زواج الرسول(ص) بخديجة(ع)
لقد كانت خديجة(ع) من خيرة نساء قريش شرفا، وأكثرهن مالا، وأحسنهن جمالا. وكانت تدعى في الجاهلية ب (الطاهرة)،(1) ويقال لها: (سيدة قريش). وكل قومها كان حريصا على الاقتران بها لو يقدر عليه(2).
وقد خطبها عظماء قريش، وبذلوا لها الأموال. وممن خطبها عقبة بن أبي معيط، والصلت بن أبي يهاب، وأبو جهل، وأبو سفيان(3) فرفضتهم جميعا، واختارت النبي(ص)، لما عرفته فيه من كرم الأخلاق، وشرف النفس، والسجايا الكريمة العالية. ونكاد نقطع -بسبب تضافر النصوص- بأنها هي التي قد أبدت أولا رغبتها في الاقتران به(ص). فذهب أبو طالب في أهل بيته، ونفر من قريش إلى وليها، وهو عمها عمرو بن أسد، لأن أباها كان قد قتل قبل ذلك في حرب الفجار أو قبلها(4).
وأما أنه خطبها إلى ورقة بن نوفل، وعمها معا، أو إلى ورقة وحده(5) فمردود، بأنه: قد ادعي الإجماع على الأول(6).
وأما أنا فلا أدري ما أقول في ورقة هذا. وفي كل واد أثر من ثعلبة، فهو يحشر في كل كبيرة وصغيرة، فيما يتعلق بالرسول الأعظم (ص)، وإن ذلك ليدعوني إلى الشك في كونه شخصية حقيقية، أو أسطورية.
ويلاحظ: أن نفس الدور الذي يعطى لأبيها تارة، ولعمها أخرى، يعطى لورقة بن نوفل ثالثة حتى الجمل والكلمات، فضلا عن المواقف والحركات. فلتراجع الروايات التي تحكي هذه القضية، وليقارن بينها(7). وسيأتي إن شاء الله مزيد من الكلام حول ورقة هذا.
نعود إلى القول: إن أبا طالب قد ذهب لخطبة خديجة، وليس حمزة الذي اقتصر عليه ابن هشام في سيرته(8) لأن ذلك لا ينسجم مع ما كان لأبي طالب من المكانة والسؤدد في قريش، من جهة، ولأن حمزة كان يكبر النبي(ص) بسنتين أو بأربع(9) كما قيل من جهة أخرى. هذا بالإضافة إلى مخالفة ذلك لما يذكره عامة المؤرخين في المقام. وقد اعتذر البعض عن ذلك: بأن من الممكن أن يكون حمزة قد حضر مع أبي طالب، فنسب ذلك إليه(10). وهو اعتذار واه، إذ لماذا لم ينسب ذلك إلى غير حمزة، ممن حضر مع أبي طالب من بني هاشم وغيرهم من القرشيين؟!. ويظهر: أن ثمة من يهتم بسلب هذه المكرمة عن أبي طالب(ع)، وإعطائها لأي كان من الناس سواه، حتى لحمزة. ولا ضير في ذلك عنده ما دام أنه قد استشهد في وقت مبكر.
الهوامش:
1- راجع الإصابة ج 4 ص 281 / 282 والبداية والنهاية ج 2 ص 294 وتاريخ الإسلام للذهبي ج 2 الترجمة النبوية ص 152 وقسم السيرة النبوية ص 237 وتهذيب الأسماء ج 2 ص 342 والاستيعاب (بهامش الإصابة) ج 4 ص 279 والإصابة ج 4 ص 281 وسيرة مغلطاي ص 12 وسير أعلام النبلاء ج 2 ص 111 والمواهب اللدنية ج 1 ص 38 و 200 والروض الانف ج 1 ص 215 وتاريخ الخميس 1 / 264 وأسد الغابة ج 7 ص 78 ط دار الشعب والسيرة الحلبية ج 1 ص 137 والسيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 55 والثقات ج 1 ص 46.
2- وراجع: البداية والنهاية ج 2 ص 294 وبهجة المحافل ج 1 ص 47. والسيرة النبوية لابن هشام ج 1 ص 201 وتاريخ الخميس ج 1 ص 263 وطبقات ابن سعد ج 1 ص 131 ط دار صادر والسيرة الحلبية ج 1 ص 137 والسيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 55 .
3- البحار ج 16 ص 22.
4- كشف الغمة ج 2 ص 139، والبحار ج 16 ص 12 عنه وص 19 عن الواقدي، وراجع: الأوائل ج 1 ص 160 وفي السيرة الحلبية ج 1 ص 138: إن المحفوظ عن أهل العلم انه مات قبل الفجار، وتاريخ الخميس ج 1 ص 264. وتهذيب تاريخ دمشق ج 1 ص 303 عن الواقدي، والإصابة ج 4 ص 282 والبداية والنهاية ج 2 ص 296.
5- البحار ج 16 ص 19 عن الواقدي والسيرة الحلبية ج 1 ص 129 والكافي ج 5 ص 374 / 375، وفيه أن ورقة كان عم خديجة وكذا في البحار ج 16 ص 14 و 21 عنه وعن البكري، وهو غير صحيح لان ورقة هو ابن نوفل بن أسد وخديجة هي بنت خويلد بن أسد..
6- السيرة الحلبية ج 1 ص 137.
7- راجع المصادر المتقدمة والآتية.
8- راجع: سيرة ابن هشام ج 1 ص 201 والسيرة الحلبية ج 1 ص 138 ونقل أيضا عن المحب الطبري.
9- تقدمت مصادر ذلك حين الحديث حول إرضاع ثويبة لرسول الله (ص).
10- السيرة الحلبية ج 1 ص 139.
المصدر: كتاب الصحيح من سيرة النبي الأعظم(ص): السيد جعفر مرتضى العاملي، ج2.
وقد خطبها عظماء قريش، وبذلوا لها الأموال. وممن خطبها عقبة بن أبي معيط، والصلت بن أبي يهاب، وأبو جهل، وأبو سفيان(3) فرفضتهم جميعا، واختارت النبي(ص)، لما عرفته فيه من كرم الأخلاق، وشرف النفس، والسجايا الكريمة العالية. ونكاد نقطع -بسبب تضافر النصوص- بأنها هي التي قد أبدت أولا رغبتها في الاقتران به(ص). فذهب أبو طالب في أهل بيته، ونفر من قريش إلى وليها، وهو عمها عمرو بن أسد، لأن أباها كان قد قتل قبل ذلك في حرب الفجار أو قبلها(4).
وأما أنه خطبها إلى ورقة بن نوفل، وعمها معا، أو إلى ورقة وحده(5) فمردود، بأنه: قد ادعي الإجماع على الأول(6).
وأما أنا فلا أدري ما أقول في ورقة هذا. وفي كل واد أثر من ثعلبة، فهو يحشر في كل كبيرة وصغيرة، فيما يتعلق بالرسول الأعظم (ص)، وإن ذلك ليدعوني إلى الشك في كونه شخصية حقيقية، أو أسطورية.
ويلاحظ: أن نفس الدور الذي يعطى لأبيها تارة، ولعمها أخرى، يعطى لورقة بن نوفل ثالثة حتى الجمل والكلمات، فضلا عن المواقف والحركات. فلتراجع الروايات التي تحكي هذه القضية، وليقارن بينها(7). وسيأتي إن شاء الله مزيد من الكلام حول ورقة هذا.
نعود إلى القول: إن أبا طالب قد ذهب لخطبة خديجة، وليس حمزة الذي اقتصر عليه ابن هشام في سيرته(8) لأن ذلك لا ينسجم مع ما كان لأبي طالب من المكانة والسؤدد في قريش، من جهة، ولأن حمزة كان يكبر النبي(ص) بسنتين أو بأربع(9) كما قيل من جهة أخرى. هذا بالإضافة إلى مخالفة ذلك لما يذكره عامة المؤرخين في المقام. وقد اعتذر البعض عن ذلك: بأن من الممكن أن يكون حمزة قد حضر مع أبي طالب، فنسب ذلك إليه(10). وهو اعتذار واه، إذ لماذا لم ينسب ذلك إلى غير حمزة، ممن حضر مع أبي طالب من بني هاشم وغيرهم من القرشيين؟!. ويظهر: أن ثمة من يهتم بسلب هذه المكرمة عن أبي طالب(ع)، وإعطائها لأي كان من الناس سواه، حتى لحمزة. ولا ضير في ذلك عنده ما دام أنه قد استشهد في وقت مبكر.
الهوامش:
1- راجع الإصابة ج 4 ص 281 / 282 والبداية والنهاية ج 2 ص 294 وتاريخ الإسلام للذهبي ج 2 الترجمة النبوية ص 152 وقسم السيرة النبوية ص 237 وتهذيب الأسماء ج 2 ص 342 والاستيعاب (بهامش الإصابة) ج 4 ص 279 والإصابة ج 4 ص 281 وسيرة مغلطاي ص 12 وسير أعلام النبلاء ج 2 ص 111 والمواهب اللدنية ج 1 ص 38 و 200 والروض الانف ج 1 ص 215 وتاريخ الخميس 1 / 264 وأسد الغابة ج 7 ص 78 ط دار الشعب والسيرة الحلبية ج 1 ص 137 والسيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 55 والثقات ج 1 ص 46.
2- وراجع: البداية والنهاية ج 2 ص 294 وبهجة المحافل ج 1 ص 47. والسيرة النبوية لابن هشام ج 1 ص 201 وتاريخ الخميس ج 1 ص 263 وطبقات ابن سعد ج 1 ص 131 ط دار صادر والسيرة الحلبية ج 1 ص 137 والسيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 55 .
3- البحار ج 16 ص 22.
4- كشف الغمة ج 2 ص 139، والبحار ج 16 ص 12 عنه وص 19 عن الواقدي، وراجع: الأوائل ج 1 ص 160 وفي السيرة الحلبية ج 1 ص 138: إن المحفوظ عن أهل العلم انه مات قبل الفجار، وتاريخ الخميس ج 1 ص 264. وتهذيب تاريخ دمشق ج 1 ص 303 عن الواقدي، والإصابة ج 4 ص 282 والبداية والنهاية ج 2 ص 296.
5- البحار ج 16 ص 19 عن الواقدي والسيرة الحلبية ج 1 ص 129 والكافي ج 5 ص 374 / 375، وفيه أن ورقة كان عم خديجة وكذا في البحار ج 16 ص 14 و 21 عنه وعن البكري، وهو غير صحيح لان ورقة هو ابن نوفل بن أسد وخديجة هي بنت خويلد بن أسد..
6- السيرة الحلبية ج 1 ص 137.
7- راجع المصادر المتقدمة والآتية.
8- راجع: سيرة ابن هشام ج 1 ص 201 والسيرة الحلبية ج 1 ص 138 ونقل أيضا عن المحب الطبري.
9- تقدمت مصادر ذلك حين الحديث حول إرضاع ثويبة لرسول الله (ص).
10- السيرة الحلبية ج 1 ص 139.
المصدر: كتاب الصحيح من سيرة النبي الأعظم(ص): السيد جعفر مرتضى العاملي، ج2.
اترك تعليق