خديجة في بيت النبي(ص) السفر الثاني إلى الشام
يقولون: إنه(ص) قد سافر سفره الثاني إلى الشام، وهو في الخامسة والعشرين من عمره(1).
ويقولون: إن سفره هذا كان في تجارة لخديجة. وأن أبا طالب هو الذي اقترح عليه ذلك، حينما اشتد الزمان، وألحت عليهم سنون منكرة، فلم يقبل(ص) أن يعرض نفسه على خديجة. فبلغ خديجة ما جرى بينه(ص) وبين أبي طالب، فبادرت هي، وبذلت للرسول(ص) ضعف ما كانت تبذله لغيره، لما تعرفه من صدق حديثه، وعظيم أمانته، وكرم أخلاقه.
ويروي بعضهم: أن أبا طالب نفسه قد كلم خديجة في ذلك، فأظهرت سرورها ورغبتها، وبذلت له ما شاء من الأجر. فسافر(ص) إلى الشام، وربح في تجارته أضعاف ما كان يربحه غيره، وظهرت له في سفره بعض الكرامات الباهرة، فلما عادت القافلة إلى مكة أخبر ميسرة غلام خديجة، سيدته بذلك، فذكرت ذلك بالإضافة إلى ما ظهر لها هي منه(ص) لورقة بن نوفل، ابن عمها كما يقولون: وإن كنا نحن نشك في ذلك(2) فقال لها: إن كان ذلك حقا، فهو نبي هذه الأمة(3). ثم اهتمت خديجة بالعمل على الاقتران به(ص)، كما سنرى. هكذا يقولون، ولكننا نشك في بعض ما تقدم. ولا سيما وأن ورقة لم يسلم حتى بعد أن بعث رسول الله(ص).
كما أن قولهم: إن خديجة قد استأجرته في تجارتها. لا يمكن المساعدة عليه، وذلك لأننا نجد المؤرخ الأقدم، الثبت ابن واضح، المعروف باليعقوبي يقول: (وإنه ما كان مما يقول الناس: إنها استأجرته بشيء، ولا كان أجيرا لأحد قط(4)).
ولعل في عزة نفس النبي(ص) وإبائها. وأيضا في تسديد الله تعالى له. وأيضا في شرف أبي طالب وسؤدده، ما يبعد كثيرا أن يكون قد صدر شيء مما نسب إلى أبي طالب منه.
وعلى هذا، فقد يكون سفره(ص) إلى الشام، لا لكونه كان أجيرا لخديجة، وإنما لأنه كان يضارب بأموالها، أو شريكا لها. ويدل على ذلك تصريح رواية الجنابذي بالمضاربة(5) فراجع.
ويؤيده ما رواه المجلسي من أن أبا طالب قد ذكر له(ص) اتجار الناس بأموال خديجة، وحثه على أن يبادر إلى ذلك، ففعل، وسافر إلى الشام(6).
الهوامش:
1- وفي البحار ج 16 ص 9 عن بعضهم: إن سفره كان إلى سوق حباشة بتهامة، وكذا في كشف الغمة ج 2 ص 135 عن الجنابذي في معالم العترة..
2- سيأتي إن شاء الله بعض الكلام حول بعض ما يقال عن ورقة بن نوفل، ودوره في بدء الوحي.
3- راجع: البداية والنهاية ج 2 ص 296 والسيرة الحلبية ج 1 ص 136.
4- تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 21 ونقل عن سفر السعادة: أنه صلى الله عليه وآله بعد البعثة، وقبل الهجرة كان يشتري أكثر مما يبيع، وبعد الهجرة لم يبع إلا ثلاث مرات، أما شراؤه فكثير.. وأما شراكته مع غيره ففيها كثير من الاضطراب، وليس لنا مجال لتحقيق ذلك..
5- البحار ج 16 ص 9، وكشف الغمة ج 2 ص 134 عن معالم العترة للجنابذي..
6- البحار ج 16 ص 22 عن البكري وص 3 عن الخرائج والجرائح ص 186 و 187.
المصدر: كتاب الصحيح من سيرة النبي الأعظم(ص): السيد جعفر مرتضى العاملي، ج2.
اترك تعليق