمر، لأنه من خلال هذا سنقرأ بوضوح خلفية ما جرى وسنلحظ الأصابع الخفية التي ألقت بظل الشيطان الأكبر على سائر ما أُعدّ.
إذ في مؤتمر بكين كما في مؤتمر القاهرة للسكان مورست لعبة الخداع وحيث تمّ تناسي كل الشعارات الجذابة، والمبادئ السامية التي طرحت كعناوين، ليُصار إلى التركيز على مواضيع الاجهاض وإباحة الاختلاط والعلاقات الجنسية وحقوق المراهقين والشاذات، وأما البرامج الشعبية ومعالجة الفقر والمجاعة وأوضاع البيئة المتردية وما ينجم عنها من أمراض فتّاكة، فحقوق الإنسان كانت بمثابة الهامش و"آخر الهم" في كل ما بذل من جهود في الندوات والورش.
وإلاّ كيف تقرأ على مستوى العناوين أن محاور المؤتمر حدّدت 12 محوراً:
1- الفقر 2- التربية -3 الصحة 4- العنف 5- النزاعات المسلحة 6-المساهمة الاقتصادية 7- المشاركون في السلطة 8- المواكبات الوطنية والدولية 9- حقوق الانسان 10- وسائل الاعلام 11- البيئة والتنمية 12- الطفولة.
مجمل هذه الوثائق حفلت بشعارات ومقترحات متنوعة، بعضها لا خلاف عليه من أحد وهو الغالب، وقسم آخر، لا يمكن قبوله أو التسامح بطرحه. وهذه البنود والتفريعات تمت صياغتها بطريقة ذكية ماكرة، وعمل على دسها مع مجموعة المقترحات والشعارات الأخرى الجادة.
فبندي التربية والصحة مثلاً كعنوان، يُتحول منها إلى الحديث عن التربية الجنسية وإباحة الاختلاط، وحماية المراهقين مع حفظ حقهم في هذه العلاقات باعتبار أنّ صحة الأسرة تكمن في الاباحة ومع سلطة الأهل وتأمين الحماية الصحية.
إضافة إلى تفريعات أخرى في مثل حق المرأة في الأنشطة الترويجية والحصول على نفس حق الرجل في الحركة والأسفار. وهذا الكلام المبطن عن حرية المرأة في الترويج والاختلاط والأسفار، وصحة الأسرة الذي جاء في الوثيقة لا يُفصل كما نلاحظ عن كلام وثيقة المرأة في مؤتمر القاهرة للسكان. فالمنطق واحد والتخطيط واحد والموضوع الذي يراد تمريره من هنا أو من هناك واحد.
إيحاءات مستخلصة:
في برنامج الجلسات العامة للمؤتمر نقرأ في النقطة الثانية:
"توفير منبر لتوجيه الانتقادات للقوى العالمية الجديدة التي لها تأثير سلبي على المجتمع الدولي".
وفي النقطة الرابعة منه نقرأ تحديد النشاطات المنجزة لمواجهة القوى العالمية الجديدة، وجاء في إحدى الفقرات: "وحيث أن النساء يواجهن القوى العالمية الجديدة فإن التحدي الأكبر أمامهن مواجهة محاولات هذه القوى نزع المكاسب التي حفظتها النساء خلال العقد الأخير".
والجدير ذكره أن إحدى النساء التركيات صرخت بصوت عال في إحدى المؤتمرات العالمية قائلة: "ننبه إلى أن كل الانجازات التي حققتها المرأة حتى الآن سيقضى عليها وسنسحق النساء إذا حكم الإسلاميون".
أهداف المؤتمر الرئيسية:
أما أهداف المؤتمر الرئيسية في البند الرابع منها:
"تبنى قاعدة عمل تركز على نقض القضايا الأساسية التي يمكن اعتبارها عقد رئيسية أمام تقدم غالبية النساء في العالم".
وإن من القضايا الأساسية التي جرى التأكيد على ضرورة نقضها: قوانين الأحوال الشخصية السائدة في البلدان العربية والاسلامية باعتبارها من أهم المعوقات التي تحول دون تقدم المرأة في هذه البلدان ووصولها -كما يزعمون- إلى مواقع صنع القرار.
على مستوى الجلسات:
أما على مستوى الجلسات فنجد على سبيل المثال أن الجلسة الأولى خُصِّصت لتقديم نظرة تحليلية للقوى العالمية والتحديات التي تواجه النساء بفعل سياسة القوى العالمية والتي تحدثت ممثلات عن القارات الخمس لتحليل الجوانب التالية: 1- المشاركة السياسية في ظل النظام العالمي الجديد 2- التهديد للأمن الدولي من قبل التسلح والعنف. 3- تدويل الاقتصاد وتأثير الثورة التكنولوجية. 4- الاعلام والاتصالات. 5- بروز المحافظين ومظاهر سياستهم الدينية والقومية والعرقية. كانت هي الطاغية على كافة الجلسات وورش العمل في المؤتمر، وحملة التشهير بالأصوليين نالت المرتبة الأولى. وأما الثانية فكانت التركيز على إيصال المرأة إلى مواقع صنع القرار، وأمّا الثالثة فكانت نقض قوانين الأحوال الشخصية السائدة في البلدان العربية والإسلامية.
على صعيد المشاركة السياسية:
شهدنا جلسة البرلمانيات التي خصصت للبحث في فشل السيدات في الوصول إلى مواقع صنع القرار، باعتبار أن النتائج -كما قالت مديرة الجلسة- "إن 20 عاما من النضال الشاق بين مؤتمري المكسيك وبكين كانت مخيبة". والمؤسف أنه في هذه الأجواء، التي قد نسميها جادة، قدمت مديرة الجلسة السيدات الخمس المعنيات، ومن بينهن الدكتورة رؤوفة حسن من اليمن، والتي قدمت في تعريفها لها، وعبر صوت مرتفع حاد بأنها " من بدأت مسيرتها بالحجاب لكن سرعان ما تحدّت في نضالها الأعراف والتقاليد وصولاً إلى خلعه". وكان أن هاجت القاعة في نوبة من التصفيق الحاد قبل أن تكمل المعرّفة كلامها.
أما ما قالته الدكتورة عن فشل تجربتها مع البرلمان، فهو أنه جاءت نتيجة تكتل أحزاب استغلت الدين لمواجهتها، مشددة على دعم المرأة بالتمويل المالي من أجل الوصول إلى البرلمان.
وبعدها بدأت جلسة البرلمانات من أرض الاسلام كما قيل، وأنه لمجرد ذكر كلمة "إسلام"، سرت في القاعة كلمة "هوووو" استنكاراً، مع أنّ اللواتي صعدن للمنصة لا يمثّلن الإسلام في مظهرهن بل مناقضات له، وساد في القاعة وجوم قبل أن تبدأ مديرة الجلسة وهي محامية أردنية اسمها "أسماء خضر"، بالقول: "إن قوانين الأحوال الشخصية بحسب زعمها من أكبر المعوقات التي تقف حائلاً دون وصول المرأة إلى البرلمان وإلى كثير من المجالات"، مبينة؛ أن هذه القوانين مستوحاة من الشريعة الإسلامية، إلا أنها في النهاية عبارة عن اجتهادات شخصية لرجال صاغوها بحسب مصالحهم ومن هنا يمكن بحث هذا الأمر ووضع اجتهادات أخرى تتماشى ومنطلقات المرأة.
والجدير ذكره أنه بحسب الترتيبات المعدة سلفاً لم يُطلب من البرلمانيات الايرانيات أو السودانيات المشاركة.
في جلسة أخرى، قالت سيدة من اتحاد المرأة المغربية:"إن العنف القانوني هو من أعنف أشكال العنف الذي تتعرض له المرأة وأن المسألة في العالمين العربي والاسلامي هي مسألة قوانين فإذا لم تتغير القوانين ستبقى المرأة تعاني". أما على مستوى بحث قضايا العنف الممارس ضد المرأة، وفي القاعة ذاتها عقدت محمكة النساء العالمية برئاسة 20 محامية من جنسيات متعددة، وكانت القاعة أيضاً غاصة وحيث خصصت الجلسة للعالم العربي ولمسألة الاغتصاب. وكانت العينة فتاة من الجزائر اغتصبها أصولي مسلم اسمه أحمد، شدها من الشارع العام قهراً إلى منزله، لتجد هناك سبع فتيات اعتقلهن في البيت ويغتصبهن يومياً هو وأخوته.
وأما الحالة الثانية فكانت فتاة من الفلبين في السعودية أتت لتبحث عن العمل والارتزاق فاعتدى عليها الذي استغل حاجتها لأوراق الإقامة.
وحين وقفت احدى الأخوات للرد لم يسمح لها نهائياً.
فما حصل لـ30 ألف فتاة في البوسنة وما تسجله الاحصائيات يوميا في بريطانيا أو أميركا، هذا كله لم يؤتى على ذكره.
غير أن ما بنبغي التوقف عنده هو أنّ إحدى الأخوات القادمات من بريطانيا إلى بكين قالت: أنّ "تسليمة نسرين" كانت قبل حضورها إلى المؤتمر، قد ألقت في شمال انكلترا محاضرة، قالت فيها: "سنسعى في توصيات بكين لإظهار أن المسلم هو أكثر إنسان انتهك حقوق المرأة ويعمل ضدها".
إنها لفتات لكنها غيض من فيض، لذا نقول أنّ ما هو ظاهر للعيان من برامج وعناوين شيء وما يدور خلف الكواليس شيء آخر. إذ وصلت الأمور بوفد نسائي ان قدّم اقتراحاً بإلغاء كلمة "أم" لإنها بحسب زعمهن تشكل امتهاناً للمرأة وتجعلها أقرب إلى حيوان مهمته الأساسية أن يلد ويرضع.
وإلى هذا فكيف إذا وقفنا على خفايا الأصابع المتحركة وخلفيات الرموز التي تقدم إلى بلادنا كواجهات فقد كان هناك تركيزاً واضحاً على أن تُخاطب الشعوب برموز من داخلها عبر ترتيبات هادفة وبالغة الدقة.
الملاحظات: 1- اختيار رئيسة المؤتمر ورئيسة المنتدى من غير الدول المهيمنة وذات القرار الفاعل. 2- اختيار منسقات آسيا واللاتي كن يشرفن على كل برامج التمهيد لبكين، من الأردن كانت "هيفاء أبو عبد الله"؛ فلسطينية مقربة من الملك حسين ومن مصر الدكتورة "هدى بدران" أي تمّ الاختيار من البلدان السائرين في عملية التسوية. 3- التركيز على العنصر المتخلي عن اسلامه والشرس في تعاطيه مع الحالة الاسلامية، أمثال الدكتورة رؤوفة حسن من اليمن والتي عُيّنت أمينة عامة لمنتدى المنظمات الحكومية. وأسماء خضر المحامية الأردنية المعينة رئيسة للمحكمة العربية وعضو المحمكة الدولية. وزهرة مرابط الجزائرية القديرة في مجال التدريب والاعداد ضمن برامج الأمم المتحدة والتي بذلت جهوداً كبيرة على صعيد التمهيد لبكين.
وبديهي أنّ المسلمة لا غيرها أُعطيت المواجهة ليكون بالامكان التهجم على الاسلام واقتحام قوانين الأحوال الشخصية بصورة هادئة وغير استفزازية، أيضاً في هذا الاطار كثيراً ما اجتاحني الأسى وأنا أتأمل المرأة الذكية والواعية القادمة من أفريقيا، والتي لم تخل ندوة من حضورها في المؤتمر كأسلوب احتواء والتي يحس المشاهد من حرارة كلامها أنها تحمل بين جوانحها ليس مظلومية بلدها فحسب بل مظلومية القارة التي استُعبدت ونهبت وسلبت. إلا أن هذه المظلومية كانت تتقلص وتذوي لتصبح بحدود مظلومية المرأة في افريقيا ويصبح الحل وصول المرأة إلى مواقع صنع القرار في تلك البلاد.
لقد تحسست عمق المأساة وأبعاد التقصير على صعيد الدعوة ليس على مستوى القارة وحسب بل على مستوى المجتمع العالمي الظامئ لأنه مع كل صيحة امرأة أو نظرة تتبع الزي الذي أرتديه أو موضوع ندوة أو جلسة عامة أو ورشة عمل كان الإسلام العزيز مستهدفاً. فهذا المؤتمر غير العادي، نسبة لما سبقه من مؤتمرات، لمست فيه بدايات الصراع الحقيقي والمباشر مع الاسلام وحيث الأمور تُرتب ليكون للمرأة في المواجهة موقع الصدارة. وإن الوثيقة النهائية التي صدرت عن المؤتمر ما هي الا نتاج مساع واتصالات وجهود خبيثة وماكرة.
أخبرتني صديقة ملتزمة وهي دكتورة وخبيرة رافقت معظم المؤتمرات التمهيدية محلياً وعالمياً. قائلة: "إنّ الأصابع الأمريكية كانت واضحة وبارزة في كل ندوة ومؤتمر تم التحضير فيه لبكين". وإنه أكثر من مرة شهدت بنفسها كيف كانت المقررات التي تم تسجيلها في محاضر الجلسات بعد بذل مساع مضنية تخرج عبر الكومبيوتر بالصيغة التي كانت معدة سلفاً قبل النقاش.
لذا فإنه رغم عدم التزام الدول من قبل الأمم المتحدة بالوثيقة. إلا أنه في تصوري ستشهد بلدان العالم تجييراً في الساحة النسائية باتجاه تحقيق ما حوته الوثيقة إضافة إلى ما ستتعرض له العديد من البلدان في الساحة النسائية باتجاه تحقيق الأهداف على مراحل وعبر أساليب ووسائل وضغوطات متنوعة. ولا نبالغ إذا قلنا بأن القوى العالمية المهيمنة عبر المنظمات الدولية ستصدر التعليمات العدائية ضد الإسلام وتشريعاته وأن المنظمات العربية والتابعة لها في البلدان الاسلامية ستقوم بدور الهجوم السافر.
سبل المواجهة
إن موضوع المرأة الذي هو محل حساسية شديدة في عالمنا المعاصر وحيث الصورة المشوهة عن المرأة في الإسلام باتت تضفي على الذاكرة نتيجة الإرهاب الإعلامي الخبيث، تجعلنا قبل غيرنا نسعى لتحسين هذه النظرة ونطالب أيضاً: بالرد على الاتهامات بأن الإسلام يتعامل مع المرأة كإنسان من الدرجة الثانية وينظر إليها نظرة دونية لذا: أولاً: لا بد من اطلاع العالم بأن الإسلام حمل أطروحة إنقاذ على مستوى المرأة وقدم لها حقوقها التامة من دون سابق مطالبة، وثبّت لها الحقوق في نفس الوقت الذي ثبّت فيه للرجل حقوقه، ورسم لها دوراً شاملاً على مستوى الأسرة والمجتمع والأمة، ونادى بأن النساء شقائق الرجال، وأنّ القرآن الكريم شن حملة عنيفة ضد مظاهر ظلم المرأة مدافعاً عنها ساعياً إلى رد الاعتبار اليها مستنكراً أشد الاستنكار حالات التمييز بين المولود الذكر والأنثى دافعاً بالمرأة إلى مقدمة صفوف خير الأمة، آخذاً بيدها من محدودية موقع الأنثى إلى الموقع الأرحب كإنسان مستخلف مكلف مسؤول. مضافاً إليه تقرير الآخرين بضرورة الفصل بين واقع المرأة في العديد من البلدان الإسلامية وبين وضعها في الشريعة الإسلامية مع بذل الجهد لتبيان الحقائق من أجل التمييز بين ما هو من الشريعة أو من العادات والتي تدخلها سبب في تشويه صورة المرأة ومكانتها في الاسلام. ثانياً: لا بد أن نحرص بأن يكون للصوت الإسلامي صدى وحضور داخل المنتديات العالمية لما له من انعكاس إيجابي كبير. ثالثاً: لا بد من الانفتاح على الساحة الإسلامية العالمية للاتصال والتنسيق مع المنظمات النسائية الإسلامية المختلفة، ولا بد من متابعة الأنشطة التي تجري على الساحة المحلية والعالمية. رابعاً: وهذا هو الأهم، لا بد من سعي مركز باتجاه توفير الكادر النسائي الملتزم الذي يجسد فعالية النموذج الذي يمكن التطلع اليه على مختلف الأصعدة وفي كافة المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية، والذي يبرز الحضور النسائي الإسلامي الحقيقي للمرأة. ذلك أن الرد النموذجي يشكّل أفضل رد على الهجمة الغربية الصهيونية المعادية للإسلام، والتي لا تكف عن اتهامه بإذلال المرأة.
ومن هنا يمكن إيجاز السبل للمواجهة بنقطتين: تركيز الداخل والانفتاح على الخارج محلياً.
غير أن الداخل يحتاج منا إلى جهد مكثف. فالساحة النسائية في بلدنا لا تستدعي رعاية الموجود وحسب، وإنما تستدعي إيجاد حالة نهوض جدي، تستدعي سعياً حقيقياً لاظهار تجليات فكر الإمام الخميني المقدس تجاه المرأة على صعيد الواقع العملي، هذا الفكر الذي أعادنا إلى المنهل الصاف إلى نهج رسول الله(ص) وأهل البيت الطاهرين. وصولاً إلى توفير كل ما يمكن للمسلمة في لبنان من أجل أن تساهم في بلورة النموذج والمجتمع النسائي القدوة الذي يجسد تطلعات دين الله العزيز ويدخل السرور على قلب سيدة نساء العالمين وينسجم مع عملية التمهيد للقاء الإمام الحجة أرواحنا لمقدمه الفداء.
ندوة ألقيت في الجامعة الاميركية بتاريخ 18/10/ 1995
اترك تعليق