مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

كلمة الحاجة عفاف الحكيم في مؤتمر خير أمة عام 2005م

كلمة الحاجة عفاف الحكيم في مؤتمر خير أمة عام 2005م: دور المرأة في تفعيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

كلمة الحاجة عفاف الحكيم في مؤتمر خير أمة عام 2005م: دور المرأة في تفعيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

 

 

بسم الله الرحمان الرحيم

قال تعالى: «وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (سورة آل عمران، الآية: 104).
وعن الرسول(ص): "لا تزال أمتي بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البر. فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات وسلط بعضهم على بعض ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء".

قبل الدخول في الجانب النسائي من موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا بد من تسليط الضوء على جوانب من هذه الفريضة العظمى التي شكلت أحد أهم مرتكزات، وأسس الدور الذي أولاه الإسلام للمرأة، باعتبار أن الإسلام على هذا الصعيد حمل "مشروع إنقاذ"، وكانت ولا زالت خطواته سابقة لخطوات البشر سواء لجهة حقوق المرأة أو مكانتها أو فاعلية دورها.
فإذا كان التراخي أو التقاعس عن واجب القيام بهذه الفريضة قد أورث مجتمعاتنا الإسلامية بشكل عام ومجتمعنا الإسلامي في لبنان بشكل خاص مشاكل ومصاعب وأمراضاً وهموماً بات حلّها يتطلب الكثير، فإن المرأة التي تتحمل نصيباً من الوزر، عليها -من موقع الشّراكة- أن تكون مستعدة للمساهمة، بل يقِظة تماماً من أجل أن تكون أمة رسول الله بخير.
وإنه بالعودة إلى تلك الطروحات المتميّزة التي حملتها الرسالة الإلهية الخاتمة، والتي حفرت بالعمق قبل أربعة عشر قرناً -يوم كانت البشرية تئن من وطأة الظلم والظلمات- نرى بأن الإسلام منذ ذلك التاريخ قدّم مشروعه الحضاري الذي نظر إلى إنسانية المرأة والرجل من منظار واحد في مسألة التكوين، ومسألة المسؤولية بحيث نجد:
 في المسألة الأولى أنه بنى كل مفاهيمه وتشريعاته الخاصة بالمرأة وعلاقاتها بالمجتمع وبالرجل تحديداً، منطلقاً من قاعدة علمية أساسية ونظرة واقعية تكوينية تقوم على أساس الإيمان بوحدة النوع الإنساني، وبأن الناس جميعاً ينتمون إلى أصل بشري واحد ويشتركون في حقيقة واحدة هي الإنسانية، وحيث لا فرق بين فرد وفرد باعتبار أن حقيقة إنسانية الإنسان هي بروحه التي لا تخضع للمذكر والمؤنث. وليست بالجسد الذي ليس إلا وسيلة.
 وفي المسألة الثانية نجد أنه توجه إلى الإنسان الرجل والإنسان المرأة وحملهما معاً، وبنفس المستوى مسؤولية النهوض بالأمانة إعماراً للأرض وإيجاداً للمجتمع العابد العادل فيها. كما حمّلهما معاً وبنفس المستوى مسؤولية الانحراف والاستقامة، ووزع بينهما الأدوار والمهمات على أساس التكامل، ودعاهما معاً إلى صنع حركة الحضارة، مشيراً وموضّحاً إلى أنه في الإطار العام ليس لدى الإسلام مفاهيم وتشريعات خاصة برجل وأخرى خاصة بامرأة إلا بحدود ما يتعلق بطبيعة النوع في كل منهما.
قال تعالى: في سورة الأحزاب/ آية 72 «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ»، وفي سورة التوبة الآية/71 «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ..».
بهذا المستوى من الوضوح والواقعية، خاطب الإسلام المرأة في الأمة عاملاً على انتشالها من محدودية موقع الأنثى ليدفع بها الى الأفق الأرحب كإنسان ويجعلها كما الرجل مسؤولة عن النفس والناس. فالتشريع الإلهي بيّن أن المرأة المؤمنة كما الرجل المؤمن هي بمتقتضى هذه الفريضة التي اعتبرها الإسلام السياج الواقي لكل العبادات والقوانين والأخلاق والمبادئ والقيم في المجتمع الإسلامي. تملك بسط عملية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على مجتمعها برجاله ونسائه، وهي بمقتضاها أيضاً حمّلت المسؤولية الاجتماعية والسياسية تجاه مجتمعها، وحمّلت أيضاً مسؤولية وواجب النهوض لخدمة مجتمعها بكل ما تتسع له كلمة  المعروف من خير ومنفعة، ومسؤولية وواجب دفع المنكرات والسوء عنه بكل ما يشمله المنكر من ضرر وخطر.

ويكفي للإحاطة بسعة هذا الدور أن نلتفت لما عرّف به الفقهاء لكلمتي المعروف والمنكر، إذ جاء:
أنّ المعروف: هو كل ما أوجبه الإسلام من إعانة الناس إلى تبليغ الرسالة.
وأنّ المنكر: هو كل ما حذّر منه الإسلام وهو كل فساد في الأرض.


ولو جرى التأمل في ما تقدمن فلا بد أن نصل:
أولاً: إلى أن الإسلام على ضوء ما تقدم يعطي المرأة كما الرجل دوراً مهماً في ملاحظة وإدارة الوضع الاجتماعي والسياسي عبر هذه الفريضة الإسلامية التي يتعبد بها المسلم والمسلمة لله تبارك وتعالى، إضافة إلى أنه لا يجيز لها أن تكون رقماً سالباً في قضايا أمتها ومجتمعها. بل يجعلها ملزمة إلزاماً شرعياً إلى جانب دورها الأسري، بأن تؤدي دورها الإسلامي الأصيل في حماية المجتمع  وبنائه في مختلف الميادين الحياتية.
ثانياً: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو مسؤولية الرجل والمرأة على حدٍّ سواء -كما تؤكد الآيات الكريمة- واضح أنه:
 ثورة دائمة لتعطيل كل فساد.. وإقامة العدل في كل الميادين.
 ثورة تشمل اللامبالاة، واللامسؤولية، واغتصاب الحقوق، وسوء استخدام الثروات من قبل الحكام المنحرفين.
 ثورة من أجل تبليغ الرسالة كما هي وبكل الوسائل. وتغيير الواقع الفاسد إلى واقع يرضي الله تعالى.
 ثورة لإنكار الظلم أينما وجد ومنع إقراره أو السكوت عليه.
 ثم لو نظرنا في ما هو أبعد من طرح النظرية وتأملنا في وقائع هذه الفريضة، وعشنا مع القول الذي لخّص به الإمام الحسين(ع) خروجه المبارك: "إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر"، لأدركنا أبعاد التصدي لهذه المسؤولية والواجب الشرعي، ولعرفنا ضخامة الأمانة إلى حملها الإنسان (الإنسان الرجل والإنسان المرأة)، ولانتفض الكل من موقع المسؤولية تفاعلاً مع هتاف الله تبارك وتعالى: «لكل وجهة هو موليها».


◊ تفعيل دور المرأة في إحياء الفريضة:
إذا كانت العناية الإلهية قد ربطت بين خيرية هذه الأمة وبين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعلى الفرائض الاسلامية التي يتعبد بها المسلم والمسلمة لله تبارك وتعالى بصفتها أحد أهم الواجبات الكفائية -التي قد تتحول إلى عينية في بعض الموارد- والملقاة على عاتق الأمة رجالاً ونساءً.
وإذا كانت الحضارة الإسلامية -كما نعلم- قد بدأت بالضعف والانحلال منذ تركت الأمة واجب القيام بهذه الفريضة، وكان حظ كل مجتمع مهما بلغ من تقدم هو التراجع والارتكاس إن تراخى أو تهاون في أدائها،
وإذا كانت السنة المطهرة قد حفلت بالأحاديث الشريفة التي أكّد فيها رسول الله(ص) على ضرورة النهوض بهذا الواجب العظيم: "من بات ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم"، "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته". وكان أمير المؤمنين(ع) قد بين لنا أن "غاية الدين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود" (ميزان الحكمة ج3، ص371)، وأن "أول الدين معرفته وكمال معرفته التصديق به وكمال التصديق به توحيده" (نفس المصدر)، وأن "ثمرة العلم العمل. وثمرة العلم العمل للحياة. وثمرة العلم العبادة. وثمرة العلم إخلاص العمل" (ميزان الحكمة ج1، ص71).

فإن تفعيل دور المرأة في مجتمعاتنا بشكل عام، إنما يتوقف على مناخات التوعية والتي في أولوياتها تهيئة سبل العلم، وخصوصاً العلوم الدينية التي لا بد أن تتوفر عبر برامج ونشاطات الهيئات النسائية والمعاهد والحوزات.. مضافاً إليه تعزيز التصدي للأمية والجهل ونتائجهما السلبية في حجب المعرفة وتقليص مستوى الوعي.

◊ دور الهيئات والمعاهد والحوزات النسائية في تفعيل هذه الفريضة:
تملك الهيئات النسائية والمعاهد والحوزات معطيات جمّة لجهة تفعيل فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مجتمعنا. باعتبار أن حركتها اليومية على تماس مباشر مع المحيط أو الساحة الواسعة من حولها وإلى هذا فهي تملك المقبولية والاحترام. يبقى أنّ عليها أن تحسن نظم دورها وتعمل على توفير احتياجاته منها، مثل:
أ‌- خطة شاملة تحدد فيها الأهداف والسياسات والجهات والبرامج والآليات. إضافة إلى جدول أولويات بحسب الأهمية والخطورة.
ب‌- وضع خطط مرحلية واستراتيجية للتعاطي.
ج‌- وضع برنامج متكامل من الأنشطة الثقافية يتضمن:
 القيام بإحصائية شاملة لنقاط القوة والضعف والاحتياجات.
 تعزيز أوضاع المعاهد ونشرها في سائر القطاعات.
 تعزيز الحوزات وإقامتها في سائر المناطق.
 توفير برامج في المعاهد والحوزات خاصة بالجامعيات (والتحفيز على الجمع بين العلوم الحوزوية والعلوم الجامعية).
 الاهتمام بالقرآن الكريم.
 الاهتمام بمحو الأمية.
د‌- وضع برنامج متكامل من الأنشطة الاجتماعية والترفيهية يتشكل من البدائل الصالحة لمواجهة الأنشطة والبرامج المفسدة.
 مسابقات علمية دينية وفنية ثقافية.
 رحلات موجهة.
 بلورة طموحات الكثيرات بالمشاركة في الأنشطة العامة (كعمل المؤسسات الإنسانية الإسلامية): مساعدة معوقين ومسنين وأيتام ومحتاجين ممن لا معيل لهم عبر لجان في البلدات والقرى.
 تنفيذ برامج وأنشطة وإنشاء منشآت تستهدف احتضان الفتيات وجذبهن.


◊ أخيراً لا بد من وقفة يسيرة مع بيان الضوابط الشرعية والأساليب الناجعة لأداء المرأة لهذه الفريضة:
إن مسألة الالتزام بالضوابط الشرعية في عملية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي بمثابة العمود الفقري لمختلف جوانب وأبعاد العمل وعليها يتوقف استمراره، باعتبار أن اتباع الأساليب المناسبة والمنسجمة مع روح الشريعة والتي يأمر بها الشرع  والعقل واللياقة العامة هي مسألة أساسية وهامة خصوصاً في مجتمع تعددي مثل لبنان.
من هنا فإن القيام بواجب هذه الفريضة يجب أن يرقى في أذهاننا وعقولنا ووجداننا بحيث يصبح هذا المحور لدينا كثغر من ثغور الإسلام تماماً كما هو عمل المقاومة التي لا تتراخى مع وجود محتل.
ومجتمعنا اليوم لو تأملنا فيه لرأينا أن أكثر الفساد والمشاكل الاجتماعية والشخصية والعامة وحتى بعض الأمراض، كلها ناجمة عن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعن احتلال الأفكار الفاسدة لمساحة شاسعة من ذهنية الناس في مجتمعنا.

من هنا فإن التي تنهض لتكون في عداد فعاليات هذا العمل العظيم لا بد لها:
 أن تمتلك معرفة حدود الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا يجوز أن تخوض فيما لا يجوز الخوض فيه، أن توجب ما ليس بواجب أو تنهى عمّا ليس بحرام. فالتي تبادر لأداء هذه الفريضة عليها أن تكون مطلعة عارفة بحدود الحلال والحرام (وهنا تكمن أهمية توفير الحوزات والمعاهد كمقدمة بديهية لهذه الفريضة..)
 أن تكون كالطبيبة المعالجة المشتعلة بالرأفة والرحمة للناس والحريصة على شفائهم بحيث تعيش شمولية الرحمة وأسبقيتها، وأن الرحمة دائماً يجب أن تسبق الشدة متذكرة قول الله تعالى عندما أرسل موسى وفرعون إلى هارون الذي علا في الأرض ووضع نفسه موضع الإله، ومع ذلك فإن الله عز وجل ابتدأه بالقول اللين: «اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى» (سورة طه، الآيات: 43-44).
 أن نركز على الجانب الإيجابي "الأمر بالمعروف" والذي يعني الأمر بالخير وليس كما يتبادر للبعض أنه فقط نهي عن الخطأ والمنكرات.
 أن نركز على قول الرسول(ص) "إنّا معاشر الأنبياء أمرنا أن ننزل الناس منازلهم ونخاطبهم على قدر عقولهم". فمنهجية -كل بحسبه- في التعاطي مع الآخرين ضرورية جدّاً لها، كي تتعاطى مع كل شريحة بالعمق المطلوب، والإسلام ترك لنا العديد من الإرشادات في هذا المجال.
 الالتفات إلى الحالة التعبدية والأخلاقية وسلاسة الأسلوب فإنها مؤثرة جداً في نوعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
 إدراك الفرق بين التبليغ والتوعية. فالتبليغ هو مجرد إعطاء نظرية ولكن التوعية هي تحويل سلوك الإنسان عملياً من سلوك في طريق الانحراف إلى سلوك طريق الخير، فالمسألة ليست مجرد إعطاء العلم بأن هذا حرام، وتبرئة الذمة، بل يجب المحاولة والمساعدة لجعل الآخر يبتعد عن هذا الحرام، أو أن نجعله يتلهف لفعل الواجب وفعل ما أمر به الله تعالى وهنا لنلاحظ تعبير النبي(ص) للإمام علي(ع): "يا علي لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً هو خير مما طلعت عليه الشمس". فهداية أخت تعتبر أفضل من كنوز الأرض وخيرات الدنيا.
 فالمسألة هي أن نحمل هم الآخر، هم المنحرف والجاهل والضال. يخاطب القرآن الكريم النبي(ص): «ولا تذهب نفسك عليهم حسرات»، الرسول(ص) كان يتألم حين ألقوا عليه الحجارة، كان يبكي عليهم هؤلاء لا على نفسه "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ما يفعلون".
 إن مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليست مجرد إلقاء قول بل تنطلق من حالة غيرة ورأفة على هذا الإنسان، فالإمام علي(ع) بكى أيضاً على أعدائه لأنه كان يرى أنهم سيكونون طعماً للنار وسيدخلونها بسببه وبسبب انحرافهم، وهكذا الإمام الحسين(ع) في كربلاء وبقية الأئمة(ع).
والحمد لله رب العالمين

كلمة القتها الحاجة عفاف الحكيم في مؤتمر خير أمة عام 2005م

التعليقات (0)

اترك تعليق