خطبة أبي طالب (رحمه الله) التي ألقاها أثناة خطبة السيدة خديجة(ع)
فقد خطبها أبو طالب له(ص) قبل بعثة النبي(ص) بخمس عشرة سنة، على المشهور.
وقال في خطبته -كما يروي المؤرخون-: (الحمد لرب هذا البيت، الذي جعلنا من زرع إبراهيم، وذرية إسماعيل، وأنزلنا حرما آمنا، وجعلنا الحكام على الناس، وبارك لنا في بلدنا الذي نحن فيه. ثم إن ابن أخي هذا -يعني رسول الله(ص)- ممن لا يوزن برجل من قريش إلا رجح به، ولا يقاس به رجل الأعظم عنه، ولا عدل له في الخلق، وإن كان مقلا في المال، فإن المال رفد جار، وظل زائل، وله في خديجة رغبة، وقد جئناك لنخطبها إليك، برضاها وأمرها، والمهر علي في مالي الذي سألتموه عاجله وآجله. وله -ورب هذا البيت- حظ عظيم، ودين شائع، ورأي كامل(1)).
نظرة في كلمات أبي طالب:
وخطبة أبي طالب المتقدمة تظهر مكانة الرسول الفضلي في قلوب الناس. وهي صريحة في أن الناس كانوا يجدون في الرسول علامات النبوة ونور الهداية. ويتوقعون أن يكون هو الذي بشر به عيسى وموسى(ع)، وأنه كان لا يوزن به أحد إلا رجح به، ولا يقاس به رجل الأعظم عنه. ثم إن كلمات أبي طالب تدل دلالة واضحة على ما كان يتمتع به بنو هاشم، من شرف وسؤدد، حتى ليقول (رحمه الله) وجعلنا الحكام على الناس. وتدل أيضا على أن العرب كانت تعتبر الحرم موضع أمن للقاصي والداني، وقد تقدم ما يدل على ذلك أيضا. ثم إن حديثه عن فقر النبي(ص)، وإعطاء الضابطة للتفضيل بين الرجال، يدل على واقعية أبي طالب، وأنه ينظر إلى الإنسان بمنظار سام ونبيل، كما أنه يتعامل مع الواقع بحنكة ووعي وأناة.
وبعد، فإن كلماته تلك تدل أيضا على أن قريشا كانت تعتبر انتسابها إلى إبراهيم وإسماعيل، وسدانتها للبيت، كل شيء بالنسبة لها، ولتراجع خطبة أبي طالب (رحمه الله) حين موته، والتي يخاطب بها قريشا، فإنها خطبة جليلة، لا تبتعد عن هذه الخطبة في مراميها وأهدافها.
ودين شائع: ويتسأل بعض المحققين هنا: أنه كيف يمكن الجمع بين قوله: (ودين شائع)، وبين قوله تعالى: «مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ(2)». وقوله: «وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ(3)».
وجوابه:
أولا: إن الآيات ربما تكون ناظرة إلى المراحل الأولى من حياة النبي الأعظم(ص) فهو لم يكن يعلم، ثم علم، وأما متى علم، فالآيات لا تحدد لنا ذلك، فلربما يكون قد علم حينما كان في سن العشرين مثلا، أو قبل ذلك أو بعده.
وثانيا: إن السيد الطباطبائي يقول: إن الآيات ناظرة إلى نفي العلم التفصيلي، أما العلم الإجمالي فقد كان موجودا، لأن عبد المطلب وأبا طالب وغيرهم كانوا مؤمنين بالله، وكتبه إجمالا، والنبي أيضا كذلك(4)، لا سيما إذا قوينا أنه(ص) كان نبيا منذ صغره -كما ذهب إليه البعض- ولسوف يأتي ذلك إن شاء الله تعالى في فصل بحوث تسبق السيرة.
وثالثا: إن من معاني الدين: (السيرة، والتدبير، والورع، والعادة، والشأن)، فلعل القصد في هذه العبارة، كان إلى أحد هذه المعاني.
ورابعا: إن هذه الآيات بمثابة قضية شرطية مفادها: أنه(ص) لولا لطف الله به لم يكن يدري ما الكتاب ولا الإيمان، لأنك أنت بنفسك وبما لديك من قدرات ذاتية لست قادرا على شيء وكذلك هو(ص) لم يكن يرجو ذلك لولا الله سبحانه.
الهوامش:
1- الكافي ج 5 ص 374 / 375، والبحار ج 16 ص 14 عنه وص 16 عمن لا يحضره الفقيه ص 413، وفي ص 5 عن شرف المصطفى، والكشاف، وربيع الأبرار والإبانة لابن بطة، والسيرة للجويني، عن الحسن والواقدي، وأبي صالح والعتبي، والمناقب ج 1 ص 42، والحلبية ج 1 ص 139، وتاريخ اليعقوبي ج 2 ص 20، والأوائل لأبي هلال ج 1 ص 162 وتاريخ الخميس ج 1 ص 264 والمواهب اللدنية ج 1 ص 39 وبهجة المحافل ج 1 ص 48 والسيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 55.
2- الشورى، الآية: 52.
3- القصص الآية، 86.
4- راجع: تفسير الميزان ج 18 ص 77.
المصدر: كتاب الصحيح من سيرة النبي الأعظم(ص): السيد جعفر مرتضى العاملي، ج2.
وقال في خطبته -كما يروي المؤرخون-: (الحمد لرب هذا البيت، الذي جعلنا من زرع إبراهيم، وذرية إسماعيل، وأنزلنا حرما آمنا، وجعلنا الحكام على الناس، وبارك لنا في بلدنا الذي نحن فيه. ثم إن ابن أخي هذا -يعني رسول الله(ص)- ممن لا يوزن برجل من قريش إلا رجح به، ولا يقاس به رجل الأعظم عنه، ولا عدل له في الخلق، وإن كان مقلا في المال، فإن المال رفد جار، وظل زائل، وله في خديجة رغبة، وقد جئناك لنخطبها إليك، برضاها وأمرها، والمهر علي في مالي الذي سألتموه عاجله وآجله. وله -ورب هذا البيت- حظ عظيم، ودين شائع، ورأي كامل(1)).
نظرة في كلمات أبي طالب:
وخطبة أبي طالب المتقدمة تظهر مكانة الرسول الفضلي في قلوب الناس. وهي صريحة في أن الناس كانوا يجدون في الرسول علامات النبوة ونور الهداية. ويتوقعون أن يكون هو الذي بشر به عيسى وموسى(ع)، وأنه كان لا يوزن به أحد إلا رجح به، ولا يقاس به رجل الأعظم عنه. ثم إن كلمات أبي طالب تدل دلالة واضحة على ما كان يتمتع به بنو هاشم، من شرف وسؤدد، حتى ليقول (رحمه الله) وجعلنا الحكام على الناس. وتدل أيضا على أن العرب كانت تعتبر الحرم موضع أمن للقاصي والداني، وقد تقدم ما يدل على ذلك أيضا. ثم إن حديثه عن فقر النبي(ص)، وإعطاء الضابطة للتفضيل بين الرجال، يدل على واقعية أبي طالب، وأنه ينظر إلى الإنسان بمنظار سام ونبيل، كما أنه يتعامل مع الواقع بحنكة ووعي وأناة.
وبعد، فإن كلماته تلك تدل أيضا على أن قريشا كانت تعتبر انتسابها إلى إبراهيم وإسماعيل، وسدانتها للبيت، كل شيء بالنسبة لها، ولتراجع خطبة أبي طالب (رحمه الله) حين موته، والتي يخاطب بها قريشا، فإنها خطبة جليلة، لا تبتعد عن هذه الخطبة في مراميها وأهدافها.
ودين شائع: ويتسأل بعض المحققين هنا: أنه كيف يمكن الجمع بين قوله: (ودين شائع)، وبين قوله تعالى: «مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ(2)». وقوله: «وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ(3)».
وجوابه:
أولا: إن الآيات ربما تكون ناظرة إلى المراحل الأولى من حياة النبي الأعظم(ص) فهو لم يكن يعلم، ثم علم، وأما متى علم، فالآيات لا تحدد لنا ذلك، فلربما يكون قد علم حينما كان في سن العشرين مثلا، أو قبل ذلك أو بعده.
وثانيا: إن السيد الطباطبائي يقول: إن الآيات ناظرة إلى نفي العلم التفصيلي، أما العلم الإجمالي فقد كان موجودا، لأن عبد المطلب وأبا طالب وغيرهم كانوا مؤمنين بالله، وكتبه إجمالا، والنبي أيضا كذلك(4)، لا سيما إذا قوينا أنه(ص) كان نبيا منذ صغره -كما ذهب إليه البعض- ولسوف يأتي ذلك إن شاء الله تعالى في فصل بحوث تسبق السيرة.
وثالثا: إن من معاني الدين: (السيرة، والتدبير، والورع، والعادة، والشأن)، فلعل القصد في هذه العبارة، كان إلى أحد هذه المعاني.
ورابعا: إن هذه الآيات بمثابة قضية شرطية مفادها: أنه(ص) لولا لطف الله به لم يكن يدري ما الكتاب ولا الإيمان، لأنك أنت بنفسك وبما لديك من قدرات ذاتية لست قادرا على شيء وكذلك هو(ص) لم يكن يرجو ذلك لولا الله سبحانه.
الهوامش:
1- الكافي ج 5 ص 374 / 375، والبحار ج 16 ص 14 عنه وص 16 عمن لا يحضره الفقيه ص 413، وفي ص 5 عن شرف المصطفى، والكشاف، وربيع الأبرار والإبانة لابن بطة، والسيرة للجويني، عن الحسن والواقدي، وأبي صالح والعتبي، والمناقب ج 1 ص 42، والحلبية ج 1 ص 139، وتاريخ اليعقوبي ج 2 ص 20، والأوائل لأبي هلال ج 1 ص 162 وتاريخ الخميس ج 1 ص 264 والمواهب اللدنية ج 1 ص 39 وبهجة المحافل ج 1 ص 48 والسيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 55.
2- الشورى، الآية: 52.
3- القصص الآية، 86.
4- راجع: تفسير الميزان ج 18 ص 77.
المصدر: كتاب الصحيح من سيرة النبي الأعظم(ص): السيد جعفر مرتضى العاملي، ج2.
اترك تعليق