مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

خديجة(ع) مثل أعلى

خديجة(ع) مثل أعلى



جاء في رواية اليعقوبي عن عمار بن ياسر ما يفيد أن خبر سفر النبي بأموال خديجة إلى الشام وأن خديجة أحبته حيث حدثها غلامها ميسرة بأخباره، وأنها بعثت إلى النبي(ص) فعرضت نفسها عليه... كان هذا قد شاع في الناس يومذاك فكانوا يقولون: إنها استأجرته بشيء من أموالها، وكان عمار بن ياسر يقول: "أنا أعلم الناس بتزويج رسول الله خديجة بنت خويلد... أنه ما كان مما يقول الناس أنها استأجرته بشيء، ولا كان أجيرا لأحد قط... بل كنا نمشي يوما بين الصفا والمروة إذ بخديجة بنت خويلد وأختها هالة، فلما رأت رسول الله جاءتني هالة أختها فقالت: يا عمار ما لصاحبك حاجة في خديجة؟
قلت: والله ما أدري.
فرجعت فذكرت ذلك له، فقال: ارجع فواضعها وعدها يوما نأتيها فيه، ففعلت.
فلما كان ذلك اليوم أرسلت إلى عمرو بن أسد (عمها) وطرحت عليه حبرا ودهنت لحيته بدهن أصفر... ثم جاء رسول الله في نفر من أعمامه، يتقدمهم أبو طالب، فخطب أبو طالب فقال.
ثم روى الخطبة المذكورة ثم قال: فتزوجها وانصرف(1).
هذا، ولم يرد لفظ الاستيجار فيما نعلم من الأخبار الا في أخبار ثلاثة: الأول: ما رواه الصدوق في (إكمال الدين) بسنده إلى بكر بن عبد الله الأشجعي عن آبائه: أن رفاق رسول الله في سفره إلى الشام قالوا لأبي المويهب الراهب عنه: أنه يتيم أبي طالب أجير خديجة (2).
ورواه ابن شهرآشوب في (المناقب) (3).
الثاني: ما ساقه ابن شهرآشوب في "المناقب" أيضا قال: كانت خديجة قد استأجرت النبي(ص) على أن تعطيه بكرين ويسير مع غلامها ميسرة إلى الشام(4).
الثالث: ما رواه الدولابي الحنفي في "الذرية الطاهرة" بسنده عن الزهري قال: لما استوى رسول الله وبلغ أشده -وليس له كثير مال- استأجرته خديجة -بنت خويلد إلى سوق حباشة- وهو سوق بتهامة واستأجرت معه رجلا آخر من قريش.
فقال رسول الله: ما رأيت من صاحبة لأجير خيرا من خديجة(5) ورواه الطبري في تأريخه عن ابن سعد صاحب الطبقات بسنده عن الزهري أيضا، لكنه عقبه يقول: "قال محمد بن سعد: قال الواقدي: فكل هذا مخلط"(6).
بالنسبة لعرض خديجة نفسها عليه(ص) نقول: هكذا، تفعل الحرة العاقلة اللبيبة، فلا تغرها زبارج الدنيا وبهارجها، ولا تبحث عن اللذة لأجل اللذة، ولا عن المال والشهرة، وإنما تبحث عما يخدم هدفها الأسمى في الحياة، فتفعل -كما فعلت خديجة- ترد زعماء قريش، أصحاب المال والجاه، والقدرة، والسلطان، وتبحث عن رجل فقير لا مال له، تبادر هي لعرض نفسها عليه، لأن كل ذلك لا يملأ عينها، لأنه كله ربما يكون سببا في تدمير الحياة والإنسان، وحتى الإنسانية جمعاء. وإنما هي تنظر فقط إلى الأخلاق الفاضلة، والسجايا الكريمة، وإلى الواقعية في التعامل، والسمو في الهدف. لأن كل ذلك هو الذي يسخر المال، والجاه، والقوة، وكل شيء لخدمة الإنسان والإنسانية، وتكاملها في الدرجات العلى.


الهوامش:
1- اليعقوبي 2: 20 والبداية والنهاية: 295. ونقل الخبر محقق البحار المرحوم الرباني الشيرازي بهامش البحار 16: 19 وعلق عليه يقول: "قلت: فيها غرابة وشذوذ، ولم يرد ذلك من طرق الإمامية بل ورد من طريق لا يعتمد عليه" وذلك لأنه يشتمل على أن خديجة سقته ذلك اليوم، أي الخمر، فلما أصبح أنكر ثم أمضاه!.
2- كشف الغمة 2: 135، 136. وذكر مثله الطبرسي في إعلام الورى: 139.
3- إكمال الدين: 186.
4- مناقب آل أبي طالب 1: 41 ط قم.
5- الذرية الطاهرة: 49 ورواه الأربلي في كشف الغمة 2: 135، 136 ط تبريز عن كتاب "معالم العترة النبوية" للجنابذي الحنبلي بسنده عن الزهري أيضا. وذكر مثله الطبرسي في إعلام الورى: 139 ط النجف.
6- الطبري 3: 281، 282.


المصادر:
1- موسوعة التاريخ الإسلامي: محمد هادي اليوسفي، الطبعة الأولى، مؤسسة الهادي - قم، ربيع الثاني 1417. ج1.
2-
كتاب الصحيح من سيرة النبي الأعظم(ص): السيد جعفر مرتضى العاملي، ج2.

التعليقات (0)

اترك تعليق