مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

عمر خديجة(ع) حين الزواج

عمر خديجة(ع) حين الزواج


عمر خديجة(ع) حين الزواج

يلاحظ هنا: مدى الاختلاف والتفاوت في عمر خديجة حين اقترانها بالرسول الأكرم(ص). وهي تتراوح ما بين ال‍ 25 سنة إلى الـ‍ 46 سنة وهي على النحو الآتي:
ألف -  25 سنة وصححه البيهقي(1).
ب - 28 سنة. هو ما رجحه كثيرون(2).
ج - 30 سنة(3).
د - 35 سنة(4).
ه‍ - 40 سنة(5).
و - 44 سنة(6).
ز - 45 سنة(7).
ح - 46 سنة(8).
وقد تقدم: أن الكثيرين قد رجحوا القول الثاني، كما ذكره ابن العماد.
أما البيهقي فقد صحح القول الأول، حيث قال: (بلغت خديجة خمسا وستين سنة، ويقال: خمسين سنة، وهو أصح)(9) فإذا كانت رحمها الله قد تزوجت برسول الله قبل البعثة بخمس عشرة سنة كما جزم به البيهقي نفسه(10). فإن ذلك معناه: أن عمرها حين زواجها كان خمسا وعشرين سنة. ورجح هذا القول غير البيهقي أيضا(11).
أما الحاكم، الذي روى لنا القول الثاني المتقدم عن ابن إسحاق، فإنه لم يوضح لنا حقيقة ما يذهب إليه، غير أنه حين روى عن هشام بن عروة قوله: إن خديجة قد توفيت وعمرها خمس وستون سنة. قال: (هذا قول شاذ، فإن الذي عندي: أنها لم تبلغ ستين سنة)(12). فكلامه هذا يدل على أنه يعتبر القول بأنها قد تزوجت بالنبي وعمرها أربعون سنة، شاذ. ويرى: أن عمرها كان أقل من خمس وثلاثين حينئذ، ولكنه لم يبين القول الذي يذهب إليه، هل هو ثلاثون؟ أو ثمان وعشرون؟ أو خمس وعشرون؟
يتيم قريش، أكذوبة مفضوحة: وعن ابن إسحاق: أن خديجة قالت له(ص): يا محمد، ألا تتزوج؟ قال: ومن؟ قالت: أنا. قال: ومن لي بك؟ أنت أيم قريش، وأنا يتيم قريش؟. قالت: اخطب الخ(13).
بل يذكر البعض أن أبا طالب قال للنبي(ص): أخاف ألا يفعلوا، أيم قريش. وأنت يتيم قريش. ثم إن أبا طالب أرسل بدلا عنه حمزة، لأنه خاف إن ذهب بنفسه أن يردوه فتكون الفضيحة(14).
وفي نص آخر: أن خديجة حين طلبت من أبي طالب أن يخطبها لمحمد من عمها، قال أبو طالب لها: (يا خديجة، لا تستهزئي)(15). ونحن لا نشك في كذب كل ذلك؟ إذ كيف يمكن أن يصدر ذلك من رجل يزيد عمره على الخمس وعشرين عاما: أن يصف نفسه بأنه: يتيم. هذا مع العلم بأنه قد نشأ وتربى في أعرق بيت في العرب، فكيف لم يكن يعرف أن اليتيم لا يطلق في لغة العرب إلا على غير البالغ؟!.
وأيضا، فإن صدور ذلك من رجل هو في عقل وإدراك، وشخصية النبي(ص)، والذي هو من أعرق عائلة عربية، وأشرفها، والذي كان في إباؤه وسمو نفسه يفوق كل وصف، ويتجاوز كل حد -إن صدور ذلك منه- يكاد يلحق بالمستحيلات والممتنعات. ثم إنه لماذا اتصف محمد(ص) فقط باليتم؟ مع أن عبد المطلب قد مات وابناه العباس وحمزة صغيران لم يبلغا الحلم(16)؟! والظاهر هو أن هذا من مجعولات أعداء الدين، أو من أهل الكتاب، أو من أذناب بني أمية، الذين كانوا يحاولون الحط من شأن رسول الله(ص).
وهكذا يقال تماما بالنسبة لما ينسب لأبي طالب(ع)، لا سيما وأنه هو نفسه يقرض النبي بذلك التقريض العظيم المتقدم.
ولعل الأصح هو أن القائل لذلك هو نساء قريش، كما سيأتي حين الحديث عن عدم صحة ما يقال من زواجها من رجلين قبله(ص). وهكذا يقال تماما بالنسبة لما يقال: من أن عمها كان يأنف من أن يزوجها من محمد، يتيم أبي طالب(17)؟ فاحتالت هي عليه حتى سقته الخمر، فزوجها في حال سكره، فلما أفاق، ووجد نفسه أمام الأمر الواقع لم يجد بدا من القبول.
وكذا قولهم: إنه(ص) قد دخل على خديجة قبل التزويج، فأخذت بيده فضمتها إلى صدرها(18). إلى غير ذلك من كلام عجيب وغريب، يتناقض تماما مع كل أخلاق وسجايا النبي(ص) وسيرته، فإن كل ذلك كذب، ليس الهدف منه إلا الحط من كرامة النبي(ص) وتنقصه من قبل أعداء الإسلام، ومصائد الشيطان، نعوذ بالله من الخذلان.

الهوامش:
1-  دلائل النبوة للبيهقي ط دار الكتب العلمية ج 2 ص 71 والبداية والنهاية ج 2 ص 294 و 295 ومحمد رسول الله، سيرته وأثره في الحضارة ص 45 وراجع: السيرة النبوية لابن كثير ج 1 ص 265 والسيرة الحلبية ج 1 ص 140.
2- شذرات الذهب ج 1 ص 14 واقتصر عليه في بهجة المحافل ج 1 ص 48 ورواه عن ابن عباس كل من: أنساب الأشراف (قسم حياة النبي (ص) ص 98 وتهذيب تاريخ دمشق ج 1 ص 303 وسير أعلام النبلاء ج 2 ص 111 ومختصر تاريخ دمشق ج 2 ص 275. والبحار ج 16 ص 12 عن الجنابذي. كلهم عن ابن عباس. ورواه في مستدرك الحاكم ج 3 ص 182 عن ابن إسحاق، دون أن يذكر له قولا آخر. وراجع سيرة مغلطاي ص 12 والمحبر ص 79 وتهذيب الأسماء ج 2 ص 342 وتاريخ الخميس ج 1 ص 264 والسيرة الحلبية ج 1 ص 140.
3- راجع: السيرة الحلبية ج 1 ص 140 وتاريخ الخميس ج 1 ص 264 وسيرة مغلطاي ص 12 وتهذيب تاريخ دمشق ج 1 ص 303.
4- البداية والنهاية ج 2 ص 295 والسيرة النبوية لابن كثير ج 1 ص 265 وراجع: السيرة الحلبية ج 1 ص 140.
5- أنساب الأشراف (قسم حياة النبي) ص 98 وسيرة مغلطاي ص 12 والمحبر ص 49 والمواهب اللدنية ج 1 ص 38 و 202 وشذرات الذهب ج 1 ص 14 وتاريخ الخميس ج 1 ص 264 وأسد الغابة (دار الشعب) ج 7 ص 80 والسيرة الحلبية ج 1 ص 140 والسيرة النبوية لدحلان ج 1 ص 55 ط دار المعرفة وراجع: تاريخ الإسلام للذهبي ج 2 ص 152 ومختصر تاريخ دمشق ج 2 ص 275 وتهذيب الأسماء ج 2 ص 342 والطبقات الكبرى لابن سعد ط صادر - ج 1 ص 132، والبحار ج 16 ص 19 و 12 وتهذيب تاريخ دمشق ج 1 ص 303، عن حكيم بن حزام.
6- تهذيب تاريخ دمشق ج 1 ص 303 عن الواقدي.
7- تهذيب الأسماء ج 2 ص 342 ومختصر تاريخ دمشق ج 2 ص 275 عن الواقدي والسيرة الحلبية ج 1 ص 140 وراجع: سيرة مغلطاي ص 12 وتاريخ الخميس ج 1 ص 301 .
8- راجع: أنساب الأشراف (قسم حياة النبي (ص)) ص 98.
9- دلائل النبوة ج 2 ص 71.
10- دلائل النبوة ج 2 ص 72 ط دار الكتب العلمية والبداية والنهاية ج 2 ص 295. وغير ذلك كثير.
11- محمد رسول الله: سيرته، وأثره في الحضارة ص 45.
12- مستدرك الحاكم ج 3 ص 182.
13- السيرة الحلبية ج 1 ص 138.
14- الأوائل لأبي هلال العسكري ج 1 ص 160/ 161.
15- السيرة الحلبية ج 1 ص 138.
16- هذا ما ذكره المحقق البحاثة السيد مهدي الروحاني حفظه الله.
17- السيرة الحلبية ج 1 ص 138 وتاريخ الإسلام (السيرة النبوية) ص 65 ط دار الكتاب العربي، ومسند أحمد ج 1 ص 312 ومجمع الزوائد ج 9 ص 220.
18- السيرة الحلبية ج 1 ص 140.



المصدر: كتاب الصحيح من سيرة النبي الأعظم(ص): السيد جعفر مرتضى العاملي، ج2.

التعليقات (0)

اترك تعليق