مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

كلمة الحاجة عفاف الحكيم في مؤتمر المرأة العالمي والذي أقيم في بكين بتاريخ 5/8/95

كلمة الحاجة عفاف الحكيم في مؤتمر المرأة العالمي والذي أقيم في بكين بتاريخ 5/8/1995

كلمة رئيسة الجمعية النسائية للتكافل الاجتماعي الحاجة عفاف الحكيم في مؤتمر المرأة العالمي بعنوان انعكاس التشريع الإلهي على حركة المرأة "الموقع، الدور، الحقوق" والذي أقيم في العاصمة الصينية بكين بدعوة وإشراف من الأمم المتحدة بتاريخ 5/8/1995 
                                                

 

بسم الله الرحمن الرحيم


انعكاس التشريع الإلهي على حركة المرأة "الموقع، الدور، الحقوق"
 
لقد كرّم الله الإنسان دون تمييز بين الرجل والمرأة، وجاء الإسلام كثورة تشريعية بما يؤكد ويضمن كرامة المرأة ودورها وحقوقها بشكلٍ تام. منهجه الذي جاء شاملاً كاملاً ملبياً لكل تطلعات البشرية في النمو والتقدم. لم يكبت طاقة من طاقاتها في صورة من صور الكبت الفردي أو الجماعي ولم يعطل استعداداً نافعاً في فرد ذكراً كان أم أنثى، بل نشّط الطاقات وأيقظ الاستعدادات، وفي الوقت ذاته حافظ على توازن حركة الفرد والأسرة والمجتمع.
وقد أثبتت التجارب التي خاضتها الأمم حتى الآن أن هذا النهج الذي جاء –من عند الله– يحمل برنامج خلاص هذا العالم كان وما زال سابقاً لخطوات البشر في عمومه وقابلاً لأن تنمو الحياة في أفيائه نمواً مضطرداً ومتصاعداً نحو الكمال.
وإن نظرة موضوعية هادفة إلى موقع المرأة ودورها وحقوقها في تشريعات الرسالة الإلهية الخاتمة ترينا مبلغ ما يمكن اختصاره من جهود ومسافات وصولاً إلى تحقيق تطلعاتنا وتطلعات الإنسانية جمعاء.

على صعيد الموقع فنجد:
إن الإسلام يبين كل مفاهيمه وقيمه وتشريعاته الخاصة بالأسرة والمرأة وعلاقاتها بالرجل والمجتمع منطلقاً من قاعدة علمية أساسية ونظرة واقعية تكوينية تقوم على أساس الإيمان بوحدة النوع الإنساني وبأن الناس جميعاً ينتمون إلى أصل بشري واحد ويشتركون في حقيقة واحدة هي الإنسانية ولا فرق بين فرد وفرد باعتبار أن حقيقة إنسانية الإنسان هي بروحه التي لا تخضع للمذكر والمؤنث وليست بالجسد الذي ليس إلا وسيلة، والنداء الإلهي صريح وواضح:«يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة». (النساء /1)
«يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله اتقاكم» (حجرات/13)

أما على صعيد الدور فنجد:
انه في الإطار العام ليس لدى الإسلام مفاهيم وتشريعات خاصة برجل وأخرى خاصة بالمرأة إلاّ بحدود ما يتعلق بطبيعة النوع في كل منها.فمهمة الاستخلاف والنهوض بالأمانة ألقيت على عاتق كل إنسان بما هو طاقة وحتّمت دوراً عاماً مشتركاً لا علاقة له بالطابع الأنثوي، والبيان الإلهي أيضاً في هذا المجال جاء صريحاً وواضحاً: «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر". التوبة /71) والمعروف – كما عرّفه الفقهاء – هو كل ما أوجبه الإسلام من تبليغ الرسالة إلى إقامة العدل في كل الميادين. والمنكر الذي نهى عنه هو محاربة كل فساد. وانه عبر هذه المسؤولية الكبرى تكرّس دور المرأة وأعطيت كما أعطى الرجل موقعاً أساسياً في ملاحظة وإدارة الوضع الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي.
بهذا المستوى من الوضوح والواقعية تعاملت الرسالة الإلهية مع المرأة عاملة على انتشالها من محدودية موقع الأنثى لتدفع بها إلى الأفق الأرحب كإنسان وتجعلها كما الرجل مسئولة عن النفس والناس.
مسئولة عن تنمية نفسها لتحرز في شخصها القوة والمنعة.
مسئولة عن تنمية مجتمعها لتوجد المناخ الصالح الذي تحرز به الأمة القوة والغلبة.

أما في مسألة الحقوق فنجد:
إن المرأة في عرف الإسلام تتمتع بشخصية قانونية مستقلة تماماً عن الأب والزوج وأي إنسان آخر. فهي من موقع الإنسان كائن حر مستقل، وحقوقها متساوية مع حقوق الرجل –إلا ما كان مرتبطاً منها بطبيعة التكوين– وأنه في الوقت الذي ثبت الإسلام فيه للرجل حقوقه ثبت فيه للمرأة حقوقها وتعامل مع كليهما على حدٍ سواء.
وأن النظرة السائدة في الغرب وفي العديد من بلاد العالم بأن المرأة في الإسلام مهدورة الحقوق، ولا تملك الحرية في أداء شؤونها هي نظرة ناجمة أما عن قلة معرفة بالإسلام أو عدم فهم سليم للنصوص القرآنية.
فالمرأة في الإسلام حرّة الإرادة في اختيار عملها وزوجها وموقفها السياسي، ولها حق التعلم والتعليم وحق العمل وحق الملكية وحق الميراث لها أن تحتفظ باستقلال اسمها عن اسم الزوج. وتتاجر وتشتري وتهب وتعقد العقود التجارية المختلفة، ولا يحق للرجل أبا كان أم زوجاً منازعتها أو التصرف في أملاكها دون إذنها، والفترة التي تقضيها في بيت أبيها، وكذلك التي تقضيها في بيتها الزوجي لا يحق فيها لأحد أن يستخدمها أو يستغلها وعائد عملها وجهدها يكون لها لا لغيرها ولا يحتاج إلى قيمومة الرجل عليها في معاملاتها الحقوقية، وهذا ما سنمر عليه مع قليل من التفصيل.

حق التعلم والتعليم
هذا الحق أوجبه الإسلام عليها كما أوجبه على الرجل، فهو على المسلمة والمسلم فرض فيما تصح به العقيدة وفرض كفاية فيما تحتاج إليه الأمة.
والنصوص الدينية توجهت للرجال والنساء على حدٍ سواء.
ففي القرآن الكريم:«يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات».(المجادلة/11).
«وقل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون»الزمر/ 9).
وعن النبي(ص): "طلب العلم فريضة على كل مسلمٍ ومسلمة"
"اطلب العلم من المهد إلى اللحد".
وإنه مع تأكيد الإسلام على طلب العلم والعمل به حمّل الإنسان –رجلاً كان أم امرأة– تمام المسؤولية عن مواهبه واستعداداته وأعماله وقواه المختلفة. فالذي ينقل المعرفة والذي يكتشف الدواء والذي يزرع المواد الغذائية، هؤلاء جميعاً –رجالاً كانوا أم نساء– إنما يقومون بمسؤولياتهم على الوجه الذي يريده الله.

حق العمل
للمرأة الحق في أن تقوم بأي عمل محلل تماماً كما الرجل، ليس هناك فرق في المسألة الشرعية في عمل الرجل وعمل المرأة، لكن هناك تفاصيل قد تتصل بالمرأة الزوجة في التزاماتها الزوجية وفي طبيعة واقع الأمومة فقد تفرض الالتزامات الزوجية إن لا تعمل إلا بالاتفاق مع الزوج.

أما في المسألة الفكرية
فإن الإسلام لا يمنع المرأة من أي عمل كما لا يمنع الرجل من أي عمل والالتزامات الأخلاقية في حركة عمل المرأة هي نفسها في حركة عمل الرجل.

أما في المجال السياسي
فقد أباح الإسلام للمرأة أن تعمل في مختلف المجالات والنشاطات السياسية، وأن تساهم وتشارك في إقامة المؤسسات والمنظمات والأحزاب وأن تشغل المناصب الوزارية والبرلمانية والسياسية المختلفة. أما رئاسة الدولة والقضاء فقد أنيط بها الرجل لخصوصية وليس لأفضلية.

حق الملكية
لقد أبطل الإسلام كل ما كان سائداً من حرمان المرأة من التملك، أو التضييق عليها في التصرف بما تملكه. إذ من مسلمات الدين الإسلامي إن الرجل لا حق له في مال المرأة ولا عملها، فلا يمكن أن يأمرها بالقيام بعمل، وإذا ما اشتغلت وحصلت على مال نتيجة شغلها فليس للرجل حق التصرف فيه بدون رضاها. وهذا على خلاف ما عرفته أوروبا فالمرأة المتزوجة في نظر الإسلام ليست تحت قيمومة الرجل في معاملاتها وعلاقاتها الحقوقية بل لها استقلال وحرية كاملة في انجاز معاملاتها.

حق الميراث
لقد واجه القرآن الكريم ظلم الذين كانوا يمنعون المرأة من الإرث ويجعلونه للرجال خاصة. يقول الله تعالى: «للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قلَّ منه أو كثر نصيباً مفروضا» ( النساء/7) وهو مع تحديد سهم المرأة من الإرث بنصف سهم الرجل نتيجة الوضع الخاص الذي تتمتع به لجهة المهر والنفقة وأمور أخرى، فإنه لم يجعل هذا التحديد قاعدة عامة، فهي تارة تأخذ نصف الرجل «يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين» (سورة النساء/ 11)  وتارة تأخذ قدراً مساوياً «إن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد» (سورة النساء/ 11) وهكذا نفهم أن توزيع الميراث في الإسلام لم ينقص من حق المرأة شيئاً.

حق الطلاق
في نظر الفقه الإسلامي لا تملك المرأة حق الطلاق بصورة طبيعية لكن يمكن ذلك بصورة وضعية أي باشتراطه ضمن العقد (وكالة عن الزوج) وبموجب هذا الشرط يمكن للمرأة أن تطلق نفسها مطلقاً أو في حالات خاصة تعيّن منذ البداية، كما لو اشترط مثلاً انه لو تزوج من امرأة ثانية آو غاب لمدة معينة، أو توقف عن الإنفاق أو حاول الإساءة إلى الحياة الزوجية، أو أساء الأخلاق معها بحيث أصبحت حياتها المشتركة مستحيلة فان الزوجة تستطيع (بناءاً على توكيل زوجها لها) أن تطلق نفسها بعد إثبات تحقق الشرط في المحكمة وصدور حكم نهائي بذلك. وكما نلاحظ فإن ما يقال من أن الطلاق حق من جانب واحد. أعطي للرجل فقط وسلب من المرأة كلياً إنه أمر غير صحيح في نظر الفقه الإسلامي.
يبقى ما لا بد من الإشارة إليه هو أن الحرص على المساواة بين المرأة والرجل لا يعني بالضرورة التشابه في الحقوق باعتبار أن المسألة الأساس هي مراعاة التساوي في القيمة وليس المماثلة والتي قد تحمل بحد ذاتها نقصاً في هذا الحق.
وإن الاختلاف بين النظرة الإسلامية والطروحات الوضعية التي حاولت أن تعالج مشاكل المرأة هي في هذا الأمر.
وعليه فإن إغفال هذا الجانب الأساسي وعدم الارتكاز على حلول أصلية هو الذي أوقع المجتمعات في حالة تخبط وإرباك. بحيث نجد في بلدان العالم فريق ينادي "بمساواة" المرأة بالرجل بمعنى أن تحل في أي موقع من دون مراعاة لخصوصياتها. وهناك فريق ينادي بالعودة إلى الدور الأنثوي داعياً إلى العمل على تصحيح الخلل الذي طرأ على المساواة بين المرأة والرجل من أجل استعادة المرأة لدورها الأنثوي الحقيقي بالكامل. وهنالك بلد أوروبي يدعو تجمع نسائي فيه لتشكيل حزب من أجل رد الاعتبار لعمل المرأة داخل المنزل والدفاع عن حقها في هذا العمل.
قطع الإسلام الطريق على هذا التخبط حين سعى للحفاظ على شخصية المرأة وعلى قيمتها ممسكاً بالحق المادي والمعنوي عبر عملية توازن دقيق في مسألة التساوي في الحقوق مع عدم المماثلة.
فهو مع تأكيده على مكانتها وحريتها واستقلالها –وحتى بحقها في الاحتفاظ باسمها وكنيتها العائلية عن أي إضافة تلقي عليها ظلال التبعية للزوج كما هو حاصل في غالبية بلدان العالم– كان ينطلق من القاعدة الأساس، (قاعدة الإنسان المستخلف) لذا حين مكنها من تمام الحرية في الإرادة والعمل. لم يدفعها إلى الجنوح الذاتي والتمرد وكسر أجواء التآلف الحميم. لم يقض على احترام البنات لآبائهن والنساء لأزواجهن. لم يزعزع البناء العائلي، ولم يفسد نظرتها ولا نظرة الرجل للأجواء الأسرية.
بعد كل ما تقدم قد يتساءل البعض: إذا كان موقع المرأة في الإسلام بهذا السموّ وكانت حقوقها قد أُقِرَّت كاملة قبل أربعة عشر قرناً وكان لها هذا الدور الحضاري الفاعل والذي لا يختلف في إطاره العام عن دور الرجل ويتساوى معه من حيث القيمة والمسؤولية، فلِمَ الواقع القائم للمرأة المسلمة لا يعكس هذه النظرة؟ ولِمَ لا تمارس المسلمة دورها الحضاري بصورة كاملة وصحيحة؟
والجواب هو أن ما نراه من تخلف في وضع المرأة لا ارتباط له بمفاهيم الإسلام وأفكاره. باعتبار أن الواقع الاجتماعي المعاصر بكامله سياسياً واقتصادياً وثقافياً ليس نتاج الإسلام. وبالتالي تحتم الفصل بين وضع المرأة في المجتمعات والبلدان الإسلامية، وبين وضعها في الشريعة الإسلامية.
وغني عن القول أن تطبيق المشروع الإلهي (كما ورد في الرسالة الخاتمة) في أي وقت كفيل بإحداث نقلة نوعية في وضع المرأة ودورها في المجتمع الإنساني.
وإنه بالالتفات إلى معطيات الصحوة الإسلامية والى انعكاس الإسلام كنهج على جدية حركة المرأة تحديداً. انطلاقاً من وقائع مقروءة في أكثر من بلد إسلامي. ومنها الدور المتميز للمرأة في أجواء المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان كافية للكشف عن تجربة إسلامية نموذجية للمرأة المعاصرة التي تتطلع إلى المشاركة الفعالة في صنع غد مشرق كريم.
فتحسس المرأة لمكانتها وموقعها وتمتعها بما سنّه لها الخالق من حقوق وَلَّدَ فيها حافز النهوض لتحمل مسؤوليات الدور الملقى على عاتقها.
وإنه مع هذه الأجواء شهد جنوبنا بذْلاً قلَّ نظيره من الأم والزوجة والأخت، فلبنان الوادع الجميل الذي كان العدو الإسرائيلي المحتل لقسم من أرضنا والمغتصب لأرض فلسطين يستغل فرص الضعف والوهن، ليستبيح الأرض والسماء مالئاً أجواءنا رعباً وموتاً ودمار، انقلب حاله بعد الصحوة والإياب إلى نهج الله وحيث باتت المقاومة التي أنتجها الالتزام بالإسلام مدرسة في صنع العزة والكرامة والإباء.
تضحيات هائلة وانجازات عظيمة أنتجها المجتمع الإسلامي المتماسك والذي يضج بحركة الحضور الإنساني الواحد بفاعلية الدور المشترك المتكامل بين الإنسان الرجل والإنسان المرأة من أجل الكرامة الواحدة والعزة الواحدة.
دوراً هاماً هو الذي أدته المرأة عندنا وعلى مختلف الصعد، فكما لدينا رجال شهداء.، لدينا نساء شهيدات، وكما لدينا أسرى، لدينا أسيرات، وإن الأرقام لتتحدث بتعبير العمق وأدق.
المرأة المسلمة اليوم بنهوضها الواعي لحمل تعاليم الشريعة الإسلامية السمحاء وتمسكها والتزامها الدقيق إنما تساهم بصناعة أسرة مستقرة ومجتمع معافى وتاريخ جديد تصان فيه كرامة الفرد وعزة الأمة.

التعليقات (0)

اترك تعليق